معضلة صعبة بين التضخم والأجور في الولايات المتحدة

تراجع الضغوط على الرواتب... وبايدن متفائل

تم عرض لافتة «وظائف متاحة» في سومرفيل، ماساتشوستس، الولايات المتحدة – (رويترز)
تم عرض لافتة «وظائف متاحة» في سومرفيل، ماساتشوستس، الولايات المتحدة – (رويترز)
TT

معضلة صعبة بين التضخم والأجور في الولايات المتحدة

تم عرض لافتة «وظائف متاحة» في سومرفيل، ماساتشوستس، الولايات المتحدة – (رويترز)
تم عرض لافتة «وظائف متاحة» في سومرفيل، ماساتشوستس، الولايات المتحدة – (رويترز)

بعدما شهدت الرواتب في الولايات المتحدة ارتفاعاً بسبب نقص في اليد العاملة في السنتين الماضيتين، بدأت مؤشرات الاعتدال تتبلور اليوم، وهو شرط لا غنى عنه للجم التضخّم الشديد غير أن المخاطر ما زالت قائمة.
ولفتت نيلا ريتشاردسون، كبيرة الاقتصاديين في شركة «إيه دي بي» التي تتولى إدارة مدفوعات الرواتب وتنشر دراسة عن العمالة في القطاع الخاص كلّ شهر: «نلاحظ تراجعاً للضغوطات على الرواتب».
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، شهدت الأجور أبطأ نموّ منذ مارس (آذار)، وفق ما بيّنت الدراسة التي نشرت نتائجها الخميس، وارتفعت بنسبة 7.3 في المائة في خلال سنة للموظّفين الذين بقوا في شركاتهم وبمعدّل 15.2 في المائة لهؤلاء الذين انتقلوا إلى مؤسسات جديدة.
وقالت نيلا ريتشاردسون، خلال مؤتمر عبر الهاتف: «إنه لأمر إيجابي، إذ لا بدّ من أن تتقدّم الأجور بوتيرة سليمة كي يتراجع التضخّم»... لكنها أشارت إلى أن النبأ ليس إيجابياً إلى هذا الحدّ بالنسبة إلى العمّال، إذ إن «الأجور لا تواكب تضخّماً جدّ شديد، رغم مستوياتها المرتفعة».
غير أن المُنحنيين باتا يتقاربان، فقد تباطأ التضخّم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى 7.1 في المائة في خلال سنة، في مقابل 7.7 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول)، وفق مؤشّر «سي بي آي» القائم على المعاشات التقاعدية الأميركية. لكن ارتفاع الأجور «ما زال يمثّل خطراً على التضخّم، لا سيما في مجال الخدمات إلى المستهلكين»، بحسب ريتشاردسون.
وقبل نشر وزارة العمل، الجمعة، الأرقام الرسمية للعمالة في ديسمبر، كان من المقدّر أن تكون الأجور قد نمت بواقع 0.4 في المائة بالمقارنة مع نوفمبر، في مقابل 0.6 في المائة في أكتوبر ونوفمبر. وفي خلال سنة، كان التقدّم بمعدّل 5.1 في المائة، أي أدنى من المستوى القياسي المسجّل في مارس 2022 عند 5.6 في المائة.
غير أن «الشركات ما زالت ملزمة برفع الأجور لاستبقاء العمّال وسدّ الوظائف الشاغرة»، وفق ما كشفت جوليا بولاك كبيرة الاقتصاديين في موقع إعلانات الوظائف «ZipRecruiter». وهي توقّعت في تصريحاتها لوكالة الصحافة الفرنسية أن «يبقى ضغط الأجور تصاعدياً في المستقبل القريب»، لا سيّما أن نقص اليد العاملة قد يتواصل.
فهذا النقص «هيكلي» والسوق بحاجة إلى «4 ملايين شخص»، بحسب ما قال جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في ديسمبر الماضي. ويعزى الوضع بجزء منه إلى تقاعد الكثير من العمّال منذ بدء انتشار الجائحة التي أودت بحياة 1.5 مليون شخص، بالإضافة إلى هجرة غير كافية نتيجة سياسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وإغلاق الحدود الأميركية لمدّة سنة ونصف السنة بسبب «كوفيد – 19».
