من دون معالجة الخلفية السياسية.. لا فرصة لنجاح الحرب على «داعش»

شعور سنّة العراق بالغبن والاضطهاد أهدى التنظيم بيئة حاضنة

صورة تعود لعام 2014 لعناصر داعش في عربة مدرعة للجيش العراقي في الفلوجة (أ.ب)
صورة تعود لعام 2014 لعناصر داعش في عربة مدرعة للجيش العراقي في الفلوجة (أ.ب)
TT

من دون معالجة الخلفية السياسية.. لا فرصة لنجاح الحرب على «داعش»

صورة تعود لعام 2014 لعناصر داعش في عربة مدرعة للجيش العراقي في الفلوجة (أ.ب)
صورة تعود لعام 2014 لعناصر داعش في عربة مدرعة للجيش العراقي في الفلوجة (أ.ب)

يحتدم الجدل منذ وقت غير قصير بين المحللين السياسيين والخبراء الأمنيين حول أنجع السبل للتصدي للإرهاب واستئصاله.. فثمة فريق يؤمن بأنه ليس هناك إطلاقا ما يبرّر الجرائم الإرهابية، لا سيما تلك التي تنطوي على فظائع صادمة كتلك التي يقترفها تنظيم «داعش»، وقبله العمليات الخطرة ضد المدنيين التي ادعى مسؤوليته عنها تنظيم «القاعدة» كهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2011 في نيويورك وواشنطن.
وفي المقابل، يرى آخرون أن تجفيف منابع الإرهاب لا بد أن يشمل مقاربات سياسية عقلانية وواقعية، ويعد أن تحليل الجذور الدينية والفكرية والبيئية والسياسية والمصلحية للحركات والتنظيمات الإرهابية خطوة لا بد منها لفهم كيفية تحوّل الإحباط والغضب إلى حركات تنتهج العنف، أو كيف تعمد بعض الجماعات إلى تشويه المفاهيم التعليمية والتلقينية عند الشباب فتحرفهم عن الفهم السليم للدين وتجندهم لخدمة مخططاتها المتطرفة.

