تونس: حقوقيون ينتقدون مشروع قانون المصالحة مع جرائم الفساد المالي

قدمه الرئيس السبسي لإعفاء المتورطين في شبهات مالية من الملاحقة القضائية

تونس: حقوقيون ينتقدون مشروع قانون المصالحة مع جرائم الفساد المالي
TT

تونس: حقوقيون ينتقدون مشروع قانون المصالحة مع جرائم الفساد المالي

تونس: حقوقيون ينتقدون مشروع قانون المصالحة مع جرائم الفساد المالي

تواجه سلطات تونس تهما بالسعي إلى «تبييض الفساد»، وتكريس «الإفلات من العقاب»، بسبب مشروع قانون قدّمه الرئيس الباجي قائد السبسي للمصالحة مع متورطين في جرائم فساد مالي، وإعفائهم من الملاحقة القضائية شرط إرجاع الأموال المستولى عليها.
وكان قائد السبسي قد عرض الثلاثاء على مجلس وزراء حكومة الحبيب الصيد «مشروع قانون أساسي يتعلق بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي». وقال عند تقديم مشروع القانون: «منذ أن قمنا بهذه المبادرة قلنا لنَطوِ الصفحة، هذا رأيي.. فالبلاد تحتاج إلى الجميع، وأنا لديّ قناعة أن هناك عددا كبيرا من رجال الأعمال التونسيين يملكون إمكانيات مالية، ومستعدون للمشاركة في الحياة الاقتصادية في تونس.. لكنهم خائفون»، مضيفا أن ثلاثة أرباع «الموظفين السامين الذين خدموا تونس (في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي) يجرجرون في السجون، في حين أنهم لم يقترفوا شيئا، وكل ما فعلوه أنهم عاشوا في منظومة فاسدة (...) أنا قلت: لنعتق هؤلاء الموظفين».
وقال ظافر ناجي، الناطق الرسمي باسم حكومة الحبيب الصيد، إن مجلس الوزراء تبنى الثلاثاء مشروع قانون المصالحة، وأحاله على مجلس نواب الشعب للمصادقة عليه.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، قال الصيد أمام البرلمان: «لقد آلت هذه الحكومة على نفسها أن تكافح الفساد بكل أشكاله، وأقولها اليوم أمامكم بكل وضوح: لا مجال في تونس ما بعد الثورة للتطبيع والتعايش مع الفساد والفاسدين».
وخلال زيارته في مايو (أيار) الماضي إلى الولايات المتحدة أقر الرئيس التونسي في مقال رأي مشترك مع نظيره الأميركي نشرته صحيفة «واشنطن بوست» بأن «تركة النظام القديم من سوء إدارة وفساد لا تزال تخنق النمو الاقتصادي» في تونس.
ويهدف مشروع قانون «المصالحة»، حسبما ورد في فصله الأول، إلى «إقرار تدابير خاصة بالانتهاكات المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام، تفضي إلى إغلاق الملفات نهائيا، وطي صفحة الماضي تحقيقا للمصالحة، باعتبارها الغاية السامية للعدالة الانتقالية».
ويفترض أن تتولى الأمر «هيئة الحقيقة والكرامة»، وهي هيئة مستقلة استحدثت في ديسمبر (كانون الأول) 2013. ويطالب مشروع قانون المصالحة بأن «تلغى جميع الأحكام المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام» من القانون الذي تم بموجبه أحداث هيئة الحقيقة والكرامة.
من جهته، قال منجي الرحوي النائب المعارض في البرلمان عن «الجبهة الشعبية» (ائتلاف أحزاب يسارية) إن مشروع قانون المصالحة «يطعن الثورة ويعيد تدوير الفساد»، مضيفا أن «هذا القانون إن لم يقع سحبه بصفة سلمية من طرف رئيس الجمهورية، فإننا نطالب كل التونسيين بأن يسقطوه من خلال المظاهرات والاحتجاجات»، داعيا «كل التونسيين وكل القوى الديمقراطية إلى التحرك بقوة وعنف ضد هذا القانون».
من ناحيتها، أعلنت سهام بن سدرين، رئيسة «هيئة الحقيقة والكرامة»، أن «محاسبة» المتورطين في الفساد المالي وإجراء «مصالحة» معهم هي «صلاحية حصرية للجنة التحكيم والمصالحة»، وهي إحدى لجان الهيئة، مضيفة أن الهيئة «راسلت منذ شهرين رئاسة الحكومة حتى تحدد ممثلا للدولة في هذه اللجنة، إلا أننا لم نتلقَّ أي إجابة حتى اليوم، وما راعنا إلا صدور مشروع القانون المتعلق بالمصالحة، الذي يفتقد صفات الاستقلالية (الواجب توفرها) في الجهة التي تقوم بالتحكيم في جرائم الفساد، وتطغى عليه الرغبة في تبييض الفساد، وتكريس الإفلات من العقاب، ولا يضمن عدم تكرار جرائم الفساد، بل يشجعه».
وأوضحت بن سدرين أن هيئة الحقيقة والكرامة «كلفت خبراء بدراسة مشروع القانون من حيث قانونيته ومطابقته للدستور، ويوم الاثنين المقبل سوف نصدر موقفا رسميا منه»، ونبهت إلى أن تمرير هذا القانون سيكون «منافيا» لتعهدات تونس الدولية في مجال مكافحة الفساد، وستترتب عنه «انعكاسات سلبية» على الإصلاحات السياسية المفترض القيام بها في الفترة المقبلة.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.