من ثمّ، يصعب على أصحاب الأعمال في الولايات المتحدة منذ سنتين إيجاد ما يكفي من عمّال نظافة وسائقين ومدرّسين وغيرهم. وهم باتوا يعرضون تأميناً صحياً أفضل ودوامات عمل أكثر مرونة أو أقصر واحتمال العمل من المنزل، ومزيداً من المال، في مسعى إلى استقطاب المرشّحين.
ففي أبريل (نيسان) 2020، عندما كانت الولايات المتحدة خاضعة لتدابير الإغلاق، ارتفعت الرواتب بنسبة 8 في المائة مقارنة بالشهر عينه من العام السابق، وفق بيانات وزارة العمل. وسجّلت أولى الزيادات في الأجور في أوساط العاملين في مجال الصحة والبيع بالتجزئة الذين كانوا على الخطوط الأمامية رغم المخاطر المحدقة بهم.
وكرّت السبحة لتشمل قطاع الفنادق والنقل واللوجستية، حيث «تعدّ الأجور منخفضة نسبياً وحصل الموظّفون من خارج الملاك الوظيفي على زيادة في الأجور تخطّت 10 في المائة لفترة من الفترات»، بحسب جوليا بولاك.
وقدّمت هذه الزيادات لمواجهة إغراءات العمل من المنزل المقرون بمنافع عدّة تجذب الكثيرين. وعلى سبيل المثال، «بات من الممكن تنفيذ مهام مساعدة الزبائن التي كانت في السابق تقام في أماكن ضيّقة نسبياً في مراكز اتصال شديدة الضجّة» عبر الإنترنت من المنزل.
غير أن تباطؤ ارتفاع الأجور بات اليوم عاملاً مهمّاً للاحتياطي الفيدرالي في مساعيه إلى احتواء التضخّم. فالبنك المركزي الأميركي يبطئ عن قصد النشاط الاقتصادي مع رفع نسب الفائدة لهذا الغرض، مع ما ينطوي عليه ذلك من خطر زيادة البطالة.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الخميس، إن اقتصاد بلاده يشهد «نقاطاً مضيئة حقاً» بعد سنوات قليلة قاسية ويتجه إلى «مرتفع جديد»، في وصف على ما يبدو لنمو مستقر وأبطأ يتوقعه المسؤولون بالبيت الأبيض.
وفي حين حذر المستثمرون والعديد من الاقتصاديين وبعض الرؤساء التنفيذيين، مؤخراً، من حدوث ركود في الولايات المتحدة في عام 2023، تعتبر إدارة بايدن ذلك مستبعداً وتعزو ذلك جزئياً إلى الإنفاق الاتحادي.
وقال بايدن لحكومته إنه يتوقع استثمارات عامة وخاصة بقيمة 3.5 تريليون دولار في قطاعي الصناعات التحويلية والتكنولوجيا خلال السنوات العشر المقبلة، ما سيعزز الاقتصاد وآفاق الشركات والعاملين الأميركيين. وأضاف: «لا يتعلق الأمر بالوصول إلى نقطة مستوية. إنه يتعلق بالوصول إلى مرتفع جديد كلياً»، وتابع: «نحن البلد الوحيد في العالم الذي خرج من الأزمة أقوى مما دخلنا فيها».
واستشهد بايدن بالبيانات الصادرة في الآونة الأخيرة التي تظهر تراجع التضخم ونمواً قوياً وسوق عمل متينة، لكنه قال إنه سيكون من الضروري تنفيذ إنفاق اتحادي بمئات المليارات من الدولارات والوارد في ثلاثة قوانين رئيسية تم إقرارها العام الماضي.
ولم يكن بايدن وحيداً في تفاؤله. فقد قالت كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولي، يوم الأحد، إن الولايات المتحدة قد تتجنب الانكماش الواضح الذي قد يصيب ثلث اقتصادات العالم.
ومع ذلك، إذا تجنبت الولايات المتحدة الركود، فسيكون ذلك على الأرجح بفارق ضئيل. ويتوقع مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) نمواً بنسبة 0.5 في المائة في عام 2023، على سبيل المثال... وقال بايدن إن «خلاصة القول هي أنني أعتقد أن رؤيتنا الاقتصادية تعمل».


