«داعش» يستخدم «فتاوى النفط» لتأسيس دولة في وسط ليبيا

انتقل إلى سرت واستغل «غياب» بلمختار لتوسيع نفوذه

«داعش» يستخدم «فتاوى النفط» لتأسيس دولة في وسط ليبيا
TT

«داعش» يستخدم «فتاوى النفط» لتأسيس دولة في وسط ليبيا

«داعش» يستخدم «فتاوى النفط» لتأسيس دولة في وسط ليبيا

في محيط مدينة سرت الليبية، يمكنك الاستماع من فقهاء تنظيم داعش ومقاتليه إلى خطب من نوع جديد ليست عن تطبيق الشريعة، كما كان يجري في السابق، ولكن عن اقتراب التنظيم من تصدير النفط عبر وسطاء في البحر المتوسط، رغم أن هذا أمر يبدو بعيدا عن الواقع.
هذا «الخطاب»، كما يقول لـ«الشرق الأوسط» كامل عبد الله، المحلل المتخصّص في شؤون شمال أفريقيا في {مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية}، موجَّه في الأغلب إلى المقاتلين الأجانب لإغرائهم بالقدوم إلى ليبيا والانضمام للتنظيم الذي يحارب الجيش والسلطات الشرعية، وله علاقات بتنظيمات متطرفة أخرى داخل البلاد وخارجها.

إلا أن لعب «داعش» على الوتر الاقتصادي والآمال التي أصبح يرسمها عن قدرته في الهيمنة على النفط الليبي، أخذت تؤتي أكلها - على ما يبدو - في أوساط الشباب المحلي العاطل عن العمل في وسط البلاد، والمحبط من انسداد العملية السياسية، خاصة أن هذا الأمر ظهر بعد محاولة كسر شوكة تنظيم «القاعدة» بواسطة الغارة الأميركية على قيادي «القاعدة» الجزائري مختار بلمختار في جنوب بلدة إجدابيا الليبية قبل شهر.
الاقتصاد الليبي، الذي يبلغ حجمه وفقا لإحصاءات 2010 نحو 80 مليار دولار، يعتمد على صادرات النفط بشكل شبه كامل. وتوجد لعدة شركات دولية من بلدان مثل أميركا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا، حقوق في حقول ومصافي النفط منذ عهد القذافي، إلا أن الفوضى الأمنية التي ضربت البلاد تؤخر استثمارها أو الاستفادة منها، ما كبد تلك الشركات خسائر ضخمة. واعتاد «داعش» في العراق وسوريا بيع ما يسيطر عليه من نفط بأسعار بخسة عبر وسطاء في السوق السوداء، واليوم يبدو أنه يلوح بتكرار التجربة في ليبيا أغنى البلاد الأفريقية في مخزون النفط والغاز.
خليط من الليبيين والمهاجرين العرب والأجانب، يصلون هذه الأيام إلى ميناء سرت عبر البحر ومن الحدود الأفريقية، ويرفعون الرايات السوداء للاشتراك في تأسيس دويلة «داعشية» في وسط ليبيا. ووفق كلام إبراهيم عميش، النائب في البرلمان الليبي، لـ«الشرق الأوسط» فإن «داعش» يتمدد، و«نخشى من تسببه في تقسيم البلاد». وتأتي هذه التطورات بعد تعرّض «داعش» لهزيمة كبيرة في معقله الذي عرف به منذ البداية في مدينة درنة الواقعة على البحر المتوسط. لكنه انتقل سريعًا إلى سرت، وهي مدينة ساحلية مثل درنة، تقع على بُعد نحو 600 كيلومتر إلى الغرب من درنة و400 كيلومتر شرق طرابلس، مستغلا على ما يبدو غياب جماعة بلمختار.
ويتساءل المستشار في الجيش الليبي صلاح الدين عبد الكريم قائلا: لماذا استهدف الأميركيون بلمختار وتركوا قيادات «داعش» التي تتحرك تحت سمع وبصر القوات الدولية المراقبة في البحر المتوسط. وهو ينظر إلى مسألة تمدد داعش في سرت بريبة كبيرة.. ويقول: «هذا مخطط دولي مستمر لتدمير ليبيا».
