مجموعة دول الساحل تحاول لملمة الجراح عبر هيكلة جديدة

متظاهرون مناهضون للحكومة يشعلون النار خلال اشتباكات في إنجامينا (تشاد) أكتوبر 2022 (أ.ب)
متظاهرون مناهضون للحكومة يشعلون النار خلال اشتباكات في إنجامينا (تشاد) أكتوبر 2022 (أ.ب)
TT

مجموعة دول الساحل تحاول لملمة الجراح عبر هيكلة جديدة

متظاهرون مناهضون للحكومة يشعلون النار خلال اشتباكات في إنجامينا (تشاد) أكتوبر 2022 (أ.ب)
متظاهرون مناهضون للحكومة يشعلون النار خلال اشتباكات في إنجامينا (تشاد) أكتوبر 2022 (أ.ب)

عقد وزراء الدفاع في مجموعة دول الساحل الخمس، أمس (الثلاثاء)، اجتماعاً في عاصمة تشاد إنجامينا؛ لنقاش هيكلة جديدة للمجموعة الإقليمية التي تواجه تحديات أمنية متصاعدة في ظل تزايد خطر الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، وهي الهيكلة الأولى من نوعها منذ انسحاب دولة مالي من المجموعة».
وكانت الهيكلة الجديدة لمجموعة دول الساحل محل نقاش مستفيض منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، حين احتضنت العاصمة الموريتانية نواكشوط، اجتماعاً لخبراء عسكريين من موريتانيا وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو، وغابت عنه مالي التي انسحبت من المجموعة مايو (أيار) من العام الماضي.
ووضع اجتماع الخبراء العسكريين في نواكشوط التصور الأولي للهيكلة الجديدة، قبل أن يناقشها قادة أركان جيوش دول الساحل أول من أمس (الاثنين) خلال اجتماع استثنائي عقدوه في العاصمة التشادية إنجامينا.
وقال الجيش الموريتاني في بيان، إن اجتماع إنجامينا «خُصص لمناقشة الهيكلة الجديدة لمجموعة الخمس في الساحل واعتمادها، وإعادة تنظيم قوتها المشتركة، في ضوء انسحاب جمهورية مالي من المجموعة.
إعادة الهيكلة تضمنت قرارات عدة، من أبرزها نقل مقر قيادة القوة العسكرية المشتركة من العاصمة المالية باماكو إلى العاصمة النيجيرية نيامي، كما تقرر أيضاً إعادة هيكلة هذه القوة العسكرية المشتركة واعتماد نظام «الكتائب القتالية» بديلاً لنظام «القطاعات العسكرية».
وأسست مجموعة دول الساحل قوتها العسكرية المشتركة عام 2017؛ لتوحيد جهودها في محاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، ولكن هذه القوة العسكرية البالغ قوامها 5 آلاف جندي، ظلت تواجه مشاكل هيكلية وبنيوية بسبب نقص التمويل والتجهيز والتدريب، بالإضافة إلى رفض قوى دولية وضع القوة العسكرية تحت البند السابع للأمم المتحدة؛ ما يوفر لها حماية قانونية وتمويلا دائماً.
وكانت وحدات القوة العسكرية تعمل في «قطاعات عسكرية» موزعة على الحدود المشتركة بين الدول الخمس، ولكن خبراء أشاروا إلى أن انسحاب دولة مالي أرغم قادة جيوش دول الساحل على التخلي عن فكرة «القطاعات العسكرية»؛ لأن المناطق العسكرية الحدودية بين دول المجموعة الإقليمية «لم تعد متصلة فيما بينها»؛ فموريتانيا أصبحت وحيدة في الغرب وغير متصلة ببقية دول المجموعة، بينما بقيت تشاد كما كانت بعيداً في الشرق لا تحدها سوى النيجر.
ولتجاوز هذه المعضلة الاستراتيجية التي خلفها انسحاب دولة مالي، قرر قادة جيوش دول الساحل إنشاء كتائب قتالية متنقلة وخفيفة، وذات مهام تكتيكية سريعة، شبيهة بما تستخدمه الجماعات الإرهابية في تنفيذ هجماتها، ولكن الكتائب القتالية الجديدة يتوقع منها أن تركز على المناطق الملتهبة في النيجر، حيث يوجد المقر الجديد للقوة العسكرية المشتركة.