كثر الحديث عن تنظيم «داعش» المتطرف وعن سبل محاربته. وحتى اليوم، ركّز التحالف الغربي والعربي من جهته على ضرب قوة التنظيم العسكرية في العراق من خلال حرب جوية مع دعم أرضي تولته قوات عراقية مسلّحة يغلب عليها الطابع الطائفي. وأعلنت «خلية الصقور» الاستخباراتية، الخميس الماضي، بحسب موقع «المدى» العراقي، عن مقتل أكثر من 53 عنصرًا في التنظيم، بينهم قياديون؛ أبرزهم المسؤول العسكري للتنظيم ومسؤول تجهيز الانتحاريين، بقصف جوي عراقي في ثلاث عمليات منفصلة غرب مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار في غرب العراق.
غير أن هذا النهج، الذي قد يبدو في الظاهر مناسبًا للجميع، مع إصابة كثير من مسؤولي التنظيم، لا يأخذ في الاعتبار - إلا قليلاً - الواقع القائل إن «داعش» تنظيم إرهابي لها حساباته ومخطّطاته الخاصة، وإن الإرهاب هو أسلوب من أساليب الحرب التي تستخدمها تنظيمات من هذا النوع لتحقيق أهداف سياسية شتى. ذلك أن قتال «داعش» في ميدان المعركة فقط ستكون له نتائج محدودة ما لم يترافق، فعليًا، مع عملية سياسية شاملة.
لقد تمكن تنظيم داعش من تأمين ديمومته، لا بل شهد كثيرا من التغيّرات والتحوّلات إبّان الحرب الدائرة في سوريا، وأيضا نتيجة الفراغ الأمني الذي أعقب رحيل القوات الأميركية الأخيرة من العراق. بالنسبة لكثيرين، يتمثل الهدف الأساسي للتنظيم في «إقامة دولة إسلامية» - وفق مفهومه طبعًا - في مناطق الكثافة السنّيّة في العراق وفي سوريا، إلا أنه في شهر أبريل (نيسان) الماضي، كشفت مجلة «دير شبيغل» الألمانية ملفّات سرّية يملكها سمير عبد محمد الخلفاوي، المعروف أيضا باسم «حجي أبو بكر»، وهو عضو في تنظيم داعش وضابط استخبارات سابق في الجيش العراقي، تضمنّت معلومات ومخططات لما يعرّفه اليوم باسم «الدولة الإسلامية» المزعومة. وأظهرت هذه المخططات كيف ينظر حجي أبو بكر إلى الدين باعتباره وسيلة فعّالة للتجنيد تحت راية «الدولة الإسلامية» المزعومة، ومصدرًا لا ينضب لتدفق المقاتلين.
لقد كان لهذا الكيان الجديد، الذي نشأ وتطوّر في خضم الفوضى العارمة في سوريا والعراق، هدف أساسي واحد: بناء دولة تسمح للسنّة باستعادة زمام السلطة بعدما خسروها في الحكومة العراقية التي يسيطر عليها الشيعة حاليًا بشكل أساسي. وهكذا وقع الخبراء ووسائل الإعلام في فخ حجي أبو بكر، وانغمسوا في مناقشات وتحاليل مطوّلة ومعمّقة حول ما إذا كان تنظيم داعش إسلاميا أم لا. وفي هذا السياق، انكبّوا على دراسة كثير من أشرطة الفيديو المرعبة حول أساليب «داعش» الهمجية التي تظهر فظائع الذبح والحرق والقتل إغراقًا التي استهدفت كل من اعتبره التنظيم «عدوًا للإسلام»، مركّزين بشكل حصري على وحشية الآيديولوجية المزعومة، كما على نجاحاتها العسكرية، ومطالبتها بالعودة إلى أيام الخلافة.
أما اليوم، فإن السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: ما الذي يريده «داعش»؟
منذ أن نشأ التنظيم، عمد إلى فرض الشريعة في المدن التي يسيطر عليها، وإلى فصل البنين عن البنات في المدارس، وإلى إجبار النساء على ارتداء النقاب، كما أدخل المحاكم الشرعية لبسط «عدالته»، مستهدفًا الأقليات الذين إما أجبرهم على اتباع تعاليمه وقوانينه أو قام بتصفيتهم بوحشية على غرار الإيزيديين (في شمال غرب العراق) الذين عمد التنظيم إلى استعبادهم وسبي نسائهم.
أدّت هذه التصرّفات إلى تكوّن اقتناع لدى كثيرين بأن هدف «داعش» الرئيسي هو تأسيس خلافة تحكمها شريعة الله. ولكن هل هذا حقًا الهدف الأساسي أو الوحيد للتنظيم؟
بغض النظر عما إذا كانت هذه الادعاءات صحيحة أم لا، وعلى الرغم من أنها نجحت في استقطاب كثير من الشباب المسلم من مختلف أنحاء العالم الذين شعروا بالتهميش في مجتمعاتهم، فإن الواقع على الأرض يشير إلى عكس ذلك؛ ففي الوقت الذي ما زال فيه السنّة في بغداد يقاتلون للدفاع عن «إقليمهم»، عمد «داعش»، بحكم قوة الأمر الواقع، إلى عرض «إقليم» آخر عليهم تحت حجة «الأمة الإسلامية».
وهكذا تمكّن «داعش» من السيطرة على مئات الأميال المربّعة بين سوريا والعراق، حيث انعدمت سلطة الدولة.. فمنذ البداية، استطاع التنظيم المتطرف بسط حكمه على معابر على الحدود السورية مع تركيا وصولاً إلى المدن المتاخمة للعاصمة العراقية بغداد. ومن ثم، نجح في إرساء شكل من أشكال الحكم وإنشاء ما يشبه شكل «دولة» في المناطق التي يسيطر عليها، مركّزًا على استغلال الاقتناع السائد بين «كثرة كاثرة» من السكان السنّة بأنهم مضطهدون على يد الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة بزعامة نوري المالكي، وأنهم محرومون من الموارد الأساسية في البلاد ولا يحق لهم المشاركة في السلطة.
