البرازيل بعد «هجوم برازيليا» والمهمة الصعبة للرئيس الجديد - القديم

شرطي يجمع بعض الحطام من مبنى المحكمة العليا في برازيليا (أ.ف.ب)
شرطي يجمع بعض الحطام من مبنى المحكمة العليا في برازيليا (أ.ف.ب)
TT

البرازيل بعد «هجوم برازيليا» والمهمة الصعبة للرئيس الجديد - القديم

شرطي يجمع بعض الحطام من مبنى المحكمة العليا في برازيليا (أ.ف.ب)
شرطي يجمع بعض الحطام من مبنى المحكمة العليا في برازيليا (أ.ف.ب)

ليس مفاجئاً على الإطلاق عقد مقارنات بين ما حصل في البرازيل من اقتحام لمقرات الحكم الفدرالي في العاصمة برازيليا يوم الثامن من يناير (كانون الثاني) 2023 واقتحام الكونغرس الأميركي في واشنطن يوم السادس من يناير 2021، فالطيف الطاغي في الحدثَين واحد: رئيس مثير للجدل يرفض التسليم بخسارته الانتخابات وترك خلفه يحكم وفق الأصول الديمقراطية ومبدأ تداول السلطة...
ولعل الفرق بين الواقعتين هو أن المقتحمين في الأولى كانوا مجموعة من «المحترفين» المنتمين بشكل أساسي إلى مجموعة «براود بويز» (وتعني الأولاد الفخورين) اليمينية المتطرفة المقتصرة عضويتها على الذكور والمؤمنة بالتفوق العرقي، فيما كان المقتحمون البرازيليون مجموعة من الهواة الذين لم تجد القوى الأمنية – رغم التلكؤ والتقاعس - صعوبة كبيرة في تطويقهم واحتجازهم...
في أي حال، يبقى التعامل الأمني مع حوادث من هذا النوع الجانب الأسهل من المسألة، فيما تكمن المعضلة في معالجة الأسباب والرواسب وقطع الطريق على انقسام مجتمعي قد يهزّ أركان أي دولة مهما عظم شأنها.

