مؤتمر التنوُّع البيولوجي «كوب 15»

اتفاق تاريخي أم «احتيال وانقلاب»؟

جانب من جلسات مؤتمر «كوب 15» في مونتريال الشهر الماضي (أ.ف.ب)
جانب من جلسات مؤتمر «كوب 15» في مونتريال الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

مؤتمر التنوُّع البيولوجي «كوب 15»

جانب من جلسات مؤتمر «كوب 15» في مونتريال الشهر الماضي (أ.ف.ب)
جانب من جلسات مؤتمر «كوب 15» في مونتريال الشهر الماضي (أ.ف.ب)

بعد نقاشات ساخنة في جلسة ختامية امتدت لأكثر من سبع ساعات متواصلة، أهوى وزير البيئة الصيني هوانغ رون تشيو بمطرقته معلناً التوصل إلى اتفاق أممي جديد للحفاظ على التنوُّع البيولوجي العالمي. الإعلان الحاسم من رئيس مؤتمر «كوب 15» قوبل بالتصفيق الحارّ من ممثلي البلدان المشاركة، بعد أن كان التوتر مهيمناً إثر وصف وفد الكاميرون التسويات التي جرت بالاحتيال، فيما اعتبرها وفد أوغندا انقلاباً. وفي حين تختبئ الصين وراء مطالب الدول النامية لتحقيق مصالحها الخاصة في مؤتمرات المناخ، تجاهلت المطالب المشروعة لهذه الدول في قضايا التنوُّع البيولوجي، لأنها لا تتناسب مع طموحاتها الجديدة.
من وجهة نظر المنظِّمين، كان الاتفاق، الذي حمل عنوان «إطار كونمينغ - مونتريال العالمي للتنوُّع البيولوجي»، نسبة إلى المدينة الصينية التي كان من المقرر أن تستضيفه قبل قيود «كورونا» والمدينة الكندية حيث عُقد، تاريخياً، بعد مفاوضات متعثّرة امتدت لأربع سنوات. ولكن العديد من وفود البلدان النامية، خاصة بلدان أفريقيا، عبّرت عن استيائها من تجاهل مخاوفها حول توفير التمويل الكافي وتعريف المناطق المحمية وعدالة توزيع حقوق الاستثمار. فيما أشار علماء إلى أن الأهداف التي تبنّاها المجتمعون في مونتريال الكندية كانت دون الطموح، حيث اهتمت بمساحات المناطق المحمية من دون إعطاء اهتمام كافٍ بقيمتها الأحيائية.
- تهميش المناطق الأكثر أهمية
يطال التهديد بالانقراض في المتوسط نحو 25 في المائة من أنواع المجموعات الحيوانية والنباتية، مما يشير إلى أن نحو مليون نوع يواجه خطر الانقراض ما لم تُتخذ إجراءات للتخفيف من حدّة العوامل التي تؤدي إلى فقدان التنوُّع البيولوجي، بما فيها سوء استثمار الأراضي والبحار، والاستغلال المفرط للكائنات، وتغيُّر المناخ، والتلوُّث، والأنواع الغريبة الغازية.
وينطوي «إطار كونمينغ - مونتريال العالمي للتنوُّع البيولوجي» على أربع غايات طويلة الأجل لسنة 2050 تشمل الحفاظ على سلامة وترابط جميع النظم الإيكولوجية مع وقف الانقراض الذي يتسبب به الإنسان للأنواع المعروفة المهددة وصون التنوُّع الجيني، والاستخدام والإدارة المستدامين للتنوُّع البيولوجي وتقييم مساهمات الطبيعة، وتقاسم المنافع النقدية وغير النقدية الناشئة عن استخدام الموارد الجينية، وضمان وسائل التنفيذ الملائمة بما فيها الموارد المالية وبناء القدرات والحصول على التكنولوجيا.
ويشتمل الإطار على 23 هدفاً عالمياً موجهاً نحو الإجراءات للعمل العاجل حتى 2030 من أجل بلوغ الغايات المحددة لسنة 2050. وأبرز هذه الأهداف ضمان وتمكين وحفظ وإدارة ما لا يقل عن 30 في المائة من المناطق البرية ومناطق المياه الداخلية والمناطق الساحلية والبحرية، لا سيما المناطق ذات الأهمية الخاصة للتنوُّع البيولوجي بشكل فعّال بحلول 2030. وهذا الهدف كان موضع اهتمام كبير خلال فترة المفاوضات الطويلة، ويُعرف بالهدف 30×30.

