مشاورات لرحيل «القاعدة» عن المكلا مطلع الشهر القادم

مواجهات حادة بين التنظيم ومواطني المدينة خلال الأسابيع الماضية

مسيرة  سلمية في مدينة المكلا تطالب «القاعدة» بمغادرة المدينة («الشرق الأوسط»)
مسيرة سلمية في مدينة المكلا تطالب «القاعدة» بمغادرة المدينة («الشرق الأوسط»)
TT

مشاورات لرحيل «القاعدة» عن المكلا مطلع الشهر القادم

مسيرة  سلمية في مدينة المكلا تطالب «القاعدة» بمغادرة المدينة («الشرق الأوسط»)
مسيرة سلمية في مدينة المكلا تطالب «القاعدة» بمغادرة المدينة («الشرق الأوسط»)

كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن تنظيم القاعدة المسيطر على أجزاء من مدينة المكلا جنوب اليمن منذ 2 أبريل (نيسان) الماضي؛ يجري مشاورات بين قياداته لمغادرة المدينة مطلع أغسطس (آب) القادم، وانسحاب المجاميع المتواجدة وسط المدينة للمناطق الجبلية الغربية، وفي عمق جبال محافظة شبوة.
تأتي هذه الخطوة التي يقوم بها التنظيم بعد خروج المواطنين بمدينة المكلا في مسيرات مطالبة برحيلهم، كذلك الكثير من علماء الدين بالمدينة عبر خطب الجمعة، والمحاضرات الدينية بالمساجد، خصوصًا بعد فشل التنظيم في إدارة شؤون المدينة، والتضييق على حياة المواطنين وممارساتهم اليومية، عبر المؤسسات الدينية التي أنشأها كإدارة «الحسبة» التي تُكلف بالبحث عن المخالفين لبعض تعاليم الشريعة الإسلامية، وتنفيذ الحد الشرعي فيهم فورًا، إضافة لرفض الكثير من المنظمات الإنسانية الدولية العمل داخل المدينة بسبب تواجد جماعات مصنفة ضمن الإرهاب الدولي فيها.
ودخل تنظيم القاعدة خلال الأسابيع الماضية في عدة مواجهات مع مواطني المدينة، كان آخرها الأسبوع الماضي خلال احتفالات المدينة بالتقدم السريع للمقاومة الجنوبية في عدن، تحت غطاء جوي توفره قوات التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، وإيقاف الانقلاب على النظام اليمني الذي تقوم به ميليشيات الحوثي والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، فقد شهدت مدينة المكلا احتفالات بهذه المناسبة، تخللتها مسيرات شعبية رفعت فيها أعلام دولة اليمن الديمقراطية الشعبية، وهو الأمر الذي أغضب التنظيم، باعتبار أن العلم يمثل دولة شيوعية، حيث حاول التنظيم انتزاع الأعلام من الشباب المحتفلين بالقوة، ورفع مجموعة أخرى لأعلام «القاعدة» بدلاً عنها، مما اضطر مجاميع من الشباب الغاضب لمحاصرة مجاميع «القاعدة»، والضغط عليهم لاسترداد أعلامهم.
وقد شكا عدد من المواطنين بالمدينة من ظاهرة اختفاء أبنائهم المراهقين، ليتم العثور عليهم فيما بعد ضمن جبهات القتال التي تتخذها «القاعدة» في محافظة شبوة المجاورة، أو يتم مشاهدتهم على الأطقم المسلحة التابعة للتنظيم، والتي تجوب شوارع المدينة ليلاً ونهارا، حيث تقول والدة أحد المراهقين المختفين لـ«الشرق الأوسط» بأن ابنها اختفى من البيت منذ عدة أيام، ليتم العثور عليه في إحدى جبهات القتال الأمامية لـ«القاعدة» بالقرب من مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة، وتضيف «لقد لاحظنا تغيرا في سلوكه منذ احتكاكه بجماعة ترددت أخيرًا على المسجد القريب من بيتنا، ولاحظنا ميله الكامل للفكر المتطرف، واستعماله لمصطلحات متشددة لوصف غير المؤيدين لفكر (القاعدة) والتطرف».
ويقول أحد العناصر المنضمة حديثًا لـ«القاعدة»: «إن التنظيم لا يحظى بالقبول لدى عامة الناس، ونواجه دعاوى يومية من أهلنا بترك التنظيم، والتطرف، والعودة للدعوة إلى الله عبر المساجد والتجمعات»، ويبرر الوضع الذي يمر به التنظيم فيقول: «إن ما حدث للتنظيم ما هو إلا نتاج لتصرفات فردية لبعض القادة، وتعدد واختلاف الأفكار، والتشدد المطلق للبعض الآخر، كذلك الانفتاح الكبير الحاصل بالمدينة، شكل عائقا كبيرا لقبول أي فكر متشدد بصورة مباشرة، ودون أي مقدمات».
كما قال الشيخ صالح باكرمان عضو اتحاد وعلماء المحافظات في خطبة العيد بمدينة المكلا إن تنظيم القاعدة محاربون إقليميا ودوليا، ولسيطرتهم على الأرض آثارها؛ لذلك فقد انبرى منذ اللحظات الأولى لدخولهم طائفة من العلماء والأعيان ومقادمة القبائل لا سيما من نوح وسيبان، فالتقوا ببعض قياداتهم وطالبوهم بترك الحكم والخروج من المشهد، وتسليم مرافق الدولة ومؤسساتها، فوافقت «القاعدة» على التسليم لمجلس أهلي غير سياسي وأكد الشيخ باكرمان أن العلماء والأعيان والمجلس الأهلي وكل المكونات الحضرمية ما زالت تطالب «القاعدة» بتنفيذ ما وعدوا به.