الرئيس السابق جايير بولسونارو (أ.ب)
* جايير بولسونارو
في 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أصبح الضابط السابق في الجيش جايير بولسونارو أول رئيس في تاريخ البرازيل يخسر محاولة لإعادة انتخابه، فقد سقط أمام الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (2003 – 2011) بفارق 1.8 نقطة مئوية. والواقع أن كثراً استغربوا ضآلة الهامش بالنظر إلى الأخطاء الكثيرة التي شابت ولاية الرئيس اليميني، لا سيما منها تعامله المتساهل و«الإنكاري» مع جائحة «كورونا» الذي كلّف البلاد خسائر بشرية ضخمة في نظر الخبراء.
كان بولسونارو عضواً في الكونغرس الفدرالي عن الحزب الديمقراطي المسيحي بين 1991 و2018. وقد عُرف بخطابه الناريّ وتمجيده لفترة الحكم العسكري (1964 – 1985). وعندما انتُخب رئيساً في أكتوبر 2018 متقدماً بفارق كبير على منافسه اليساري فرناندو حداد، قدّم في السلطة أداء زعيم شعبوي يميل إلى الاستبداد، فمارس ضغوطاً على القضاء، وشكك مراراً وتكراراً بنزاهة نظام التصويت في البلاد.
وقد عمد بولسونارو إلى تغيير وزرائه بشكل متكرر غير آبه بضرورة الاستقرار للاستمرار في الحكم، فعلى سبيل المثال أتى بالمصرفي أبراهام وينتروب وزيراً للتربية والتعليم بديلاً لريكاردو فيليز رودريغز الذي لم يكن أهلاً لهذه الحقيبة المهمة، فلم يُطل البديل البقاء في منصبه بعدما شن هجوماً عنيفاً على فرنسا والصين ودعا إلى سجن قضاة المحكمة العليا! والأسوأ، أن بديل البديل كارلوس ديكوتيللي أقيل قبل أن يباشر مهماته بعدما تبيّن أنه أدرج معلومات كاذبة في سيرته الذاتية... ثم ثبت أن وزير التربية الرابع ميلتون ريبيرو، وهو قسّ إنجيلي، متورط في فساد، فأقيل...
هذا مجرّد غيض من فيض في طريقة حكم رئيس حشر آلاف العسكريين في الإدارات الفدرالية، ومعظمهم غير مؤهّل للمراكز التي شغلها.
واللافت أن كل هذا التخبط، معطوفاً على تباطؤ اقتصادي، لم يؤدِّ إلى خسارة كبيرة لبولسونارو أمام لولا، فقد نال الثاني في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية نسبة 50.9 في المائة من الأصوات مقابل 49.1 في المائة للأول. وفارق مليونين و140 ألف صوت فقط من أصل 156 مليون ناخب مسجل، هو علامة واضحة على انقسام عميق في بلاد تواجه الكثير من الأزمات.
إثنان من مؤيدي بولسونارو في باص بعد إطلاق سراحهما في برازيليا (أ.ب)
* عاصفة الاقتحام
لم يكن اقتحام المؤسسات الديمقراطية في برازيليا عملاً عفوياً تلقائياً. فقد تجمعت نذر العاصفة على مدى أشهر بتداول أخبار عن نظرية المؤامرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تكثفت الدعوات والنداءات من جماعات اليمين المتطرف بعد الانتخابات الرئاسية لرفض النتيجة «المزوّرة» والانقلاب على لولا دا سيلفا.
كان معظم الذين هاجموا مقر الكونغرس والمحكمة العليا والقصر الرئاسي في العاصمة الجبلية التي صممها المعماري الكبير أوسكار نيميير ودُشّنت عام 1960، من الهواة الذين استغلوا الفرصة لتخريب المكاتب والتقاط صور «سيلفي». لكن صفة هواة لا تلغي أن هذا العمل يشكل أكبر تهديد لأكبر ديمقراطية في أميركا اللاتينية منذ انقلاب عام 1964 الذي أدى إلى عقدين من الديكتاتورية العسكرية.
المقلق أن مؤيدي بولسونارو يعتقدون أن الرئاسة سُرقت منه، بعدما دأب الرجل وثلاثة من أبنائه - إدواردو وفلافيو وكارلوس – وعدد من معاونيه على التشكيك في أسس الديمقراطية وسلامة النظام الانتخابي، خصوصاً آلية التصويت الإلكتروني. وإذا كان هذا الأمر يذكّر بما دأب عليه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في هذا المجال، فلا بد من ذكر أن من بين مستشاري بولسونارو الأميركيَّين ستيف بانون وجايسون ميللر، المعاونَين السابقين لترمب...
وقد نشر إدواردو بولسونارو في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي شريط فيديو يروّج فرضيات أطلقها بانون عن استخدام لولا دا سيلفا آلية التصويت الإلكتروني بشكل غير قانوني لـ«سرقة» الانتخابات.
