الطريق إلى الاتفاق النووي الإيراني النهائي.. أيام طويلة وأعصاب مشدودة

كيري تحدث مع نظرائه عن تجربته في فيتنام وعزمه منع حرب أخرى

وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتحدث مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف وحسين فريدون شقيق الرئيس الإيراني في فيينا قبل الإعلان الرسمي عن التوصل إلى الاتفاق النووي قبل يومين (رويترز)
وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتحدث مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف وحسين فريدون شقيق الرئيس الإيراني في فيينا قبل الإعلان الرسمي عن التوصل إلى الاتفاق النووي قبل يومين (رويترز)
TT

الطريق إلى الاتفاق النووي الإيراني النهائي.. أيام طويلة وأعصاب مشدودة

وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتحدث مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف وحسين فريدون شقيق الرئيس الإيراني في فيينا قبل الإعلان الرسمي عن التوصل إلى الاتفاق النووي قبل يومين (رويترز)
وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتحدث مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف وحسين فريدون شقيق الرئيس الإيراني في فيينا قبل الإعلان الرسمي عن التوصل إلى الاتفاق النووي قبل يومين (رويترز)

في اليوم التاسع من مضمار المفاوضات النهائية حول البرنامج النووي الإيراني، كان الدبلوماسيون منهكين ومتضايقين.
وخلال اجتماع مع الوفد الأميركي، بدأ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في إلقاء خطاب مألوف على مسامع الحضور حول أن العقوبات الدولية كانت تشكل إهانة كبيرة لكرامة وسيادة بلاده، وذلك عندما تدخل وزير الخارجية الأميركي جون كيري بحزم ليقول: «ليست إيران هي الدولة الوحيدة ذات الكرامة».
وكان صباح الخامس من يوليو (تموز) الحالي، يوما صعبا حيث أصبح بعد ذلك «ماراثون» استمر 17 يوما وانتهى بعقد الاتفاق التاريخي مع إيران، وهو تتويج لجهود نحو عامين من المفاوضات المتعثرة في الفنادق وقاعات الاجتماعات عبر أوروبا وخارجها.
وكانت هناك أوقات يشعر فيها المشاركون بالتشجيع، وأوقات أخرى كانت المهمة تبدو مستحيلة مع بروز تهديدات بالانسحاب من الأمر برمته. وحينما بدأت اللعبة النهائية في فيينا في شهر يونيو (حزيران) الماضي، ولم يكن أحد من الدبلوماسيون على يقين من الوصول إلى خط النهاية.
وتستند أعمال هذين الأسبوعين الأخيرين على البيانات العلنية والمعلومات الإعلامية من جانب المشاركين من عدة وفود في فيينا ووفق التوصيفات المقدمة من قبل المسؤولين الأميركيين الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، لمناقشتهم الأحداث السياسية المهمة التي كانت تصاغ وتجري خلف الأبواب المغلقة.
ولم يكن الأمر جليا حتى ساعة متأخرة من يوم الاثنين الماضي حين أدركوا أنهم تمكنوا من إنجاز ما تعين عليهم إنجازه. وفي صبيحة الثلاثاء الماضي، حينما علموا أنهم حازوا الصفقة، اجتمع وزير الخارجية الإيراني ظريف للمرة الأخيرة مع كيري وشركاء الولايات المتحدة في المفاوضات من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين، والاتحاد الأوروبي. ولقد طلبوا من أغلب مرافقيهم مغادرة قاعة الاجتماعات.
ونادرا ما غادر كيري وظريف، على وجه الخصوص، ذلك الفندق في فيينا، الذي شهد انعقاد محادثاتهما لأكثر من أسبوعين في حين كان العالم من حولهما يتجادل حول الجهود المبذولة. وكان كل منهما يعتزم العودة لوطنه ليتلقى مهمة جديدة وصعبة، إزاء عرض وبيع الصفقة الجديدة لسياسيين هناك، ومحاولة إقناعهم بجدواها.
وتحدث الدبلوماسيون، واحدا تلو الآخر، وفق الترتيب الأبجدي للأسماء، حول معنى ما أنجزوه وقدر التحديات المقبلة عليهم. وأما كيري، الذي تحدث أخيرا، فقد ناقش الفرصة الممنوحة لهم والحاجة العاجلة لإبرام وتنفيذ الاتفاق بفعالية لكي تتمتع بالمصداقية المطلوبة.
وفي نهاية المطاف، تحدث كيري عن سفره إلى فيتنام عندما كان عمره 22 عاما، والعود إلى الوطن، باعتقاد مفاده أنه ما من شاب يخوض مثل تلك التجارب الكبيرة، ما لم تكن الدول قد استنفدت بالفعل كل السبل الأخرى للحيلولة دون وقوع الحرب. ولقد أمسك عن الحديث قليلا، في الوقت الذي بدا فيه التأثر الواضح على كثير من المشاركين، حسبما أفاد اثنان من المسؤولين اللذين كانا حاضرين. وبدأ الدبلوماسيون في التصفيق.
وتواصلت المحادثات بين الخبراء التقنيين ونوابهم بشكل مستمر تقريبا منذ شهور، وفي جهود لتغطية الثغرات في الإطار الكبير للاتفاق المحتمل الذي وافق عليه الوزراء في أوائل أبريل (نيسان) الماضي. غير أن أكثر الأسئلة النهائية صعبة لا يمكن الإجابة عليها إلا من خلال كبار الدبلوماسيين من الدول المتفاوضة.
وفي أواخر يونيو الماضي، كانوا جميعا يواجهون الكثير من المواعيد النهائية. وكانت الاتفاقية المؤقتة المبرمة في أواخر عام 2013، والتي قضت بتجميد برنامج إيران النووي في مقابل الإفراج عن جزء صغير من الأموال الإيرانية المحتجزة وفقا للعقوبات الدولية، لتشهد نفاد تاريخ صلاحيتها بحلول نهاية الشهر الحالي. وفي واشنطن، طالب الكونغرس بتاريخ 9 يوليو بتحويل أية اتفاقية عليه أولا للتصديق عليها.
وسافر كيري إلى فيينا في وقت متأخر من الجمعة 26 يونيو الماضي، وكان لا يزال يعتمد على عكازين للمشي إثر حادثة الدراجة التي تعرض لها في 31 مايو (أيار) الماضي خارج جنيف. حيث كان قد عقد اجتماعا حول الموقف ليوم واحد فقط مع ظريف، وكان لزاما عليه استخدام رافعة ميكانيكية تنقله إلى باب طائرته الرسمية.
ولقد شرعوا في المحادثات الرسمية بعد وقت قصير من ظهيرة اليوم التالي.
وكان القرار قد اتخذ بالفعل حيال القضايا النووية الرئيسية - ستتخلى إيران عن أغلب مخزونها من اليورانيوم المخصب وتعمل على تقليص الإنتاج المستقبلي منه، مما يعني القضاء فعليا على احتمالية أن تعمل سريعا على تطوير أي سلاح نووي، وستوافق كذلك على عمليات التفتيش الدولية التدخلية.
وكان الجانب الآخر من الاتفاق - رفع العقوبات الدولية ضد إيران - ذلك الذي هيمن على غالبية المحادثات.
وفي مساء يوم الأحد، 28 يونيو الماضي، غادر ظريف إلى طهران ليوم واحد من التشاور مع القيادة الإيرانية. وعلى الرغم من ابتسامته ومزاحه أمام الجمهور، كان الأميركيون يعتبرونه مفاوضا شديد المراس، ومطلعًا جيدًا للغاية على أكثر التفاصيل غموضا، والخاصة بدورات الوقود النووي وقرارات الأمم المتحدة. ولكن مع صدور بيان علني رسمي شديد من طهران، أصيب البعض بحالة من عدم اليقين ما إذا كانت لدى ظريف السلطة الكافية لإبرام الاتفاق من عدمه.
وفي اليوم التالي، امتد الموعد النهائي المؤقت لأسبوع آخر.
ومع نهاية الأسبوع الأول، ومع مجيء وذهاب وزراء الخارجية بين الشركاء المفاوضين للولايات المتحدة - والمعروفين بصفة جمعية بدول مجموعة (5+1) - فقد اتفقوا على أن العقوبات الاقتصادية والمصرفية لن يتم رفعها ما لم تتحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن المواقع النووية الإيرانية المعلن عنها لا تستخدم إلا للأغراض المدنية من إنتاج الطاقة والنظائر المشعة الطبية. وعملية التحقق، المعروفة باسم «يوم التنفيذ»، قد لا تبدأ قبل شهور عقب إبرام الاتفاق ونفاذه.
