الشعور ببرودة الشتاء... كيف تتعامل معه؟

يختلف من شخص لآخر

الشعور ببرودة الشتاء... كيف تتعامل معه؟
TT

الشعور ببرودة الشتاء... كيف تتعامل معه؟

الشعور ببرودة الشتاء... كيف تتعامل معه؟

يختلف الناس في «الشعور» ببرودة أجواء الشتاء، حيث إنها لدى البعض قد تثير الانزعاج والمعاناة، وربما المتاعب الصحية، بينما تبعث تلك الأجواء لدى البعض الآخر المزيد من النشاط والمتعة في الحياة اليومية.

الشعور بالبرد

الإنسان، من أي بيئة كانت، يعيش أكثر راحة عندما تكون درجة حرارة الأجواء ما بين 20 درجة مئوية إلى 25 درجة مئوية. ومع ذلك، تشير المصادر الطبية إلى أن مدى تقبل جسم الإنسان الطبيعي (السليم من أي أمراض مزمنة) للبرودة يرجع بالأصل إلى كفاءة قدرة «التكييف البيئي» لديه. ونلاحظ أن الأشخاص الذين يعيشون في بيئة باردة، لديهم قدرة أكبر على «تقبّل» درجات الحرارة المنخفضة في فصل الشتاء، مقارنة بأولئك الذين يعيشون غالب أوقات السنة في أجواء حارة أو معتدلة.
وتضيف تلك المصادر الطبية أن مقدار «شعور» الجسم بدرجة حرارة الأجواء، يختلف وفقاً لعدد من العوامل داخل الجسم وفي البيئة المحيطة به. ومن عوامل البيئة المحيطة، فإن ذكر أخبار الطقس رقماً معيناً (كمقدار لدرجة حرارة الأجواء) لا يعني بالضرورة أن جميع الناس سيشعرون بمقدار واحد من البرودة في أجسامهم. كما أنه لا يعني أيضاً أن الناس في مدينة معينة، سيشعرون بنفس مقدار برودة الأجواء في مدينة أخرى بعيدة عنها، وفيها نفس درجة حرارة الأجواء.
وتوضح تلك المصادر الطبية أن هناك ثلاثة عوامل بيئة، لها تأثير مباشر على مقدار «شعور» الجسم بدرجة حرارة الأجواء التي يوجد فيها، وهي: درجة حرارة الهواء، ومقدار نسبة رطوبة الهواء، وشدة سرعة الرياح. ولذلك تذكر بعض نشرات أحوال الطقس رقم «مؤشر الحرارة» Heat Index، الذي يدمج مقدار درجة الحرارة ونسبة رطوبة الهواء، كي يُعطي مؤشراً على مقدار درجة الحرارة التي يشعر الجسم بها.
وكمثال، حينما تكون درجة الحرارة 10 درجات مئوية في مكان ما، مع ارتفاع نسبة الرطوبة في الهواء، فإن «مؤشر الحرارة» يكون أعلى (أكثر دفئاً) من مكان آخر درجة الحرارة فيه 10 درجات مئوية مع انخفاض في نسبة رطوبة الهواء. وثمة عدة تفسيرات فسيولوجية لاختلاف شعور المرء بالبرودة في المكانين. أهمها هو أن الرطوبة العالية في الأجواء تُقلل من نشاط تبخر العرق من الجسم، وبالتالي لا يبرد الجسم سريعاً. وذلك مقارنة بسهولة تبخر العرق في الأجواء الجافة، وتسبب ذلك بمزيد من الشعور بالبرودة في الجسم.
ومع زيادة سرعة الرياح، يزداد الشعور بالبرودة، وهو ما يُسمى «درجة حرارة الرياح» Windchill Temperature. حيث تتسبب شدة الرياح (الباردة) في زيادة معدلات إزاحة الهواء الدافئ المُغلف للجسم، وبالتالي يزداد الشعور بالبرودة. والعكس صحيح.
ويذكر الأطباء من مايوكلينك أنه كلما زادت سرعة الرياح الباردة، زاد تعرض الجسم لدرجات أكثر انخفاضاً. ولذا حتى مع تساوي رقم مقدار انخفاض درجة حرارة الطقس، فإن مقدار البرودة التي يشعر بها الشخص الموجود في مناطق صحراوية جافة تختلف عن مقدار البرودة التي يشعر بها شخص يُقيم في مناطق جغرافية رطبة.