تغيير «داعش» خطابه وتوسعه في وسط البلاد، يرتبط أيضا بتغييرات حصلت على الأرض في الشهور الأخيرة. ومن المعروف أن أكبر قوة تمكَّن المتطرفون في ليبيا من تكوينها، بعد قوة «فجر ليبيا» التي تتمركز في العاصمة طرابلس، هي تلك التي تعرف باسم «القوة الثالثة» الموجودة في وسط وجنوب البلاد. وكانت حتى أسابيع قليلة مضت تتسع لخليط من المتشددين من مذاهب وجنسيات مختلفة، بينهم فرع تنظيم القاعدة وقائده بلمختار، وموالون لتنظيم داعش بقيادة رجل غامض، مالي الجنسية، يدعى انتهمدين الأنصاري.
ولعبت الظروف دورها لتعديل الوقائع على الأرض، بما فيها نقص الأموال لدى السلطات الشرعية وتعثر عمليات تصدير النفط. على أي حال وقعت، بعد ذلك، خلافات شديدة بين الرجلين، بلمختار والأنصاري أعقبها توجيه الولايات المتحدة لضربة جوية على اجتماع لبلمختار. ويقول النائب عميش، الذي يشغل موقع رئيس لجنة العدل والمصالحة الوطنية في البرلمان الليبي، إنه من المستغرب أن يجري استهداف بلمختار فقط من جانب الولايات المتحدة، رغم وجود قادة أكثر خطورة منه، من «داعش» وغير «داعش».
وهذه المتغيرات الجارية على قدم وساق، جاءت بالتزامن مع تغيير تنظيم داعش في سرت لغته، وبدلا من التركيز على الشعارات التي تتحدث عن تطبيق الشريعة، يجري حاليًا الترويج لمقولات أخرى مثل «بترول ليبيا للمسلمين» وشعارات عن الثراء الذي ينتظر رعايا «دويلته» في المستقبل، نظرا للمخزون النفطي الضخم الذي يقع في المناطق المحيطة بمدينة سرت، التي تعرف باسم «الهلال النفطي»، وتحوي أكثر من 60 في المائة من النفط الليبي، إلا أن الباحث عبد الله يشكك بهذا الأمر، ويرى أن قدرة «داعش» على تصدير النفط «وهمٌ كبير.. الأمر هنا له أبعاد دولية».
في الوقت الراهن تحاول السلطات الشرعية تأمين تصدير النفط لسد حاجات الليبيين من الغذاء والمتطلبات الأساسية، لكن توجد مخاوف أيضا من دخول ناقلات نفط بشكل غير قانوني لشراء نفط من تنظيمات متطرفة تضع يدها على بعض الموانئ. ودفع هذا قوات الأمن الليبية لتحذير الناقلات التي تقترب من موانئها دون تصريح. ويعلق الباحث عبد الله قائلا: كان من السهل لـ«داعش» تصدير النفط من المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا، لأن الأمر يجري هناك بطرق معقدة والتفافية، لكن في حالة ليبيا «يمكن مراقبة السواحل.. كل شيء واضح ومن السهل اكتشافه».
ومن جهة ثانية، يقول أحد المنشقين عن هذا التنظيم المتطرف إن اللغة الجديدة عن النفط لاستقطاب المقاتلين، سواء من الداخل أو الخارج، جاءت بعد أن فشلت محاولات مندوبين للخليفة المزعوم أبو بكر البغدادي، إلى سرت، في جمع كل التيارات الإسلامية وجماعات المتطرفين في ليبيا تحت راية «الخلافة». ففي أحد أيام شهر مايو (أيار) الماضي، تحرك مستشار للبغدادي هو تركي البنعلي، البحريني الجنسية، لزيارة المدينة الواقعة في الشمال الأوسط من ليبيا. ودعا البنعلي جميع المتطرفين لمبايعة «الخليفة»، وبثت عدة خطب له بهذا المعنى في إذاعة سرت القديمة التي سيطر عليها المتشددون وباتت تعرف اليوم باسم «إذاعة التوحيد».
