لم يخسر جيانلوكا فيالي معركته مع السرطان، لأنه لم يبدأها من الأساس، فقد قال لصحيفة «الغارديان» في عام 2020: «لا أريد أن أحارب السرطان، لأنه سيكون عدواً أكثر شراسة وقوة مني. أشعر أن هذه رحلة، وأن الأمر يتعلق بالسفر مع رفيق غير مرغوب فيه، على أمل أن يشعر بالملل ويموت قبلي».
ويوم الجمعة الماضية، انتهت الرحلة التي بدأت باكتشاف إصابته بورم في البنكرياس في عام 2017. حيث توفي فيالي عن عمر يناهز 58 عاماً. لقد بدا الأمر في أكثر من مرة وكأن فيالي سيصمد في هذه الرحلة أكثر من رفيقه غير المرغوب فيه، حيث أخبره الأطباء بأنه تعافى تماماً من المرض في عام 2018، ثم أكدوا له ذلك مرة أخرى في عام 2020. لكن السرطان كان يعود في كل مرة.
لقد قال فيالي إنه كان يرغب أن يكون جندياً لو لم يكن لاعباً لكرة القدم، لكن موهبته الفذة قادته لأن يكون أحد أبرز نجوم الساحرة المستديرة. وقال النجم الإيطالي الراحل في الكتاب الذي شارك في تأليفه مع روبرتو مانشيني حول فوزهما معاً بلقب الدوري الإيطالي الممتاز في موسم 1990 - 1991 مع سمبدوريا: «لا تصدق أي شخص يقول إن كرة القدم حرب. إنها رياضة ولعبة. وأنت تلعب المباريات مع أصدقائك».
فيالي يشارك زولا الاحتفال بكأس أوروبا لأبطال الكؤوس (أ.ب)
لعب فيالي إلى جانب أفضل زميل وصديق له، روبرتو مانشيني، لمدة ثماني سنوات في نادي سمبدوريا، خلال أفضل فترة في تاريخ النادي على الإطلاق، وهي الفترة التي شهدت حصول النادي على لقب الدوري الإيطالي الممتاز للمرة الأولى والأخيرة في تاريخه، كما شهدت نجاحه الوحيد على مستوى القارة عندما فاز بلقب كأس الكؤوس الأوروبية قبل عام واحد. وسجل فيالي الهدفين اللذين فاز بهما سمبدوريا على إندرلخت البلجيكي في المباراة النهائية.
كان فيالي ومانشيني لا يفترقان، سواء داخل الملعب أو خارجه. لقد نجحا سوياً في الفوز بكأس إيطاليا ثلاث مرات، وكانا بين الحين والآخر يثيران الكثير من الجدل، مثلما حدث عندما تسللا من معسكر التدريب ليلاً وتركا وسائد تحت الملاءات حتى لا يشك أحد في خروجهما! تذكر فيالي ذلك بعد سنوات وهو ينتقد نفسه قائلاً: «لقد كنت أنا ذلك الشخص اللطيف الذي يبدأ محاولة التعرف على السيدات، بينما كان روبرتو هو ذلك الرجل الوسيم».
صور فيالي والزهور على أسوار نادي سمبدوريا حيث بدأ فيالي مسيرته نحو النجومية (رويترز)
لقد ساعدت هذه العلاقة القوية في الحفاظ على تماسك الفريق لفترة طويلة. رفض فيالي، وهو في الثانية والعشرين من عمره، الانتقال لميلان في صيف عام 1986. قائلاً: «عندما تلعب في نادٍ كبير فإنك تكون مجرد رقم في خدمة النتيجة النهائية. في الوقت الحالي، أنا مهتم أكثر بأموري الشخصية».
ومع ذلك، لا يمكن مقاومة الإغراءات المالية لكرة القدم إلى الأبد، حيث انتقل فيالي إلى يوفنتوس في عام 1992. وفاز بدوري أبطال أوروبا وكأس الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى لقب الدوري الإيطالي الممتاز. وبعد ذلك انتقل إلى تشيلسي في صفقة انتقال حر في صيف عام 1996.
وفي غضون 20 شهراً، أصبح فيالي لاعباً ومديراً فنياً في الوقت نفسه، بعدما تم تصعيده لتولي القيادة الفنية للفريق خلفاً لرود خولييت. وفي مباراته الأولى في تدريب الفريق، وهي مباراة الدور نصف النهائي لكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة ضد آرسنال، وزع فيالي على لاعبي تشيلسي المشروبات في غرفة خلع الملابس قبل بداية المباراة، وقاد الفريق للفوز بنتيجة ثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد، والتأهل إلى المباراة النهائية بمجموع مباراتي الذهاب والعودة.