طيور فلامنغو مهاجرة من أوروبا بعد وصولها إلى محمية طبيعية قرب بور سعيد في مصر (رويترز)

ورغم أن أكثر من 100 دولة كانت وافقت بالفعل على هدف 30×30 قبل القدوم إلى مونتريال، فإنه كان نقطة خلاف في «كوب 15». وفي المبدأ، لم يكن من الواضح ما الذي يمكن اعتباره منطقة «محمية». كما أعربت بعض مجموعات السكان الأصليين عن خشيتها من توسيع رقعة المناطق المحمية على حساب حقوقها في الأرض.
ولكن في شكلها النهائي، تشير الاتفاقية إلى أن حفنة من أنواع مختلفة من الأراضي يمكن أن تُحسب ضمن هدف 30×30، بما في ذلك المناطق المحمية الرسمية (مثل المتنزهات الوطنية)، وفي بعض الحالات أراضي السكّان الأصليين. لكن الاتفاقية أشارت إلى وجوب احترام حقوق مجموعات السكّان الأصليين أثناء سعيهم للحفاظ على المزيد من الأراضي.
ويحذّر بعض علماء البيئة من أن التركيز على زيادة حجم المناطق المحمية إلى الحدّ الأقصى لتحقيق هدف 30×30 هو نهج خاطئ. فقد يتسبب هذا السعي بعواقب ضارة، بما في ذلك إهدار الأموال، وفقدان أكثر ما يحتاج إلى حماية، والتسبب في صراعات عكسية مع المجتمعات الأصلية والمحلية.
وعلى سبيل المثال، قامت أستراليا قبل 3 سنوات بتعيين مساحات واسعة من أراضيها الداخلية القاحلة النائية ضمن المناطق المحمية، بحيث أصبحت تمثل 50 في المائة من مساحة الأراضي الأسترالية. وفي حين أن هذا الإجراء يضع البلاد في مرتبة متقدمة جداً على الهدف الدولي 30×30. فإنه لا يزال يترك أكبر كنز للتنوُّع البيولوجي في أستراليا، وهو الحاجز المرجاني العظيم، في خطر شديد نتيجة التلوُّث والنقل البحري والتهديدات الأخرى.
ويؤكد العلماء على ضرورة اختيار المناطق المحمية الجديدة ليس لحجمها، وإنما لقيمتها البيئية. وقد تُستمد هذه القيمة من عدد الأنواع التي تحتويها المنطقة المحمية أو لتفرُّد مجموعات الأنواع الموجودة فيها. وقد تأتي قيمة المنطقة من دورها في الحفاظ على الروابط بين النقاط الساخنة للتنوُّع البيولوجي وتعزيزها حتى تتمكن الحيوانات من القيام بهجراتها الموسمية. وغالباً ما تكون لممرات الحياة البرية والمائية أهمية لا تتناسب مع حجمها، مما يعني أنه قد يتم تهميشها من قِبل الحكومات التي تضغط من أجل تحقيق النسبة المئوية لهدف الحماية.
ومن اللافت أن العديد من البلدان، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، تتسابق لإعلان مساحات شاسعة من المحيطات النائية والأراضي البِكر مناطقَ محمية. ويبدو أن حكومات هذه البلدان تبادر لحماية المناطق التي لا يستخدمها أحد، مثل ألاسكا وخندق ماريانا في عمق المحيط الهادي، لأغراض سياسية، فيما تستبعد المناطق القابلة للاستفادة حقاً من الحماية المكانية، مثل تلك القريبة من الشاطئ.
وفيما ينظر أغلب مسؤولي المناطق المحمية إلى السكّان المحليين باعتبارهم تهديداً للنظام البيئي والتنوُّع البيولوجي، تُشير التجارب في أكثر من مكان إلى أن الحماية الفعّالة على الأرض يوفّرها أولاً السكّان المحليون أنفسهم. ولذلك ليس من المستغرب أن تحتوي أراضي السكّان الأصليين على نسبة مذهلة تبلغ 80 في المائة من التنوُّع البيولوجي في العالم.
- الفتات لردم فجوة التمويل
يدعو هدف رئيسي آخر في «إطار كونمينغ - مونتريال» البلدان إلى مطالبة الشركات الكبيرة بالكشف عن آثارها البيئية ومدى اعتماد أرباحها على النظم البيئية. فعلى سبيل المثال، قد يتعيّن على شركة كبيرة تبيع زيت النخيل الكشف عن كيفية تأثير مزارعها على الغابات المطيرة والأنواع الحية التي تعيش فيها. ويفترض هذا الهدف أن منح المستثمرين والمستهلكين مزيداً من الوضوح في بصمة الشركات وممارساتها البيئية سيجعل الأموال تبتعد عن الشركات الأكثر ضرراً مما يساعد في حماية النظم البيئية.
وتوجد مجموعة من الأهداف الأخرى في الصفقة الجديدة جديرة بالملاحظة أيضاً، مثل الهدف الثاني الذي يطالب البلدان باستعادة ما لا يقل عن 30 في المائة من الأراضي والمياه المتدهورة، بما فيها البراري التي تحوّلت إلى أراضٍ زراعية. في حين يدعو الهدف العاشر إلى التأكد من إدارة الأراضي الزراعية ومصايد الأسماك والمناطق الإنتاجية الأخرى بشكل مستدام.
