وسط حديث عن نفوذ متزايد لروسيا في القارة الأفريقية، يتزايد الغضب الأميركي والأوروبي حيال هذا النفوذ الذي يرتكز على أدوات أبرزها مجموعة فاغنر شبه العسكرية. وتشهد تلك الساحة من الصراع تحركات جديدة من القوى الغربية على رأسها الولايات المتحدة لمواجهة الشركة العسكرية الروسية.
وخلال اجتماع مجلس الأمن الدولي الثلاثاء بشأن شؤون غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، اتهم نائب السفير الأميركي للأمم المتحدة ريتشارد ميلز مجموعة فاغنر، بـ«الفشل في التصدي للتهديد المتطرف، وسرقة موارد الدول، وارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان، وتعريض القوات شبه العسكرية للخطر، وتهديد سلامة وأمن قوات حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة وموظفيها».
من جانبه، قال نائب السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة جيمس كاريوكي إنه «لا يمكن تجاهل الدور المزعزع للاستقرار الذي تلعبه مجموعة فاغنر» في منطقة الساحل. وقال في إحاطته للمجلس «إنهم جزء من المشكلة وليس الحل».
ورداً على الاتهامات، قالت آنا إيفستينييفا، نائبة سفيرة روسيا لدى الأمم المتحدة: «أعلنت بعض الدول مرة أخرى اليوم أن روسيا تنهب موارد أفريقيا وتسهل نمو التهديد الإرهابي، لكن في الواقع، هذا شيء تفعله تلك البلدان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في أفريقيا». وأضافت «الدول التي لم تسمها» لم يترددوا في تدمير البلاد وزعزعة استقرار منطقة الساحل بأكملها. وقالت «لذلك عند اتهام روسيا، فإنهم ببساطة يسخرون من المنطق السليم، ومن قدرة الدول الأفريقية على التقييم الملائم للأسباب الحقيقية لمشاكلهم واختيار من تتعاون معهم».
ورفضت إيفستينييفا محاولات «تشويه سمعة المساعدة الروسية لمالي»، حيث «يوجد لدى موسكو اتفاقية ثنائية لمساعدة الحكومة الانتقالية هناك، وفي دول أخرى في أفريقيا».
وأول من أمس قالت مجلة بوليتيكو إنها حصلت على برقيات دبلوماسية تفيد بأن إدارة جو بايدن أمرت بتتبع نشاطات فاغنر خارج أوكرانيا، بشكل يظهر أن أميركا باتت تراقب عن كثب نشاطات المجموعة وتحركاتها في عدة بلاد ومنها بلاد أفريقية. وقالت المجلة إن مسؤولين أميركيين يجمعون معلومات تتعلق بنشاطات الشركة في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، حيث تقوم الشركة «بالاعتماد على الدعاية لتزيد من نفوذها لحماية مصالحها في مناجم الذهب والماس».
ومنذ سنوات، فرضت أميركا والاتحاد الأوروبي عقوبات على الشركة العسكرية الروسية ومؤسسها يفغيني بريغوجين، لكن الإدارة الأميركية اتخذت في الفترة الماضية خطوات إضافية للحد من قدرة فاغنر في الحصول على الأسلحة. وفي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قررت إدارة بايدن تطبيق إجراءات للسيطرة على تصدير السلاح لفاغنر، بهدف التعقيد من مهمة حصولها على السلاح والمعدات بمكونات تكنولوجية أميركية.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي للصحافيين، الشهر الماضي، إن فاغنر بدأت بالبحث عن شركاء حول العالم لكي تدعم عملياتها وتزودها بالأدوات نتيجة العقوبات الأميركية والقيود على التصدير. كما تفكر الإدارة في تصنيف فاغنر كجماعة إرهابية، حسبما نشر موقع «بلومبيرغ» في الشهر الماضي.
ورأى رامي زهدي الخبير في الشؤون الأفريقية أن تلك التصريحات والاتهامات المتبادلة «تعكس صراعاً على مصالح ومقدرات هذه المنطقة الغنية بالثروات، في إطار خطط أميركا والقوى الغربية التي تهدف إلى إعادة هيكلة حضورها ونفوذها في القارة بهدف تأمين الثروات التي تنشد الحصول عليها لتأمين احتياجاتها من الطاقة وغيرها من الموارد».
وقال لـ«الشرق الأوسط»، «ما نشهده هو انعكاس لتغيير في الاستراتيجية الأميركية تجاه القارة، والقمة الأفريقية التي عقدت الشهر الماضي في واشنطن اتخذ خلالها قرارات معلنة وأخرى غير معلنة سنشهد انعكاسات لها في الفترة المقبلة، فيما يتعلق بتواجد وحضور القوى الغربية وعلى رأسها أميركا، لا سيما فيما يتعلق تأمين الموارد من الغاز وغيره من الموارد».
وأضاف زهدي «كارتدادات للحرب الروسية الأوكرانية، تهدف القوى الغربية إلى الاعتماد بشكل أساسي على أفريقيا كمصدر بديل لواردات الطاقة الروسية بحلول عام 2026 وهو ما يجعل أفريقيا جزءا هاماً من الصراع الجيوستراتيجي الدولي». ورأى زهدي أن هذا الصراع «لن يقتصر على كونه صراع سياسي بل صراع اقتصادي وجيواستراتيجي واستخباراتي».
بدوره، رأى محمد الأمين ولد الداه، الخبير في شؤون الساحل الأفريقي، أن «لا أحد يهتم بإيجاد حلول، والاهتمام بالمنطقة وبالقارة من كل الأطراف الدولية يأتي في الأساس في سياق صراع على الموارد والنفوذ».
وأشار ولد الداه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن التصريحات الأميركية تم استباقها «بقرار دول الساحل g5 من مالي إلى النيجر وبيان أصدرته تلك القوة بالتعاون مع تلك القوة وقيادتها الجديدة». ولفت ولد الداه إلى أن التحركات الأميركية والغربية تأتي في وقت أصبح فيه النفوذ الروسي في مالي متجاوزاً لفكرة الانتشار العسكري عبر فاغنر. وقال «النفوذ الروسي في مالي توسع جداً على جميع المستويات وصارت هناك اتفاقية ثنائية مع السلطة العسكرية الحاكمة هناك، وبدا هذا النفوذ ينتشر إلى دول أخرى في الساحل بوتيرة متزايدة جداً».
ورأى ولد الداه أن حضور فاغنر في تلك المنطقة «زاد الأمور سوءا وفاقم الاضطرابات والتدهور الأمني، لأنها طرف في الصراع منحازا للسلطات غير المنتخبة ولذا تقوم بالعديد من الانتهاكات وتعمل على استهداف وتشريد وقتل القوى التي لا تفضلها تلك الحكومات».
لماذا يتصاعد الغضب الأميركي ضد نشاط «فاغنر» في أفريقيا؟
بعد اتهامات متبادلة مع موسكو بمجلس الأمن
لماذا يتصاعد الغضب الأميركي ضد نشاط «فاغنر» في أفريقيا؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة