جعجع يتحرك لحل الأزمة الحكومية.. والعونيون «على جهوزية للتصعيد»

يقوم بوساطة لا ترتقي لمستوى المبادرة

رئيس حزب «القوات» سمير جعجع
رئيس حزب «القوات» سمير جعجع
TT

جعجع يتحرك لحل الأزمة الحكومية.. والعونيون «على جهوزية للتصعيد»

رئيس حزب «القوات» سمير جعجع
رئيس حزب «القوات» سمير جعجع

يقود رئيس حزب «القوات» سمير جعجع منذ أيام، وساطة لحل الأزمة الحكومية التي جرى ترحيلها للأسبوع المقبل، بعد لجوء رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون أخيرا لتحريك الشارع للضغط باتجاه تحقيق مطالبه.
ويتحرك جعجع على خطى عون ورئيس الحكومة تمام سلام بمسعى لتقريب وجهات النظر بينهما، ومحاولة امتصاص الاحتقان الذي خلفته مجريات الجلسة الحكومية الأخيرة التي شهدت مشادة كلامية حادة بين سلام ووزير الخارجية جبران باسيل.
وقالت مصادر قيادية في حزب «القوات» لـ«الشرق الأوسط»، إن «رئيس الحزب سمير جعجع يقوم بوساطة على شكل تحرك لا يرتقي لمستوى المبادرة»، لافتة إلى أنّه يعمل على «رأب الصدع داخل الحكومة من منطلق الحث على الالتزام بالآليات المتبعة وضبط الإيقاع بانتظار ظروف أفضل». وأكدت المصادر حرص «القوات» على «بقاء هذه الحكومة واستمرارية عملها على الرغم من كون الحزب غير مشارك فيها ومعترضا على بيانها الوزاري، باعتبارها السلطة الوحيدة الفاعلة في البلد». وأضافت: «أما ما يعطي مساعينا فرصة للنجاح، فهو أن الوساطة التي نقوم بها هي بين حلفاء - أصدقاء، بإشارة إلى الرئيس سلام وتيار المستقبل والأصدقاء في التيار الوطني الحر».
وعلى وقع الوساطة «القواتية»، عاد مناصرو عون مساء يوم أمس إلى الشارع في تحركات «رمزية» اتخذت طابع المسيرات السيّارة وتخلل التحرك الذي شمل عددا كبيرا من الأقضية، توزيع مناشير تؤكد مضي «التيار الوطني الحر» في حملة «التصدي لتهميش حقوق المسيحيين».
وفي هذا السياق، قالت مصادر قيادية في تيار عون لـ«الشرق الأوسط»: «تحركاتنا قبل عيد الفطر هدفها التذكير بأننا على أتم الجهوزية للتصعيد في حال لم يتم الالتزام بآلية عمل الحكومة في الجلسات الوزارية المقبلة»، لافتة إلى أن «يوم الأحد سيشهد تحركا محدودا أيضا التزاما بعطلة العيد، على أن يتم وضع إطار جديد للتحرك الأسبوع المقبل يواكب التطورات، وخصوصا على صعيد الوساطات الحاصلة».
وشدّدت المصادر على أن «التيار سيرفع العشرة لجعجع في حال نجح بتحقيق المطالب العونية، باعتبار أن ما يعنينا حاليا هو النتيجة، أي احترام طريقة التعاطي مع الفريق الذي يمثل الأكثرية المسيحية خلال جلسات مجلس الوزراء»، نافية أن يكون سبب الأزمة ملف قيادة الجيش أو دفع العماد عون باتجاه تعيين صهره العميد شامل روكز قائدا للمؤسسة العسكرية. وتحدث النائب في تيار عون، إبراهيم كنعان، عن «مبادرة لبنانية يجري العمل عليها لحل الأزمة»، لافتا إلى أنّه «بقدر ما نستطيع ردم الهوة كلبنانيين فيما بيننا، بإمكاننا التوصل إلى حل يؤمن المصلحة الوطنية، إذ يجب ألا نتكل على الخارج حتى ولو أمن مناخات إيجابية، وعلينا أن نكون جاهزين لكل جديد».
وشدّد وزير الشؤون الاجتماعية، رشيد درباس، المقرب من الرئيس سلام على أن الأخير «سيترك المجال في جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل، لبحث جميع مقاربات عمل الحكومة، وإذا انتهى البحث إلى اتفاقات معينة، كان بها، أما إذا حدث العكس فإن الجلسة ستنتقل إلى استكمال جدول الأعمال المقرر»، مشيرا إلى أن سلام «ليس في وارد العبث بنصوص الدستور». وقال درباس في حديث إذاعي: «إن تجميد طرف ما لجدول أعمال الحكومة يعني تعطيلها.. والرئيس سلام كما معظم الوزراء لا يقبلون أن تكون الحكومة شاهد زور على التجميد، وفي هذه الحال من الأفضل أن تصبح الحكومة، حكومة تصريف أعمال، قانونيا، أي تقديم استقالتها إلى الشعب».
وفيما أعرب رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري في بيان للتهنئة بعيد الفطر، عن أمله في «تغليب منطق الحوار والتلاقي وإشاعة مناخات التهدئة، بما يؤدي إلى تخفيف حدة الخلافات ويمهد الطريق لإنهاء الشغور في موقع رئاسة الجمهورية»، حثّ جعجع اللبنانيين لـ«المبادرة إلى التفاهم فيما بينهم وأن يسود العقل والمنطق وتقديم مصلحة الوطن فوق أي شيء آخر».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.