يغزو العالم الرقمي مختلف مجالات العمل، ومنذ سنوات قليلة دخل بشكل ملحوظ على الفن التشكيلي. استُبدلت بالريشة الأجهزة الرقمية والبرامج الإلكترونية لتؤلف لوحات تشكيلية تسمح لصاحبها بدخول تجربة فنية جديدة. واعتمدت عدة معارض لمنحوتات ورسومات طريقة مشاهدة القطعة الفنية عبر رمز رقمي معين (كيو أر كود)، يفك عبره الزائر ألغاز العمل، بواسطة الجهاز المحمول ويلتقط محتواه مباشرة بفعل تقريبه من الرمز.
هذه التقنية الجديدة لجأ إليها الفنان التشكيلي الشاب مارك كيروز في معرضه «متحف داخل متحف»، الذي افتُتح في المكتبة الوطنية في بيروت بحضور وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى.
والمشروع يتألف من تماثيل حديدية تمثّل 6 معالم أثرية من لبنان تعرض في الباحة الخارجية للمكتبة الوطنية، وتهدف إلى تسليط الضوء على أهمية هذه المواقع وإرشاد الزوّار إلى خصائصها. كل واحد من هذه التماثيل صُمم بشكل مختلف ليحكي عن معلم مميز يشتهر به لبنان. كما أطلق كيروز على كل مجسم اسماً معيناً بأحرف لاتينية كـ«LUV» لقلعة جبيل و«PUOR» لميدان صور و«KIVEN» لبعلبك وغيرها.
اختار كيروز 6 مناطق لبنانية وهي محمية الأرز، وقلعة جبيل، وقلعة بعلبك، ووادي قاديشا، وقلعة عنجر، وميدان صور لتؤلف موضوعات تماثيله.
ويمكن القول إن هذه التماثيل ستكون بمثابة الدليل السياحي لكل موقع. والمطلوب من زائر أحد المواقع الستة أن يصوب هاتفه المحمول نحو الرمز الذي يحمله (QR code) كل تمثال، فيتعرف على خريطة الطريق للمعلم. وهو ما يسمح له بزيارة المعلم ضمن نقاط محددة وواضحة من دون أن يتوه فيها أو يخسر أي معلومة، فيتعرف إلى أهم المحطات التي يتألف منها الموقع ويتبعها حسب الأقسام الهندسية لكل مجسم. هكذا تنجز زيارة سياحية سهلة وغنية بالمعلومات.
نفّذ كيروز 12 تمثالاً؛ 6 منها سيتركها داخل قصر الأونيسكو، فيما ستنقل 6 نسخ شبيهة إلى المعالم التي تمثّلها بعد نحو شهر من الآن.
وأشار وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى إلى أنه ينوي مع كيروز توسيع مروحة هذه التماثيل لتشمل كل معلم من معالم لبنان في المستقبل القريب. وعن مساندته للشباب اللبناني المبدع، قال لـ«الشرق الأوسط»: «علينا تلقف هذا النوع من المبادرات والأهم أن نتطلع إلى أصحابها بكل تقدير. وهذه المبادرة من ألفها إلى يائها وقّعها مارك كيروز، ونحن نستمد من وهجه وجه لبنان الجميل».
صمم كيروز كل تمثال بشكل مختلف، بحيث يتجاوز ارتفاع كلّ منها المترين ونصف المتر، ويزن ما يقارب الـ100 كيلوغرام. كما صنعها ضمن هندسة تشكيلية يرمز كل قسم منها إلى خصائص الموقع الذي يمثله.
ويشرح جورج خوري، شريك كيروز في هذا المشروع، أن هذه المجسمات الحديدية هي مبنية على رموز استحدثها الفنان كيروز من علم الرياضيات. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كل مجسم يمثل رمزاً أثرياً معروفاً. والفكرة الأساسية من المشروع هي وصل العاصمة بيروت بباقي مناطق لبنان من خلال هذه المجسمات. فهو أراد التأكيد على أن العاصمة تشكل نقطة الانطلاق الحقيقية إلى مختلف المناطق».
«متحف داخل متحف» هي التسمية التي أطلقها كيروز على مجسمات صممها كمنحوتات لها رأس وملامح وجه وأطراف. ويوضح خوري: «هذه التسمية للإشارة إلى الاكتشافات التي يمكن أن يحصل عليها زائر المعرض داخل كل مجسم. كما أنها ومن منظار آخر وبما أنها موجودة اليوم في المكتبة الوطنية ومن ثم في قصر الأونيسكو فستكون بمثابة متحف داخل آخر».
تصاميم فنية لم يسبق أن صممت على هذا الشكل لا عربياً ولا عالمياً، اخترعها كيروز لتؤلف رؤية فنية لها أبعادها ومبنية على سيكولوجية الأشكال. ويختم خوري: «هي لغة فنية خاصة ابتكرها مارك وهو وحده من يعرف فك أحرفها. ومع الوقت طوّرها لتتحول إلى أشكال ورموز».
فتمثال ميدان صور مثلاً يتألف من 4 أقسام، الأعلى منه يمثل مسار هذا الميدان، فيما الخطان السفليان في التمثال يشيران إلى القرن الثاني الذي بُني فيه الميدان. وفي خطوط أخرى ترجم معاني ما يرمز إلى السرعة المرتبطة بطبيعة الرياضات الممارسة في تلك الحقبة.
وفي تمثال قلعة عنجر يطالعنا كيروز بـ6 أقسام يشير كل واحد منها إلى صفة معينة لهذا المعلم. القسم الأعلى يدل على القناطر الموجودة في هندسة قلعة عنجر. أما الشكل المأخوذ في الأسفل فيمثل مركزاً تجارياً داخلياً يقع بين طريقين أساسيين؛ أحدهما يؤدي إلى دمشق وآخر إلى البقاع ومنه إلى حمص وطرابلس. أما الفراغ الموجود وسط التمثال فيرمز إلى الانعزالية التي كان يعيش فيها هذا الموقع التاريخي بعيداً عن غيره.
وفي مجسم قلعة بعلبك يطالعنا تصميم لتمثال يتألف من 3 أقسام بحيث يمثل العمودان إلى ناحية اليسار معبدي باخوس وجوبيتر. أما الشكلان المرفقان مع التمثال من ناحية اليمين (قمر ونجمتان) فيشيران إلى علم التنجيم الذي اشتهر به الرومان. وترمز قاعدة التمثال إلى الأحجار العملاقة أساس القلعة، التي لا تزال تعد حتى اليوم لغزاً يحير العلماء.
يعد الهدف الأساسي من المشروع هو لفت الأنظار إلى هذه المعالم السياحية وجمعها كلها في مكان واحد في العاصمة بيروت. وصنع كيروز نسخة عن كل تمثال ليثبت في الموقع الذي يمثله. والذي يزور المكتبة الوطنية اليوم وقصر اليونيسكو في وقت لاحق، حيث ستُنقل التماثيل، يستطيع أن يتعرف إلى هذه المواقع. وهو ما سيحفزه لزيارتها لاحقاً في المناطق الموجودة فيها.
«متحف داخل متحف»... 6 تماثيل حديدية تروي جمال لبنان
افتُتح المعرض في المكتبة الوطنية ببيروت
«متحف داخل متحف»... 6 تماثيل حديدية تروي جمال لبنان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة