جشع قيادات حوثية يهوي باقتصاد اليمن ويُقصي التجار

الميليشيات مكّنت أتباعها من الاستحواذ على الأعمال

عنصر حوثي يغلق متجراً في صنعاء (إعلام حوثي)
عنصر حوثي يغلق متجراً في صنعاء (إعلام حوثي)
TT

جشع قيادات حوثية يهوي باقتصاد اليمن ويُقصي التجار

عنصر حوثي يغلق متجراً في صنعاء (إعلام حوثي)
عنصر حوثي يغلق متجراً في صنعاء (إعلام حوثي)

تسارعت عمليات نزوح التجار ورجال الأعمال من مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية إلى المناطق المحررة، نتيجة الأعباء التي يتحملونها بعد فرض الميليشيات الكثير من الجبايات والإتاوات، وإجبارهم على التبرع بصفة دائمة لتمويل الاحتفالات والمناسبات والحملات التي تنظمها الميليشيات، وتسيير قوافل لدعم المقاتلين في الجبهات، إلى جانب منافسة قادة الميليشيات لهم تجارياً.
وبسبب هذا النزوح، تأثرت الحركة التجارية في مناطق سيطرة الميليشيات كثيراً، بحسب مراقبين اقتصاديين، رغم محاولة الميليشيات، منذ سنوات، منافسة التجار ورجال الأعمال بتمكين عدد من قادتها من مزاولة التجارة، بعد إثرائهم خلال الحرب من نهب موارد المؤسسات العامة، وفرض الإتاوات على التجار والشركات والمؤسسات الخاصة، والاستيلاء على عدد منها.
وأغلقت الميليشيات منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عدداً من شركات إنتاج واستيراد المواد الغذائية، وأنذرت عدداً آخر منها ومن تجار الجملة والمولات التجارية بالإغلاق؛ بمزاعم مخالفة القائمة السعرية للسلع الأساسية المقرة، وجاءت هذه الإجراءات، وفق مصادر في قطاع الصناعة والتجارة الخاضع للميليشيات، لمعاقبة الشركات التي رفضت الاستجابة لمطالبها وشروطها.
وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» كيف ضاعفت الميليشيات من الإجراءات والشروط بشكل غير قانوني، وبما يتعارض مع أسس ومبادئ مهام الحكومة في إدارة العمليات الاقتصادية، ما جعل الكثير من التجار ورجال الأعمال يوقفون بعض أنشطتهم التجارية، أو يلجأون إلى النزوح إلى المناطق المحررة.
- شروط مجحفة
منذ تعيين الميليشيات القيادي محمد شرف المطهر، منتصف العام الماضي وزيراً للصناعة والتجارة في حكومة الانقلاب التي لا يعترف بها أحد، بدأت ممارسة ضغوط على التجار من خلال طلبات وشروط غير قانونية عند تقدمهم لتسجيل العلامات التجارية لمحلاتهم ومنتجاتهم الجديدة.
ومن تلك الطلبات والشروط، بحسب المصادر، حصول التجار على البطاقة الضريبية، وهو من اختصاص ومهام مصلحة الضرائب؛ حيث تعمل الوزارة الحوثية على منافسة المصلحة، وكلتاهما تحت سيطرة الميليشيات، على تحصيل بعض الضرائب من التجار والشركات، بمسميات وبنود غير قانونية.
وإضافة إلى ذلك، تشترط الميليشيات على التجار والشركات والمحال التجارية، الحصول على البطاقة الزكوية، وهو شرط ابتكرته دون نص قانوني؛ حيث منحت عدداً من الجهات، بينها وزارة الصناعة والتجارة، صلاحية الجباية من خلال هذا الشرط، لتوقف منح التراخيص للوكالات التجارية وتسجيل العلامات الجديدة، أو استخراج سجل تجاري لكل من يرفض الاستجابة والدفع.
وأدت هذه الإجراءات، طبقاً للمصادر، إلى تراجع إيرادات هذا القطاع بشكل كبير، نتيجة إحجام التجار والشركات عن تجديد السجلات، أو التقدم بطلبات جديدة لتسجيل العلامات والوكالات التجارية، ما دفع الميليشيات إلى فتح الملفات القديمة للجهات الممتنعة؛ للبحث عن نواقص فيها، واتخاذها مبرراً لابتزازها، وفرض الجبايات عليها.
وتبعاً لذلك، عمدت الميليشيات إلى إجبار ملاك المحلات وأصحاب الشركات على السماح للجان ميدانية تابعة لها تحت مسمى لجان من وزارة الصناعة والتجارة، بزيارة مقراتها ومراجعة مستنداتها ودوراتها المالية، وإلزامهم بتحمل نفقات ومصاريف واستضافة هذه اللجان خلال فترة نزولها، إضافة إلى فرض رسوم جديدة مبتكرة بمبالغ كبيرة، لتعويض تراجع الإيرادات.
- تعديلات غير قانونية
تسعى الميليشيات إلى تنفيذ تعديلات غير قانونية على عدد من القوانين التي تخص تنظيم الأنشطة التجارية والصناعية في اليمن. ورغم أنه لم يتم الكشف عن ماهية هذه التعديلات حتى الآن، فإن المصادر تتوقع أن تكون هذه التعديلات لتمكين الميليشيات من السيطرة على الأنشطة التجارية، وتجييرها لصالحها.
وأعلنت الميليشيات، أواخر العام الماضي، عن نواياها لإجراء هذه التعديلات من خلال اجتماع عقده وزيرها للصناعة والتجارة، في حكومتها غير المعترف بها، مع عدد من معاونيه؛ لمناقشة ما قالت إنه «مشروعات التعديلات القانونية الخاصة بتطوير آليات العمل في الوزارة»، بغرض القضاء على الاختلالات وتبسيط الإجراءات، وسرعة إنجاز المعاملات، وتطوير الخدمات كما ذكرت وسائل إعلامها.
كما وجه القيادي المطهر في أغسطس (آب) الماضي، بإنشاء مركز معلومات تابع لقطاع التجارة الداخلية وربطه مع مكاتب الصناعة ومصلحة الجمارك والهيئة العامة للمواصفات والمقاييس وهيئة النقل البري وكافة الجهات التي تديرها الميليشيات.
وبينما أعلنت الميليشيات أن الغرض من هذا المركز، تكوين قاعدة بيانات دقيقة حول حركة انسياب السلع والأسعار في الأسواق المحلية والعالمية، ذكرت المصادر أن الميليشيات تسعى لمراقبة مختلف الأنشطة التجارية، واستكشاف طرق ووسائل عمل الشركات والمؤسسات التجارية الكبرى؛ تمهيداً لمنافستها والاستحواذ على وكالاتها.
- اختلال الدورة النقدية
كشف تقرير صادر قبل عام عن مؤسسة «برتلسمان» حول «مؤشر التحول الخاص للعام 2022» عن توجه الميليشيات الحوثية لاحتكار تراخيص الاستيراد والتصدير والعملات الأجنبية لعناصرها فقط، بغرض السيطرة على السوق، الأمر الذي عقَّد ممارسة الأعمال التجارية في مناطق سيطرتها، بحسب التقرير. وبيّن التقرير أن الميليشيات أوقفت الإنفاق على الخدمات العامة الأساسية، وأحالت العديد من هذه الخدمات إلى القطاع الخاص التابع لها.
تقدر المصادر المبالغ التي تُحصلها الميليشيات عبر وزارة الصناعة والتجارة، ومن خلال الشروط التعسفية المستحدثة، بما يقارب مليار ريال شهرياً (الدولار يساوي 560 ريالاً في مناطق سيطرة الميليشيات)، إلا أنها تمتنع عن صرف رواتب موظفي الوزارة، وتكتفي بمنحهم مكافآت متفرقة بمبالغ ضئيلة على فترات متباعدة.
وتعليقاً على كل هذه الإجراءات يحذر أحد قيادات الوزارة، قبل انقلاب الميليشيات، من أن الدورات النقدية والتعاملات الاقتصادية تتجه إلى الانهيار جراء هذه الاختلالات التي تسببت بها إجراءات الميليشيات وممارساتها؛ من فرض الجبايات، والتضييق على القطاع الخاص، والاستيلاء على الوكالات التجارية، وحرف مؤسسات الدولة عن مهامها الخدمية إلى خدمة مشروع الميليشيات.
ويتابع القيادي في الوزارة، الذي أزاحته الميليشيات عن موقعه، وطلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته، أن الاقتصاد اليمني في مناطق سيطرة الميليشيات يتجه حالياً في مسار واحد، يراكم الأموال ويكدس الثروات في خزائن الميليشيات وقياداتها، ويمنع دورانها في السوق، ما ينذر بانهيار الاقتصاد، وتجويع ملايين اليمنيين.