«فقه النفط» لاستقطاب المؤيدين - كما يحلو للبعض في ليبيا أن يسميه - ظهر لأول مرة لدى كل من «الفيدراليين» في برقة وقوات «فجر ليبيا» التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين في طرابلس ومصراتة، حين أجرت هذه القوات محاولات فاشلة على مدار قرابة عشرة أشهر للسيطرة على منابع النفط ومصافيه في الحقول الرئيسية في البلاد، أي في حقلي الفيل والشرارة في الجنوب، وفي حقول الهلال النفطي الموجودة قرب سرت. وكان الهدف استقطاب المزيد من المقاتلين لتعضيد قوات المتطرفين في حربهم ضد الجيش والسلطة الشرعية. اليوم هناك سؤال معلق فوق هذه الصحراء الشاسعة: هل يوجد تنسيق في المسألة النفطية بين «فجر ليبيا» و«داعش»؟
تضم قوة «فجر ليبيا» التي يشارك ممثلون عنها في الحوار الأممي، برعاية برناردينو ليون للتسوية السياسية، ما بين ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف عنصر يتركّزون في طرابلس وفي مصراتة وفي بلدات أخرى محيطة بالعاصمة. أما عدد عناصر «القوة الثالثة» في الجنوب فغير ثابت لعدة أسباب من بينها أن تركيبة هذه القوة تعتمد على قطاعين: القطاع الأول هم الليبيون الوافدون من الشمال، أي من مصراتة وطرابلس وبعض المتطرفين المحليين من سبها. والقطاع الثاني هم الأجانب الذين جاءوا من مالي وتشاد والنيجر والسودان ومصر وتونس والجزائر، وكان يقودهم، حتى أسابيع قليلة مضت، كل من بلمختار والأنصاري، قبل أن يفترقا.
هذان الرجلان كانا منذ أغسطس (آب) الماضي، من الأذرع الأساسية في محاولات «فجر ليبيا» للسيطرة على حقلي الفيل والشرارة. لكنهما لم يتمكنا من إتمام المهمة رغم ما قدماه من إغراءات لضم مهاجرين أفارقة لصفوف الميليشيات التي يديرونها. وتقدر مصادر عسكرية ليبية عدد مجموعة بلمختار بنحو 500 عنصر وكان يديرها معه نائبه المدعو عبد الكريم الجزائري، بينما تضم مجموعة الأنصاري نحو 700.
أما الفارق بين المجموعتين فهو أن الأولى (مجموعة بلمختار) كانت شبه مستقرة داخل ليبيا لأنها تنشط في اتجاه الشمال، أي ناحية بلدات الجفرة وسرت، بينما تتحرك المجموعة الثانية في التخوم الجنوبية القريبة من حدود ليبيا مع الجزائر والنيجر وتشاد، أي في مدن مُرزُق وأوباري وأم الأرانب وغيرها.
أما باقي عناصر «القوة الثالثة» القادمين من مصراتة وطرابلس، والمحليين الجنوبيين، فلا يزيد عددهم عن بضع مئات ويشرفون على عملية تثبيت أقدام المتطرفين في تلك المناطق النفطية الشاسعة، وإصدار الأوامر بجلب المساعدات من أوكار المتشددين في الشمال، والتنسيق بين المجموعات الجنوبية فيما يتعلق بالسيطرة على المطارات العسكرية التي كانت تابعة للدولة الليبية مثل مطار سبها وتمنهند، واحتلال المعسكرات الأخرى، ونصب البوابات وإدارة عمليات دخول وخروج المقاتلين الأجانب الذين يأتون من دول الجوار.
لا أحد يعرف إن كان بلمختار ما زال على قيد الحياة أم أنه قتل بالفعل. فحتى الولايات المتحدة التي نفذت عملية قصف الاجتماع، لم تؤكد رسميًا مقتله، في وقت قالت مصادر حكومية ليبية إنه قتل، لكن، وبسؤال قيادات في البرلمان الليبي بمقره في طبرق، ردت بأنه لا توجد لديها معلومات، إلا أنها أعربت عن اعتقادها في أن الضربة التي تعرّض لها هذا القيادي الجزائري، أدت إلى إضعاف مجموعته لصالح المجموعة التي أصبحت موالية لـ«داعش» وتقوم بنشاط غير مسبوق للالتفاف والهيمنة على حقول النفط.
