بياريت قطريب: نص المسلسل وإخراجه يسبقان بأهميتهما الدور

أجَّلت الفرص تقدّمها نحو بياريت قطريب إلى ما بعد الانتقال من تخصّص إلى آخر. دراستها للمسرح لم تضعها سوى أمام خيوط ضوء ضئيلة وفّرتها الإعلانات. تعلّمها الترجمة كرد فعل على الانتظار أمام أبواب لم تُفتح، حمل معه ما كان مُخبّأ لها. بدأت من «LBCI» في سنتها الجامعية الأخيرة بفرصة التمثيل الأولى. ثم شكّل المسلسل الكوميدي «عبدو وعبدو» (جورج خباز ويورغو شلهوب - 2003) منعطفاً تتضح بعده الوُجهة.
أمسك المسلسل التاريخي «نضال» (2007) بيدها نحو الدراما الاجتماعية ذات البعد الوطني. اكتملت أضلع المثلث: إعلانات وتمثيل وحضور إعلامي لا يزال يذكره متابعو برنامج «أخبار الصباح» على «تلفزيون المستقبل» المنكفئ عن النشاط.
تستعيد المحطات مع «الشرق الأوسط» منذ بدايتها في تصوير الإعلانات، «وقد علّمتني الصبر أمام الكاميرا»، إلى الإعلام فالتمثيل المتدفّق بعد جفاف. كان العام الماضي عامها، خلاله قدّمت أدواراً وتنقّلت في مسلسلات آخرها «ضوّي يا شموع»، رجاء الإنسانية في زمن الميلاد. بالنسبة إليها، «المسؤولية واحدة على الممثل، سواء أقدّم شخصيات أحبّها أم بقي منها على مسافة خالية من الكيمياء. في الحالة الأخيرة، أشاهد نفسي وأجلدها، على عكس أدوار أنسجم معها من تلقائي، بصرف النظر أأشبهها أم لا».
توفرت العناصر في «ضوّي يا نجوم»، مُحلّاة بلمسة إنسانية. سبق والتقت كاتبته ديدي فرح في «تليتون» لجمع تبرعات تنقذ أرواحاً وتنتشل أطفالاً من آلامهم.
وحين عرضت عليها دور ميرنا، مسؤولة العلاقات العامة في مستشفى يخفف عن الصغار خبث المرض، لم تتردد: «شعرتُ بحاجة إلى العطاء، لا لغرض مادي ولهدف الشهرة، بل لأنّ شيئاً في داخلي تحرّك فأطلق نداءً استجبتُ له».
تشدد طوال الحديث على ما تراه الأهم: «كيفية كتابة النص وتنفيذه. المخرج إما يرفع العمل أو يراقب سقوطه. والممثلون في المشهد الواحد إما يجرّونه نحو العفوية أو الافتعال». وتُبيّن شقاء يتعرّض له الممثل: «نصوّر أحياناً لساعات في مسلسل، وفي اليوم التالي ننهض باكراً من أجل التصوير الطويل في مسلسل آخر. نعمل باستمرار، وإن حلّ التعب وتمكّن الإرهاق من الجسد. لا ذنب لمشروع إن أُجهد الممثل مع سواه. ولا نحمّل بدورنا مسلسلاً ما يكبّدنا إياه مسلسل آخر. إنه الالتزام».
ذلك مُرفق بحالة نفسية لعلّها أشدّ شقاء: «أن أكون في دور صوّرته لساعات أمس، فأدخل بآخر في اليوم التالي». تجيب على سؤال «والحال هذه، كيف تفصلين؟»: بوصولي إلى التصوير، أخلع الرداء وأستبدله. يسهّل انضباط الـSet المهمّة، ومع ماكياج الشخصية وملابسها، أشعر بها. عندها أنفرد بنفسي، أعيد قراءة المشهد، أنظر إلى الممثلين، فأفصل ما كنته عما يجب كونه».
بياريت قطريب تقرأ النص كاملاً لإغناء شخصيتها بالأحداث والخلفيات. تشبّه الأمر بالحياة: «لا أحد يعرف ماذا سيحدث غداً أو بعد الظهر، لكن لدينا من التراكم ما يخوّل فهم طبيعة المزاج اليوم. يحدث ذلك، لأنه مسبوق بهذا وذاك. العمل المعمّق على النص وإدراك مسار الشخصية وسلوكياتها وأفكارها، يتيح حفظ الدور لمجرد الاطلاع عليه».
تسجّل ملاحظاتها خلال القراءة وتُبقي النقاش مفتوحاً مع الكاتب والمخرج: «الهدف هو التحسين. أحياناً لا أستطيع النطق بجملة مكتوبة على نحو معقّد لعلمي أننا في حواراتنا نلجأ إلى تعبير أكثر سلاسة. تريحني المصارحة خلال التصوير وغالباً ألقى التفهّم».
ليست المشكلة عند قطريب تكرار الشخصية نفسها غير مرة، فـ«الأهم كيفية التقديم». نوجّه نقداً لما يبدو أنه راح يتكرّس: وجهها الهادئ طوال الوقت، رغم الانفجارات الداخلية. أهكذا هي في يومياتها، تغضب وتُخزّن الغضب؟ تعترض وتمتصّ الاعتراض؟ تجيب بأنها العكس، فإن غضبت تطاير منها الغضب ولاقى وجهها ما تعتصره الأعماق. إذن، لِمَ الوضع على حاله في الدراما؟
تؤيد ضرورة أن يطفو السخط على الملامح، وبما يبدو دفاعاً عن شخصياتها، تقول: «في السابق، أُلحقت بي أدوار المرأة الضحية الميّالة إلى الضعف. المرأة في أدواري الأخيرة سجّلت مواقف. حتى توليب (شخصيتها في مسلسل «التحدي سر» المقعدة على كرسي متحرك، خبأت تخبطاتها داخل الهدوء الظاهر، وهي تضع نقطة أخيرة على علاقتها بزوجها. الموقف هنا أقوى من التعبير».
يثقلها «التأطير» وما قلنا إنه التشابه: «اعتذرتُ على أدوار تصقل الصورة النمطية. هذه مسؤولية شركات الإنتاج أيضاً. بمجرد أن يُبدع ممثل في دور، حتى تنهال عليه أدوار مشابهة. كأنه إن نوَّع، فشل. الثوب الواحد غير صحي، والتكرار في النهاية، مضرّ».
تتكتّم عن مسلسل أنهت تصويره من إخراج مازن فياض. اسمه «الوردة السوداء» وعدد حلقاته سبع. وهو لبناني بمشاركة مصرية. «التركيبة حلوة، وأرجو ألا أُسأل عن مزيد من المعلومات، خصوصاً عن الدور»، تُنهي الكلام حوله بضحكة. حتى الآن، لا أدوار أخرى تفلش ورقها وتستعد لها. اعتادت في الآونة الأخيرة أن تصلها الأعمال من طريق الصدفة: «اليوم أصوّر مسلسلاً، وغداً يُعرض علي آخر. المفاجأة تقودني، وهذا جيد بقدر ما هو سيئ».