الحرارة الجوفية

كما تذكر المصادر الطبية أن هناك اختلافا فيما بين «انخفاض حرارة جوف الجسم» Core Body Temperature وبين «زيادة الشعور الذاتي بالبرودة». وتوضح ذلك بأن المرء الطبيعي قد يشعر بالبرودة المزعجة في أجواء الشتاء الباردة، ولكن تكون درجة حرارة جوف جسمه ضمن المعدلات الطبيعية. وبالمقابل، قد يحصل انخفاض شديد في حرارة الجسم عند الوجود في أجواء باردة، ومع ذلك لا يشعر الشخص بتلك البرودة الشديدة، وبالتالي لا يتنبه إلى ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تدهور حالة جسمه نتيجة ذلك الانخفاض في حرارة جوفه. وهذه الحالة لها أسباب متعددة. وهناك حالة ثالثة، تكون فيها درجة حرارة الأجواء معتدلة جداً ودرجة حرارة الجسم طبيعية جداً، ومع ذلك يعاني الشخص من الشعور بالبرودة الشديدة، ويظل يبحث عن الدفء آنذاك. وهي أيضاً حالة لها أسباب متعددة.
وما يهم في أجواء الشتاء الباردة هو أن انخفاض درجة «حرارة جوف الجسم» إلى 35 درجة مئوية وما دون، هو حالة طبية إسعافية تُسمى «انخفاض حرارة الجسم» Hypothermia. وغالباً ما تحصل نتيجة فقدان كمية كبيرة من الحرارة الداخلية للجسم. وهذا الفقد الحراري له آليات وأسباب متعددة. وانخفاض درجة «حرارة جوف الجسم» يختلف عن الإصابة بالبرد الموضعي أو الطرفي Peripheral Cold Injury، الذي قد يعتري أحد أجزاء الجسم، جراء التعرض المباشر لبرودة الطقس، نتيجة إما تدني قدرة الجسم على مقاومة ذلك، أو عدم حرص المرء على حماية نفسه من البرودة في تلك المناطق من جسمه.
وجسم الإنسان غير مزود بالفراء، كما في كثير من المخلوقات. وعليه أن يُنظم درجة حرارته للحفاظ على ذلك «التوازن الضيق» بين «اكتساب» و«فقدان» الحرارة. أي أن على الجسم البشري تنشيط عمليات توليد الحرارة وضبط عمليات تسريبها، للحفاظ المتواصل على درجة «حرارة جوف الجسم» ضمن المعدلات الطبيعية التي تتراوح ما بين 36.5 و37.5 درجة مئوية. وتعمل منطقة دماغية تُسمى «ما تحت المهاد» Hypothalamus، مثل ترموستات Thermostat للجسم، عبر التفاعل طوال الوقت مع الرسائل العصبية التي تأتيها من مستقبلات عصبية حرارية Temperature Receptors منتشرة في جميع أنحاء الجسم، مهمتها متابعة درجات الحرارة في مناطق الجسم المختلفة. وبناء على ما يتجمع لديها من معلومات، تقوم منطقة «ما تحت المهاد» بإرسال التعليمات اللازمة لإجراء عدد من العمليات الفسيولوجية للحفاظ على درجة حرارة ثابتة لجوف الجسم.
وعندما يوجد المرء في أجواء الطقس البارد، قد تنخفض درجة حرارة جوف الجسم لأسباب عدة. ويتم تصنيفها إلى أسباب «أولية» Primary Hypothermia (سلوكية)، وأخرى «متقدمة» Secondary Hypothermia (جسمية). ومن أمثلة الأسباب «الأولية»، عدم ارتداء ملابس كافية، أو البقاء في البرد لفترة طويلة. ومن أمثلة الأسباب «المتقدمة»، الإصابة ببعض الأمراض أو الحالات الصحية التي تتسبب بضعف قدرة توليد الحرارة في الجسم أو بعدم الشعور بالبرودة أو بانخفاض قدرة حفظ حرارة الجسم. كالإرهاق البدني نتيجة عدد من الأمراض المزمنة والمُعيقة عن قدرة الحركة والنشاط والاهتمام بالتغذية. ولكن بالمقابل، هناك أمراض عصبية وغير عصبية، تعيق قدرة الجسم على تنظيم درجة الحرارة، أو التي يختل فيها ضبط الإحساس بالبرودة ضمن النطاق الطبيعي لذلك «الشعور». ومن أمثلتها التقدم في العمر، أو تدني كتلة العضلات في الجسم، أو كسل الغدة الدرقية، أو سوء التغذية، أو فقر الدم، أو مرض السكري، أو السكتة الدماغية.