إنها حكاية تذكرنا بمدى سرعة تحول اللعبة على المستوى الاحترافي، فلا يمكننا أن نتخيل الآن ونحن في عام 2023 أن يقوم مدير فني رفيع المستوى بتشجيع اللاعبين على شرب الكحوليات قبل بداية مباراة هامة، كما لا نتخيل أيضاً فكرة قيام نادٍ مثل تشيلسي بتعيين لاعب في منصب المدير الفني للفريق.
ومع ذلك، قاد فيالي تشيلسي للفوز بكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة، وكأس الكؤوس الأوروبية، وكأس السوبر الأوروبي في عام 1998، وكأس الاتحاد الإنجليزي في عام 2000. ومن حيث عدد البطولات، يعد فيالي هو أنجح مدير فني في تاريخ تشيلسي في حقبة ما قبل رومان أبراموفيتش.
إن إنجازاته لاعباً ومديراً فنياً ستبقى خالدة في تاريخ كرة القدم. وبالمثل، سيظل الجميع يستمتع بمهاراته في مقاطع الفيديو، وبأهدافه الساحرة والحاسمة في الفوز بالبطولات والألقاب. ربما يكون من الصعب تسجيل التأثير الهائل الذي تركه على كل الأشخاص الذين عرفوه. لقد ذهب فيالي إلى كأس الأمم الأوروبية 2020 كجزء من الطاقم الفني لمانشيني، وكان يتعامل مع الجميع وكأنهم من أفراد أسرته، ويقدم الدعم للجميع، كما كان يساعد اللاعبين على التخلص من الضغوط المتصاعدة خلال البطولة. وبعد أن غادرت حافلة الفريق من دونه، عن طريق الخطأ، قبل المباراة الافتتاحية لإيطاليا أمام تركيا، أصبح الجميع في المنتخب الإيطالي يمزحون من خلال التظاهر بالقيام بذلك مرة أخرى قبل كل مباراة بعد ذلك.
لقد خسر فيالي ومانشيني معاً المباراة النهائية لكأس أوروبا على ملعب ويمبلي مع سمبدوريا في عام 1992، كما مرا بتجارب محبطة ومخيبة للآمال مع المنتخب الإيطالي، ففي كأس العالم 1990 تعرض فيالي للإصابة وحل محله سالفاتور سكيلاتشي، بينما لم يلعب مانشيني على الإطلاق.
وبدلاً من أن يتركا ذلك للتاريخ، فقد كتبا ما حدث بالتفصيل في كتابهما. وقال فيالي في مقابلة مع أليساندرو كاتيلان لشبكة نتفليكس في إيطاليا العام الماضي، وهو يتحدث عن علاقته بابنتيه: «ليس لدي الكثير من الوقت لكي أقضيه معهما. الآن وبعد أن علمت أنني لن أعيش طويلاً حتى أصبح عجوزاً، فأنا أحاول أن أكون مثالاً إيجابياً يحتذى به».
وأضاف: «أحاول أن أعلمهما أن السعادة تعتمد على المنظور الذي تنظر من خلاله إلى الحياة، وأنه لا يتعين على المرء أن يتحدث للجميع عن كل شيء، وأنه يتعين عليه أن يستمع أكثر ويتحدث أقل. اضحك كثيراً، وساعد الآخرين، فهذا هو سر السعادة».
ويتذكر جون هارلي الذي لعب في صفوف تشيلسي خلال الفترة بين عامي 1997 و2001. والذي يعمل الآن مدرباً لفريق الشباب تحت 21 عاماً، أيام مشاركة فيالي في الملعب ويقول: «إنه دائماً ما كان يبعث على البهجة ويجعل الفريق مبتسماً... جعل الجميع في تشيلسي يشعرون وكأنهم أصدقاؤه».
ويضيف: «كنا جميعاً في تشيلسي ننادي جيانلوكا فيالي باسم لوكا، عندما تتذكر هذا الشخص الرائع لا يسعك إلا أن تبتسم. لقد منحني فرصة المشاركة في الدوري الإنجليزي الممتاز للمرة الأولى وأنا في الثامنة عشرة من عمري في عام 1998، عندما كان لاعباً ومديراً فنياً للفريق في الوقت نفسه. وإذا سألت أي لاعب من فريق الشباب بالنادي آنذاك، حتى أولئك الذين لم يحصلوا على فرصة اللعب تحت قيادته، فسيقولون جميعا نفس الشيء، فقد كان الجميع يحبونه كثيراً، لأنه كان شخصاً استثنائياً، ولن تجد أي شخص يقول كلمة سيئة عنه. لقد جعل الجميع يشعرون وكأنهم أصدقاؤه. وربما كان هناك آلاف الأشخاص الآخرين الذين انتابهم نفس الشعور، حتى أولئك الذين التقوا به مرة واحدة فقط».
ويروي هارلي: «في ملعب هارلينغتون القديم للتدريب، كان يتعين على جميع لاعبي الفريق الأول بتشيلسي أن يمروا عبر غرفة خلع الملابس الخاصة بفريق الشباب، وكان لوكا أحد القلائل الذين كانوا دائماً يدخلون إلى الغرفة ويقول للاعبين الصغار في السن: صباح الخير أيها الأصدقاء. وكان يعرف أسماءهم جميعاً».
لقد كان الفتى الصغير الذي ينظف حذاءه - أياً كان - محظوظاً للغاية، لأن لوكا كان يقضي معه بعض الوقت ويتحدث إليه، وكان يريد أن يعرف ما يجري في حياته. لكن الحقيقة أنه كان يهتم بالجميع، فقد كان رجلاً نبيلاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ويتذكر هارلي: «بعدما حصد لوكا كأس الاتحاد الإنجليزي وهو لاعب عام 1997 في نهاية موسمه الأول مع تشيلسي، أصبح لاعباً ومديراً فنيا في الوقت نفسه في فبراير (شباط) 1998 بعد إقالة الهولندي رود خولييت. منحني فرصة لعب أول مباراة لي أمام ديربي كاونتي في أبريل (نيسان) من ذلك العام، وفي عطلة نهاية الأسبوع التالية منحني فرصة اللعب لأول مرة على ملعب «ستامفورد بريدج»، في المباراة التي فاز فيها تشيلسي على توتنهام بهدفين دون رد... كان يلعب هذه المباراة أيضاً، وأتذكر كيف كان يتحدث معي خلال أحداث اللقاء. كان دينيس وايز يصرخ في إحدى أذناي، بينما كان لوكا يوجهني فقط، كان يريد أن يساعد الجميع على التحسن والتطور قدر الإمكان. في الحقيقة، كان لوكا أكثر من مجرد مدير فني».
ويقول هارلي: «عندما نجتمع مع أصدقائنا القدامى في فريق الشباب، فإننا نتحدث عن لوكا ونحكي العديد من القصص عنه، فقد كان شخصاً مرحاً للغاية. ونقول لبعضنا البعض: هل تتذكر عندما فعل لوكا هذا الأمر، أو عندما حدث هذا الشيء؟ لقد كان عاشقاً لكرة القدم وحازماً، لكنه كان أيضاً شخصاً مرحاً وقادراً على صنع الفكاهة. وكما أقول دائماً، فعندما تتذكره لا يسعك إلا أن تبتسم. لقد كان قادراً على خلق أجواء إيجابية ومرحة للغاية. كان لدينا مجموعة متنوعة من اللاعبين في تشيلسي، وكان أول مدير فني لنادي إنجليزي في الدوري الإنجليزي الممتاز يختار تشكيلة أساسية كلها من اللاعبين الأجانب بالكامل، وكان ذلك أمام ساوثهامبتون في السادس والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 1999. لقد وضعني أنا وجودي موريس على دكة البدلاء. ورغم أن لاعبي ذلك الفريق كانوا ينتمون إلى جنسيات وثقافات مختلفة، فإن العلاقة بينهم كانت قوية للغاية بفضل لوكا».
ويواصل: «كانت هناك بعض الأشياء الصغيرة السخيفة التي جعلته مختلفاً عن الآخرين بعض الشيء - وفي معظم الأوقات لا أعتقد أنه كان يفعلها عن قصد. أعتقد أن أهم شيء في يوم المباراة هو الحديث بين لاعبي الفريق والجهاز الفني، وأتذكر ذات مرة أننا كنا جميعاً نجلس في انتظاره لأنه كان في المرحاض، وعندما خرج كان عارياً تماماً، ولا يرتدي سوى نعله! إنه لم يكن يصطنع المرح، بل كان مرحاً بطبيعته. إن أي شخص عرف لوكا سيتحدث بشكل رائع عن شخصيته الاستثنائية، لكنه في الوقت نفسه كان لاعباً فذاً.