ما سبب تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا أخيراً؟

الليرة السورية سجلت أدنى مستوى لها على الإطلاق في السوق السوداء الأسبوع الماضي (أ.ب)
الليرة السورية سجلت أدنى مستوى لها على الإطلاق في السوق السوداء الأسبوع الماضي (أ.ب)
TT

ما سبب تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا أخيراً؟

الليرة السورية سجلت أدنى مستوى لها على الإطلاق في السوق السوداء الأسبوع الماضي (أ.ب)
الليرة السورية سجلت أدنى مستوى لها على الإطلاق في السوق السوداء الأسبوع الماضي (أ.ب)

وصل الاقتصاد السوري إلى أدنى مستوياته منذ اندلاع الحرب الأهلية قبل نحو 12 عاماً، مع تصاعد التضخم وهبوط العملة ونقص حاد في الوقود في كل المناطق تقريباً.
وصلت الحياة في دمشق إلى طريق مسدود. الشوارع خالية من السيارات، وتتلقى المنازل بضع ساعات يومياً من الكهرباء في أحسن الأحوال، وارتفعت تكلفة الطعام والضروريات الأخرى بشكل كبير، وفقاً لتقرير لوكالة «أسوشييتد برس».
أدى الألم الاقتصادي المتزايد إلى احتجاجات في المناطق التي تسيطر عليها حكومة الرئيس بشار الأسد، والتي قوبلت أحياناً برد فعل عنيف.
وإليك نظرة على أسباب تفاقم الوضع الاقتصادي وتأثيراته المحتملة:

* ما مدى سوء الأزمة؟
سجلت الليرة السورية أدنى مستوى لها على الإطلاق عند سبعة آلاف ليرة للدولار في السوق السوداء الأسبوع الماضي قبل أن تنتعش إلى نحو ستة آلاف ليرة. لا يزال هذا هبوطاً كبيراً، نظراً لأن المعدل كان نحو 3600 قبل عام واحد. رفع البنك المركزي سعر الصرف الرسمي من 3015 إلى 4522 يوم الاثنين، في محاولة على ما يبدو لإغراء الناس لاستخدام السعر الرسمي بدلاً من التجارة في السوق السوداء.
وسط نقص الوقود، رفعت الحكومة أسعار البنزين والديزل. بالسعر الرسمي، تصل تكلفة 20 لتراً من الغاز الآن إلى ما يقرب من راتب شهر كامل لموظف حكومي متوسط، وهو نحو 150 ألف ليرة سورية، أي 25 دولاراً بسعر السوق السوداء. توقف بعض الموظفين عن الحضور إلى العمل لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف النقل.
قال جوزيف ضاهر، الباحث والأستاذ بمعهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، إن الأجور لا تقترب من تغطية تكاليف المعيشة، ومعظم الناس «يعيشون على التحويلات، ويعملون ضمن وظيفتين أو ثلاث وظائف ويعتمدون على المساعدة الإنسانية».
أخبر مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا غير بيدرسن مجلس الأمن الدولي في 21 ديسمبر (كانون الأول) أن «احتياجات الشعب السوري وصلت إلى أسوأ المستويات منذ بدء الصراع».
اندلعت الاحتجاجات في بعض المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، لا سيما في بلدتي السويداء ودرعا في الجنوب. في السويداء الشهر الماضي، قُتل متظاهر وضابط شرطة بعد أن تحولت مظاهرة إلى أعمال عنف.

* ما الذي يفاقم الأزمة؟
بصرف النظر عن سنوات الحرب والعقوبات والفساد المستشري، شهد الاقتصاد السوري سلسلة من الصدمات منذ عام 2019. بدءاً من انهيار النظام المالي اللبناني في ذلك العام.
قال ناصر السعيدي، وزير الاقتصاد اللبناني الأسبق: «بالنظر إلى الحدود المفتوحة بين سوريا ولبنان وكلاهما يعتمدان على النقد بشكل متزايد»، فإن أسواقهما مرتبطة بشكل كبير. وأدى انهيار العملة وإلغاء الدعم في لبنان إلى خفض قيمة العملة وارتفاع الأسعار في سوريا.

