«المهرجانات الأفريقية»... انتعاشة لافتة ترسّخ التنوع الثقافي للقارة السمراء

رقصات وأنغام وأكلات شعبية بطقوس غير تقليدية

بوستر مهرجان «أفريقيا الأم» في كوت ديفوار
بوستر مهرجان «أفريقيا الأم» في كوت ديفوار
TT

«المهرجانات الأفريقية»... انتعاشة لافتة ترسّخ التنوع الثقافي للقارة السمراء

بوستر مهرجان «أفريقيا الأم» في كوت ديفوار
بوستر مهرجان «أفريقيا الأم» في كوت ديفوار

منذ بداية العام، تشهد قارة أفريقيا انتعاشة لافتة في إقامة المهرجانات القومية، والتي تتميز بطقوسها غير التقليدية، من أنغام وطبول ورقصات وأكلات شعبية مختلفة، تعكس تنوعاً ثقافياً بالقارة السمراء.
وتحتضن أفريقيا أكثر من ثلاثة آلاف مجموعة عرقية، يتحدثون قرابة ألفي لغة دولية ومحلية. وبعد فترة هدوء سببتها جائحة «كورونا»، على مدار العامين الماضيين، بدأت دول بالقارة إعادة تنشيط المهرجانات الفنية، والتي تنوعت ما بين فاعليات جديدة، وأخرى تقليدية عريقة.
فمع مطلع يناير (كانون الثاني) الجاري، نظَّمت كوت ديفوار مهرجان «أفريقيا الأم»، والذي وصفته بأنه «أول مهرجان أفريقي متعدد الأشكال والثقافات»، وضمّت فعالياته حفلات غنائية وجلسات فنية للرسم والنحت، ودروس في الرقص الأفريقي، فضلاً عن قرية للحرف اليدوية، وإتاحة تجربة تذوُّق أطباق مختلفة من المطبخ الإيفواري، بما في ذلك الطبق الأشهر «أتيكي»، التي يتم إعداده من لب الكسافا (شجيرة خشبية) المخمر المبشور.
حملت النسخة الأولى من المهرجان، الذي أُقيم على ضفاف بحيرة «إبري بولفارد دي مارسيليا»، بأبيدجان، شعار «أفريقيا المستقبل»، ونجح في حشد كثير من الفنانين الأفارقة، للاحتفال بالرواج العالمي للموسيقى الأفريقية.
مهرجان آخر مستحدث، شهدته تشاد طيلة شهر كامل، بدايةً في الخامس والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهو مهرجان «داري» الثقافي، الذي عرضت فعالياته مختلف المعالم الثقافية والتراثية التشادية.
ومع بداية المهرجان، ازدانت العاصمة إنجمينا بألوان زاهية لاستقبال الجماهير، لكنَّ الأمر تسبب في مشكلة هذا العام، مع شكوى البعض من أن ألوان المظلات في ساحة قصر الثقافة تشبه ألوان «قوس قزح»، التي أصبحت مرادفاً للمثلية الجنسية، فسرعان ما تدارك القائمون على المهرجان الأمر، وأزالوا الأعلام.
ومع ذلك، لم ينل سوء الفهم البسيط سالف الذكر من استمتاع جماهير المهرجان بمشاهدة رقصات شعبية تؤديها فرق من أقاليم مختلفة في البلاد، إلى جانب استعراض المهرجان أنماط بنايات قديمة اعتادت الأجيال الأقدم العيش بها، والحِرَف اليدوية وكذلك جوانب من الحياة البدوية التشادية.
وفي الغرب الأفريقي، وبدايةً من 11 يناير الجاري، وعلى امتداد قرابة 10 أيام، تحتفل دولة بنين بمهرجان «الفودو»، الذي تستضيفه مدينة ويدا المطلة على ساحل المحيط الأطلسي.
وتمثل ويدا مركز ديانة «الفودو» على مستوى البلاد، وهي مدينة تاريخية يعود تاريخ بنائها إلى نهاية القرن السادس عشر. وتشهد ويدا احتشاد المئات للاستمتاع بمشاهدة طقوس رقصات الفودو وقرع الطبول. ويرتدي البعض ملابس تقليدية ملونة يُطلق عليهم «زانغبيتو»، وتعني «حراس الليل». ويتولى هؤلاء مسؤولية حفظ الأمن والنظام، ويحظى أفرادها بتوقير بالغ بين أبناء المنطقة.
وفي كل عام، يحرص العشرات من المشاركين بالمهرجان على ارتداء ملابس بيضاء ويصطفون ووجوههم نحو البحر لتحية «مامي واتا»، إلهة البحر. ويقام كذلك قوس ضخم يطلق عليه «باب اللاعودة»، إحياءً لذكرى الأفارقة الذين استُعبدوا وجرى تكديسهم في سفن شحن العبيد من سواحل ويدا إلى ما كان يُعرف بالعالم الجديد.
وبمجرد سماع كلمة «فودو»، يسري الخوف في نفوس البعض، وتتبادر إلى أذهانهم تصورات لطقوس غامضة ترتبط بالسحر الأسود، إلا أن معتنقي ديانة الفودو يجتهدون منذ سنوات لتغيير هذه النظرة الشائعة التي يصفونها بالمغلوطة.
ونجح مهرجان الفودو بالفعل خلال السنوات الماضية، في اجتذاب أعداد متزايدة من السائحين، خصوصاً من الولايات المتحدة والبرازيل ودول الكاريبي من أحفاد الأفارقة الذين جرى استعبادهم وتسفيرهم إلى الغرب من سواحل أفريقيا.
وللمهرجانات في أفريقيا أهمية محورية كونها جزءاً أصيلاً من الثقافة المحلية مع تنوعها، كما يشير سراج ثاني محمد، المدرس النيجيري بكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «الدول الأفريقية بدأت حديثاً تنتبه لإمكانية استغلال ثقافتها الثرية كأداة جذب سياحي، وإلى جانب ذلك، تحرص بعض المجتمعات الأفريقية على إحياء مهرجانات قديمة لتعزيز أواصر الترابط بين الأجيال المعاصرة وأجيال الأجداد، وغرس روح الاعتزاز بالثقافات الوطنية في نفوس الأبناء».
وبدوره، أوضح الدكتور صبري سلامة، الخبير في الشؤون الأفريقية والأستاذ بجامعة القاهرة، أن المهرجانات بوجه عام تشكل عنصراً رئيسياً في الثقافة الأفريقية، الأمر الذي دفع البعض لأن يطلقوا على أفريقيا «قارة المهرجانات».
وأشار إلى أن المهرجانات الشعبية التقليدية داخل الدول الأفريقية التي تحولت إلى الإسلام، مثل تشاد، اكتسبت طابعاً إسلامياً واضحاً، ميَّزها عن المهرجانات الأخرى التي سادت قبل دخول الإسلام.
وفي نيجيريا، قررت قبيلة تانغالي بالشمال، إحياء مهرجان باسم «شاغ باي»، الذي يعود إلى حقبة ما قبل الإسلام، وهو مهرجان لأكل لحوم الكلاب، الأمر الذي أثار حفيظة أبناء المجموعات العرقية الأخرى بشمال نيجيريا ينتمي غالبية أهلها للإسلام.
ويتركز المهرجان داخل مدينة بريلي، حيث تخرج حشود من أبناء تانغالي لذبح أعداد كبيرة من الكلاب وطهي لحومها وتناولها. ومع هذا، دافع منظمو المهرجان عنه، بوصفه محاولة لإحياء الثقافة التانغالية وربط الأجيال الجديدة بثقافة الأسلاف.


