لم تكن صالة الحجاج بالصالة الغربية لمطار الملك عبد العزيز الدولي مجرد مبنى، بل كانت معلماً في مدينة جدة منذ إنشائها في عام 1983. تميزت بمعمارها البسيط وأيضاً العميق، وأثارت الحنين والتأمل في كل من مرّ عليها بالسيارة أو بالحافلة. احتلت الصالة مكاناً في ذاكرة سكان المدينة وزوارها وارتبطت بالحجاج وخيامهم دائماً، كما ارتبطت دائماً بوصفها المدخل لزيارة أول بيت وضع للناس في مكة المكرمة. بدا من اللائق أن يتحول معلم كهذا ليكون موضع أول بينالي للفنون الإسلامية في العالم الذي يقام في جدة في 22 من الشهر الجاري، وكيف لا؟ المساحات الشاسعة التي تتموضع تحت تلك القباب تملك من القدرة الاستيعابية ما يؤهلها لاحتضان حدث عالمي كهذا، ناهيك عن الصلة الوثيقة بين المباني التي تماثل الخيام الضخمة بسقوفها المصنوعة من القماش وبين المشاعر المقدسة وبين ماهية أن يكون المرء مسلماً. وهو ما لخصه البروفسور جوليان رابي أحد المنسقين لبينالي الفنون الإسلامية قائلاً في حديث مع «الشرق الأوسط» إن البينالي ليس حول الفن الإسلامي بقدر ما هو حول ما يعنيه أن يكون المرء مسلماً.
تلعب تلك الخيام الضخمة المصنوعة من الخرسانة والقماش دورها في هذا الحدث الفني الضخم، وهو دور أساسي نتج عن شروع هيئة بينالي الدرعية في إعادة تصور هذا البناء الرائد ليصبح مساحة ثقافية متفردة تحتضنها الخيام الضخمة وتقدم من خلالها ما يثير الفكر ويهز الروح من تأملات في الفن الإسلامي قديمة وحديثة. وبينما يتشابك التصميم الحديث مع التصميم الحالي لصالة الحج الغربية، فإن مجمع البينالي يعبر عن استقلاليته في هويته البصرية، فبدلاً من التنافس مع القباب الموجودة، يكملها من خلال اعتماد تصور معماري.
صالة الحجاج الغربية في مطار الملك عبد العزيز بجدة (الشرق الأوسط)
بالنسبة لآية البكري الرئيس التنفيذي لهيئة بينالي الدرعية فصالة الحجاج بالصالة الغربية للمطار هي جزء أساسي من العرض حيث يتم عرض الأعمال الفنية والتحف. تشير إلى أن المعمار يماثل مدينة جدة في استحضار الذاكرة والعواطف، معلقة: «كانت محطة الحج الغربية وجدة رمزاً لمنافذ دخول ملايين الحجاج في طريقهم إلى مكة، فمدينة جدة مثلت دائماً، وما تزال، نقطة التقاء بين الثقافات، حيث تم تبادل السلع والأفكار منذ قرون»، وبهذا المفهوم تعد البكري أن «تحويل الفضاء الحضري إلى مساحة ثقافية بشكل دائم هو أحد أعظم إنجازاتنا في مؤسسة بينالي الدرعية، ونحن على يقين من أن القيام بذلك سيستمر في إثراء النظام البيئي الفني في المدينة لسنوات قادمة».
يعمل بينالي الفنون الإسلامية كمنصة لعكس تجربة الحجاج من جميع أنحاء العالم، من خلال التفكير في تنوع التجربة الإسلامية من خلال إبداع أكثر من 60 فناناً من أكثر من 20 دولة، والذين ستضاف أعمالهم إلى ما يقارب ال 200 قطعة أثرية تمت استعارتها من المؤسسات المحلية والدولية. وتحت عنوان «أول بيت» تتشابك الاعمال الفنية المعاصرة مع القطع الأثرية التاريخية لتقدم مجتمعة منظوراً شاملاً للفنون الإسلامية.ستشمل تجربة زيارة ارض البينالي الممتدة على أكثر من 12000 متر مربع، رحلة مثيرة من خلال خمسة معارض ومظلات كبيرة. وسيوفر البينالي مجالين رئيسيين لعرض الأعمال الفنية والمصنوعات اليدوية، الأول عبر التسلسل الخطي للمعارض التي سيتم تعديل مساحاتها لتعزيز التجربة المعرفية والعاطفية للزائر. والجزء الثاني من العرض سينقسم إلى جناحين: مكة والمدينة المنورة، بالاضافة إلى منطقة خارجية تحت مظلة محطة الحج الغربية، لعرض الأعمال الفنية والتركيبات الفنية.
ويمكننا تخيل التأثير الذي تحدثه خيوط من أشعة الشمس المتسللة من خلال أسقف الخيام القماشية أو اللمحات للسماء وللصحراء من خلال الفتحات المتتالية وهي ما ستجعل من تجربة الزائر مع تعبيرات الفنانين المختلفة تجربة لها وقع خاص، تختلف في وقعها مع الغاليرهات الحديثة التشييد الملحقة بها.