وسط غياب الرعاية والإحصائيات... اضطرابات نفسية تخنق اليمنيات

جلسة توعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في مخيمات النازحين في اليمن (الأمم المتحدة)
جلسة توعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في مخيمات النازحين في اليمن (الأمم المتحدة)
TT

وسط غياب الرعاية والإحصائيات... اضطرابات نفسية تخنق اليمنيات

جلسة توعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في مخيمات النازحين في اليمن (الأمم المتحدة)
جلسة توعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في مخيمات النازحين في اليمن (الأمم المتحدة)

بينما تقدر تقارير دولية أن ربع سكان اليمن يعانون اضطرابات نفسية؛ تتضاعف معاناة النساء من تلك الاضطرابات، في ظل تدني إمكانية حصولهن على العلاج والدعم النفسيين لأسباب تتعلق بانهيار المنظومة الصحية والتمييز القائم على النوع الاجتماعي.

وتشهد المنظومة الصحية في اليمن انهياراً عاماً، خصوصاً تلك التي طالتها الحرب وآثارها، ومراكز تجمع النازحين، بالإضافة إلى عموم المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية، حيث تعاني النساء ضغوطاً نفسية وعقلية نتيجة مضاعفة أعباء الحرب بسبب النزوح واضطرارهن إلى تحمل المزيد من الضغوط والقيود والمخاوف.

بسبب الحرب تضاعفت معاناة اليمنيات ووقعت غالبية الأعباء المعيشية على كواهلهن (رويترز)

تذهب أمل عبد النور، وهي ناشطة مجتمعية، إلى أن مخيمات النزوح وضواحي المدن تحظى بالقسط الأوفر من حالات الاضطرابات النفسية التي يكاد انتشارها يشبه الوباء، حسب تعبيرها، وبينما يكون لدى الذكور وسائل للتخفف أو الهروب من الضغوط المؤدية لتلك الاضطرابات، تكاد تلك الوسائل تنعدم تماماً لدى النساء.

من خلال عملها واطلاعها على بيانات عدد من المنظمات المحلية والدولية، وجدت أمل عبد النور أن العائلات في ضواحي المدن ومخيمات النزوح تحتل مرتبة الأشد فقراً، ويجد أفرادها صعوبة في الوصول للتعليم أو الترفيه، «بل إنها تعجز في الأصل عن توفير احتياجاتها الغذائية؛ ما يجعلها بيئة خصبة للاضطرابات النفسية».

«الاضطرابات النفسية التي تصيب الذكور بفعل الأوضاع المعيشية وتأثيرات الحرب، تنتقل تأثيراتها إلى النساء بأشكال مختلفة». هذا ما وصلت إليه عزة أحمد، وهي اختصاصية نفسية تشارك في المسوح الميدانية لعدد من المنظمات، وقد تكون تلك التأثيرات أشد خطورة بحسب الاختصاصية؛ «كونهن يواجهن اضطرابات الذكور، إما مدفوعات بالواجب الأسري أو خاضعات لممارسات الذكور وضغوط المجتمع».

أعباء مضاعفة

تظهر تقارير المنظمات الأممية أن معدلات انتشار الاضطرابات النفسية في اليمن تختلف بين الجنسين؛ إلا أنها لا تورد إحصائيات تكشف هذه التباينات.

وتبيّن عزة أحمد لـ«الشرق الأوسط» أن الكثير من النساء تضطرهن الحالات النفسية الصعبة لأولادهن أو أزواجهن أو أشقائهن إلى مواجهة المزيد من الأعباء المنزلية لرعايتهم وحمايتهم من المزيد من التدهور أو من إيذاء أنفسهم أو الآخرين، كما يحاولن توفير الراحة لهم ومنع تعرضهم للتنمر والمضايقات، في الوقت نفسه الذي يكون عليهن توفير الرعاية لآخرين وأحياناً اكتساب الرزق بأيديهن.

