سيرغي سوروفيكين... رجل المهام الصعبة وقائد سياسة المدن المحروقة

الجنرال الآتي من عصر بطرس الأكبر لـ«إنقاذ روسيا»

سيرغي سوروفيكين... رجل المهام الصعبة وقائد سياسة المدن المحروقة
TT

سيرغي سوروفيكين... رجل المهام الصعبة وقائد سياسة المدن المحروقة

سيرغي سوروفيكين... رجل المهام الصعبة وقائد سياسة المدن المحروقة

منذ الإعلان عن تعيين الجنرال سيرغي سوروفيكين قائداً لـ«القوات المشتركة» الروسية والحليفة في أوكرانيا، يوم الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بدأ هذا الضابط الصارم مسار إطلاق استراتيجية جديدة في إدارة المعارك. قاد عملية الانسحاب من مدينة خيرسون. ولم يهتم كثيراً بالهزة المعنوية التي أحدثها التقهقر في منطقة استراتيجية خطيرة، كونها ترتبط بالشريط البري الوحيد مع شبه جزيرة القرم. أيضاً لم يتوقف كثيراً أمام انتقادات واسعة للتراجع في مدينة وصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل بضعة أسابيع على ذلك بأنها ستبقى «روسية» إلى الأبد. لقد نفذ المهمة الصعبة بصمت، ومن دون أن تظهر على وجهه الصخري أي تعابير وهو يقدم تقريره الدوري إلى «القائد الأعلى». وبعد ذلك، بدأ مسار التحول الكبير في العمليات، إذ شنت روسيا حرباً لا هوادة فيها على البنى التحتية المدنية، وخلال أسابيع معدودة غرقت المدن الأوكرانية في الظلام، وتعطلت شبكات الاتصال وتحولت مياه الشرب إلى عملة نادرة.
سيرغي فلاديميروفيتش سوروفيكين، الرجل الذي وصف بأنه قائد «سياسة المدن المحروقة»، عَبَرَ مع هذه السمعة من الشيشان إلى سوريا إلى أوكرانيا. وهو «صاحب القبضة الفولاذية»، التي استخدمها لسحق أعدائه بلا هوادة. ثم إن تاريخه الشخصي والحربي مليء بأحداث وشبهات جعلت منه رجل المهام الصعبة، الذي عُين في المنصب في توقيت صعب بالنسبة إلى روسيا. إنه أيضاً ذلك العسكري الصارم الذي تفوق في دراسته، وصعد سلم الترقيات، ونال بشكل مبكر جوائز وميداليات يصعب أن يتلقاها من كان في عمره.
وُلد سوروفيكين عام 1966 في مدينة نوفوسيبيرسك، كبرى مدن سيبيريا، التي تقع في وسط روسيا. وفي عام 1987 تخرج بميدالية ذهبية من مدرسة أومسك العليا لقيادة الأسلحة، وسرعان ما بدأت خدمته الميدانية كقائد لفصيلة بنادق آلية.
في هذا الموقع برزت للمرة الأولى مواهب القائد العسكري الشاب، ومدى استعداده لاتخاذ قرارات حاسمة وسريعة. ذلك أنه عام 1989، أثناء إجراء بعض التدريبات اشتعلت النيران بعربة قتال كانت تقل بعض عناصر المشاة، فما كان من قائد الفصيلة إلا أنه اقتحم ألسنة اللهب وأبعد الجنود عن الخطر، وقاد المركبة المحملة بالذخائر إلى منطقة آمنة. كانت تلك خطوة رفعت الضابط الشاب مرة واحدة إلى مقام «الأبطال» وحصل بعد تلك الحادثة على ميداليته الأولى في حيته العسكرية.