وقال الجيش الموريتاني في بيان صحافي «تهدف هذه التدابير والإجراءات الجديدة إلى إعطاء دفع جديد لمجموعة الساحل ولقوتها المشتركة، بما يمكنها من مواجهة التحديات الأمنية ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة»، ولكن من الواضح أن المجموعة الإقليمية في وضع صعب وغير مسبوق منذ تأسيسها قبل نحو تسع سنوات (2014). وزاد التوتر السياسي من تعقيد الوضع في منطقة الساحل، فانسحاب دولة مالي جاء عقب انقلابين عسكريين (2020)، وهيمنة ضباط شباب على الحكم في العاصمة باماكو، ليقرروا مراجعة علاقاتهم مع الغرب وخاصة فرنسا، والتوجه نحو روسيا في استراتيجية جديدة لمواجهة خطر الإرهاب، وذلك عبر الاستعانة بخدمات مجموعة «فاغنر» الروسية.
وفي بوركينا فاسو وقع انقلاب عسكري (سبتمبر 2022)، أدخل البلد في مرحلة شك لا تزال مستمرة، ورغم أن البلد لم ينسحب من مجموعة دول الساحل، فإنه لم يعد بذلك الحماس، ولا يخفي الضباط الشباب الذين يحكمونه إعجابهم بأقرانهم في مالي المجاورة.
أما تشاد التي كانت حتى وقت قريب تقود الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل، بسبب قوتها العسكرية الضاربة وخبرة جيشها، فقد انكفأت على نفسها منذ مقتل الماريشال إدريس ديبي إيتنو (2021)، خلال مواجهات مع متمردين قادمين من الشمال للإطاحة بنظامه المستمر منذ ثلاثة عقود، حينها كان نجله الأكبر «محمد كاكا» جنرالاً في الجيش وأحد قادة المعركة ضد المتمردين، فقرر أن يدير دفة البلاد خلفاً لوالده، ومنذ ذلك الوقت وتشاد تغلي».
تشاد التي تتولى قيادة مجموعة دول الساحل الخمس، تبدو منشغلة بوضعها الاستثنائي، فمنذ تمديد المرحلة الانتقالية التي يقودها الجنرال الشاب محمد إدريس ديبي الملقب «كاكا»، والمعارضة تضغطُ للمطالبة بانتقال أسرع إلى الحكم الديمقراطي، ولكن السلطات تواجه هذه المطالب بالتضييق والقمع؛ ما أسفر في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن سقوط نحو 50 قتيلاً خلال مظاهرات دعت لها المعارضة.
ورغم أن السلطات في تشاد توصلت لاتفاق سياسي مع حركات سياسية وعسكرية، إثر مفاوضات شاقة في الدوحة، فإن رئيس الحكومة في تصريحات جديدة لم يستبعد ظهور تمرد جديد، وقال «بالطبع؛ لأن تشاد هي تشاد، ولأن العادات لا تموت بسرعة، فإننا لن نتفاجأ من ظهور محاولات تمرد هنا أو هناك»، قبل أن يؤكد أن «كل التدابير ستتخذ لمواجهة من تسول له نفسه التمرد. هنالك بعضُ التائهين يسعون إلى إشعال الحرب بين التشاديين، وهذا ما سنقف في وجهه ونمنعه».
وكانت تشاد قد أعلنت مؤخراً إحباط «محاولة لزعزعة الاستقرار»، قالت الحكومة، إن 11 ضابطاً في الجيش خططوا لها، وجرى اعتقالهم يوم 08 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وأُخضعوا لتحقيق قضائي ووجهت لهم تهم «التواطؤ والمساس بالنظام الدستوري و(تشكيل) عصابة إجرامية وحيازة أسلحة نارية بطريقة غير قانونية». وتستعد تشاد المشغولة بنفسها، لتسليم قيادة مجموعة دول الساحل إلى النيجر، ذلك البلد الذي عاش مؤخراً انتقالاً سلمياً للسلطة بين الرئيس الحالي محمد بازوم وسلفه محمدو يسوفو، ورغم ذلك أحبط محاولة لقلب نظام الحكم بالقوة؛ ما يعني أنه غير محصن أمام سيناريو شبيه بما وقع في الجارتين مالي وبوركينا فاسو.
ولكن النيجر في ظل التغيرات الأخيرة، أصبحت مركز الحرب الدولية على الإرهاب في منطقة الساحل، فاتخذ منه الأميركيون والأوروبيون قاعدة لأنشطتهم العسكرية، وحين قرر الفرنسيون الانسحاب من مالي، توجهوا نحو النيجر لتتخذ منها قوات «برخان» الفرنسية مركزاً لعملياتها.
وحدها موريتانيا تُعد الاستثناء في المنطقة؛ فمنذ 2011 لم تشهد أي هجوم إرهابي، وعاشت عام 2019 أول تناوب سلمي على السلطة بين رئيسين منتخبين، ولكنها مع ذلك تعيش مشاكلها الخاصة المتعلقة بانتشار الفساد وغلاء المعيشة وتراجع الحريات، وتستعد لمحاكمة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وبعض رموز نظامه بتهمة الفساد، وهي سابقة في التاريخ الموريتاني.