وكما أنهم اتفقوا كذلك على إجراءات «الدخول المنظم» للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المواقع النووية الإيرانية غير المعلن عنها والأماكن، ومن بينها المنشآت العسكرية، والتي يشتبه في إدارتها للأنشطة النووية السرية.
وقال أحد كبار المفاوضين الإيرانيين للمراسلين الأجانب: «ليس لدينا ما نخفيه».
وفي يوم 4 يوليو الحالي، عقد فندق كوبورغ بالاس، الذي تجري فيه المحادثات في حين يعسكر المئات من الصحافيين والمراسلين خارج أسواره، حفل عيد الاستقلال للوفد الأميركي المشارك والصحافيين الأميركيين المرافقين.
وأما كيري، والذي كان يرتدي قميصا وربطة عنق، فقد شارك في الاحتفالية وتناول شطائر الجبن باللحم المقدد. ولقد ألقى بخطاب قصير كان على ما يبدو موجها لدغدغة معنويات الخبراء الفنيين والموظفين الأميركيين الحاضرين والذين لم يرجع بعض منهم إلى الوطن منذ شهور.
وفي اليوم التالي، بدأت المحادثات في التعثر. في حين أصرت الولايات المتحدة وشركاؤها على الإجراءات الوقائية الموجبة للعودة إلى فرض حزمة العقوبات إذا ما انتهكت إيران التزاماتها حيال الجانب النووي من الاتفاق، طالبت إيران في ذات الأثناء بإجراء من شأنه تقديم الشكاوى إذا ما تعثرت دول مجموعة (5+1) في الوفاء بالتزاماتها.
وقال أحد الدبلوماسيين الإيرانيين إن «المهم هو المساواة».
وفي مساء يوم 5 يوليو، بعد جدالهما الصباحي حول الكرامة الوطنية، اجتمع كيري وظريف في غرفة صغيرة بالقرب من إحدى قاعات الطعام التي خصصها الفندق لوفود دول مجموعة (5+1)، (وكان الإيرانيون يتناولون الطعام في قاعة أخرى مستقلة). ولم يكن برفقتهما إلا أرنست مونيز وزير الطاقة الأميركي، وهو من علماء الفيزياء النووية، ونظيره الإيراني المدعو علي أكبر صالحي.
وروى أحد المسؤولين الأميركيين أن ظريف أراد إعادة التفاوض حول فترة مختلف القيود المفروضة على إيران في الاتفاق الجديد، وهو الطلب الذي رفضه الطرف الأميركي أو شعروا بأنها مسألة قد تم الاتفاق عليها وتجاوزها في الاتفاق الإطاري لشهر أبريل.
وقال المسؤول الأميركي: «كان كيري غاضبا. ودعوني أعيد صياغة ذلك لأقول، كان كيري مصرا على أن ذلك من شأنه أن يكون مشروعا محكوما عليه بالفشل من جانبه ومن جانب شركائه، كما أنه من غير الممكن إعادة التفاوض في بعض الأمور التي تم الاتفاق عليها بالفعل».
ومع ارتفاع أصواتهم، صارت المحادثات الداخلية مسموعة لأعضاء من الوفد الفرنسي الذين يتناولون طعامهم في القاعة المجاورة. ولقد انطلق أحد مساعدي كيري إلى داخل الغرفة، حيث يجتمع مع ظريف، ليخبره بضرورة الحديث بهدوء.
وفي مساء اليوم التالي، اجتمعت مجموعة كاملة من الوزراء مع الوفد الإيراني لعرض اقتراح يضم الكثير من المسائل العالقة، معتقدين أنه سيكون أمرا أكثر فعالية من مناقشتها بصورة مجزأة. وفي هذه المرة انفجر فيهم ظريف قائلا: «لا تهددوا الإيرانيين».
ومازحه سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي في محاولة منه لتهدئة الموقف قائلا: «أو الروس». إنه مجرد عرض، كما قال لظريف، وليس إنذارًا نهائيًا.
وقال أحد المسؤولين: «أدى الأمر لبعض مننا إلى القلق، أنه ربما هناك شيء آخر يجري. وربما أنه كان يخلص إلى عدم إمكانية حصوله على الموافقة على الاتفاق، أو ربما أن اتصالاته مع قيادته طلبا للإرشاد قد أعاقها عائق».
وإذا لم تكن مستعدا لإبرام الاتفاق، كما قال كيري لظريف، فإنه كان «على استعداد للعودة إلى الوطن».
وبعد مرور أكثر من ساعتين، تأجل الاجتماع. ثم اجتمعت دول مجموعة (5+1) منفردين في إحدى قاعات الطعام، من دون الموظفين المرافقين، لتقدير الموقف وأين يقفون. ولقد كانت أدنى نقطة في ماراثون المفاوضات حتى الآن، ثم ذهبوا إلى النوم من دون معرفة ما إذا كانت تلك النهاية أم لا.
ولكن في صباح اليوم التالي، الثلاثاء، 7 يوليو، ظهر ظريف في اجتماع وجها لوجه مع كيري وبحوزته استجابة شاملة على الاقتراح.
وقال المسؤول: «أيا كان ما حدث الليلة الماضية، فإننا تجاوزنا تلك المرحلة، وإننا الآن بصدد الحديث عن الجوهر».
وتم تنظيم اجتماع عبر شبكة الفيديو المؤمنة بين الرئيس أوباما وفريق الولايات المتحدة في مساء الأربعاء، 8 يوليو، في فيينا. ولقد التف الوفد الأميركي حول شاشة التلفاز في خيمة آمنة أقيمت خصيصا داخل إحدى الغرف بفندق كوبورغ.
وقال أحد كبار المسؤولين من واشنطن، متذكرا الاتفاق المعلق: «لقد كان كل شيء منظمًا ومرتبًا». وكانت النقاط العالقة الرئيسية، كما أفاد، تدور حول فترة قرار مجلس الأمن بالأمم المتحدة الذي سوف يصادق على الاتفاق ويضع له حدوده، وإدراج قرارات الحظر الحالية على المبيعات والمشتريات الإيرانية من الأسلحة التقليدية وتكنولوجيا الصواريخ الباليستية.
وقد أرادت الولايات المتحدة - المهتمة بشحنات الأسلحة الإيرانية إلى سوريا والجماعات الموالية لها في لبنان، واليمن وغيرها، وقررت عدم السماح لإيران بامتلاك القدرة على بناء الصواريخ طويلة المدى - الإبقاء على ذلك الحظر لأطول فترة ممكنة.
وكانت إيران قد دفعت منذ فترة طويلة بأن قرارات الحظر المذكورة ملحقة بالعقوبات الخاصة بالأسلحة النووية، وأنه ينبغي رفع قرارات الحظر اتساقا مع رفع باقي التدابير المقيدة كجزء من الاتفاق النووي.
ولقد شهدت القضية المزيد من التعقيد من جانب روسيا والصين اللتين كانتا حريصتين على بيع الأسلحة إلى الجانب الإيراني، حيث إنهما اتخذتا موقف إيران في تلك المسألة.
وقال لهم أوباما إنه من دون قرار مقبول، فلن يكون هناك اتفاق، وفقا للمسؤولين الأميركيين في فيينا وواشنطن. ولقد أوضح الرئيس الخطوط العريضة والمعاملات الرئيسية التي يستعد لقبولها.
ولم يكن الموعد النهائي المضروب من قبل الكونغرس من المسائل المقلقة، كما اتفقوا جميعا. أما الموعد النهائي المنفصل، والذي تنقضي فيه صلاحية القيود المؤقتة على البرنامج النووي الإيراني، فيمكن تمديده مجددا.
وكلما اقتربوا من إبرام الاتفاق خلال عطلة نهاية الأسبوع، كان كيري يريد أن يستقيم الأمر بينه وبين ظريف حيال مسألة وحيدة ومهمة. حيث سأله قائلا: «هل أنت مفوض بالإبرام الفعلي للاتفاق، وليس فقط من قبل الرئيس الإيراني، ولكن من قبل المرشد الأعلى»، مشيرا إلى آية الله علي خامنئي. ولقد أكد ظريف لكيري بأنه يحمل التفويض الكامل إزاء ذلك، وفقا لإفادة المسؤول الأميركي.
وبحلول يوم الأحد، تم تسوية كل المسائل تقريبا باستثناء الخلاف حول الحظر وفترات القرار الأممي. ولقد ذهب كيري لحضور القداس في كاتدرائية القديس ستيفن في فيينا.
وفي مساء الأحد والاثنين، عاد وزراء الخارجية الذين غادروا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع إلى عقد الاجتماعات اللانهائية.
في نحو الساعة 10:30 مساء يوم الاثنين الماضي، كان كيري في جناحه الفندقي مجتمعا مع لافروف وفيديريكا موغريني منسقة السياسة الخارجية الأوروبية، حيث انضم إليهم ظريف لاحقا. ولقد طلبوا من الموظفين المرافقين مغادرة الجناح أثناء الاجتماع.
وبعد مرور نصف الساعة، خرج الدبلوماسيون ليعلنوا أنهم عملوا على تسوية كل القضايا الرئيسية. وأن الحظر على الأسلحة سيستمر لمدة خمس سنوات أخرى، وأن الحظر على تكنولوجيا الصواريخ الباليستية سيستمر لمدة ثماني سنوات. وسيستمر قرار الأمم المتحدة لعشر سنوات قادمة.
وفي تمام الساعة 11:50 مساء الاثنين، تحادث كيري عبر الهاتف مع أوباما.
وفي وقت مبكر من صباح الثلاثاء الماضي، اجتمع الوزراء مجددا.