مقالات ذات صلة

فيلمان سعوديان يحصدان جوائز في «الفيوم السينمائي» بمصر

يوميات الشرق خالد ربيع خلال تسلّمه جائزة الفيلم السعودي (إدارة المهرجان)

فيلمان سعوديان يحصدان جوائز في «الفيوم السينمائي» بمصر

اختُتمت، مساء الجمعة، فعاليات الدورة الأولى لمهرجان الفيوم السينمائي الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة الذي أُقيم بمحافظة الفيوم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)

«القاهرة للسينما الفرانكفونية» يراهن على أفلام عالمية تعالج الواقع

بالتضامن مع القضية الفلسطينية والاحتفاء بتكريم عدد من السينمائيين، انطلقت فعاليات النسخة الرابعة من مهرجان «القاهرة للسينما الفرانكفونية»، الخميس.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق عروض الأراجوز تشهد إقبالاً كبيراً من تلاميذ المدارس (إدارة الملتقى)

ملتقى مصري لحماية الأراجوز وخيال الظل من الاندثار

مساعٍ لحماية الأراجوز وخيال الظل والعرائس التقليدية من الاندثار بوصفها من فنون الفرجة الشعبية بمصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)

«الفيوم السينمائي» يراهن على «الفنون المعاصرة» والحضور الشبابي

يراهن مهرجان «الفيوم السينمائي الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة» في نسخته الأولى التي انطلقت، الاثنين، على الفنون المعاصرة.

أحمد عدلي (الفيوم (مصر))
يوميات الشرق انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)

انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

تقع أهمية النسخة الـ10 من المهرجان بتعزيزها لدور الصورة الفوتوغرافية ويحمل افتتاحه إشارة واضحة لها.

فيفيان حداد (بيروت)

«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

يطمح الفنان المصري هشام نوّار إلى إعادة تشكيل الجسد بصرياً عبر معرضه «الجميلات النائمات» متشبعاً بالعديد من الثيمات الأيقونية في الفن والأدب والتاريخ الإنساني، خصوصاً في التعامل مع الجسد الأنثوي، بما يحمله من دلالات متعددة وجماليات عابرة للزمان ومحيّدة للمكان.