إذا تمكن «داعش» من السيطرة على «الهلال النفطي»، كما يقول النائب عميش، فستتحول ليبيا إلى نسخة أخرى من العراق أو السودان أو الصومال.. «وهنا سيتدخل المجتمع الدولي بذريعة حماية المنشآت النفطية ويطبق علينا برنامج النفط مقابل الغذاء، بينما يظل التطاحن مستمرا داخل ليبيا التي يريدون لها أن تتحوّل إلى دويلات؛ درنة دولة، وبنغازي دولة، وطبرق دولة، وطرابلس دولة، وهلم جرًّا».
وحقًا، في جولة داخل ليبيا يمكن أن تلاحظ وجود ارتباك في المناطق النفطية.
توجد أسماء مثيرة للريبة.. أسماء كانت في البداية تحارب مع بلمختار و«القاعدة»، ثم غيّرت مواقفها عقب الغارة الأميركية، وظهرت أخيرًا على رأس مجموعات «داعشية» تقاتل في بلدات تعد مفاتيح لـ«الهلال النفطي». وبعض هؤلاء القادة «الدواعش» في الحقيقة أقارب لخليط من قيادات محلية متباينة الاتجاهات، لكن يجمعها رابط متشابه هو محاولات بسط السلطة على النفط ومحاولات تصديره في السوق السوداء.
مثلا برز قائد «داعشي» فجأة في سرت، بينما هو في الحقيقة محسوب على دعاة الفيدرالية المتركزين في بلدة إجدابيا حيث استهدف بلمختار. وهؤلاء كانت لهم محاولات لتصدير النفط عبر سماسرة في البحر المتوسط. وأحدهم هو شقيق مدبر العملية الشهيرة التي جرى فيها تحميل ناقلة بأكثر من 30 ألف طن من النفط الخام في ربيع العام الماضي، قبل أن توقفها البحرية الأميركية في عرض البحر. وبعضهم محسوب على الفرع المتشدد في مصراتة المتعطش للمال، وهذا الفرع ينشط في شمال غربي سرت ولديه مراكب (يطلقون عليها جرافات) تتحرك على الساحل بين موانئ المتطرفين. وآخرون محسوبون على الفرع المتطرف في الزنتان، كانت عناصره تتولى حتى وقت قريب حراسة خطوط أنابيب النفط المتجهة إلى أوروبا والآتية من إقليم فزّان، ويعملون حاليًا في جنوب طرابلس.
ويقول حسين المصراتي، القيادي المنشق عن الميليشيات، الذي فرَّ أخيرا للإقامة في مدينة طبرق في شرق البلاد، بأن حالة التربص بين «داعش» و«القاعدة» تفاقمت سريعًا، بعد أن كانت توجد لديهما طموحات مشتركة للسيطرة على منابع النفط والحصول على نصيبهم من الأموال من قيادات «فجر ليبيا» في الجنوب و«الهلال النفطي» في الشمال.
ويضيف أن الضائقة المالية التي ضربت المتطرفين في طرابلس أثرت سلبًا على العناصر المقاتلة في الجنوب. وهنا ظهرت دعوات البنعلي بضرورة مبايعة كل التنظيمات للبغدادي، والاصطفاف في صف واحد ضد الجيش والسلطة الشرعية. ثم يوضح أن الأنصاري وافق لكن بلمختار رفض. ويتابع المصراتي أن هذا الخلاف بين بلمختار والأنصاري وضع «فجر ليبيا» في مأزق، لأنها من جانب لا تستطيع أن تتحدث علانية عن الانحياز لأي من الطرفين، كون بعض قادتها شركاء في المفاوضات السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة. ومن جانب آخر، لا يمكنها أن تترك الاقتتال مستمرًا بين عناصر «داعش» و«القاعدة»، لأن هذا يضعف وجودها في المناطق النفطية ويضعف عملياتها ضد الجيش، الذي يقوده الفريق أول خليفة حفتر.
هنا بدا أن المتطرفين في «القوة الثالثة» وقعوا في مأزق، وراحت محاولات السيطرة على نفط الجنوب أدراج الرياح بعدما خسروا مقاتلين ومعدات. وأصبحت كتلة المتطرفين في الجنوب على وشك الانقسام والاقتتال عبر الدروب والمواقع الصحراوية، لأن مجموعة بلمختار تصرّ على رفض التخلي عن تنظيم «القاعدة»، قائلة إنها لن تبايع البغدادي، وانعكس هذا بالتبعية على القادة في «فجر ليبيا» الذين يديرون «القوة الثالثة» من طرابلس.
ويضيف المصراتي أن «فجر ليبيا» كانت قد تمكنت، عن طريق بلمختار والأنصاري من وقف تصدير النفط من حقلي الفيل والشرارة العام الماضي. أي أنه كان في يدها ورقة ضغط على الحكومة الشرعية والدول المستفيدة من واردات نفط الجنوب. لكن خلافات الرجلين، بعد زيارة البنعلي، أضعفت ورقة «فجر ليبيا» النفطية، وهذا ظهر في ترددها في الموافقة على الحل السياسي الذي توصلت إليه الأمم المتحدة. كما أن «تضعضع جماعة بلمختار، بعد الغارة الأميركية، غير المعادلة تماما».
أيا ما كان الأمر فإن بوادر الخلاف بين بلمختار والأنصاري بسبب مندوب البغدادي كانت قد ضربت، منذ بداية هذا الصيف، صفوف المتطرفين في مدن أخرى منها درنة وصبراتة ومصراتة.. وظهر سباق على احتلال مواقع النفط. ثم اشتعلت المعارك وتفخيخ السيارات وضرب البوابات بين المتطرفين وبعضهم البعض. يضيف المصراتي أن اشتباكات درنة وحدها سقط فيها ما لا يقل عن خمسين من الطرفين، بينما أدت الغارة الأميركية على اجتماع بلمختار إلى إضعاف «القاعدة» في الجنوب. وحقًا أثرت معارك درنة سلبًا على وجود «داعش» في المدينة، لكن تأثرها كان إيجابيًا على التنظيم المتطرف في سرت، لأن المئات من «دواعش» درنة فروا إلى سرت، فعززوا قوة التنظيم وانتشاره بشكل ملحوظ في أغنى منطقة نفطية في البلاد، وساعد على ذلك أيضا، كما يقول المصراتي، تشتت أنصار «القاعدة»، وظهور خطب لـ«داعش» تتحدث عن اقترابه من تأسيس دولة في سرت تستحوذ منفردة على كل هذه الكمية من النفط.
مصادر أمنية ليبية تتحدث عن أن اجتماع المتشددين مع بلمختار جنوب إجدابيا الذي تعرض للقصف الأميركي، كان قد خصصه قادة من «فجر ليبيا»، لرأب الصدع بين قوات القيادي الجزائري المتشدد في ولائه لـ«القاعدة»، وقوات الأنصاري المنحاز لـ«داعش» وذلك «لأن الخلافات بين الرجلين طوال الشهرين الماضيين، أربكت مقاتلي القوة الثالثة، ما عزز من قدرة الجيش على الاقتراب من حل مشكلة توقف تصدير النفط في الجنوب»، مشيرا إلى أن الأنصاري لم يحضر الاجتماع الذي تعرض للقصف، بل حضر بدلا منه رجل تونسي قتل في الغارة الأميركية.
من الصعب الإمساك بخيوط اللعبة التي تدور في ليبيا. مَنْ ضد مَنْ ومَنْ مع مَنْ؟
ضع الجيش الوطني الذي أعاد حفتر تجميعه مطلع العام الماضي، جانبا، وانظر إلى خريطة المتطرفين. إنها تتغير وتتبدل بمرور الأيام. وكلما زاد الضغط من جانب الجيش والقبائل على المتشددين.. غيرت المجموعات المتطرفة من ولاءاتها وتكتيكاتها. إلا أن المؤشر الخطير كما يراه النائب عميش، يتمثل في اتجاه «داعش» لتحقيق هدف محدد هو السيطرة على «الهلال النفطي» حيث توجد عدة موانئ لتصدير النفط للخارج مثل البريقة والسدرة ورأس لانوف.
أخيرًا، يقول أحد ضباط الجيش الليبي في بنغازي، وهو ينظر إلى حطام المدينة وشوارعها المهجورة، وما سببته الحرب مع المتطرفين، إنه إذا استمر الوضع على هذا النحو، فمن الممكن خلال بضعة أشهر مقبلة أن تجد مجموعات أكثر نفوذًا على الأرض.. «بكل بساطة إذا تمكن داعش من السيطرة على (الهلال النفطي) سيكون في يده المزيد من الأموال والقوة في مواجهة الجميع».



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.