مقالات ذات صلة

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

العالم العربي أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

يواجه الآلاف من مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خطر الموت بسبب إهمال الرعاية الطبية وسط اتهامات للجماعة الحوثية بنهب الأدوية والمعونات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي طالبات جامعة صنعاء في مواجهة قيود حوثية جديدة (غيتي)

قيود حوثية جديدة تستهدف طالبات كُبرى الجامعات اليمنية

بدأت الجماعة الحوثية إجراءات جديدة لتقييد الحريات الشخصية للطالبات الجامعيات والتضييق عليهن، بالتزامن مع دعوات حقوقية لحماية اليمنيات من العنف.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

تتزايد أعداد القتلى من قيادات الجماعة الحوثية الذين يجري تشييعهم دون الإشارة إلى أماكن سقوطهم، بالتوازي مع مقتل مشرفين حوثيين على أيدي السكان.

وضاح الجليل (عدن)
أوروبا مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

تقرير: بمساعدة الحوثيين... روسيا تجند يمنيين للقتال في أوكرانيا

أفاد تقرير صحافي أن روسيا تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن )

بغداد لتكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي عدوان محتمل» على العراق

عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
TT

بغداد لتكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي عدوان محتمل» على العراق

عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، اليوم الاثنين، إن هناك خطة لتوسيع الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان لتشمل دولاً أخرى.

وفي كلمة، خلال افتتاح مؤتمر سفراء العراق الثامن حول العالم في بغداد، أكد الوزير أنه يجب تكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي تهديد أو عدوان محتمل» على العراق.

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر قد قال، الأسبوع الماضي، إنه بعث رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي حثَّ فيها على اتخاذ إجراء فوري للتصدي لأنشطة الجماعات المسلَّحة المُوالية لإيران في العراق، قائلاً إن الحكومة العراقية مسؤولة عن أي أعمال تحدث داخل أراضيها أو انطلاقاً منها.

كما ذكرت تقارير إعلامية أميركية، في وقت سابق من هذا الشهر، أن إدارة الرئيس جو بايدن حذرت الحكومة العراقية من أنها إذا لم تمنع وقوع هجوم إيراني من أراضيها على إسرائيل، فقد تواجه هجوماً إسرائيلياً.

وشنت إسرائيل هجوماً على منشآت وبنى تحتية عسكرية إيرانية، الشهر الماضي؛ رداً على هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل، وذلك بعد أن قتلت إسرائيل الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية المتحالفة مع إيران، حسن نصر الله، في سبتمبر (أيلول) الماضي.