الملابس الملائمة للشعور بالدفء في أجواء الشتاء

> متابعة تنبؤات تغيرات الطقس ودرجات الحرارة وبرودة الرياح، وتحديد وقت الخروج من المنزل في الطقس البارد، هو الخطوة الأهم في الوقاية من المعاناة من برد الشتاء. ويقول أطباء مايوكلينك: «قم بالانتباه لتوقعات الطقس، حتى تستطيع الحفاظ على سلامتك وتمتعك بالدفء».
وبالإضافة إلى الاهتمام بالتغذية الجيدة والحرص على تناول السوائل بكميات كافية وتدفئة حجرات المنزل (خاصة بالليل)، يُمكن تفادي المعاناة من البرودة في أيام الشتاء، وتدفئة الجسم بطريقة مريحة وممكنة، عبر ارتداء ملابس ملائمة، للتدفئة في فصل الشتاء. والأهم عند الوجود في المنزل هو ارتداء «طبقات» من ملابس فضفاضة ودافئة. لأن الهواء الدافئ المحبوس بين طبقات الملابس الفضفاضة تلك، يعمل كعازل من البرد.
وعند الخروج من المنزل، أو ممارسة النشاط البدني خارج المنزل، فإن من الضروري ارتداء ملابس خارجية ملائمة وواقية من البرد والرياح والماء. ولكن عند الخروج لممارسة التمارين الرياضية، تجدر ملاحظة ما ينصح به أطباء مايوكلينك بقولهم: «يُعتبر ارتداء الكثير من الملابس لتشعُر بالدفء خطأً كبيراً عند ممارستكَ التمارين في الطقس البارد. ارتدِ طبقات من الملابس يمكنكَ خلْعها بمجرد أن تبدأ في العرق، ثم إعادة ارتدائها عند الحاجة. ارتدِ أولاً ملابس من طبقة رقيقة مصنوعة من مادة صناعية كالبولي بروبلين والتي تُبعد العرق عن جسمكَ. وتَجنَّب القطن الذي يبقى رطباً مقابل جلدكَ. ارتدِ الطبقة التالية من الملابس المصنوعة من الصوف لتبقى كعازل. ارتدِ فوقها طبقة خارجية من الملابس المضادة للماء والمسامية».
كما يجدر الاهتمام بتدفئة الرأس واليدين والقدمين. وذلك عبر ارتداء غطاء للرأس، يغطي أذنيك بالكامل. وأفضله هو المصنوع من الصوف الثقيل أو الأقمشة الدافئة الأخرى الواقية من الرياح والماء. وذلك لمنع تسرب حرارة الجسم من الرأس والوجه والرقبة، ولمنع إصابة جلد الرأس بإصابات الصقيع.
وقم بارتداء الجوارب المناسبة في مقاسُها، والتي تمتص الرطوبة وتشكل عازلاً، مع ارتداء أحذية تُقاوم تسريب الماء. ويضيف أطباء مايوكلينك: «ارتدِ زوجاً رقيقاً من القفازات المزودة ببطانة مصنوعة من الفتائل (كمادة بولي بروبيلين). ولا تنسَ ارتداء القبعة لحماية رأسكَ، أو عصابة الرأس لحماية أذنيك. وإذا كان الجو بارداً للغاية، ففكِّرْ في ارتداء وشاح صوفي».

ملابس مناسبة لوقاية الأطفال من البرد

> وقاية الأطفال من موجات البرد يتطلب من الأمهات والآباء الاهتمام بتغذيتهم الجيدة وبتدفئتهم عبر ارتداء ملابس سميكة مصنوعة من مواد توفر الدفء داخل المنزل وخارجه، وتغطية الطفل بالبطانيات أو اللحاف بشكل سابغ خلال فترة النوم.
وكانت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال American Academy of Pediatrics قد حذرت من عدم اهتمام الوالدين بانتقاء الملبوسات المناسبة للأطفال خلال فترة الشتاء الباردة. وقالت إن فترة الشتاء تمثل تحدياً للآباء والأمهات في محاولتهم إلباس أطفالهم الملابس الصحيحة والمفيدة خلال البرد. ونصحت بارتداء الطفل عدة طبقات من الملابس الرقيقة السمك نسبياً، وذلك بالبدء بارتداء ملابس داخلية قطنية ضيقة نسبياً وطويلة وسابغة، تغطي الأطراف العلوية والسفلية، ثم ارتداء ملابس خارجية كالقمصان والسراويل والبنطال الطويلة الأكمام والسابغة للأطراف أيضاً، ثم طبقة ثالثة من سترة صوفية أو القميص الحراري أو الجاكيت ذي الياقة التي تحيط بالرقبة والبُرْنُس الذي يُغطي الرأس عند الحاجة.
ويفيد أطباء الأطفال في مايوكلينك بأنه للمساعدة في الوقاية من انخفاض الحرارة عندما يكون الأطفال خارج المنزل في فصل الشتاء:
- قم بإلباس الرضع والأطفال الصغار طبقة واحدة إضافية عما قد يرتديه البالغون في نفس الحالات.
- أدخل الأطفال للمنزل إذا بدأوا في الارتجاف، فهذه أول علامة على بدء انخفاض حرارة الجسم.
- اجعل الأطفال يدخلون المنزل مراراً وتكراراً لتدفئة أنفسهم عندما يلعبون في الخارج.
-لا تدع الأطفال ينامون في غرفة باردة.

* استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

8 حقائق تستحق أن تعرفها عن رائحة الفم الكريهة

صحتك 8 حقائق تستحق أن تعرفها عن رائحة الفم الكريهة

8 حقائق تستحق أن تعرفها عن رائحة الفم الكريهة

عندما يتجاوز حجم السوق العالمية 14 مليار دولار في سنة 2023 للتعامل مع مشكلة صحية ما، فإن المشكلة الصحية تلك تتطلب الاهتمام.

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك هل شرب الشاي مفيد للصحة حقاً؟

هل شرب الشاي مفيد للصحة حقاً؟

الشاي هو أحد أكثر المشروبات شعبية في العالم. وعندما يقدم دافئاً، فهو كوب مهدئ ومريح، وعندما يُسكب فوق الثلج، فهو منعش.

هايدي غودمان (كمبردج - ولاية ماساشوستس الأميركية)
صحتك الفيروس التنفسي المخلوي: المخاطر والمضاعفات

الفيروس التنفسي المخلوي: المخاطر والمضاعفات

تُعتبر العدوى الفيروسية من أكثر المشكلات الصحية شيوعاً حول العالم، حيث تتسبب الفيروسات في مجموعة واسعة من الأمراض التي تتفاوت في شدتها

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك السكتة الدماغية لدى الأطفال تزيد من خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب

السكتة الدماغية لدى الأطفال تزيد من خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب

كشفت أحدث دراسة بحثية، عن احتمالية أن تؤدي الإصابة بالسكتة الدماغية في الأطفال إلى زيادة معدلات خطورة إصابتهم بالقلق والاكتئاب، وكذلك الصداع وآلام المعدة

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك تلوث الهواء يؤثر في قدرة الفرد على التركيز (رويترز)