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

تركيا تسارع لملء الفراغ الغربي في النيجر بشراكة متعددة الأبعاد

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استقبل رئيس وزراء النيجر على الأمين زين في أنقرة فبراير (شباط) الماضي (الرئاسة التركية)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استقبل رئيس وزراء النيجر على الأمين زين في أنقرة فبراير (شباط) الماضي (الرئاسة التركية)
TT

تركيا تسارع لملء الفراغ الغربي في النيجر بشراكة متعددة الأبعاد

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استقبل رئيس وزراء النيجر على الأمين زين في أنقرة فبراير (شباط) الماضي (الرئاسة التركية)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استقبل رئيس وزراء النيجر على الأمين زين في أنقرة فبراير (شباط) الماضي (الرئاسة التركية)

كشفت زيارة الوفد التركي رفيع المستوى، برئاسة وزير الخارجية هاكان فيدان، إلى النيجر عن استمرار التركيز من جانب أنقرة على ترسيخ حضورها في أفريقيا، وسعيها لملء الفراغ الذي تتركه القوى الغربية ذات النفوذ في القارة السمراء، واهتمامها، على وجه الخصوص، بمنطقة الساحل.

رئيس وزراء النيجر علي الأمين زين خلال استقبال الوفد التركي في نيامي («الخارجية» التركية)

وجاءت زيارة الوفد التركي، الذي ضم وزيرَي الدفاع يشار غولر، ووزير الطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار، ورئيس المخابرات إبراهيم كالين، إلى جانب نائب وزير التجارة فولكان أغار، إلى النيجر لتؤكد الاهتمام الذي تُوليه تركيا بهذا البلد الأفريقي المستهدَف بالإرهاب، والذي يحكمه الجنرال عبد الرحمن تياني الذي وصل إلى السلطة في انقلاب عسكري قبل عام تقريباً، وكان في استقبال الوفد التركي لدى وصوله إلى نيامي، الأربعاء.

تعاون عسكري وأمني

وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، كشف عن بعض أهداف زيارة الوفد التركي، قائلاً: «ناقشنا مع النيجر ما يمكن فعله لتحسين صناعة الدفاع والاستخبارات، في إطار مكافحة الإرهاب؛ المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في منطقة الساحل، السلام والأمن والاستقرار في أفريقيا من بين أولوياتنا».

ولفت فيدان إلى أن علاقات التعاون بين تركيا والدول الأفريقية مستمرة في النمو بمجالات مثل الدبلوماسية والاقتصاد والمالية والأمن والدفاع والتعليم والصحة، وأن تركيا لديها سفارات في 44 دولة أفريقية، من أصل 54 بلداً بالقارة.

وأكد أن السلام والأمن والاستقرار في أفريقيا هو أيضاً من بين أولويات تركيا، وخصوصاً في منطقة الساحل التي باتت فيها مشكلة عدم الاستقرار والإرهاب مزمنة.

الوفد التركي أثناء المباحثات الموسعة مع المسؤولين في النيجر (وزارة الخارجية التركية)

وأشار إلى أنه بحث، خلال لقاءاته، ما يمكن أن تفعله تركيا في النيجر لتطوير صناعات الدفاع والاستخبارات، في إطار الحرب ضد الإرهاب؛ أسوة بتعاونها مع الصومال.

وتمتلك تركيا قاعدة عسكرية في الصومال تُعد أكبر قواعدها العسكرية في الخارج.

ويُعد البعد العسكري أحد أهم الأبعاد التي تركز عليها أنقرة، إلى جانب الاقتصاد والطاقة، في علاقاتها مع دول أفريقيا، وأصبحت أحد مورّدي الأسلحة لدول القارة.

واشترت النيجر من تركيا 6 طائرات مُسيّرة قتالية «بيرقدار- تي بي 2»، في مايو (أيار) عام 2022، بعدما أعلن البَلدان، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، عن صفقة تشمل توريد أسلحة للنيجر؛ بينها طائرات مُسيّرة «بيرقدار- تي بي 2»، وطائرات التدريب «حر كوش»، ومدرعات لتعزيز قدراتها العسكرية والأمنية في مواجهة الجماعات الإرهابية.

وتشتهر تركيا بطائراتها المُسيّرة القتالية، التي أصبحت عنصراً أساسياً في جيشيْ مالي وبوركينا فاسو، وهما حليفان للنيجر، يحكمهما أيضاً مجلسان عسكريان ويواجهان جماعات إرهابية.

ملء الفراغ

وعملت النيجر على تغيير شراكاتها الدولية، وطردت خصوصاً من أراضيها الجنود الفرنسيين الذين كانوا منتشرين في إطار القتال ضد الجماعات الإرهابية، وسيخرج الجنود الأميركيون أيضاً بحلول سبتمبر (أيلول) المقبل. وأعلنت ألمانيا، من جانبها، إنهاء تعاونها العسكري، بحلول نهاية أغسطس (آب) المقبل؛ بسبب غياب «الموثوقية» في علاقاتها مع نيامي.