ولقد تنطبق المقولة التالية على «داعش»، إذ ترى البروفسورة لويز ريتشاردسون، مؤلفة الكتاب الشهير «ماذا يريد الإرهابيون: فهْم العدو لاحتواء الخطر» أن الإرهاب «ظاهرة معقدة، وهو تكتيك يلجأ إليه كثير من الجماعات لغايات متعدّدة ومختلفة».
وعليه، فإن جزءًا مما يريده بعض أعضاء «داعش» هو استعادة السلطة المفقودة؛ حيث أشار تقرير مجلة «دير شبيغل» إلى أن وراء تطور فكرة «داعش» لدى حجي أبو بكر وكثير من البعثيين الذين ساهموا في إنشاء التنظيم، قرار بول بريمر، رئيس سلطة الاحتلال الأميركي في بغداد حينذاك، الذي قضى بحل الجيش بمرسوم في مايو (أيار) 2003. وذلك القرار، كما هو معروف، حرم الآلاف من الضباط السنّة المتمرّسين لقمة عيشهم. ولاحقًا، اتسع تهميش السنّة ليطال القبائل العراقية الكبيرة لا سيما غرب البلاد وشمالها. وتأكيدا على ذلك، عدّ الشيخ رعد سليماني، وهو شخصية عراقية بارزة في قبيلة الدليم الكبيرة، في مقابلة سابقة أجرتها معه «الشرق الأوسط» في العاصمة الأردنية عمّان، أن «نحو 90 في المائة من قوى (داعش) مؤلفة من عشائر عراقية»، شارحًا أن التهميش السياسي والاجتماعي لأهل السنّة في العراق يمثل أحد الأسباب التي تفسّر دعم القبائل والعشائر العراقية لـ«داعش».
أضف إلى ما تقدم، المظالم التي تعرّض لها السنّة في ظل حكم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي اتبع نهجًا طائفيًا صريحًا؛ إذ جاءت حملة القمع العنيفة التي شنها المالكي إثر الاحتجاجات في المناطق السنّيّة خلال عام 2013 ضد عشرات الآلاف من السنّة في مدن الرمادي والفلّوجة والموصل وكركوك، لتفاقم الأمور سوءًا وتؤجّج سخط المعارضة، ومن نماذج تلك الحملة الغارة التي شنّت على مخيم احتجاج في الحويجة يوم 23 أبريل 2013 وأدّت إلى مقتل 44 مدنيًا، وفقا لتقرير لجنة برلمانية. ولذا، عندما اجتاح «داعش» ثلث أراضي العراق خلال الصيف الماضي، رحب كثيرون من السنّة به في بداية الأمر، وعدوه محرّرًا لهم. ويعتقد مراقبون جيّدو الاطلاع أن الغالبية العظمى في المناطق الخاضعة لسيطرته ما زالت تؤيده، على الرغم من أن عددًا من المواطنين يعترضون على ممارساته الوحشية، وهذا ما قاله مصدر في الموصل تحدثت معه «الشرق الأوسط» أخيرًا.
ما يجب قوله، هنا، هو أنه حتى الآن يشعر السنّة في العراق بأن حكومة بغداد برئاسة حيدر العبادي، الذي خلف المالكي والذي ينتمي للخلفية المذهبية والحزبية ذاتها، تتجاهل وضعهم، وقد يكون خير مثال على ذلك «مشروع الحرس الوطني» الذي ما زال مطروحًا للنقاش أمام البرلمان على الرغم من أن مجلس الوزراء وافق عليه. ويهدف هذا «المشروع» إلى ضم مختلف الميليشيات والقوات المحلية مثل «قوات التعبئة الشعبية» و«أبناء العراق» و«قوات البيشمركة» الكردية، تحت مظلة واحدة هي «الحرس الوطني». ووفق مخطّط الحكومة، فمن المفترض أن يُنشر هذا «الحرس الوطني» في كل المحافظات العراقية وأن يصار إلى استدعائه عند الحاجة لأغراض مكافحة الإرهاب في فترات الحروب وحالات الطوارئ أو الكوارث الطبيعية. وكانت شبكة «الجزيرة نت» قد ذكرت أنه منذ 24 يونيو (حزيران) الماضي يبدو أن التعديلات التي وافق عليها مجلس الوزراء العراقي بشأن قانون «الحرس الوطني» تقرر وضعها على السكة.
يذكر أن المطالب السنّيّة الأخرى تشمل مشاركة أكبر في العملية السياسية، والعفو العام عن السجناء الذين لم يشاركوا مباشرة في التفجيرات الإرهابية، مع العلم بأنه كان قد ألقي القبض على الآلاف من السنّة بعد انتهاء الاحتلال الأميركي في أعقاب موجة من الهجمات الإرهابية، ومن البديهي أنه لم يشارك بالضرورة فيها جميع الموقوفين. وهذا فضلا عن إدراج البعثيين السابقين في النظام السياسي.. وقد استند «داعش» إلى كل هذه المطالب ليفرض نفسه قوة يحسب لها حساب في العراق.
إلى ذلك، تشير البروفسورة ريتشاردسون، وهي مديرة جامعة سانت آندروز في اسكوتلندا، إلى أن الإرهاب «خليط قاتل مكوَّن من عناصر مهمشة، ومجتمع مؤات، وآيديولوجية مشرِّعة». والواضح إذن أنه بالنسبة إلى «داعش» ليست الآيديولوجية «المزعومة» هي الهدف الأساسي للتنظيم الذي يركز في الوقت عينه على أهداف قريبة وبعيدة المدى، لا بل إن تأسيس «الدولة الإسلامية» المزعومة ليس سوى واجهة لمخطّطات خفية كبرى.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.