دراسة: تلوث الهواء يقلل من قدرة الإنسان على التركيز

كشفت دراسة عن أن قدرة الشخص على التركيز على المهام اليومية تتأثر بالتعرض لتلوث الهواء حتى لو لفترة قصيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

8 حقائق تستحق أن تعرفها عن رائحة الفم الكريهة

8 حقائق تستحق أن تعرفها عن رائحة الفم الكريهة
TT

8 حقائق تستحق أن تعرفها عن رائحة الفم الكريهة

8 حقائق تستحق أن تعرفها عن رائحة الفم الكريهة

عندما يتجاوز حجم السوق العالمية 14 مليار دولار في سنة 2023 للتعامل مع مشكلة صحية ما، فإن المشكلة الصحية تلك تتطلب الاهتمام.

وعندما تشير التوقعات إلى أن النمو السنوي لتلك التكلفة يبلغ حالياً 11 في المائة، وأن ذلك المبلغ المالي سيتجاوز 30 مليار دولار بعد 10 سنوات من الآن، فإن الأمر يتطلب مزيداً من الاهتمام لفهم أسباب تلك المشكلة الصحية.

هذا بالفعل واقع حال التعامل مع مشكلة رائحة الفم الكريهة.

وعندما استفتح أطباء «مايو كلينك» حديثهم حول رائحة الفم الكريهة ، قالوا: «ليس غريباً أن نجد أرفف المتاجر مكدسة بحلوى النعناع، أو العلكة، وعبوات غسول الفم وغيرها من المنتجات للتغلب على رائحة الفم الكريهة (Halitosis)، لكن كثيراً من هذه المنتجات ليست سوى علاجات قصيرة الأجل لأنها لا تعالج سبب المشكلة».

وتوضح «جمعية طب الأسنان الأميركية (ADA)» قائلة: «رائحة الفم الكريهة شيء لا يمكن حله بالنعناع أو غسول الفم أو بالفرشاة مرة واحدة. وقد تكون علامة على شيء أكثر أهمية صحية». وتضيف: «معرفة السبب هو نصف المعركة في محاربة رائحة الفم الكريهة».

أسباب فسيولوجية أو مرضية

وبالفعل، هناك كثير مما يجدر التعامل الصحيح معه ومعرفته؛ للحفاظ على رائحة زكية، أو على الأقل طبيعية، لنَفَس الفم. وإليك الحقائق التالية:

1- اختلاف طبيعي للرائحة

رائحة الفم الطبيعية تختلف من شخص لآخر، وتختلف لدى الشخص نفسه من وقت لآخر لأسباب عدة مؤقتة، وقد تتغير بشكل دائم لأسباب مستمرة. وصحيح أنها لن تكون مثل رائحة الهواء النقي تماماً، ولكنها في الحالات الطبيعية تظل رائحة مُتقبّلة ولا تتسبب للمرء بأي إزعاج أو حرج عند التعامل مع الغير. ومن الصعب أن يميز المرء رائحة فمه طوال الوقت بأنها كريهة أم لا. ولا يوجد تفسير علمي قاطع لسبب صعوبة ذلك. وربما السبب أنك تعتاد على رائحتها وتتوقف عن تمييز شمها؛ نتيجة تكيُّف حاسة الشم لديك، بخلاف شم رائحة دخان الحرائق.

وفي المنزل، يمكنك أن تطلب من شخص تثق به أن يخبرك ما إذا كانت رائحة أنفاسك طيبة أم كريهة. ولكن لدى الطبيب ثمة «اختبار هاليميتر (Halimeter Test)»، الذي يقيس مستوى مركبات الكبريت المتطايرة «VSC» في هواء نفسك. وعادةً ما تشير القياسات التي تتجاوز 100 جزء من المليار، إلى رائحة أنفاس كريهة.

ونظراً لأنه من الصعب معرفة رائحة أنفاسك، يعتقد بعض الأشخاص الذين لا يعانون من رائحة الفم الكريهة أنهم يعانون منها، ويعتقد آخرون يعانون من رائحة الفم الكريهة أنهم لا يعانون منها.

