علاج جيني ناجح لرُضّع من دون مناعة

علاج جيني ناجح  لرُضّع من دون مناعة
TT

علاج جيني ناجح لرُضّع من دون مناعة

علاج جيني ناجح  لرُضّع من دون مناعة

يعد العلاج عن طريق تعديل الجينات (Gene Therapy) من أهم الطرق الحديثة لعلاج الأمراض ذات الطبيعة الوراثية الناتجة عن تحورات في التركيبة الأصلية لجين معين تؤدي إلى قصور في الوظيفة، التي كان من المفترض أن تقوم بها الخلية الحاملة لهذا الجين.
وحديثاً نجح العلماء في شفاء مجموعة من الرضع، جميعهم مصابون بمرض نادر ويصعب علاجه يسمى «طفل الفقاعة» (bubble boy). ونشروا نتائج الدراسة في دورية «نيو إينغلاند الطبية» (the New England Journal of Medicine) في نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي.

«طفل الفقاعة»
هذا المرض يحدث نتيجة طفرة جينية تتسبب في ولادة الطفل بدون الخلايا المناعية الموجودة في كريات الدم البيضاء، ويؤدي إلى نقص شديد في المناعة (SCID) (العوز المناعي المشترك الشديد) بشكل يشبه تقريباً مرض الإيدز، حيث يكون الطفل بدون أي خطوط دفاعية تستطيع مقاومة العدوى. والسبب في إطلاق اسم الفقاعة على المرض يعود إلى الحين الذي تم فيه اكتشاف انتشار المرض في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي بسبب حالة طفل معين مصاب بالمرض. ونجح العلماء حينها في عمل فقاعة بلاستيكية خالية من الجراثيم تمكن الطفل من البقاء فيها على قيد الحياة لمدة 12 عاماً.
ورغم وجود أشكال مختلفة من مرض نقص المناعة نتيجة للطفرة الجينية، إلا أنها جميعها تجعل الجسم غير قادر على إنتاج خلايا B وخلايا T؛ النوعين المسؤولين عن مكافحة العدوى تحديداً في جهاز المناعة. وهو ما يعني أن أمراض الطفولة العادية البسيطة مثل الالتهابات البكتيرية في الحلق أو الجهاز التنفسي يمكن أن تكون قاتلة. ولذلك ومن دون علاج يموت هؤلاء الأطفال المصابون خلال عامين في الأغلب.
في الوقت الحالي يعد العلاج الفعال هو زرع نخاع عظمي (bone marrow transplant) من متبرع. ومن المعروف أن النخاع العظي هو المسؤول عن تكوين خلايا الدم البيضاء. ويجب أن يكون المتبرع أحد الأشقاء حتى تكون الأنسجة متطابقة جينياً مع الطفل حتى لا يحدث تفاعل مناعي في حالة التبرع من شخص آخر. ورغم صعوبة عملية الزرع إلا أنها أقل خطورة بالطبع من ترك الطفل عرضة للإصابة بأي مرض يؤدي إلى وفاته. ولكن هناك بعض الأطفال الذين يعانون من خلل جيني معين آخر لا تناسبهم العملية، لأنه حتى بعد الزرع في الأغلب لا يستطيع هؤلاء الأطفال تكوين الخلايا المسؤولة عن مقاومة العدوى (B cells)، لذلك تعد الدراسة الحالية إنجازاً علمياً كبيراً.
يتضمن الأسلوب الجديد في العلاج استخدام الجينات من خلال إزالة الخلايا الجذعية لنخاع العظام من الأطفال الذين تم تشخيصهم حديثاً بالمرض، واستبدال نسخ تعمل بكفاءة من الجين نفسه في الخلايا بالنسخ التي تحتوي على خلل في الخلايا، ثم بعد ذلك يتم إعادة حقنها في الجسم.
وأهم ما في الطريقة الجديدة للعلاج أنها تعتمد بشكل أساسي على خلايا الأطفال نفسها، ما يقلل من احتماليات مضاعفات عنيفة نتيجة لحدوث تفاعلات مناعية بسبب الأنسجة الجديدة من متبرعين، وهي متلازمة معروفة (graft - versus - host disease) في زراعة الأعضاء، حيث يتعامل الجهاز المناعي الجديد مع أنسجة الجسم كما لو كانت خلايا غريبة، وبالتالي يقوم بمهاجمتها.