وإدواردو، هو عضو في «الحركة» (The Movement) التي أسسها ستيف بانون وجعل مقرها في بروكسل لبث الفكر الشعبوي اليميني في أرجاء العالم، وممثلها في أميركا اللاتينية.
الانقلاب فشل بالطبع ومعظم الموقوفين الألف عادوا أو سيعودون إلى بيوتهم للتركيز على محاسبة المسؤولين الحقيقيين عما حصل، ومنهم وزير العدل السابق في عهد بولسونارو ووزير الأمن في المقاطعة الفدرالية (برازيليا ومحيطها) أندرسون توريس الذي أمر قاضٍ في المحكمة العليا بتوقيفه، إضاقة إلى إزاحة حاكم المقاطعة إيبانييس روشا. كذلك أصدر القاضي الكسندر دي مورايس مذكرة توقيف في حق فابيو أوغوستو قائد الشرطة في برازيليا، الذي أُقيل من منصبه بعد أعمال العنف.
وجدير بالذكر هنا أن توريس كان موجوداً في الولايات المتحدة، شأنه في ذلك شأن جايير بولسونارو الذي دخل مسشتفى لإصابته بوعكة. وقد تعهّد توريس العودة إلى البلاد والمثول أمام القضاء.
الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (أ.ب)
* التحديات
لا يعني طيّ الصفحة الأمنية من اقتحام المؤسسات الفدرالية الكبرى انتهاء المشكلة. فبلاد الـ214 مليون نسمة التي اكتشفها عام 1500 أسطول برتغالي كان متجهاً إلى الهند بقيادة بيدرو ألفاريز كابرال، تواجه تحديات كبيرة ليس أقلها حماية الديمقراطية.
التحدّي الأول هو تمكن الرئيس لولا دا سيلفا وفريقه من إقناع الجمهور، لا سيما المؤيد لبولسونارو، بأن المؤسسات الديمقراطية وسائر أجهزة الدولة سليمة وتعمل من أجل البلاد ووحدتها. ففقدان الثقة بالموسسات الفدرالية في بلاد مترامية الأطراف (مساحتها 8 ملايين و500 ألف كيلومتر مربّع) تضم 26 ولاية ومقاطعة فدرالية، يضعها في مواجهة رياح الاضطراب ويهدّد وحدتها.
في ظل واقع الانقسام، باتت مهمة الرئيس الجديد – القديم الذي خرج من السجن بريئاً من تهم الفساد، أكثر صعوبة في ولايته الممتدة أربع سنوات.
ولعل التحدي الأول الذي كان على لولا مواجهته قبل المشكلة الأمنية هو التعامل مع القضية البيئية التي يفرضها واقع أن البرازيل هي موطن لأكثر من 60 في المائة من الغابات الاستوائية في العالم، و 20 في المائة من المياه العذبة، وما لا يقل عن 10 في المائة من التنوع البيولوجي لكوكب الأرض. من هنا لا بد للبرازيل من الاضطلاع بدور ريادي في حماية البيئة عبر التحول إلى اقتصاد أخضر، وهو أمر يحتاج إلى خطة شاملة تحمي بشكل خاص أدغال الأمازون.
ومعلوم هنا أن هذه المنطقة التي تشكل رئة العالم تتعرض منذ سنوات طويلة لتعديات تقضي على مساحات منها بدافع من جشع الراغبين في إقامة مزارع تزيل الأشجار ومواطن للسكان الأصليين. وبالتالي على السلطات الفدرالية العمل بجدية وسرعة على حماية الغابات، وتعزيز صلاحيات السلطات البيئية، وتمكين مجموعات السكان الأصليين، وإلزام الشركات العاملة في الأمازون باحترام البيئة.
أما التحدي الثاني فهو التصدي للفقر، ففي العام 2021، كان حوالى 28.4 في المائة من البرازيليين (أو 60.5 مليون فرد) فقراء. وهؤلاء لا ينعمون قطعاً بالأمن الغذائي، ومنهم لا يحظى بمسكن لائق.
وقد أنهت البرازيل عام 2020 بمعدّل تضخم يبلغ 6 في المائة، ومعدّل فوائد يبلغ 13.75 في المائة. والرقمان يشكلان تحدياً اقتصادياً هائلاً يتمثل في لجم غلاء الأسعار عبر خفض الاستهلاك، من دون الإضرار بعجلة الإنتاج وضرب الناتج الإجمالي. وهذه معادلة صعبة بالطبع تواجهها حالياً غالبية دول العالم.
لكنْ بالنظر إلى حوادث الأحد 8 يناير، يبقى الأهم بالنسبة إلى لولا تحقيق المصالحة وتعزيز التعايش بين المكوّنات السياسية وبالتالي الشعبية. ولا شك في أن الاستقطاب السياسي ولّد عنفاً وينذر بالمزيد. لذا يجب العمل على التوعية والتركيز على أهمية إبقاء الخلاف السياسي والاختلاف الفكري في إطار الوحدة، وعلى صون الديمقراطية، لأن دخول البرازيل في حالة انعدام وزن يعني امتداد الارتدادات إلى أميركا اللاتينية كلها.


مقالات ذات صلة

الرئيس البرازيلي ينتقد {صندوق النقد} وهيمنة الدولار

أميركا اللاتينية الرئيس البرازيلي ينتقد {صندوق النقد} وهيمنة الدولار

الرئيس البرازيلي ينتقد {صندوق النقد} وهيمنة الدولار

التقى الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، نظيره الصيني شي جينبينغ، في بكين، الجمعة، على أمل تعزيز العلاقات بينهما، بعد أن انتقد بشدة صندوق النقد الدولي وهيمنة الدولار الأميركي. وكان الرئيس اليساري لولا (77 عاماً) صرح في شنغهاي، الخميس، بأن البرازيل «عادت إلى الساحة الدولية»، مؤكداً بذلك سعيه إلى طي صفحة العزلة في عهد سلفه اليميني المتطرف جايير بولسونارو. وبدأ لولا رحلته في شنغهاي لحضور حفل تنصيب الرئيسة البرازيلية السابقة ديلما روسيف (2011 - 2016) على رأس «بنك بريكس»، حيث يوجد مقره.

«الشرق الأوسط» (بكين)
أميركا اللاتينية أبقار في إحدى المزارع بولاية ماتو غروسو وسط البرازيل (رويترز)

البرازيل تعلن أن حالة جنون البقر المكتشفة لديها «غير نمطية»

قالت وزارة الزراعة البرازيلية يوم الخميس إن حالة إصابة مؤكدة بمرض جنون البقر اكتُشفت في البلاد الشهر الماضي «غير نمطية»، مضيفة أنها ستعمل على رفع تعليق استيراد لحوم الأبقار الذي سارعت عدة دول في آسيا بفرضه. ويشكل تعليق الصادرات خطرا كبيرا على قطاع الثروة الحيوانية المهم في البرازيل، وهو أحد أكبر القطاعات في العالم. وأشارت وزارة الزراعة في بيان إلى تحليل أجرته المنظمة العالمية لصحة الحيوان وأكد الحالة غير العادية للإصابة. وأضافت الوزارة أنها ستحدد موعدا لعقد اجتماع عبر الإنترنت مع المسؤولين الصينيين لمناقشة استئناف صادرات لحم البقر لبلدهم.

«الشرق الأوسط» (ساو باولو)
أميركا اللاتينية البرازيل أوقفت صادرات لحوم البقر إلى الصين للوفاء بشروط اتفاقية تجارة (رويترز)

بسبب «جنون البقر»... عدة دول تحظر لحوم الأبقار البرازيلية

قالت وزارة الزراعة البرازيلية، أمس (الخميس)، إن إيران والأردن وتايلاند أوقفت مؤقتاً استيراد لحوم الأبقار من البلاد، بينما تحقق السلطات في حالة إصابة بجنون البقر من ولاية بارا، وفقاً لبيان أرسل إلى وكالة «رويترز». كما أكدت الوزارة أن روسيا أوقفت الواردات من ولاية بارا، بعد اكتشاف حالة الإصابة بمرض جنون البقر هناك. وقالت الوزارة إن إيران والأردن وتايلاند «أوقفت مؤقتاً واردات لحوم البقر من جميع أنحاء البرازيل، وفرضت روسيا حظراً على لحوم البقر المصدرة من بارا». وبالإضافة إلى ذلك، أوقفت البرازيل صادرات لحوم البقر إلى الصين للوفاء بشروط اتفاقية تجارة. وذكرت الوزارة أنه لا يوجد سوى مصنع واحد لتعليب ا

«الشرق الأوسط» (برازيليا)
أميركا اللاتينية أم تقف في مدخل منزلها وهي تحمل طفلها الرضيع وحولها أطفالها الستة في برازيلينديا أحد أفقر أحياء ساو باولو في البرازيل (أ.ب)

لولا يبدأ ولاية جديدة رئيساً للبرازيل بتحديات الفقر والاقتصاد

يبدأ الرئيس البرازيلي اليساري لولا، الأحد، ولاية ثالثة مليئة بالتحديات تتمثل بجمع بلد مقسوم وإعادته إلى تجمعات الأمم ومحاربة الفقر والجوع باقتصاد منهك، بعدما أصبحت حكومته جاهزة لبدء العمل. «مهمة جبارة» تنتظر لويز إيناسيو لولا دا سيلفا على رأس دولة كبرى ناشئة تعد 215 مليون نسمة، كما قال نائبه جيرالدو ألكمين. بحسب فريق لولا الانتقالي، فإن أربع سنوات من «الإدارة غير المسؤولة» تحت قيادة جاير بولسونارو تركت البرازيل في حالة يرثى لها: «نقص» في المواد و«عودة إلى الوراء» في العديد من القطاعات: السياسية والاجتماعية والتعليم والصحة والبيئة. تعهد لولا بأن يجعل «البرازيل سعيدة مجدداً»، وهو يستعد لتولّي ال

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
أميركا اللاتينية تعتزم البرازيل شراء أكبر كمية ممكنة من الديزل من روسيا (رويترز)