تضررت سوريا أيضاً من الانكماش الاقتصادي العالمي الناجم عن جائحة «كورونا» والحرب الروسية في أوكرانيا، والتي أدت إلى ارتفاع أسعار الوقود العالمية وأبعدت انتباه وموارد حليف دمشق، موسكو.
لكن المحللين قالوا إن العامل الأكثر أهمية هو التباطؤ الأخير في شحنات النفط من إيران، التي كانت المصدر الرئيسي للوقود لدمشق منذ السنوات الأولى للصراع. قبل الحرب، كانت سوريا دولة مصدرة للنفط. والآن تسيطر جماعات يقودها الأكراد تدعمها الولايات المتحدة على أكبر حقولها النفطية في شرق البلاد، لذا يتعين على دمشق استيراد النفط.
أشار جهاد يازجي، الخبير الاقتصادي ورئيس تحرير «سيريا ريبورت»، إلى أن دمشق تشتري النفط من إيران بالدين، لكن «عندما يبيعون النفط في الأسواق... يبيعونه نقداً». لذا فإن مواجهة معروض النفط تقلل أيضاً من المعروض النقدي للحكومة.
وألقى وزير النفط السوري بسام طعمة في حديث للتلفزيون الرسمي في نوفمبر (تشرين الثاني) باللوم على العقوبات الغربية والتأخيرات الطويلة في إمدادات النفط دون أن يوضح أسباب التأخير.

* ما الوضع في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة؟
في كل عام، يعاني سكان مخيمات النزوح المؤقتة في آخر معقل تسيطر عليه المعارضة في محافظة إدلب الشمالية الغربية من العواصف والطقس المتجمد.
وقال محللون إنهم تأثروا هذا الشتاء أيضاً بالأزمة الاقتصادية في تركيا المجاورة، التي تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي، فضلاً عن ارتفاع الأسعار وتقلص المساعدات بسبب حرب أوكرانيا. شهدت إدلب طوابير طويلة للحصول على الوقود.
في غضون ذلك، تدور معركة متكررة بين روسيا واللاعبين الدوليين الآخرين حول السماح للمساعدات بعبور الحدود من تركيا إلى شمال غربي سوريا في الأمم المتحدة.
ومن المقرر أن ينتهي التمديد لستة أشهر لآلية المساعدة عبر الحدود يوم الثلاثاء، مع تصويت مجلس الأمن الدولي على تجديدها في اليوم السابق. تريد روسيا وصول المساعدات عبر دمشق، بحجة أن المساعدات القادمة من تركيا تستغلها «الجماعات المسلحة»، وأن المجتمع الدولي لا يقدم مساعدة كافية للأشخاص في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
لكن المنظمات الإنسانية ترسم صورة رهيبة لعواقب قطع المساعدات عبر الحدود.
قالت تانيا إيفانز، المديرة القُطرية للجنة الإنقاذ الدولية، إن أسعار الوقود والغذاء آخذة في الارتفاع، بينما يتقلص تمويل المساعدات الإنسانية. وقالت إن هذا إلى جانب طقس الشتاء وتفشي الكوليرا «سيكون مزيجاً مميتاً إذا تم إغلاق شريان الحياة الوحيد المتبقي لهذا الجزء من سوريا».

* هل يمكن أن تحدث انتفاضة جماعية أخرى؟
قال محللون إنه إذا استمرت الأزمة، فمن المرجح أن يكون هناك مزيد من الاحتجاجات. لكنهم رفضوا إلى حد كبير إمكانية اندلاع انتفاضة جديدة مناهضة للحكومة على مستوى البلاد مثل تلك التي اندلعت في عام 2011. مما أدى إلى حملة قمع دموية أدخلت البلاد في حرب أهلية.
وأشار ضاهر إلى أن الاحتجاجات الأخيرة كانت مشتتة ومحلية.
وقال إنه في الوقت الحالي من المرجح أن تستمر البلاد في تلقي المساعدات والتحويلات المالية من الخارج. وكشف ضاهر أن السوريين الذين شملهم الاستطلاع كجزء من دراسة ستُنشر قريباً أفادوا أنهم يتلقون في المتوسط 100 دولار إلى 200 دولار شهرياً من أقاربهم في الخارج.
وتابع: «الناس متعبون للغاية ويفكرون قبل كل شيء في البقاء على قيد الحياة».