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ {الشرق الأوسط}



تراجع أعداد اللاجئين السوريين في تركيا لأقل من 3 ملايين

أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا (إعلام تركي)
أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا (إعلام تركي)
TT

تراجع أعداد اللاجئين السوريين في تركيا لأقل من 3 ملايين

أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا (إعلام تركي)
أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا (إعلام تركي)

تراجعت أعداد اللاجئين السوريين الخاضعين لنظام الحماية المؤقتة في تركيا إلى أقل من 3 ملايين لاجئ. في حين نفت إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية ادعاءات تُروِّجها بعض الدوائر وأحزاب المعارضة عن أعداد تفوق الـ10 ملايين لاجئ، مؤكدة أن هذه الأرقام غير صحيحة.

وكشفت الإدارة في بيان، السبت، أن عدد السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في تركيا يبلغ مليونين و935 ألفاً، بمن في ذلك الأطفال المولودون في البلاد، والذين يجري تسجيلهم في نظام البيانات من قِبَل المديريات الإقليمية لإدارة الهجرة، وتصدر لهم وثائق الحماية المؤقتة (كمليك) التي تحتوي على رقم الهوية.

وجاء البيان ردّاً على مزاعم من قِبَل صحافيين وناشطين أتراك على منصات التواصل الاجتماعي، مفادها أن الإحصاءات الصادرة عن الحكومة حول أعداد اللاجئين غير صحيحة، وأن الأطفال السوريين حديثي الولادة لا يُسجلون في نظام إدارة الهجرة.

وترددت هذه المزاعم، بعدما قال وزير الداخلية، علي يرلي كايا، إن 731 ألف سوري لا نعلم عنهم شيئاً، وليسوا موجودين في العناوين المسجلين عليها، في حين قام أكثر من 580 ألفاً آخرين بتحديث عناوينهم.

مخيم للاجئين السوريين في جنوب تركيا (أرشيفية)

وأضاف أن السوريين الذين لن يحدثوا عناوينهم حتى نهاية العام لن يتمكنوا من الاستفادة من الخدمات العامة في تركيا.

وكانت تركيا قد استقبلت أكثر من 3.7 مليون سوري بعد اندلاع الحرب الأهلية في بلادهم عام 2011.

وفي كلمة خلال مناقشة موازنة وزارة الداخلية لعام 2025 في لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان، الخميس، قال يرلي كايا: «إن 150 ألفاً و327 سورياً لم يتلقوا أي خدمة من مؤسساتنا العامة لمدة عام على الأقل، أي أنهم ليسوا هنا، واكتشفنا أنهم عبروا إلى أوروبا، وأزلنا سجلاتهم من نظام إدارة الهجرة».