ويدعم اثنان من الأهداف الحلول القائمة على الطبيعة، وهو تعبير فضفاض يشمل الإجراءات التي تساعد في استعادة أو حماية النظم البيئية مع إفادة البشر أيضاً. ومن هذه الحلول إعادة نمو الشعاب المرجانية للمساعدة في السيطرة على الفيضانات الساحلية أثناء الأعاصير. أما الجزء الأهم في «إطار كونمينغ - مونتريال»، وهو الأكثر إثارة للجدل، فيتعلق بالمال. الرقم الذي كان مثار التداول في قاعات اجتماع «كوب 15» هو 700 مليار دولار سنوياً، وهو تقدير تقريبي للفجوة المالية التي يجب ردمها من أجل حماية التنوُّع البيولوجي في جميع أنحاء العالم وفقاً لتقرير صدر عام 2020. ويخلص التقرير إلى أن الحفاظ على الطبيعة على نحو جيد سيكلّف في المتوسط نحو 844 مليار دولار سنوياً بحلول 2030. ولا ينفق العالم حالياً سوء جزء بسيط من هذا المبلغ على إنشاء وإدارة المناطق المحمية وجعل الزراعة أكثر استدامة. ولم يخلُ الوصول إلى حل للمسألة المالية في مونتريال من تسويات قاسية، وصفها الوفد الكاميروني بالاحتيال.
طيلة المفاوضات، كانت البلدان النامية، بما فيها البرازيل والهند وإندونيسيا والكونغو الديمقراطية، التي تعادل لِغِناها بالتنوُّع البيولوجي أهمية الصين أو الهند في مسألة تغيُّر المناخ، تطالب بالمزيد من المساعدات المالية وتسهيل الوصول إليها. وفي النهاية جرى تمرير الصفقة مع الالتزام بإنفاق 200 مليار دولار سنوياً على حفظ التنوُّع البيولوجي بنهاية العقد.
إطار العمل، غير المُلزِم من الناحية القانونية، نصّ على زيادة مجموع الموارد المالية الدولية المتعلقة بالتنوُّع البيولوجي بحيث تصل إلى 20 مليار دولار بحلول 2025، وإلى ما لا يقل عن 30 مليار دولار بحلول 2030. واعتبر أن المساعدات الإنمائية التي تقدمها البلدان المتقدمة هي جزء من هذا التمويل. أما باقي مبلغ المائتي مليار دولار فيأتي من خلال «تحقيق زيادة كبيرة في حشد الموارد المحلية»، و«زيادة التمويل الخاص»، و«تحفيز المخططات المبتكرة»، ووسائل أخرى.
ولردم فجوة التمويل، طلب إطار العمل إعادة توجيه الأموال الحكومية بعيداً عن الأنشطة التي تضر بالطبيعة، إذ ينفق العالم حالياً ما يصل إلى 1.8 تريليون دولار على الإعانات التي تُلحق ضرراً بالنظم البيئية، كما في حالة دعم الزراعة على الأراضي البِكر في العديد من الدول. ويفترض إطار العمل أن البلدان ستحدِّد الإعانات الضارة بحلول 2025، وستقوم بتقليصها بما لا يقل عن 500 مليار دولار سنوياً بحلول 2030.
لا تختلف مقررات «كوب 15» عن نتائج اجتماع أممي مشابه جرى عام 2010، عندما تعهدت الدول بتحقيق 20 هدفاً، عُرفت باسم «أهداف أيشي»، نسبة للمقاطعة اليابانية التي جرى فيها الاجتماع، من أجل الحفاظ على التنوُّع البيولوجي خلال عقد من الزمان. ويبدو أن بعض هذه الأهداف تُماثل ما هو موجود في الإطار الجديد، كإلغاء الإعانات الضارة وخفض فقدان الموائل الطبيعة إلى النصف وغيرها.
بحلول 2020 لم ينجح العالم في تحقيق أي من «أهداف أيشي»، فما الذي سيكون مختلفاً هذه المرّة؟ يقول الخبراء إن البلدان فشلت في تحقيق أهداف الحفاظ على التنوُّع البيولوجي لسببين رئيسيين، هما ندرة التمويل المتاح وغياب نظام واضح للرصد والإبلاغ من أجل محاسبة البلدان. وفيما يفترض «إطار كونمينغ - مونتريال» أن نجاحه يتطلب «المسؤولية والشفافية»، اللتين ستدعمهما آليات فعالة للتخطيط والرصد والإبلاغ، فإن مؤشر التقدم يبقى الكم لا النوع، وهو أمر يمكن التحايل عليه.
فعلياً، لا يوجد ما يضمن فعالية الاتفاق الجديد، وفي الوقت ذاته قد يشجّع الاندفاع لتحقيق هدف جعل 30 في المائة من الأرض والبحر مناطق محمية الاستيلاء على الأراضي التي تديرها وتحافظ عليها بنجاح مجتمعات السكّان المحلية والهامشية. وفي غياب التمويل الكافي والمؤثر، لن تكون هذه المجتمعات وحدها الخاسرة، بل ستكون الطبيعة الخاسر الأول.
- بالاشتراك مع فريق الأبحاث في المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)