منعطف مهم آخر
لكن سوروفيكين كان على موعد آخر مع القدر، بعد ذلك بسنتين فقط، ليدخل اسمه في تاريخ القوات المسلحة الروسية وهو ما زال في بداية خطواته العملية، وليظهر أيضاً شخصيته القوية التي سوف ترافقه بعد ذلك خلال كل سنوات خدمته في كل المناطق الساخنة التي خدم فيها.
في أغسطس (آب) من عام «الانهيار الكبير» 1991 عندما كان الاتحاد السوفياتي يلفظ أنفاسه الأخيرة، كان سوروفيكين برتبة نقيب، وقد شغل للتو منصب قائد كتيبة البنادق الآلية الأولى التابعة لقوات الحرس.
وكانت البلاد مشتعلة على خلفية محاولة انقلاب نفذتها «لجنة الطوارئ الحكومية» التي حاولت السيطرة على مقاليد الحكم وإطاحة الرئيس - يومذاك - ميخائيل غورباتشوف ومعه كل النخبة الليبرالية التي عملت على هدم الدولة السوفياتية في ذلك الوقت. غير أن الانقلابيين واجهوا تحركاً احتجاجياً واسعاً في العاصمة موسكو، وأقدم محتجون على قطع بعض الطرق والاستيلاء على عربات الجيش.
في تلك اللحظة الحاسمة كُلف سوروفيكين بنشر حاجز ميداني وقطع الطريق أمام المحتجين. وهكذا أرسلت الكتيبة المكونة من 20 عربة قتالية مصفحة، لنصب الحاجز، ولكن أثناء مرور الموكب العسكري في نفق وسط موسكو ليلة 20 - 21 أغسطس، أوقف المتظاهرون الطابور العسكري، ونصبوا حواجز بشرية أمامه.
في تلك اللحظة لم يتردد سوروفيكين طويلاً، إذ وقف على ظهر العربة المصفحة التي تحمل رشاشاً آلياً، ووجّه تحذيراً صارماً إلى المحتجين، منبهاً إلى أن العربات مزودة بسلاح حي. ومن ثم، أمر بفتح الطريق والسماح للقافلة بالمرور، كما أطلق طلقتين تحذيريتين من مسدسه، وأمر جزءاً من القافلة (12 مركبة عسكرية) باختراق أنقاض الدرع الحاجزة ما أوقع مواجهات دموية.
قُتل يومذاك في «المعركة» ثلاثة متظاهرين أحدهم سحقته العربات المصفحة، واثنان لقيا حتفهما بطلقات نارية. وفي المقابل أحرق المتظاهرون عربة مشاة قتالية، وألحقوا أضراراً بأخرى، كما أصيب 6 جنود.
على الأثر اعتبرت الأوساط الليبرالية والديمقراطية ما حدث «مجزرة» للديمقراطية، الأمر الذي أسهم في تشويه سمعة «لجنة الطوارئ» التي لم تلبث أن انهارت بعد يومين. وهكذا، بعد هزيمة محاولة الانقلاب ألقي القبض على سوروفيكين وظل في الحجز لمدة 7 أشهر إبان التحقيق الأولي. لكن أقداراً خفية تدخلت لإنقاذه. وبنتيجة التحقيق أسقطت التهمة الموجهة ضده لأنه فقط «كان ينفذ أوامر قيادته العسكرية». والأكثر من ذلك، أنه لم يطلق سراحه فحسب، بل جرت ترقيته بأمر مباشر من رئيس روسيا - آنذاك - بوريس يلتسين؛ إذ قال يلتسين أمام كاميرات التلفزيون في واحدة من خطبه الحماسية التي احتفل بها بانتصار «الديمقراطية» هاتفاً: «أطلقوا سراح الرائد سوروفيكين على الفور»... مانحاً إياه ترقية في الرتبة العسكرية على الهواء مباشرة.