مقالات ذات صلة

الاقتصاد أوراق نقدية من فئة الدولار الأميركي (رويترز)

قبيل بيانات التضخم... الدولار قرب أعلى مستوى في أسبوعين

تداول الدولار بالقرب من أعلى مستوى له في أسبوعين مقابل الين، قبيل صدور بيانات التضخم الأميركي المنتظرة التي قد تكشف عن مؤشرات حول وتيرة خفض الفائدة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو )
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن (أ.ف.ب)

بايدن: خطة ترمب الاقتصادية ستكون «كارثة»

وصف الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن اليوم الثلاثاء الخطط الاقتصادية لخليفته دونالد ترمب بأنها «كارثة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مبنى بنك «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

«سيتي غروب» تعدّل توقعاتها وتنتظر خفضاً للفائدة 25 نقطة أساس

انضمّت «سيتي غروب» التي توقعت سابقاً خفضاً لأسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس من قبل «الاحتياطي الفيدرالي»، إلى بقية شركات السمسرة في توقعها بخفض 25 نقطة أساس.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد شخص يحمل لافتة حول معارضته حظر «تيك توك» أمام مبنى الكابيتول في مارس 2023 (أ.ف.ب)

هل ينقذ ترمب «تيك توك» من الحظر؟

أيَّدت محكمة استئناف أميركية قانوناً يلزم «بايت دانس» المالكة لـ«تيك توك» ببيع المنصة أو مواجهة حظر العام المقبل، مما يوجه ضربة كبيرة للشركة الصينية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«ناسداك» يتجاوز 20 ألف نقطة للمرة الأولى مع استمرار صعود أسهم الذكاء الاصطناعي

شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)
شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)
TT

«ناسداك» يتجاوز 20 ألف نقطة للمرة الأولى مع استمرار صعود أسهم الذكاء الاصطناعي

شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)
شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)

اخترق مؤشر ناسداك مستوى 20 ألف نقطة، يوم الأربعاء، حيث لم تظهر موجة صعود في أسهم التكنولوجيا أي علامات على التباطؤ، وسط آمال بتخفيف القيود التنظيمية في ظل رئاسة دونالد ترمب ومراهنات على نمو الأرباح المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الأرباع المقبلة. ارتفع المؤشر الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا 1.6 في المائة إلى أعلى مستوى على الإطلاق عند 20001.42 نقطة. وقد قفز بأكثر من 33 في المائة هذا العام متفوقاً على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 القياسي، ومؤشر داو جونز الصناعي، حيث أضافت شركات التكنولوجيا العملاقة، بما في ذلك «إنفيديا» و«مايكروسوفت» و«أبل»، مزيداً من الثقل إلى المؤشر بارتفاعها المستمر. وتشكل الشركات الثلاث حالياً نادي الثلاثة تريليونات دولار، حيث تتقدم الشركة المصنعة للآيفون بفارق ضئيل. وسجّل المؤشر 19 ألف نقطة للمرة الأولى في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما حقّق دونالد ترمب النصر في الانتخابات الرئاسية الأميركية، واكتسح حزبه الجمهوري مجلسي الكونغرس.

ومنذ ذلك الحين، حظيت الأسهم الأميركية بدعم من الآمال في أن سياسات ترمب بشأن التخفيضات الضريبية والتنظيم الأكثر مرونة قد تدعم شركات التكنولوجيا الكبرى، وأن التيسير النقدي من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يبقي الاقتصاد الأميركي في حالة نشاط.