لماذا تُعزز المؤسسات الإعلامية اهتمامها بـ«تيك توك» و«إنستغرام»؟

لماذا تُعزز المؤسسات الإعلامية اهتمامها بـ«تيك توك» و«إنستغرام»؟
TT

لماذا تُعزز المؤسسات الإعلامية اهتمامها بـ«تيك توك» و«إنستغرام»؟

لماذا تُعزز المؤسسات الإعلامية اهتمامها بـ«تيك توك» و«إنستغرام»؟

أثارت نتائج استطلاع لآراء الناشرين والقائمين على إدارة مؤسسات إعلامية دولية بشأن تعاملهم مع منصات التواصل الاجتماعي، تساؤلات حول سبب اتجاههم لتعزيز الاهتمام بمنصات مثل «تيك توك» و«إنستغرام»، على حساب منصات أخرى مثل «فيسبوك» و«تويتر»، الأمر الذي عزاه خبراء إلى الرغبة في استقطاب الأجيال الأصغر سناً، لا سيما «جيل زد».
حسب التقرير السنوي لمعهد «رويترز» لدراسة الصحافة، الصادر في يناير (كانون الثاني) الجاري، فإن «صُناع الإعلام سيولون اهتماماً أقل بكثير لمنصات مثل (فيسبوك) و(تويتر)، في مقابل زيادة الاهتمام بمنصات مثل (تيك توك) و(إنستغرام) و(يوتيوب)، على التوالي، باعتبارها منصات تحظى بشعبية لدى جيل الشباب». ولفت التقرير، الذي اعتمد على استطلاع آراء 303 من قيادات الإعلام في 53 دولة حول العالم، إلى أن «الاهتمام المتزايد بمنصة مثل تيك توك يعكس رغبة وسائل الإعلام في الانخراط مع الفئة العمرية الأقل من 25 سنة، والرغبة في اعتماد تجربة السرد القصصي بالفيديو، رغم المخاوف بشأن إمكانية تحقيق عائدات مالية، أو تأمين البيانات». وتتسق هذه النتائج مع دراسة سابقة نشرها معهد «رويترز» لدراسة الصحافة، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال فيها إنه بينما يستخدم 40 في المائة من الشباب من سن 18 إلى 24 سنة منصة «تيك توك» في أغراض متنوعة، فإن 15 في المائة من الفئة العمرية نفسها يستخدمون المنصة مصدراً للأخبار. ولفتت إلى أن جائحة «كوفيد - 19» كانت نقطة تحول بالنسبة للمنصة التي أطلقتها شركة «بايت دانس» الصينية عام 2018، وكذلك عززت الأزمة الروسية - الأوكرانية، دور «تيك توك» كمصدر للأخبار. وفي يوليو (تموز) الماضي، كشف تقرير أنماط استهلاك الأخبار في بريطانيا خلال عامي 2021-2022 عن أن «إنستغرام» و«تيك توك» و«يوتيوب» باتت تعد أهم ثلاثة مصادر للأخبار بالنسبة للمراهقين في بريطانيا.
الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي، الباحثة في الإعلام الرقمي، أرجعت خلال تصريح لـ«الشرق الأوسط» السبب في اتجاه وسائل الإعلام نحو منصات مثل «تيك توك» و«إنستغرام» إلى «رغبة وسائل الإعلام في الاستفادة من الشعبية المتصاعدة لهذه المنصات، إضافة إلى حرصها على الوصول إلى الأجيال الجديدة الشابة التي تنشط على هذه المنصات». وأردفت أن «الفترة الأخيرة شهدت انتشاراً كبيراً للفيديو، ما يدفع وسائل الإعلام إلى الاهتمام بالمنصات التي تعتمد على الفيديوهات القصيرة».
«عبد الغني» تطرقت إلى «معاناة فيسبوك وتويتر من مشكلات مالية وتخبط إداري ظهر صداه في تسريح أعداد كبيرة من الموظفين، ما انعكس على جودة المحتوى». وتابعت أن «دخول فيسبوك وتويتر أطرافاً في بعض الصراعات السياسية، عبر تبني سياسات نشر تحابي بعض الأطراف على حساب الأخرى، كان له بالغ الأثر في تقليل اعتماد وسائل الإعلام عليهما في الفترة الأخيرة مقارنة بالفترات السابقة». وبالفعل، حقاً، أشار تقرير معهد «رويترز» إلى «معاناة» الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي الكبرى من انتكاسات ومنافسة، لافتاً إلى «تسريح يوتيوب لثلاثة أرباع العاملين وفقدانها أكبر معلنيها، وانخفاض سهم ميتا (مالكة فيسبوك) بنحو الثلثين، إلى جانب سياسات إيلون ماسك، بعد استحواذه على تويتر التي تسببت في ابتعاد بعض الصحافيين عن منصة التغريدات».
عودة إلى «عبد الغني»، فإنها ترهن «فاعلية» وجود وسائل الإعلام التقليدية على منصات التواصل الاجتماعي، بـ«قدرة وسائل الإعلام على تقديم محتوى يتناسب مع طبيعة هذه المنصات من جهة، ويلائم الجمهور المستهدف من جهة أخرى». وشددت على «ضرورة الاهتمام بشكل وطبيعة المحتوى... والسبيل الأفضل هو إنتاج محتوى إعلامي تتوفر فيه الجودة العالية، ويلائم روح العصر، ويلامس موضوعات ذات أهمية بالنسبة للجمهور».
من جهة أخرى، ترى «عبد الغني» أنه «ينبغي لمنصات التواصل الاجتماعي تبني سياسات أكثر حزماً تجاه حماية الجمهور من التنمر الإلكتروني، وحماية حقوق الأفراد من المقاطع التي تنتهك خصوصيتهم ومراعاة معايير السلامة الأسرية».
أخيراً، حسب تقرير معهد «رويترز»، فإن «نحو نصف كبار الناشرين حول العالم، تحديداً 49 في المائة، لديهم حسابات نشطة على تيك توك، رغم وجود تحفظات لديهم بشأن ملكية الصين للمنصة، والمخاوف بشأن تسريب البيانات». وللعلم، تواجه منصة «تيك توك» اتهامات بتسريب بيانات المستخدمين. وفي الشهر الماضي، قرر مجلس النواب الأميركي حظر «تيك توك» من الهواتف التي يحملها أعضاؤه.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.