برلين: سنرسل دبابات إلى أوكرانيا إذا وافقت واشنطن على القيام بالمثل

دبابات «إم 1 أبرامز» الأميركية (رويترز)
دبابات «إم 1 أبرامز» الأميركية (رويترز)
TT

برلين: سنرسل دبابات إلى أوكرانيا إذا وافقت واشنطن على القيام بالمثل

دبابات «إم 1 أبرامز» الأميركية (رويترز)
دبابات «إم 1 أبرامز» الأميركية (رويترز)

قال مصدر حكومي في برلين لرويترز إن ألمانيا سترسل دبابات محلية الصنع إلى أوكرانيا إذا وافقت الولايات المتحدة على القيام بالمثل، وذلك فيما لا يزال الشركاء في حلف شمال الأطلسي غير متفقين على أفضل السبل لتسليح كييف.
وطلبت أوكرانيا تزويدها أسلحة غربية حديثة، خاصة دبابات المعارك الثقيلة، حتى تتمكن من استعادة الزخم بعد تحقيق بعض النجاحات في ساحة المعركة في النصف الثاني من عام 2022 في مواجهة القوات الروسية. وتمتع برلين بحق رفض أي قرار بتصدير دباباتها من طراز ليوبارد، والتي يرى خبراء في مجال الدفاع أنها الأنسب لأوكرانيا.
وقال مصدر بالحكومة الألمانية طلب عدم الكشف عن هويته إن المستشار الألماني أولاف شولتس شدد عدة مرات في الأيام الأخيرة، خلف الأبواب المغلقة، على شرط إرسال الدبابات الأميركية إلى أوكرانيا. وقالت المتحدثة باسم الرئيس الأميركي جو بايدن كارين جان بيير، عند سؤالها عن موقف ألمانيا، "يعتقد الرئيس أن على كل دولة أن تتخذ قراراتها السيادية الخاصة بشأن خطوات المساعدة الأمنية وأنواع المعدات التي يمكنها توفيرها لأوكرانيا".
وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن أمس الأربعاء إن الولايات المتحدة ستقدم 125 مليون دولار لأوكرانيا لدعم منظومة الطاقة وشبكات الكهرباء لديها في أعقاب الهجمات الروسية على تلك المرافق. وسعى أعضاء حلف شمال الأطلسي إلى تجنب خطر الظهور في مواجهة مباشرة مع روسيا وامتنعوا عن إرسال أقوى أسلحتهم إلى كييف.
وقال مسؤولون أميركيون إن من المتوقع أن توافق إدارة بايدن في الخطوة التالية على تزويد أوكرانيا بعربات سترايكر المدرعة، والتي تُصنع في كندا للجيش الأميركي، لكنها ليست مستعدة لإرسال دبابات. وقال كولين كال، كبير مستشاري السياسات في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، والذي عاد للتو من زيارة إلى أوكرانيا، إن البنتاغون ما زال غير مستعد لتلبية طلب كييف دبابات "إم 1 أبرامز". وأضاف "لا أعتقد أننا وصلنا إلى هذه المرحة بعد. دبابة أبرامز هي قطعة معقدة للغاية من العتاد. إنها باهظة الثمن. من الصعب التدرب على استخدامها، وبها محرك نفاث".
وجاءت تصريحات كال قبيل اجتماع يعقد غدا الجمعة بين كبار مسؤولي الدفاع من عشرات الدول في قاعدة رامشتاين الجوية الأميركية في ألمانيا لتنسيق المساعدات العسكرية لكييف. وسينصب الاهتمام في اجتماع الجمعة على ألمانيا، التي قالت إنه يجب تزويد أوكرانيا بالدبابات الغربية فقط إذا كان هناك اتفاق بين حلفاء كييف الرئيسيين.
وكثفت بريطانيا الضغط على برلين هذا الشهر عندما أصبحت أول دولة غربية ترسل دبابات إلى أوكرانيا، متعهدة بمجموعة من دباباتها (تشالنجر). وقالت بولندا وفنلندا إنهما سترسلان دبابات ليوبارد إذا وافقت برلين.
وحث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في كلمة عبر رابط فيديو موجهة للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أمس الأربعاء، الحلفاء الغربيين على إمداد بلاده بالعتاد قبل أن تشن روسيا هجماتها الصاروخية والبرية التالية. وقال "يجب أن يكون إمداد أوكرانيا بأنظمة الدفاع الجوي أسرع من الهجمات الصاروخية الروسية المقبلة... يجب أن تسبق إمدادات الدبابات الغربية أي غزو جديد للدبابات الروسية".
وتعتبر دبابات "ليوبارد 2" الألمانية من أفضل الدبابات الغربية. وتزن أكثر من 60 طنا، ولها مدفع يمكنه إصابة الأهداف على مسافة تصل إلى خمسة كيلومترات. وتقول أوكرانيا، التي تعتمد بشكل أساسي على دبابات تعود إلى الحقبة السوفيتية، إن الدبابات الجديدة ستمنح قواتها قوة نارية متحركة تمكنها من طرد القوات الروسية في معارك حاسمة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