يذكر أن المعرض، الذي يستضيفه «غاليري ضي» بالزمالك (وسط القاهرة) حتى 5 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، يضم ما يزيد على 50 لوحة تتنوع خاماتها بين استخدام الألوان الزيتية على القماش بمساحات كبيرة، وبين الرسم بالألوان في مساحات أقل.

ويعدّ الجسد بمفهومه الجمالي والفني هو محور المعرض، والجسد الأنثوي تحديداً هو الأكثر حضوراً، بينما تبقى الوضعية الرئيسية التي اختارها الفنان، وهي فكرة «تمثال الكتلة» المصري القديم، وتوظيفه على هيئة فتاة نائمة هي الأكثر تعبيراً عن الفكرة التي يسعى لتقديمها، واضعاً ثيمتي الجمال، ممثلاً في الجسد الأنثوي، والنوم ممثلاً في وضعية واحدة تجسد المرأة، وهي نائمة في وضع أشبه بالجلوس، في إطار مشبع بالدلالات.

اللونان الأصفر والأحمر كانا لافتين في معظم الأعمال (الشرق الأوسط)

وعن المعرض، يقول هشام نوار: «الفكرة تستلهم تمثال الكتلة المصري القديم، فمعظم الشخصيات التي رسمتها تعود لهذا التمثال الذي ظهر في الدولة المصرية القديمة الوسطى، واستمر مع الدولة الحديثة، ويمثل شخصاً جالساً يضع يديه على ركبته، وكأنه يرتدي عباءة تخبئ تفاصيل جسده، فلا يظهر منه سوى انحناءات خفيفة، ويكون من الأمام مسطحاً وعليه كتابات، وكان يصنع للمتوفى، ويكتب عليه صلوات وأدعية للمتوفى».

ويضيف نوار لـ«الشرق الأوسط»: «تم عمل هذا التمثال لمهندس الدير البحري في الدولة الحديثة، الذي كان مسؤولاً عن تربية وتثقيف ابنة حتشبسوت، فيظهر في هيئة تمثال الكتلة، فيما تظهر رأس البنت من طرف عباءته، ومحمود مختار هو أول من اكتشف جماليات تمثال الكتلة، وعمل منها نحو 3 تماثيل شهيرة، هي (كاتمة الأسرار) و(الحزن) و(القيلولة)».

حلول جمالية بالخطوط والألوان (الشرق الأوسط)

وقد أهدى الفنان معرضه للكاتب الياباني الشهير ياسوناري كاواباتا (1899 - 1972) الحائز على نوبل عام 1968، صاحب رواية «منزل الجميلات النائمات» التي تحكي عن عجوز يقضي الليل بجوار فتاة جميلة نائمة بشرط ألا يلمسها، كما أهداه أيضاً للمثال المصري محمود مختار (1891 – 1934) تقديراً لتعامله مع فكرة «تمثال الكتلة».

وحول انتماء أعماله لمدرسة فنية بعينها، يقول: «لا يشغلني التصنيف، ما يشغلني معالجة خطوط الجسد البشري، كيف أجد في كل مرة حلاً مختلفاً للوضع نفسه، فكل لوحة بالنسبة لي تمثل الحالة الخاصة بها».

الفنان هشام نوار في معرضه «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

ويشير نوّار إلى أنه لم يتوقع أن يرسم كل هذه اللوحات، وتابع: «الفكرة وراء الجميلات النائمات الممنوع لمسهن، لكن تظل المتعة في الرؤية والحلم الذي يمكن أن يحلمه الشخص، حتى إن ماركيز قال إنه كان يتمنى أن يكتب هذه الرواية».

«يؤثر التلوين والتظليل على الكتلة، ويجعلها رغم ثباتها الظاهر في حال من الطفو وكأنها تسبح في فضاء حر، هنا تبرز ألوان الأرض الحارة التي احتفى بها الفنان، وتطغى درجات الأصفر والأحمر على درجات الأخضر والأزرق الباردة»، وفق الكاتبة المصرية مي التلمساني في تصديرها للمعرض.

أفكار متنوعة قدّمها الفنان خلال معرض «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

وتعدّ مي أن هذا المعرض «يكشف أهمية مقاومة الموت من خلال صحوة الوعي، ومقاومة الذكورية القاتلة من خلال الحفاوة بالجسد الأنثوي، ومقاومة الاستسهال البصري من خلال التعمق الفكري والفلسفي؛ ليثبت قدرة الفن الصادق على تجاوز الحدود».

وقدّم الفنان هشام نوّار 12 معرضاً خاصاً في مصر وإيطاليا، كما شارك في العديد من المعارض الجماعية، وعمل في ترميم الآثار بمنطقة الأهرامات عام 1988، كما شارك مع الفنان آدم حنين في ترميم تمثال «أبو الهول».