2- أسباب فسيولوجية ومرضية

تفيد الإحصاءات الطبية إلى أن رائحة الفم الكريهة هي السبب الأكثر انتشاراً بين الأفراد الذين يسعون للحصول على رعاية الأسنان، يليها تسوس الأسنان (Dental Caries) وأمراض اللثة (Periodontal Diseases). ومع ذلك، لا يوجد تقدير دقيق للانتشار. ووفقاً لـ«جمعية طب الأسنان الأميركية (ADA)»، فإن 50 في المائة من الناس البالغين يعانون من رائحة الفم الكريهة العرضية، و25 في المائة يعانون من رائحة الفم الكريهة المستمرة.

وتضيف المصادر الطبية أن رائحة الفم الكريهة تكون إما فسيولوجية أو مرضية. وتنقسم «رائحة الفم الكريهة المرضية (Pathological Halitosis)» إلى رائحة الفم الكريهة المرضية داخل الفم أو خارجه. و«رائحة الفم الكريهة الفسيولوجية (Physiological Halitosis)» هي رائحة كريهة؛ بسبب عدم كفاية ممارسات نظافة الفم.

وتُصنَّف رائحة الفم الكريهة المرضية على أنها أولية أو ثانوية. وتنتج رائحة الفم الكريهة الأولية عن رائحة كريهة تنبعث من هواء الزفير من الرئتين. وعلى النقيض من ذلك، تنتج رائحة الفم الكريهة الثانوية عن سبب في الفم أو مجرى الهواء العلوي.

وبالمقابل، ثمة «رائحة الفم الكريهة الزائفة (Pseudo Halitosis)»، التي هي جزء من رائحة الفم الكريهة «نفسية المصدر (Psychogenic)». وهي تُعرف بأنها رائحة كريهة لا يشعر بها الآخرون، على الرغم من الشكاوى المستمرة منها من قبل الشخص الطبيعي الرائحة.

الأسنان واللثة واللسان

3- الأسنان واللثة

تشير التقديرات الطبية إلى أن «مصدراً داخل الفم» هو المسؤول عن 80 في المائة من جميع حالات رائحة الفم الكريهة. ومن بين الأسباب الفموية لرائحة الفم الكريهة التحلل البكتيري للمواد العضوية، عن طريق تحويل الأحماض الأمينية المحتوية على الكبريت في الإفرازات الفموية وبقايا الطعام، إلى مركبات عضوية ذات رائحة سلبية متطايرة.

ولذا في كثير من الحالات، يمكن التخفيف من حدة رائحة الفم الكريهة بالحفاظ على نظافة الأسنان. لأنك إذا لم تنظف أسنانك بالفرشاة وتخلّلها بالخيط الطبي يومياً، فيمكن أن تبقى بقايا الطعام في الفم، مسببةً رائحة النَّفَس الكريهة. كما تتكوّن على الأسنان طبقة بكتيرية لزجة عديمة اللون تُسمَّى اللويحات (صفائح البلاك). وإذا لم تُنظَّف هذه اللويحات، فإنها قد تهيِّج اللثة. وقد تؤدي في النهاية إلى تكوُّن تجاويف مملوءة باللويحات بين الأسنان واللثة، ما يُؤدي إلى «التهاب اللثة» ثم إلى «التهاب دواعم السن» العظمية (جذور الأسنان).

4- نظافة اللسان

اللسان هو عضو عضلي في فمك يساعد على المضغ والتحدث والتنفس. ويقوم اللسان، بصفته عضواً في الجهاز الهضمي، بتحريك الطعام حول فمك لمساعدتك على المضغ والبلع. واللسان هو من أهم المواقع التي تتسبب بتغير رائحة الفم.

وبداية يمكن أن يحتجز اللسان البكتيريا التي تسبب الروائح الكريهة، وكذلك قد تعلق به بقايا الأطعمة، لأن تركيبة سطحه غير ملساء ومليئة بالأخاديد الصغيرة والعميقة التي لا يتم تنظيفها غالباً. ويقول أطباء «كليفلاند كلينك»: «يعمل تنظيف اللسان على تقليل البكتيريا الضارة في فمك، التي يمكن أن تؤدي إلى رائحة الفم الكريهة».

