العيد في سوريا: موسيقى جوالة وسط العاصمة وسينما في الغوطة المحاصرة

سوريون مع وضد النظام يحيونه رغم الموت والدمار

العيد في سوريا: موسيقى جوالة وسط العاصمة وسينما في الغوطة المحاصرة
TT

العيد في سوريا: موسيقى جوالة وسط العاصمة وسينما في الغوطة المحاصرة

العيد في سوريا: موسيقى جوالة وسط العاصمة وسينما في الغوطة المحاصرة

رغم الموت والدمار والحرب التي حصدت من أرواح السوريين أكثر من 1689 شخصا خلال شهر رمضان بحسب إحصائية أجراها (تجمع ثوار سوريا)، فإن عيد الفطر كان مناسبة للكشف عن مبادرات شعبية كثيرة، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أو المناطق المحاصرة، أو تلك الواقعة تحت سيطرة مقاتلي المعارضة.
وبينما سجل (تجمع ثوار سوريا) حدوث أكثر من 56 «مجزرة» بحق المدنيين في مناطق مختلفة من سوريا، بينها 48 مجزرة ارتكبتها قوات النظام وسبع ارتكبها تنظيم داعش، كان هناك من يفكر بأن يحمل العيد بعضا من الفرح للسوريين. من ذلك، أن مجموعة تكفلت سخاء الخيرية (منظمة محلية سورية) بحلاقة مجانية (قص شعر)، في اليوم الأول من العيد لأكثر من 3 آلاف شخص، غالبيتهم من الأطفال، في غوطة دمشق الشرقية المحاصرة. كما أطلق تجمع ربيع ثورة ومؤسسة عدالة وجمعية أهل سوريا الكرام SRT فعالية «بسمة أمل رغم الحصار» في بيت سحم جنوب دمشق، وشملت الفعاليّة تجهيز الأراجيح وألعاب ساحة العيد التي استوعبت نحو 350 طفلاً، فيما تم استيعاب نحو 200 طفل مع بعض الأمهات ضمن قاعة مجهّزة بشاشة عرض سينمائي، بالإضافة إلى برامج مسابقات للأطفال وتوزيع هدايا للفائزين وتقديم المأكولات والحلويات، في محاولة للتغلب على بؤس الحصار المفروض على سكان جنوب العاصمة. وقال ناشطون بأن النشاطات متواصلة طيلة أيام العيد بمشاركة فريق دعم نفسي متخصص بتقديم عروض لأطفال بلدة بيت سحم وبقية أحياء وبلدات جنوب دمشق المحاصر.
وفي قلب العاصمة دمشق حيث تشتد القبضة الأمنية بينما يعاني السكان من انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة وشح المياه وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، قام الفريق الموسيقي التابع لمجموعة (وتد التربوية الموسيقية) وهي جهة أهلية، بجولة موسيقية بمناسبة العيد في منطقة الشعلان التجارية الأكثر اكتظاظا في دمشق، ووسط مجاميع الناس الذين خرجوا ليلة العيد إلى الأسواق، سارع عازفو المزامير والطبول وسط موكب يحملون أعلام ورايات المجموعة التي تدلّ على أفرعها المختلفة.
وتعرف مجموعة وتد التربوية الموسيقيّة عن نفسها بأنها: «مجموعة تطوعيّة تعمل مع الأطفال واليافعين والشباب، من مختلف فئات وأطياف المجتمع السوري».
أما في حمص التي أطلقت عليها المعارضة لقب عاصمة (الثورة) ودفعت ثمنا لهذا اللقب بتدمير أكثر من أربعة عشر حيا من أحيائها، فقد أطلقت مجموعة من أهالي حمص ما سموه (مبادرة الدبلان) لصنع أطول سندويشة فلافل بطول 65 مترا، ليلة عيد الفطر في شارع القوتلي الذي يربط بين الساعة القديمة والساعة الجديدة في مركز مدينة حمص. وجاءت الفعالية تحت اسم (لقمة بتجمعنا) بهدف إعادة تفعيل أسواق حمص ومركز المدينة التي تدمرت بشكل شبه كامل بالقذائف الصاروخية المدفعية والجوية. ومع أن المعارضة وجدت في هذا النشاط محاولة من النظام لبث الحياة في أحياء هجرها سكانها واستوطن مكانهم سكان من الموالين، إلا أن بعض المعتدلين من سكان حمص حاولوا جعلها دعوة للمصالحة، لا سيما أن هناك أحياء مدمرة بشكل كامل وما زال ممنوعا على سكانها العودة إليها، مثل: القصور والقرابيص وجورة الشياح والخالدية وأحياء حمص القديمة وباب السباع وعشيرة وكرم الزيتون والرفاعي وديربعلبة والبياضة.
ويؤكد القائمون على فعالية «لقمة بتجمعنا» (لجنة حي البغطاسية وفعاليات شارع الدبلان والمواطن عبد الواحد صالح آغا صاحب أحد مطاعم الفلافل)، أنها فعالية أهلية غابت عنها الصفة الرسمية، وحضرها نحو 400 شخص. واستهلكت سندويشة الفلافل الحمصية 430 رغيف خبز و3200 قرص فلافل و75 كيلو بندورة و75 كيلو خيار وخس، و30 كغ طحينة. وقال مختار حي الغطاسية حافظ السباعي، بحسب ما نقلته مواقع تواصل، أن «الهدف من هذا العمل هو لفت أنظار الناس بأننا سنعيد الحياة إلى ساحة الساعة في مركز حمص التجاري، وأن نعيد ربط الأحياء فيما بينها، لأننا تعمدنا أن يحضر الناس من كل أحياء حمص، فأهل حمص طيبون».
في المقابل فإن نسبة الذين ماتوا من الجوع في الغوطة الشرقية شهدت ارتفاعا خلال شهر رمضان حيث سجل وفاة 6 أطفال في مدينة دوما، بحسب تقرير (تجمع ثوار سوريا) فيما بلغ عدد القتلى في سوريا في شهر رمضان 1689 قتيلا بينهم 1394 مدنيا يتضمنون 176 طفلاً، و135 سيدة، و52 قضوا تحت التعذيب. وأشار التقرير إلى أن 1320 شخصا قتلوا على أيدي قوات النظام و312 شخصًا قتلوا على أيدي تنظيم داعش معظمهم في عين العرب كوباني؛ بالإضافة إلى عشرات الإعدامات التي نفذها التنظيم و29 شخصا قتلوا على أيدي جهات لم يتمكن التجمع من تحديدها، و20 شخصا قتلوا بسبب غارات طيران التحالف الدولي و8 قتلوا على أيدي الوحدات الكردية.
وكان لحلب النسبة الأكبر في عدد القتلى حيث بلغ عددهم 712 قتيلا تلاها كل من درعا 255، دمشق وريفها 247، إدلب 170. حمص 92. حماه 79. دير الزور 67. الرقة 31. الحسكة 30، اللاذقية أربعة قتلى، بانياس قتيل واحد، والقنيطرة قتيل واحد.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.