وذكر أنه بعد عمليات التحقق من العناوين، وجد أن عدد السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة انخفض إلى مليونين و935 ألفاً و742 سوريّاً، لافتاً إلى أن إجمالي عدد الأجانب في تركيا يبلغ 4 ملايين و174 ألفاً و706 أجانب، منهم مليون و32 ألفاً و379 يحملون تصريح إقامة، و206 آلاف و585 تحت الحماية الدولية.

وأضاف وزير الداخلية التركي أنه «لضمان العودة الطوعية والآمنة والكريمة لأشقائنا السوريين إلى بلدهم، فإننا نقوم بتنفيذ خطة لتهيئة الظروف اللازمة للعودة، وخلال العام الحالي عاد 114 ألفاً و83 سوريّاً إلى بلادهم طوعاً، في حين عاد 729 ألفاً و761 إلى بلادهم طوعاً بين عامي 2016 و2024».

وزير الداخلية التركي متحدثاً عن أوضاع السوريين خلال اجتماع بالبرلمان (حسابه في «إكس»)

ويثير ملف اللاجئين السوريين جدلًا حادّاً في الأوساط السياسية بتركيا، وخلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 2023، ركَّزت بعض أحزاب المعارضة، في مقدمتها حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، حملاتها الانتخابية على التخلص من مشكلة اللاجئين السوريين، كما برزت أحزاب قومية أظهرت مناهضة للسوريين، أهمها حزب النصر، الذي يتزعمه أوميت أوزداغ.

ودفعت ضغوط المعارضة وتصاعد مشاعر الغضب ومعاداة السوريين بالمجتمع التركي، الحكومة إلى تنفيذ حملات للحد من وجود المهاجرين غير الشرعيين، وترحيل مخالفي شروط الإقامة.

واتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 الحكومة التركية بإجبار اللاجئين السوريين على العودة تحت تهديد السلاح، وعلى توقيع أوراق بأنهم اختاروا العودة الطوعية.

وبدورها، تنفي الحكومة التركية الاتهامات بشأن اعتقال وترحيل مئات اللاجئين السوريين تعسفيّاً، وتقول إنهم اختاروا العودة الطوعية إلى بلادهم.

في سياق متصل، عاقبت محكمة تركية العميد بالجيش التركي المحال على التقاعد، بلال تشوكاي، بالسجن 11 سنة و6 أشهر، بتهمة تهريب سوريين إلى تركيا عبر الحدود باستخدام سيارته الرسمية.

وألقي القبض منذ أشهر على تشوكاي وعدد من مساعديه في منطقة أكتشا قلعة بولاية شانلي أورفا، الواقعة على الحدود مع منطقة تل أبيض بريف الرقة؛ حيث كان قائداً لوحدة عسكرية تركية على الحدود، وجرى تسريحه وسحب رتبه العسكرية، بعدما أظهرت التحقيقات تورطه وضباط آخرين ضمن شبكة لتهريب البشر، قامت باستثمار الأموال الناتجة عن أنشطتها غير القانونية في مشروعات تجارية.

الحكم بسجن العميد المحال للتقاعد بلال تشوكاي لتورطه في تهريب سوريين عبر الحدود (إعلام تركي)

من ناحية أخرى، أصدرت محكمة تركية حكماً بالسجن المؤبد المشدد 3 مرات على المواطن التركي كمال كوركماز، بعد إدانته بإشعال حريق متعمد في موقع بناء بمنطقة جوزال بهشه في إزمير عام 2021، ما أدى إلى وفاة 3 عمال سوريين. وطالبت منظمات حقوقية بمحاسبته على أفعاله الوحشية، وفق وسائل إعلام تركية.

وطلب المدعي العام في إزمير الحكم على المتهم بالسجن المؤبد المشدد مقابل كل ضحية بشكل منفصل، لقتله العمال السوريين الثلاثة بطريقة وحشية وحرقهم، وكذلك الحكم عليه بتهمة إلحاق الضرر بالممتلكات الخاصة، لإشعاله النار في المكان الذي كان يُستخدم سكناً للعمال.