مقالات ذات صلة

تغير المناخ يسبب تغييرات في أنماط هطول الأمطار وأعاصير أكثر شدة

بيئة الأمواج تتكسر على ساحل بلدة سانشا مع اقتراب الإعصار جايمي في نينغدي بمقاطعة فوجيان - الصين - 25 يوليو 2024 (رويترز)

تغير المناخ يسبب تغييرات في أنماط هطول الأمطار وأعاصير أكثر شدة

قال علماء في بحث نُشر اليوم الجمعة إن تغير المناخ يُحدث تغييرات في أنماط هطول الأمطار حول العالم، وهو ما قد ينجم عنه أيضاً اشتداد قوة الأعاصير والعواصف المدارية

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
يوميات الشرق  الحدث يهتم بالتنوّع البيولوجي والسينما (مهرجانات ريف)

انطلاق «مهرجانات ريف»... ومشكلات بيئة جنوب لبنان في الصدارة

تُعدّ «مهرجانات ريف» المُقامة في بلدة القبيات، الوحيدة لبنانياً التي تتناول موضوعات البيئة، فتضيء على مشكلاتها وتزوّد روّادها بحلول لمعالجتها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق السباقات الهادفة (حساب ليندسي كول في فيسبوك)

«حورية بحر» بريطانية تحاول تحطيم الرقم القياسي العالمي للسباحة

تُخطِّط امرأة من بريستول لتحطيم الرقم القياسي العالمي لأطول سباحة باستخدام «الزعنفة الواحدة» من خلال السباحة على طول نهر بريستول أفون.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم سراويل وقمصان وقبعات أكثر استدامة

سراويل وقمصان وقبعات أكثر استدامة

ملابس متعددة الأغراض لأداء أمثل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق العِلم ومفاجآته (فريق إيكو)

وفاة السمكة «شارلوت» التي حَمَلت بلا تشارُك الحوض مع ذَكَر

أعلن حوض أسماك نورث كارولاينا وفاة سمكة الراي التي حَمَلت رغم عدم وجودها مع ذَكَر من نوعها في حوض لسنوات.