ويمكنك أيضاً تنظيف لسانك باستخدام مكشطة اللسان «Tongue Scraper». ولكن وفقاً لـ«جمعية طب الأسنان الأميركية»، لا توجد أدلة علمية على أن استخدام آلة كشط سطح اللسان يقود إلى تحسن ملموس دائم بالنسبة لرائحة الفم. وحول سؤال: هل يمكنني استخدام غسول الفم فقط لتنظيف لساني؟، يُجيب أطباء «كليفلاند كلينك» قائلين: «يقتل غسول الفم الخلايا الخارجية للأغشية الحيوية فقط. (الأغشية الحيوية هي مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة التي تغطي أسطح فمك، بما في ذلك لسانك). لذا، من الأفضل إزالة البكتيريا فعلياً باستخدام فرشاة أسنان أو مكشطة لسان. ستحتاج إلى فركه جسدياً لتنظيفه».

5- جفاف الفم

«الرائحة الصباحية» للنَّفَس ناجمة عن جفاف الفم من اللعاب في أثناء النوم، وتزداد سوءاً إذا ما تنفَّس المرء من فمه بدلاً من الأنف. إن توفر اللعاب يعمل طوال الوقت على غسل تجويف الفم للتغلب على نمو البكتيريا وإزالة جزيئات الطعام وإبطال مفعول الأحماض التي تنتجها البكتيريا. ويحصل جفاف الفم عندما لا تُنتج الغدد اللعابية الكمية الكافية من اللعاب لإبقاء الفم رطباً.

ومن أهم أسباب ذلك التدخين. كما أن هناك المئات من الأدوية التي من آثارها الجانبية خفض إنتاج اللعاب وجفاف الفم، مثل بعض الأدوية المستخدَمة في علاج الاكتئاب، وارتفاع ضغط الدم، والقلق، وبعض مضادات الهيستامين، ومضادات الاحتقان، ومُرخيات العضلات، وأدوية تخفيف الألم، وأدوية إدرار البول، وأدوية علاج ارتفاع ضغط الدم وغيرها. كما قد تنشأ أيضاً مشكلة جفاف الفم؛ بسبب بعض الحالات الصحية، مثل مرض السكري.

وللتعامل مع مشكلة اللعاب، يقول أطباء «مايو كلينك»: «تجنب تعاطي التبغ، واشرب كثيراً من الماء. ولا تُفرط في تناول الكافيين أو المشروبات الكحولية، إذ يمكنها جميعاً أن تؤدي إلى جفاف الفم. ويمكنك مضغ العلكة أو مص قطع الحلوى، والأفضل أن تكون خالية من السكر؛ لإنتاج مزيد من اللعاب. أما إذا كان لديك جفاف مستمر بالفم، فقد يصف لك اختصاصي الرعاية الصحية محلول لعاب صناعي أو دواءً فمويّاً يزيد من تدفق اللعاب».

تأثير التدخين والمأكولات

6- التدخين

يقول أطباء «مايو كلينك»: «منتجات التبغ والتدخين تتسبب في انبعاث رائحة كريهة من الفم، علاوةً على أن المدخنين أكثر عرضةً للإصابة بأمراض اللثة، وهي مصدر آخر من مصادر رائحة النفَس الكريهة». والواقع أن التدخين يعدّ أحد العوامل الرئيسية في تغيُّر رائحة الفم، وهناك آليات عدة لحصول ذلك. أولاها دور رائحة دخان التبغ واختلاطه باللعاب في تغير رائحة الفم. كما أن التدخين يتسبب بجفاف الفم بدرجة واضحة مقارنة بأفواه غير المدخنين. ويرفع التدخين أيضاً من احتمالات حصول التهابات اللثة. وهذه كلها عوامل قوية في التسبب بتغيُّر رائحة الفم.