تجربة العلاج الجيني
تراوحت أعمار الأطفال في التجربة بين 18 شهراً و4 سنوات ونصف السنة، منهم 9 أطفال ولدوا في الولايات المتحدة، وتم تشخيصهم بعد فحص لحديثي الولادة لمرض نقص المناعة. وكان هناك طفل واحد مولود في كندا، وشُخصت حالته في سن خمسة أشهر، وكان هناك 4 من الأطفال ينتمون إلى السكان الأصليين للولايات المتحدة (حيث تكون الطفرة الجينية التي لا تستجيب لزرع النخاع أكثر شيوعاً). وبلغ متوسط المتابعة لهؤلاء الأطفال 31.2 شهر وقت نشر الدراسة، وتمت متابعة 6 مرضى منهم لمدة عامين على الأقل.
هؤلاء الأطفال الذين تم علاجهم تبلغ أعمارهم الآن أقل من عمر 5 أعوام، ويحيون حياة طبيعية ويذهبون إلى الحضانة، ويلعبون في الحدائق مثل بقية أقرانهم، وجميعهم بصحة جيدة ولا يتلقون أي علاج خاص. وأيضاً كانت استجابتهم طبيعية لمختلف التطعيمات الروتينية، بمعنى أنهم شعروا بالأعراض الطفيفة نفسها التي تحدث بعد تناول أي لقاح، فضلاً عن تعافيهم من نزلات البرد مثل الأطفال الآخرين حتى الآن، ولا يعرف العلماء على وجه التحديد لأي مدى يمكن للعلاج الجيني أن يكون فعالاً.
تمت متابعة الأطفال في الدراسة لفترات زمنية متفاوتة، واستطاعوا جميعاً بدء إنتاج الخلايا المناعية المصححة جينياً (خلايا B وخلايا T) خلال مدة 42 يوماً فقط، واكتمل الإنتاج بشكل كامل خلال 12 أسبوعاً. ومن بين 6 أطفال من الذين تمت متابعتهم لمدة عامين على الأقل كان هناك 5 منهم يمتلكون مناعة كاملة من خلايا T، وفي الوقت نفسه كان لدى 4 منهم ما يكفي من استعادة خلايا B، ما أدى إلى توقفهم عن تناول حقن الأجسام المضادة لحمايتهم من العدوى. وأيضاً احتاج أحد الأطفال إلى حقنة ثانية من النخاع العظمي المصحح جينياً بسبب العدوى المستمرة لفيروس معين (cytomegalovirus)، وكان هذا الطفل مصاباً بالفعل بالعدوى قبل العلاج الجيني، لكنه الآن خال من العدوى بعد وجود الخلايا المناعية الجديدة.
وتعد هذه النتيجة أفضل كثيراً من النتائج في عمليات زرع النخاع (حتى الآن)، ويأمل العلماء أن تساهم هذه الطريقة الجديدة في علاج آلاف الأطفال في العالم كله.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك تمارين النهوض بالرأس من التمارين المنزلية المعروفة لتقوية عضلات البطن

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

نصح أستاذ أمراض قلب بجامعة ليدز البريطانية بممارسة التمارين الرياضية، حتى لو لفترات قصيرة، حيث أكدت الأبحاث أنه حتى الفترات الصغيرة لها تأثيرات قوية على الصحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

خلصت دراسة إلى أن عادات العمل قد تهدد نوم العاملين، حيث وجدت أن الأشخاص الذين تتطلب وظائفهم الجلوس لفترات طويلة يواجهون خطراً أعلى للإصابة بأعراض الأرق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل يحضّر فنجانين من القهوة بمقهى في كولومبيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

ما أفضل وقت لتناول القهوة لحياة أطول؟... دراسة تجيب

أشارت دراسة جديدة إلى أن تحديد توقيت تناول القهوة يومياً قد يؤثر بشكل كبير على فوائدها الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)

دراسة: التوتر النفسي يزيد من حساسية الجلد

التوتر النفسي يحد من قدرة الخلايا المناعية المتخصصة  (أرشيفية)
التوتر النفسي يحد من قدرة الخلايا المناعية المتخصصة (أرشيفية)
TT

دراسة: التوتر النفسي يزيد من حساسية الجلد

التوتر النفسي يحد من قدرة الخلايا المناعية المتخصصة  (أرشيفية)
التوتر النفسي يحد من قدرة الخلايا المناعية المتخصصة (أرشيفية)

اكتشف باحثون أدلة جديدة تساعد في فهم كيف يمكن للتوتر والضغط النفسي أن يزيدا من حساسية الجلد. ووجد الباحثون في دراسة منشورة بدورية (جورنال أوف أليرجي آند كلينيكال إيميونولوجي) أن التوتر يعمل على تعطيل الوظائف المناعية والتدخل في استجابة الجسم للالتهاب.

الدراسة التي أجريت على الفئران أظهرت أن التوتر النفسي يحد من قدرة الخلايا المناعية المتخصصة التي تسمى الخلايا البلعمية المضادة للالتهابات على إزالة الخلايا الميتة في موقع الحساسية. وقال الباحثون إن تراكم الخلايا الميتة في الأنسجة يزيد من تسلل الخلايا المناعية المسماة الخلايا الحمضية، مما يرفع مستوى الاستجابة التحسسية، ومن ثم يؤدي إلى زيادة الشعور بالحساسية.

ذاكرة الضغط النفسي

وقال الدكتور سويشيرو يوشيكاوا، كبير الباحثين في الدراسة والاستاذ بكلية الطب بجامعة جونتيندو في اليابان، في بيان «هذه أول دراسة في العالم تثبت أن التوتر... يعطل وظيفة الخلايا البلعمية، والتي تساعد عادة في كبح ردود الفعل التحسسية، وبالتالي زيادة الاستجابة التحسسية». كما وجد الباحثون أن تأثير الضغط النفسي على الخلايا المناعية يبدو طويل الأمد ويمكن أن يؤثر على الخلايا البلعمية التي ينتجها الجهاز المناعي في وقت لاحق.

وقال يوشيكاوا «هذه الظاهرة، التي يشار إليها باسم 'ذاكرة الضغط النفسي'، تعني أن الضغط والتوتر الشديدين يتركان بصمة باقية على الخلايا المناعية، مما يؤثر على وظيفتها ويساهم في تطور المرض». وأشار الباحثون إلى أن تجنب الضغط النفسي تماما سيكون الحل الأمثل لمنع خلل وظائف الخلايا المناعية. ونظرا لأن هذا ليس ممكنا دائما، فإن فهم الآليات الجزيئية وراء «ذاكرة الضغط النفسي» قد يمهد الطريق لسبل علاج لحساسية الجلد.