«الشرق الأوسط» (نورث كارولاينا)

مروحة تحاكي «جلد الدلفين» تعمل على خفض انبعاثات سفن الشحن

العلماء نظروا إلى الدلفين بوصفه نموذجاً لبناء مركبات مائية سريعة وقادرة على المناورة (رويترز)
العلماء نظروا إلى الدلفين بوصفه نموذجاً لبناء مركبات مائية سريعة وقادرة على المناورة (رويترز)
TT

مروحة تحاكي «جلد الدلفين» تعمل على خفض انبعاثات سفن الشحن

العلماء نظروا إلى الدلفين بوصفه نموذجاً لبناء مركبات مائية سريعة وقادرة على المناورة (رويترز)
العلماء نظروا إلى الدلفين بوصفه نموذجاً لبناء مركبات مائية سريعة وقادرة على المناورة (رويترز)

تحمل مروحة جديدة ابتكرها معهد نينغبو لتكنولوجيا وهندسة المواد (NIMTE) مطلية بمادة تحاكي جلد الدلفين، وعداً بالحد بشكل كبير من استهلاك الوقود والانبعاثات في سفن الشحن الكبيرة.

لأكثر من قرن من الزمان، نظر العلماء والمهندسون إلى الدلفين بوصفه نموذجاً لبناء مركبات مائية سريعة وقادرة على المناورة. بعد كل شيء، عندما يكون لديك حيوان يمكنه الانزلاق بسهولة عبر الماء والقفز في الهواء كما لو أنه لا يهتم بالوسط الذي يوجد فيه، فهو هدف جيد جداً للدراسة ومحاولة التقليد، وفقاً لموقع «نيو أتلاس».

المشكلة هي أن الدلفين لا ينبغي أن يكون قادراً على السباحة بهذه الطريقة. تعادل قوة الدلفين القوة الخاصة بعضلات الإنسان تقريباً، لذلك لا ينبغي أن يكون الحيوان قادراً على الوصول إلى السرعة التي يصل إليها. حتى الحرب العالمية الثانية، كانت هذه مفارقة مشهورة، تُعرف باسم «مفارقة غراي».

ثم بدأ المهندسون ملاحظة الأشياء. على سبيل المثال، إذا شاهدت الفقمات والدلافين تسبح معاً في البحر ليلاً وسط مواد فسفورية، فإن ذرات العوالق المضاءة تتحرك حول الفقمات في فوضى مضطربة، بينما تنزلق فوق الدلافين في خطوط مستقيمة. والسبب هو جلد الدلفين الرائع.

ببساطة، يتمتع جلد الدلفين ببنية مجهرية مرنة قادرة، مع إفرازات المخاط، على تغيير نفسها عندما يسبح الحيوان بسرعات مختلفة. عند السرعات العالية، يولد الجلد طبقة رقيقة جداً من الاضطراب. هذه الطبقة عديمة الاحتكاك تقريباً، مما يسمح للمياه المحيطة بالدلفين بالانزلاق ببساطة فيما يسمى التدفق الصفحي.

اليوم، يتم استخدام التدفق الصفحي في كل من المركبات المائية والطائرات كوسيلة لتقليل السحب وزيادة السرعة. الآن، تطبق NIMTE هذا المبدأ على مراوح السفن. يتم تطبيق «جلد الدلفين الإلكتروني» على مروحة تقليدية. يتكون الطلاء من مواد ديناميكية تشبه السائل وبنية مجهرية مرنة يتراوح حجمها بين 0.1 و0.2 ملم، وهذا يحسن كفاءة المروحة.

أجرت NIMTE اختبارات للمراوح الجلدية الإلكترونية على ناقلة خام كبيرة جداً (VLCC) تبلغ حمولتها 300 ألف طن.

في الرحلات التجريبية التي تزيد على 200 يوم وتغطي أكثر من 35 ألف ميل بحري، بين الموانئ الساحلية الصينية وموانئ الشرق الأوسط الرئيسية، حققت المراوح توفيراً بنسبة 2 في المائة في استهلاك الوقود لحاملة النفط الخام. ويقدر الباحثون أن وضع المادة الشبيهة بجلد الدلفين فوق المروحة سيكلف 20 ألف دولار أميركي، وهو ما سيحقق وفورات في التكاليف تزيد على 140 ألف دولار سنوياً مع خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بأكثر من 900 طن.