وسعياً من أنقرة لملء الفراغ في النيجر، كثّفت اتصالاتها مع البلد الأفريقي، وزار رئيس وزرائها علي الأمين زين أنقرة، في فبراير (شباط) الماضي. وأعلن، خلال لقائه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي وجه إليه الدعوة لزيارة تركيا، أن «التحدي الأمني المفروض علينا يتطلب أن تكون لدينا كل الوسائل اللازمة لضمان دفاعنا، ونعلم أنكم قادرون على ضمان ذلك لنا».

وأكد إردوغان، خلال اللقاء الذي حضره وزيرا الخارجية والدفاع التركيان، دعم تركيا خطوات النيجر لتعزيز استقلالها السياسي والعسكري والاقتصادي، وأن تركيا تقف، وستواصل الوقوف ضد التدخلات العسكرية الأجنبية التي تستهدف الشعب النيجري، وستواصل اتخاذ خطوات لزيادة حجم التجارة بين البلدين، وفق ما ذكرت الرئاسة التركية.

وفي الجانب الاقتصادي، قدَّم رئيس وزراء النيجر تأكيدات بأن «كل التسهيلات» ستُمنح للمستثمرين الأتراك.

تركيز على النيجر

وجاءت زيارة الوفد التركي رفيع المستوى لنيامي، الأربعاء؛ لمتابعة ما جرى الاتفاق عليه خلال زيارة رئيس وزراء النيجر لتركيا. واتفق الجانبان، خلال المباحثات التي أجراها الوفد التركي، على تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والتعدين والمخابرات والدفاع، بعد أن طلبت الدولة، الواقعة في غرب أفريقيا، من العسكريين الغربيين المغادرة، وأنهت عقود التعدين لدول غربية كثيرة، لتقدم لنفسها بديلاً يحل محلها.

والتقى الوفد التركي، إلى جانب المباحثات الوزارية، رئيس النيجر الجنرال عبد الرحمن تياني، الذي تولَّى السلطة في يوليو (تموز) 2023، بعد أن أطاح المجلس العسكري الذي يقوده بالرئيس محمد بازوم وغيَّر ولاءات البلاد، بطرد القوات الغربية وإنهاء اتفاقيات أمنية مع الاتحاد الأوروبي.

وقال مسؤول بوزارة الدفاع التركية، في إفادة صحافية، الخيمس، إن وزير الدفاع يشار غولر ناقش سبل تعزيز التعاون بين تركيا والنيجر في مجال الدفاع والتدريب العسكري.

وقالت وزارة الطاقة التركية إن البلدين وقّعا إعلان نوايا لدعم وتشجيع الشركات التركية على تطوير حقول النفط والغاز الطبيعي في النيجر.

وتملك النيجر خامات اليورانيوم الأعلى جودة في أفريقيا، وهي سابع أكبر منتِج لليورانيوم في العالم.

وعزّزت الشركات التركية حضورها في النيجر. وفازت بعدد من العقود، بينها عقد بقيمة 152 مليون يورو لتحديث مطار نيامي، وعقود أخرى بقيمة 50 مليون يورو لإقامة فندق فخم، و38 مليون يورو للمقر الجديد لوزارة المالية النيجرية في قلب العاصمة. وأنشأت تركيا عام 2019 مستشفى بقيمة 100 مليون يورو في مارادي، ثالثة كبرى مدن البلاد.

سياسة تركيا الأفريقية

ومنذ عقدين من الزمن، تعمل تركيا على توسيع وجودها في القارة السمراء، التي تمتلك، وفق تقديرات اقتصادية، نحو 65 في المائة من الموارد العالمية التي لم يجرِ العمل على استغلالها.

وعقب موجة الانقلابات في دول الساحل الأفريقي، التي بدأت عام 2020 من مالي، وتراجع النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا، زادت تركيا تحركاتها عبر قنوات التسليح والتعاون الاقتصادي لتكون شريكاً حاضراً بقوة في المنطقة التي تشهد سباق نفوذ بين القوى العالمية.

وتحتل تركيا المركز الرابع بين الدول الأكثر تمثيلاً دبلوماسياً في القارة الأفريقية، بعد الولايات المتحدة والصين وفرنسا، وتقع العلاقات مع دولها ضمن الأهداف الرئيسية للسياسية الخارجية التركية.

ويرجع الاهتمام بتطوير هذه العلاقات إلى عام 2005 حين أصبحت أنقرة عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي، وأعلنت، في العام نفسه، «خريطة الانفتاح على أفريقيا».