معركة سوليدار تفضح الخلافات بين الجيش الروسي وحلفاء بوتين

ظلت معركة سوليدار في شرق أوكرانيا على مدار الأيام الماضية محور التطورات الميدانية في الحرب الروسية الأوكرانية، وسط تقارير متضاربة ما بين إعلان من قبل المعسكر الروسي عن إحكام السيطرة عليها، ونفي من الجانب الأوكراني مع التأكيد أن المدينة الاستراتيجية تشهد قتالا ضاريا ومعارك طاحنة.
وجاء إعلان وزارة الدفاع الروسية أمس (الجمعة) عن السيطرة الكاملة على المدينة، التي كانت تعرف بمناجم الملح، ليكشف عن خلافات تحت السطح ما بين القوات الروسية ومجموعة فاغنر المسلحة الموالية لموسكو، والتي تمثل ركنا أساسيا من قوام القوات التي تخوض الحرب في أوكرانيا والتي استبقت هذه الخطوة بإعلان منفرد قبلها بيومين بتحقيق النصر في هذه المعركة.

صورة وُزعت لقائد مجموعة «فاغنر» يفغيني بريغوجين مع جنوده في ما يُعتقد انه أحد مناجم الملح في سوليدار (رويترز)

ووفقاً لمسؤولين بريطانيين متابعين لنشاطها، ارتفع عدد مقاتلي مجموعة فاغنر من 1000 إلى ما يقرب من 20 ألفا في أوكرانيا مؤخراً، في مؤشر على اعتماد روسيا المتزايد على الشركة العسكرية الخاصة لدعم عمليتها العسكرية.
وذكرت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية أن معركة سوليدار «سلطت الضوء على الانقسامات بين قيادة وزارة الدفاع الروسية وبين يفغيني بريغوجين، وهو مليونير مارق باتت قوته العسكرية الخاصة المعروفة باسم مجموعة فاغنر تلعب دورا واضحا متزايدا في أوكرانيا».
وسارع بريغوجين الأربعاء الماضي إلى إعلان سقوط سوليدار في قبضة قواته، ناسبا هذا الانتصار حصرا لمجموعة فاغنر، إلا أن وزارة الدفاع الروسية شككت في تلك الرواية، وتحدثت عن دور القوات المحمولة جوا وقوات أخرى في المعركة وأرجعت السيطرة على سوليدار للقوات الروسية، وهو ما علق عليه بريغوجين بالقول: «إنهم يحاولون باستمرار سرقة نصر فاغنر».

صورة عرضتها وزارة الدفاع الروسية والتي تظهر جانباً من عمليات قواتها في معركة سوليدار (إ.ب.أ)

ووسع بريغوجين (61 عاماً)، الذي يعرف باسم «طباخ بوتين» بسبب عقوده المربحة في مجال تقديم الطعام، والذي وجهت إليه اتهامات في الولايات المتحدة لاعترافه بالتدخل في الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2016، أصوله لتشمل فاغنر، فضلا عن التعدين ومجالات أخرى. وانتقد بريغوجين بشدة الضباط العسكريين لارتكابهم «أخطاء فادحة» في أوكرانيا، معتبرا أن فاغنر أكثر كفاءة من القوات النظامية.
وربما طغت تلك الخلافات على حقيقة التقدم الميداني المحرز والذي وصفه محللون بأنه «معنوي ورمزي» أكثر منه مادي، مشيرين إلى أن روسيا كانت في أمس الحاجة لتحقيق انتصار على الأرض بعد سلسلة من الانتكاسات على مدار الأشهر الماضية.
وأشارت الصحيفة إلى أن انتقادات بريغوجين للقيادات العسكرية الروسية لم تكن الأولى من نوعها، بل سبقها موقف مماثل من حليف بوتين الزعيم الشيشاني رمضان قديروف الذي ينشر قوات من النخبة انطلاقا من جنوب روسيا لتحارب إلى جانب القوات الروسية، والذي وصف قيادات الجيش والكرملين بـ«الليونة وعدم الحسم».

رمضان قديروف (أ.ف.ب)

من جهتها، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إنه «بعد سلسلة من الانتكاسات لروسيا، سيمثل الاستيلاء على سوليدار أكبر نجاح لقوات موسكو منذ شهور، رغم أن محللين عسكريين أشاروا إلى أن المدينة الصغيرة ذات قيمة استراتيجية محدودة».
وقللت الصحيفة من أهمية حسم معركة سوليدار في حد ذاتها، مشيرة إلى أن أهميتها تكمن في أنها مدخل لتحقيق الهدف الأهم لموسكو وهو السيطرة على مدينة باخموت القريبة، «كجزء من هدفها المتمثل في السيطرة على منطقة دونباس بأكملها».
وأضافت: «رغم أنه من غير المتوقع أن يؤدي الاستيلاء على سوليدار إلى تغيير سريع للمعركة في الشرق، إلا أنه سيمنح قوات موسكو مواقع جديدة لنشر المدفعية، مع احتمال تطويق باخموت جزئياً من الشمال، ويمكن أن يضغط على خطوط الإمداد الأوكرانية التي تسير باتجاه الشرق».

عتاد عسكري على جبهة دونباس في منطقة باخموت في 5 يناير 2023 (رويترز)

ويرى مراقبون أنه في ظل هذه التطورات وفي محاولة منه للإبقاء على عقد رجاله متراصاً في المعركة، أقدم بوتين على تغيير قائد القوات الروسية في أوكرانيا للمرة الثالثة منذ بدء الحرب قبل نحو 11 شهرا.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية تعيين الجنرال فاليري غيراسيموف، رئيس أركان القوات المسلحة، قائدا لتلك القوات بديلا لسيرغي سوروفيكين، الذي لم يستمر في هذا المنصب سوى فترة لا تتجاوز 3 أشهر.
وعزت الوزارة ذلك التغيير إلى ما وصفته بـ«الحاجة إلى تفاعل أوثق بين مكونات القوات المسلحة وجودة وفعالية هيكل القيادة».
من جهته، رأى معهد دراسات الحرب، ومقره واشنطن، أن هذا التغيير محاولة من قبل الكرملين «لإعادة التأكيد على أولوية وزارة الدفاع الروسية في صراع داخلي روسي على السلطة»، وإضعاف تأثير «أعدائها» وإرسال إشارة إلى بريغوجين وآخرين لتقليل انتقاداتهم.
ويحذر مراقبون من أن بوتين في موقف لا يحسد عليه، حيث يحاول استرضاء جميع حلفاء الحرب لاستكمال عمليته التي بدأها في 24 فبراير (شباط) من العام الماضي وتحقيق جميع أهدافها.
فتغيير القيادات العسكرية ربما يثير انشقاقات داخل المؤسسة العسكرية نفسها التي تزايدت الانتقادات الموجهة إليها من رجال بوتين الذين يساندونه في ساحات المعارك مثل قديروف وبريغوجين.