ولاء مطلق وثابت
منذ ذلك الحين كان القائد العسكري الذي برز نجمه بقوة يقف بحزم بولاء كامل خلف القائد المتربع في الكرملين مباشرة، وينفذ المهام الموكلة إليه بصمت وبدقة وبقسوة بالغة إذا اقتضى الأمر.
أثناء دراسة سوروفيكين في أكاديمية فرونزي العسكرية في سبتمبر (أيلول) 1995 أدانته المحكمة العسكرية التابعة لحامية موسكو بالتواطؤ في الاستحواذ وحمل الأسلحة النارية والذخيرة من دون تصريح، وحُكم عليه بالسجن لمدة سنة مع وقف التنفيذ، ولكن مجدداً «العدالة» تدخلت مرة أخرى لإنقاذه، ولم يلبث التحقيق أن أثبت براءته. وفي وقت لاحق أسقطت التهمة وألغي قرار الإدانة نهائياً من سجله. ولاحقاً، مع أن بعض كارهي سوروفيكين، ربما داخل المؤسسة العسكرية، حاولوا أن يثيروا الملف مجدداً عبر نشر معطيات عن أنه في تلك اللحظة كان يمارس بيع أسلحة ومعدات لجهات غير معروفة، لم تثبت صحة هذه الاتهامات، وجرى دحضها سريعاً، وحصل سوروفيكين على قرار من المحكمة يبيض صفحته.
بعد الأكاديمية، خدم سوروفيكين الصاعد بقوة في طاجيكستان كقائد لكتيبة بنادق آلية، ثم كرئيس أركان فوج الآليات. ومن ثم تنقل في مناصب ومهام عدة داخل روسيا وخارجها في القواعد المنتشرة بمنطقة آسيا الوسطى حتى عام 2002 عندما تخرج بمرتبة الشرف من الأكاديمية العسكرية التابعة لهيئة الأركان العامة. وعند هذا المفصل غدا الضابط المثالي جنرالاً ولم يكمل بعد عقده الرابع.
في عام 2004 كان قائداً لفوج عسكري عندما وقعت جريمة قتل في مكتبه. وعلى أثر ذلك فتح التحقيق بعد إعلان عن وجود شبهات حول «انتحار» نائب قائد الفوج بإطلاق النار من مسدس حربي داخل مكتب القائد. ومرة أخرى خرج سوروفيكين من القضية مثل خروج الشعرة من العجين. بيد أن الاقدار التي سببت المصائب أينما حل، لاحقته مجدداً في العام التالي، بعدما عُين قائداً للفرقة 42 للحرس الآلي في الشيشان، وفي 21 فبراير (شباط) 2005، قال مسؤولون إن تسعة من أفراد وحدة الاستطلاع التابعة للفوج قتلوا وأصيب عشرات آخرون نتيجة انهيار جدران وسقف مزرعة دواجن قديمة في قرية بريغورودنوي كانت تستخدم مقراً ميدانياً للتحرك العسكري. وعند سؤالهم عن سبب الانهيار، جاءت إجابات ممثلي وزارة الداخلية وهيئة الأمن الفيدرالي ووزارة الدفاع مختلفة تماماً، وثمة مَن حمّل «العصابات الشيشانية الإرهابية» المسؤولية بعد اتهامها بشن هجوم ناري، بينما قال آخرون إن الانهيار ناجم عن تقادم البنية التحتية. إلا أنه وفق الرواية الرسمية، أطلق مسلحون النار من قاذفة قنابل يدوية.
هكذا صار سوروفيكين على الفور نجماً تلفزيونياً بعدما أقسم أمام كاميرات التلفزيون على أنه مقابل كل جندي قتيل سيقتل ثلاثة إرهابيين. ولكن لم يمر وقت طويل حتى كشف تحقيق موسع أجرته صحيفة «نوفايا غازيتا» المعارضة أن المنطقة لم تشهد أي عمليات قصف أو مواجهات أو معارك، وأن الحادث الدامي وقع بسبب إطلاق «أحد العسكريين» قاذفة قنابل عن طريق الخطأ داخل المبنى. مع هذا، لم يؤخذ بصحة ما ورد في التحقيق، وبعد مرور أسابيع نفذ جنود من كتيبة «فوستوك» التابعة لفرقة البنادق الآلية 42 عملية «عقابية» في قرية بوروزدينوفسكايا الشيشانية.

مناصب حساسة ورفيعة
بين 2005 و2008 تنقل سوروفيكين بين مناصب ومواقع عدة، عُين بعدها قائداً لسلاح الحرس في منطقة فورونيج (وسط البلاد، قبل أن يغدو بسرعة رئيساً لمديرية العمليات الرئيسية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية. ومن هذا المنصب تنقل في رئاسة الأركان بغالبية المواقع الرئيسة في روسيا. ثم في عام 2012، قاد مجموعة عمل تابعة لوزارة الدفاع الروسية لإنشاء شرطة عسكرية مع احتمال إضافي للتعيين في منصب رئيس المديرية الرئيسة للشرطة العسكرية. وبناءً على نتائج العمل، أنشأ هيئة موظفين بهيكل جديد ودخل في تصنيف أكثر الأشخاص تأثيراً في روسيا في عام 2012، وفقاً لمركز أبحاث الرأي العام لعموم روسيا ومجلة «ريبورتر» الروسية. ومن ثم في أكتوبر (تشرين الأول) 2013 عين الجنرال البارز قائداً للمنطقة العسكرية الشرقية. وبهذه المهمة نفذ في العام التالي أولى عملياته العسكرية الواسعة في أوكرانيا.
وفقاً للسياسي ليونيد فولكوف، في عام 2014 الذي اندلعت فيه الأزمة الأوكرانية وأعلن إقليما دونيتسك ولوغانسك انفصالاً من جانب واحد عن سلطات كييف، عمل سوروفيكين بنشاط في منطقة روستوف الحدودية على إعداد وإرسال وحدات دبابات تابعة له إلى شرق أوكرانيا. وكان ذلك الانخراط الأول له في الحرب الأوكرانية، وهو سيعود إلى أوكرانيا مجدداً مرتين في وقت لاحق، لكن بعد أن يخوض تجربة مثيرة جديدة في سوريا هذه المرة.