البرازيل «تنهل» من الديزل الروسي رغم العقوبات

تعتزم البرازيل شراء أكبر كمية ممكنة من الديزل من روسيا، على ما أعلن وزير خارجيتها كارلوس ألبرتو فرنكو مساء الثلاثاء، رغم العقوبات المفروضة على موسكو بسبب غزوها لأوكرانيا. ويأتي هذا التصريح عقب إعلان الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو عن اتفاق «يكاد أن يكون» وشيكاً مع روسيا بهذا الصدد.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«مجموعة العشرين» تعقد قمتها وسط أوضاع عالمية غير مستقرة

TT

«مجموعة العشرين» تعقد قمتها وسط أوضاع عالمية غير مستقرة

الجلسة الافتتاحية لقمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)
الجلسة الافتتاحية لقمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

افتتح الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، قمة «مجموعة العشرين»، الاثنين، بإطلاق تحالف عالمي ضد الجوع والفقر «للقضاء على هذه الآفة التي تمثل عاراً على الإنسانية».

وانطلقت القمة وسط أوضاع عالمية صعبة تخيم عليها صعوبات التوصل إلى تسوية حول المناخ والخلافات الكبيرة في وجهات النظر حول أوكرانيا والشرق الأوسط، وترقب عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وقال الرئيس البرازيلي وهو عامل سابق نشأ في الفقر بشمال شرقي البلاد، إن هذا التحالف الذي يضم 81 دولة «ينشأ في قمة مجموعة العشرين، لكنه عالمي. فلتكن لدى هذه القمة الشجاعة للتحرك». ورأت منظمة «أوكسفام» الخيرية أن هذا التحالف العالمي «يمكن أن يكون نقطة تحول في المعركة ضد الجوع والفقر المدقع، لكنها حضت المبادرة على الذهاب إلى أبعد من ذلك من خلال إدخال تغييرات في الزراعة ودعم حقوق الأراضي» ومواجهة «استخدام الجوع سلاحاً».

ويحظى التحالف العالمي ضد الجوع والفقر بدعم منظمات دولية مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ـ وكلاهما عضو في مجموعة العشرين ـ وكذلك من مؤسسات مالية ومنظمات غير حكومية، ما يرفع العدد الإجمالي للموقعين على التحالف إلى 147. وهدف المبادرة طموح؛ وهو الحد من الجوع في العالم الذي أثر على 733 مليون شخص في العام الماضي ـ أي ما يعادل 9 في المائة من سكان العالم، بحسب الأمم المتحدة.

تحدي التغير المناخي

ويسعى رؤساء دول وحكومات القوى الاقتصادية الكبرى المتطورة والناشئة، وفي طليعتهم الرئيس الأميركي جو بايدن في أواخر ولايته ونظيره الصيني شي جينبينغ، لإحراز تقدم حول مسألة تمويل سبل التصدي للتغير المناخي.

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الأحد، قادة الدول العشرين إلى الاضطلاع بدورهم «القيادي» والقيام بـ«تسويات» تسمح بتحقيق «نتيجة إيجابية في مؤتمر (كوب 29)» حول المناخ المنعقد في باكو وحيث المفاوضات حول هذه المسألة متعثرة منذ أسبوع.

 

المستشار الألماني أولاف شولتس لدى وصوله للمشاركة في قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

انقسامات

تنعقد القمة في وقت تشهد فيه الأسرة الدولية انقسامات حول مسألتي الغزو الروسي لأوكرانيا وحرب إسرائيل مع حركة «حماس» في قطاع غزة و«حزب الله» في لبنان. وأقر مصدر حكومي ألماني قبل القمة بأن «المفاوضات حول أوكرانيا والشرق الأوسط... هي الأكثر صعوبة. سنرى إلى أين يمكننا المضي في البيان، سيكون هذا تحدياً». وأوضح مسؤول آخر أنه بينما تقف الصين في صف روسيا فيما يتعلق بالأزمة في أوكرانيا، تعتقد ألمانيا أن بكين ستجد صعوبة أكبر في البقاء على هذا الموقف مع تحول الصراع إلى «عالمي» مع نشر روسيا قوات كورية شمالية.

 

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى وصوله للمشاركة في قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

ووجهت الرئاسة الفرنسية تحذيراً بشأن أوكرانيا التي تعرضت للتو لواحدة من أضخم الهجمات الروسية منذ أشهر، قائلة: «سنعارض بحزم أي تراجع في الخطاب».

وسيكون الرئيس فلاديمير بوتين الغائب الأكبر عن القمة، بعدما تَغَيَّبَ عن الاجتماعات الأخيرة، غير أن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى لحظة استراتيجية؛ إذ أعلنت واشنطن الأحد أنها أجازت لكييف استخدام صواريخ بعيدة المدى سلمتها إياها لضرب عمق الأراضي الروسية.

غموض بشأن موقف ميلي

فهل تتوصل مجموعة العشرين إلى التفاهم على بيان ختامي بحلول نهاية القمة، الثلاثاء؟

واقترنت الخلافات حول النزاعات الكبرى الجارية خلال الأيام الأخيرة بغموض حول الموقف الذي سيعتمده الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي الليبرالي المتطرف والمشكك في حقيقة التغير المناخي. وقال رئيس الوفد الأرجنتيني إلى القمة فيديريكو بينييدو إن بوينوس أيريس قدمت بعض الاعتراضات، ولن توقع «بالضرورة» النص، دون الخوض في التفاصيل.

ويأمل الرئيس البرازيلي اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الذي يستضيف القمة أن يسجل نقاطاً في الملفات الاجتماعية، وهو المروج لمفهوم «الجنوب الشامل» والمدافع عن الطبقات الأكثر فقراً. وحذر لولا مساء الأحد في مقابلة أجرتها معه شبكة «غلوبو نيوز» البرازيلية بأنه يعتزم طرح النزاعات جانباً «وإلا فلن نناقش المسائل الأخرى التي تهم... الفقراء المنسيين في العالم».

والرئيس البرازيلي، وهو نفسه عامل سابق ومتحدر من عائلة فقيرة، مصمِّم على تحقيق إنجاز كبير مع إطلاق «تحالف عالمي ضد الجوع والفقر»، صباح الاثنين.

وسيجمع هذا التحالف دولاً من العالم بأسره ومؤسسات دولية سعياً لإيجاد وسائل مالية ودعم المبادرات التي تحقق نتائج محلياً. كما يدفع لولا باتجاه فرض ضرائب على الأكثر ثراءً، بعدما تعهد وزراء مالية «مجموعة العشرين» بـ«التعاون» في هذه المسألة خلال اجتماعاتهم في ريو دي جانيرو في يوليو (تموز) وفي واشنطن في أكتوبر (تشرين الأول).

شرذمة

يخيم ظل ترمب الذي يعود إلى البيت الأبيض، مطلع العام المقبل، على اجتماع ريو، لا سيما بعدما زاره ميلي في مقره في فلوريدا قبل بضعة أيام. ووجه بايدن رسالة إلى خلفه خلال زيارة قام بها لمنطقة الأمازون البرازيلية، إذ أكد أنه «لا أحد يمكنه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء» في ما يتعلق بـ»ثورة الطاقة النظيفة». ودافع في قلب الغابة الاستوائية في ماناوس عن حصيلته في مكافحة الاحتباس الحراري، مؤكدا أن هذه الظاهرة «ربما تكون التهديد الوجودي الوحيد لكل دولنا وللبشرية جمعاء».

وعند أبواب الولاية الجديدة للرئيس الأميركي الجمهوري المؤيد للطاقات الأحفورية والمعارض للنهج التعددي، تتصاعد المخاوف من تراجع مكافحة الاحتباس الحراري، وازدياد شرذمة الأسرة الدولية.

وقال أوليفر ستونكل أستاذ العلاقات الدولية في مؤسسة «جيتوليو فارغاس» في ساو باولو: «ندخل بالتأكيد سيناريو عالمياً تزداد صعوبة التكهن بالمنحى الذي سيتخذه، غير أنه يترك هامشاً أكبر بكثير لدول الجنوب، للصين وسواها... لوضع رؤيتها الخاصة؛ لأن النظام القديم على وشك الانهيار».

 

الرئيس الصيني شي جينبينغ يصافح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قبل اجتماعهما على هامش اجتماعات قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

في هذا السياق، يعتزم شي جينبينغ الذي وصل، الأحد، إلى ريو دي جانيرو قادماً من ليما؛ حيث شارك في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (آبيك)، عقد لقاءات ثنائية مع كثير من القادة. وأفادت وسائل إعلام صينية بأن من المقرر أن يجري الرئيس شي محادثات شاملة مع نظيره البرازيلي، تتطرق إلى «تعزيز العلاقات بين البلدين بشكل أكبر».