الهند: هجمات صادمة ضد الصحافيين بسبب حملاتهم ضد الفساد

وسط قلق من تعرض حرية الإعلام إلى ضغوط جديدة تمارس بعضها الدولة

مظاهرات في نيودلهي ضد الضغوط المفروضة على الإعلاميين («الشرق الأوسط»)
مظاهرات في نيودلهي ضد الضغوط المفروضة على الإعلاميين («الشرق الأوسط»)
TT

الهند: هجمات صادمة ضد الصحافيين بسبب حملاتهم ضد الفساد

مظاهرات في نيودلهي ضد الضغوط المفروضة على الإعلاميين («الشرق الأوسط»)
مظاهرات في نيودلهي ضد الضغوط المفروضة على الإعلاميين («الشرق الأوسط»)

تم حرق جاغندرا سينغ حتى الموت بإيعاز من وزير في الحكومة الفيدرالية في ولاية أوتار براديش. وجريرة سينغ هي أنه كتب سلسلة من الموضوعات الصحافية عن تورط وزراء في عمليات تعدين غير قانونية. ونشر اتهامات للوزير بالفساد على صفحته على موقع «فيسبوك» مدعمة ببعض الوثائق. وفي حالة أخرى، تم اختطاف الصحافي سانديب كوثاري، وتم العثور على جثته بالقرب من قضيب سكة حديد. وكشفت تحقيقات الشرطة أنه تم حرقه حيًا على أيدي عصابات أقطاب المانغنيز والرمل الذين يعملون في ولاية مادهيا براديش.
ولا ينبغي النظر إلى عمليات القتل هذه باعتبارها حوادث فردية، حيث تعرض صحافيون في الهند إلى سلسلة من الهجمات الصادمة على مدى الأسابيع القليلة الماضية. وقال الصحافي ساميودين نيلو، الذي تم استهدافه منذ عدة سنوات: «من الواضح أن الهجمات لم تكن هدفها فحسب إخراس الصحافيين الثلاثة، ومنعهم من كشف تفاصيل عن الأعمال الغامضة المشبوهة التي تزدهر في تلك الولايات، بل تهديد وإرهاب صحافيين آخرين أيضًا». وتم ضرب حيدر خان، ثم تم جره باستخدام دراجة نارية لكتابته عن الاستيلاء على أراضٍ بطريقة غير قانونية ويرقد في المستشفى بين الحياة والموت.
وهاجم أفراد من عصابة أقطاب صناعة الرمل الصحافي التلفزيوني، آشوك نامديف. وأطلق رجال يركبون دراجات نارية النار على ديباك ميشرا لكتابته عن أوكار الميسر. وتم إطلاق النار على براسانتا كومار، صحافي في الريف، وإلقاؤه خارج سيارته، لكنه نجا. وأصيب أرون تشاتورفيدي، رئيس تحرير صحيفة أسبوعية هندوسية، إصابات بالغة في هجوم من قبل مجرمين بإيعاز من صاحب مزرعة ألبان، عندما اعترض تشاتورفيدي على إلقاء القمامة على جانب الطريق. وتمت مهاجمة أسرة الصحافي حافظ سيد الدين بالسلاح الناري عندما كان في مهمة عمل. وفي الوقت الذي تفخر فيه الهند بنظامها الديمقراطي، تعد الهجمات على صحافيين، والتي كانت 90 في المائة منها خلال شهر يونيو (حزيران)، سببا كافيا لإثارة القلق. المثير للاهتمام هو أن أكثر الصحافيين، الذين تم قتلهم أو الهجوم عليهم، من بلدات صغيرة؛ وكتبوا عن حالات فساد. وكثيرا ما يواجه صحافيون مضايقات وإرهابا من قبل الشرطة، وسياسيين، ومسؤولين بيروقراطيين في الهند. وقال سوجات بخاري، أحد كبار المحررين، والذي تم خطفه وضربه في كشمير بسبب تغطيته الإعلامية: «يوضح قتل صحافيين عام 2015 تنامي مكانة وسائل الإعلام المحلية خاصة الصحف المكتوبة باللغة المحلية». ويؤثر هذا النهج بشكل مباشر على حق المواطنين في مسائلة أقطاب، ومؤسسات صناعة التعدين، والنفط، والرمل، وكذلك السياسيون، ومسؤولو الولايات على حد قول سوجات. ويتعرض صحافيون، كشفوا فسادا أو أنشطة لعصابات مافيا خاصة الذين يعملون لدى صحف محلية، لعنف مثل الذي يتعرض له آخرون في بلاد لديها سجل مشين في مجال حرية الصحافة، بحسب ما توضح بيانات جمعتها صحيفة «هندوستان تايمز». وتأتي الهند في المرتبة الـ136 من بين 180 دولة على قائمة حرية الصحافة العالمية لعام 2015. وتشغل الهند المركز الرابع في قائمة الدول الأخطر من حيث حرية الصحافة لعام 2015 طبقا لبيانات لجنة حماية الصحافيين.
وفتح المجلس الهندي القانوني للصحافة، والذي يقوم بدور تنظيمي ورقابي من أجل حماية الصحافيين، عدة تحقيقات في جرائم القتل، والهجوم في نطاق سلطته. وكما هو متوقع، أثارت أحداث العنف الأخيرة ضد صحافيين جدلا بشأن أمن وسلامة الصحافيين. وطالب صحافيون بارزون بوضع «خطة سلامة قومية» خاصة بالكتاب، في حين دعا آخرون إلى تمكين اللجان الصحافية.
ودعا صحافيون هنود بارزون، ومجموعات حقوقية عالمية إلى وضع خطة قومية من أجل حماية الصحافيين وسط قلق من تعرض حرية الإعلام إلى ضغوط جديدة، تمارس بعضه الدولة. وقال تشاندراماولي كومار براساد، رئيس المجلس الهندي القانوني للصحافة: «جرائم القتل صادمة. وأمرنا بفتح تحقيق واستنادا إلى التقارير النهائية، سوف نقدم التوصيات المناسبة للحكومة». وقال رافيش كومار، مذيع أخبار في محطة «إن دي تي في إنديا»: «نحن بحاجة إلى إخبار المجتمع أن حريتنا كصحافيين مهمة من أجل حريتكم». وقالت نيرجا تشودهاري، صحافية بارزة: «تمثل التطورات الأخيرة تحديا مختلفا للصحافيين في الهند، حيث يوجد انتهاك لحقوق وحرية الصحافة». وأوضحت أن الهجمات طريقة لإخبار الصحافيين بضرورة الالتزام بالموضوعات الآمنة البعيدة عن الصحافة الاستقصائية. وهناك هجمات على صحافيين شجعان في بلاد مثل باكستان، وأفغانستان، والفلبين، لكن «من المؤسف أن بلادنا تتجه بقوة نحو هذا الوضع. مرتكبو الجرائم من الأشخاص النافذين الذين يتمتعون بحصانة، ويعلمون جيدا أنهم سيفلتون بفعلتهم». وأشارت إلى عدم اتخاذ أي فعل ملموس واضح حتى يمثل مرتكبو الجرائم أمام العدالة نظرا لتورط شخصيات تتمتع بسلطة ونفوذ. وأضافت قائلة: «استجابة الحكومة لهذه القضية بطيئة جدا». ما لم يكون هناك اعتراض شعبي، فالحكومة «لن تصغي». ولا تعد الهجمات على الصحافيين بالأمر الجديد، فبحسب المجلس الهندي للصحافة، تم قتل 79 في المائة من الصحافيين على مدى الـ25 عاما الماضية، ويعد هذا الرقم كبير جدا بالنسبة إلى دولة ديمقراطية، وبلد لا يقع ضمن نطاق منطقة حرب. خلال تسعينات القرن الماضي وبداية الألفية الثانية، شهدت الهند عملية إخراس للكثير من الصحافيين في مناطق تشهد إرهاب، وصراع مثل البنجاب، وكشمير، والولايات التي تقع شمال شرقي الهند، وولاية تشاتيسغار، التي تشهد عنفا. وكان مرتكبو أكثر جرائم القتل من مؤيدي الجماعات الإرهابية. مع ذلك خلال عامي 2011 و2012 بدأت أشكال أخرى تظهر. وتعرض صحافيون إلى هجوم بسبب كتابة موضوعات عن مافيا الأراضي، والمخدرات، والتعدين. وشهد عام 2013 مقتل أحد عشر صحافيا في مختلف أنحاء الهند. وشبهت الصحافية المخضرمة أنيتا جوشوا هذا الوضع بالوضع في سوريا، حيث لقي 16 صحافيا حتفهم في العام نفسه، وبباكستان حيث فقد تسعة صحافيين حياتهم. وانخفض عدد القتلى عام 2014، رغم أن الصحافيين، الذين فقدوا حياتهم، قد قتلوا لأسباب مماثلة.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.