مرضى نفسيون يتجولون في ساحة في منشأة طبية مهملة في العاصمة صنعاء تحت سيطرة الجماعة الحوثية (رويترز)

«لكن الأسوأ من ذلك أن يكون الأب أو الشقيق الأكبر، وحتى الأصغر، أو الزوج، مصاباً باضطراب نفسي مرتبط بسلوك عنف»، تضيف الاختصاصية: «وفي بيئة يسيطر عليها التمييز القائم على النوع الاجتماعي، فإن النساء قد يتعرضن لتعنيف خطير يؤدي إلى إصابتهن باضطرابات نفسية يصعب التعافي منها».

يزيد غياب الأمن والحماية القانونية القوية للنساء، من صعوبة الوصول إليهن لتقديم العون القانوني أو الرعاية الصحية، فبحسب إفادة الناشطة وداد عبده لـ«الشرق الأوسط»، لا تجرؤ النساء على البوح بمعاناتهن حتى لفرق المنظمات الدولية والمحلية خلال زياراتها النادرة والمحدودة لمخيمات النزوح والأحياء المزدحمة بالسكان الفقراء والمعدمين.

وتأسف الاختصاصية النفسية في تعز نجلاء سلطان من عدم الإفصاح عن الإحصائيات الخاصة بالاضطرابات النفسية للنساء اليمنيات، فطبقاً لمعلوماتها، توجد الكثير من الجهات التي عملت على مسوح بحثية ميدانية، وحصلت على بيانات كافية لتقييم الوضع النفسي لليمنيات بشكل عام.

امرأة تتلقى المشورة في مركز متخصص للصحة النفسية يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان (الأمم المتحدة)

لكن، وكما تقول نجلاء سلطان لـ«الشرق الأوسط»، تكتفي المنظمات والجهات بجمع تلك البيانات وتضمينها أبحاثها التي لم يتم الإعلان سوى عن القليل منها؛ وهو ما يساهم في حرمان النساء حتى من الكشف عن معاناتهن الخطيرة، وبقائهن قيد المعاناة دون الحصول على الدعم الكافي في مواجهة أوضاع قاسية تلحق بالمجتمع الكثير من الخسائر.

سكان بلا رعاية صحية

كشفت منظمة الصحة العالمية حديثاً عن أن نحو 25 في المائة من سكان اليمن يعانون اضطرابات نفسية تستدعي التدخل والرعاية، بعد أن ألحق الصراع والأزمة الإنسانية المطولة في اليمن أضراراً جسيمة بالصحة البدنية والعقلية للسكان.

ووفق تقديرات الصحة العالمية؛ فإن واحداً من كل أربعة أشخاص في اليمن يعاني اضطرابات نفسية تتطلب التدخل، وهذا العبء المرتفع من المرض؛ إلى جانب الوصمة والخرافات، ونقص الأطباء النفسيين وعلماء النفس، والمَرافق التي تحتاج بشدة إلى الإصلاح، يتسبب في حواجز مستمرة أمام الوصول إلى الرعاية.

وأكدت المنظمة الأممية أن تعزيز الرعاية الصحية العقلية يمثل مجال عمل رئيسياً لمنظمة الصحة العالمية كجزء من مشروع رأس المال البشري الطارئ مع البنك الدولي، والذي قال أرتورو بيسيجان، ممثل المنظمة في اليمن إنه يأتي بدعم من البنك الدولي من خلال مشروع الرعاية الصحية الأولية.

مرضى نفسيون في فناء إحدى منشآت الطب النفسي في مدينة تعز جنوب غرب اليمن (أ.ف.ب)

وأطلقت المنظمة والبنك الدولي استراتيجية وطنية للصحة العقلية، وشرَعَا في مراقبة الاضطرابات العقلية باستخدام نظام «DHIS2»، وهو أداة لجمع وتقديم البيانات الإحصائية المجمّعة والمرتكزة على المريض والتحقق منها وتحليلها، مصممة للأنشطة المتكاملة لإدارة المعلومات الصحية.

ووفقاً لبيسيجان؛ درّب البنك والمنظمة أكثر من 150 عاملاً صحياً على مستوى المرافق والمديريات لتحسين رعاية الصحة العقلية، وأنشآ 19 عيادة تركز على الرعاية المجتمعية، وإعادة تأهيل مناطق رئيسية بـ3 مستشفيات للأمراض النفسية، وهي: مستشفى عدن للأمراض النفسية، ومستشفى الطلح في صعدة، ومستشفى تعز للأمراض النفسية، بما يتماشى مع خطط الإدارة البيئية والاجتماعية التي أقرّها البنك الدولي.