مهامه في سوريا
خلال الفترة بين مارس (آذار) وديسمبر (كانون الأول) 2017 عين الجنرال، الذي أظهر إرادة فولاذية في أوكرانيا، قائداً لمجموعة القوات الروسية في سوريا. ومع أنه لا يتوافر الكثير من التفاصيل المعلنة عن نشاطه في تلك الفترة، فإن تقريراً أعدته منظمة «هيومن رايتس ووتش» ونُشر في أكتوبر من عام 2020 أكد أن سوروفكين قد يكون أحد المسؤولين المباشرين عن تنفيذ جرائم حرب هناك، بما في ذلك الهجمات على المنازل والمدارس والمستشفيات والأسواق العامة. وسيعود اسم سوروفيكين إلى الظهور مجدداً في سوريا خلال فترات لاحقة، ولكن بصفته قائداً عاماً للقوات الجوية الروسية وهو المنصب الذي أسند إليه عام 2017. وقالت المنظمة الحقوقية الدولية إن الجنرال الروسي في هذا المنصب قد يتحمل المسؤولية عن سلسلة من الانتهاكات الخطيرة التي وقعت خلال الهجمات على إدلب بين عامي 2019 و2020. وطبعاً لم يلبث الجنرال أن كوفئ على «شجاعته» في سوريا، وتقرر في نهاية 2017 منحه «النجمة الذهبية لبطل الاتحاد الروسي».
بصفة عامة، يعد سوروفيكن أكثر الضباط الروس الرفيعي المستوى خدمة في سوريا، فهو عاد قائداً للمجموعة الروسية هناك في 2019. وظل محتفظاً بمنصب قائد القوات الجوية، وذلك قبل أن يعين في وقت لاحق قائداً للمجموعة الجنوبية في القوات المسلحة الروسية.
بعدها، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا انخرط فيها سوروفيكين بشكل قوي. وفي 24 يونيو (حزيران) أفادت وزارة الدفاع الروسية بأن سوروفيكين، كقائد للمجموعة الجنوبية، قاد بنفسه تطويق القوات المسلحة الأوكرانية في مدينتي غورسكوي وزولوتي في منطقة لوغانسك.
أيضاً، لمع اسم الجنرال بصفته أحد أبرز «الصقور» الذين أفرزتهم الحرب الشيشانية، يليه رئيس الشيشان رمضان قديروف، الذي تلعب قواته دوراً رئيساً في معارك جنوب وشرق أوكرانيا تحت إمرة سوروفيكين. ولذلك لم يكن غريباً عندما اتخذ الأخير قرار الانسحاب من خيرسون وتعرض لهجوم بعض مراكز القوى المنافسة في السلطة العسكرية الروسية، أن ينبري قديروف للدفاع عنه. وحقاً وصف قديروف سوروفيكين بأنه «جنرال حقيقي ومحارب قادر على تحسين الوضع في القتال في أوكرانيا». ويذكر أن قديروف نفسه كان قد انتقد أداء الجيش والقيادة العسكرية الروسيين قبل تعيين سوروفيكين، وهدد بأنه «سيبلغ بوتين بما يجري على أرض الواقع في الميدان».
بالتالي، كان من الطبيعي أن يجر تعيين سوروفيكين على رأس القوات في أوكرانيا، تعليقات كثيرة داخل روسيا وخارجها، لعل أبرزها ما جاء على لسان ضابط كبير في الاستخبارات العسكرية البريطانية قال لصحيفة «بوليتيكو» إن «تكتيكاته العسكرية تنتهك قواعد الحرب تماماً، لكنها للأسف أثبتت فاعليتها في سوريا».
من ناحية ثانية، عقد ديفيد رونديل رئيس البعثة الأميركية السابق في منطقة الخليج، ومايكل جفيلر المستشار السياسي السابق للقيادة الوسطى الأميركية، في مقالة مشتركة نشرتها مجلة «نيوزويك»، مقارنة بين سوروفيكين والجنرال الأميركي ويليام شيرمان، الذي حسم معه أبراهام لنكولن الحرب الأهلية الأميركية. هذا القائد العسكري، وفقاً للخبيرين الأميركيين، جاء لـ«ينقذ روسيا». وكان قد أعلن بوضوح أنه «لن يكون هناك أنصاف إجراءات». ومن ثم «بدأ في تدمير البنية التحتية للعدو... بالطريقة ذاتها التي اعتمدها الجنرال شيرمان عندما دمر شبكة السكك الحديدية للعدو».
في المقابل، قال القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني، عن الجنرال الروسي معلقاً: «مع الاحترام للسيد سوروفيكين، إذا نظرت إليه، فستراه قائداً عادياً من عصر بطرس الأكبر (...) إنه العسكري الذي يظن أن عليه إنجاز المهمة وإلا انتهى».


مقالات ذات صلة

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، فيما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.