لا يمكن حلها بالنعناع أو غسول الفم... وقد تكون علامة على أمر ذي أهمية صحية

وتفيد المصادر الطبية معلومة أخرى مهمة، وهي أن مما يُقلل من تنبه المُدخن إلى أي تغيُّرات سلبية في رائحة الفم لديه هو التأثير السلبي للتدخين على حاسة الشم. وبالتالي تنخفض احتمالات إدراك المدخن أن لديه مشكلة في رائحة الفم، ما يُعيق إدراكه ضرورة مراجعة طبيب الأسنان للتأكد من سلامة اللثة أو الأسنان أو الأجزاء الأخرى في الفم لديه.

7- الثوم والبصل

 يقول أطباء «مايو كلينك»: «يمكن لتناول بعض الأطعمة، مثل البصل والثوم والتوابل، أن يسبب رائحة النَّفس الكريهة. وهذه الأطعمة تدخل في مجرى الدم بعد هضمها، وتُنقَل إلى الرئتين وتؤثر في رائحة النَّفَس». وتفيد مصادر التغذية الإكلينيكية أن الثوم - وغيره من أعضاء عائلة نبات الآليوم، كالبصل والكراث - يُنتج عدداً من المركبات الكبريتية ذات الرائحة والمذاق المميزين. ومنها مركب «أليسين (Allicin)»، الذي يتكون فور تعرض مادة ألين Alliin (الموجودة ضمن مكونات الثوم) للهواء؛ نتيجة للهرس أو التقطيع. ومركب «أليسين» يتحول إلى عدد من المركبات الكبريتية ذات الحدة في نكهتها الشديدة عند تناول الثوم نيئاً، التي أيضاً تخف حدة رائحتها بفعل الطهو.

وهذه المركبات الكبريتية يتم امتصاصها إلى الدم، وإفرازها عبر الرئتين مع هواء الزفير. ولذا يتسبب تناول الثوم أو البصل بشكل مباشر في انتشار المركبات ذات الرائحة الكريهة في الفم، خصوصاً اللسان، وبالتالي في تغيُّر رائحة النَّفَس. وتبقى هذه المركبات حتى يتم تنظيفها بالفرشاة أو كشطها عن اللسان. وكذلك بشكل غير مباشر عبر تغيير رائحة هواء الزفير الخارج من الرئتين.

وبعد تناول الثوم النيئ، يستغرق الأمر أكثر من يومين لتنقية هواء الزفير من بقايا مركبات الثوم الكبريتية. ولذا، وبغض النظر عن مقدار نظافة الفم أو تنظيفه بالفرشاة، ستظل رائحة الثوم في هواء نفس الفم الخارج من الرئتين.

8- مشكلات صحية أخرى

 قد يكون سبب رائحة الفم الكريهة ناتجاً عن مشكلات أخرى، مثل حالات التهابات الجيوب الأنفية، أو التهابات اللوزتين، أو التهابات الرئة، أو ارتداد أحماض المعدة إلى المريء، أو مرض السكري، أو أمراض الكبد أو الكلى.

ويمكن للعدوى أو التورُّم المزمن في الأنف أو الجيوب الأنفية أو الحنجرة أن تسبب الرشح الأنفي الخلفي. وهذا يحدث عندما يتدفق السائل من الأنف إلى الجزء الخلفي من الحنجرة. ويمكن لهذه الحالة أيضاً أن تسبب رائحة النَّفَس الكريهة. وهنا من المهم مراجعة الطبيب للتعامل مع تلك الحالات المرضية. كما أن المصدر قد يكون الأجهزة الفموية الثابتة أو القابلة للإزالة. مثل مكونات تقويم الأسنان وأطقم الأسنان، التي إذا لم تُنظَّف بانتظام أو لم تكن مثبتة بإحكام، فيمكن أن تتجمع في ثناياها البكتيريا وجزيئات الطعام المسببة للروائح الكريهة. ويقول أطباء «مايو كلينك»: «إذا كنت تضع جسراً أو طقم أسنان، فنظفها جيداً مرة واحدة على الأقل يوميّاً أو حسب تعليمات طبيب الأسنان. وإذا كان لديك مثبت لتقويم الأسنان أو واقٍ للفم، فنظفه قبل أن تضعه في فمك. ويمكن أن يرشح لك طبيب الأسنان أفضل غسول للتنظيف».

* استشارية في الباطنية.