«المركزي الروسي»: الاقتصاد آمن بأسعار النفط الحالية ومهدد دون 60 دولاراً

العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
TT

«المركزي الروسي»: الاقتصاد آمن بأسعار النفط الحالية ومهدد دون 60 دولاراً

العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)

قال البنك المركزي الروسي إن مستويات أسعار النفط الحالية لا تشكل تهديداً لاستقرار الاقتصاد الروسي، لكنها قد تتحول إلى تحدٍّ خطير إذا انخفضت الأسعار دون الهدف الذي حُدد في الموازنة والذي يبلغ 60 دولاراً للبرميل.

وتشكل عائدات النفط والغاز نحو ثلث إيرادات الموازنة الروسية، وعلى الرغم من التوقعات بتراجع هذه النسبة في السنوات المقبلة، فإن إيرادات السلع الأساسية تظل تلعب دوراً محورياً في الاقتصاد الروسي، كما أن سعر النفط بالروبل يعد عنصراً مهماً في الحسابات المالية للموازنة.

ووفقاً لحسابات «رويترز»، فإن سعر مزيج النفط الروسي «أورال» في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) قد تجاوز السعر المُستخدم في حسابات موازنة الدولة لعام 2024، وذلك بفضل الانخفاض الحاد في قيمة الروبل. وأكد البنك المركزي أن سعر النفط «أورال» بلغ 66.9 دولار للبرميل بداية من 15 نوفمبر.

وفي مراجعته السنوية، قال البنك المركزي: «لا تشكل مستويات أسعار النفط الحالية أي مخاطر على الاستقرار المالي لروسيا»، لكنه حذر من أنه «إذا انخفضت الأسعار دون المستوى المستهدف في الموازنة، البالغ 60 دولاراً للبرميل، فإن ذلك قد يشكل تحديات للاقتصاد والأسواق المالية، بالنظر إلى الحصة الكبيرة التي تمثلها إيرادات النفط في الصادرات الروسية».

كما أشار البنك إلى أن روسيا قد خفضت إنتاجها من النفط بنسبة 3 في المائة ليصل إلى 9.01 مليون برميل يومياً في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أكتوبر (تشرين الأول)، وذلك في إطار التزامها باتفاقات مجموعة «أوبك بلس». وأضاف أن الخصم في سعر النفط الروسي مقارنة بسعر المؤشر العالمي قد تقلص إلى 14 في المائة في أكتوبر، مقارنة بـ 16-19 في المائة في الفترة من أبريل (نيسان) إلى مايو (أيار).

الإجراءات لدعم الروبل فعّالة

من جانبه، قال نائب محافظ البنك المركزي الروسي، فيليب جابونيا، إن البنك سيواصل اتباع سياسة سعر صرف الروبل العائم، مؤكداً أن التدابير التي اتخذها لدعم قيمة الروبل كافية وفعالة.

ووصل الروبل إلى أدنى مستوى له منذ مارس (آذار) 2022، إثر فرض أحدث جولة من العقوبات الأميركية على القطاع المالي الروسي. وفي خطوة لدعم العملة الوطنية، تدخل البنك المركزي، وأوقف شراء العملات الأجنبية بداية من 28 نوفمبر.

وفي مؤتمر صحافي، صرح جابونيا: «نعتقد أن التدابير المتبعة حالياً كافية، ونحن نلاحظ وجود مؤشرات على أن الوضع بدأ في الاستقرار». وأضاف: «إذا كانت التقلبات قصيرة الأجل الناجمة عن مشكلات الدفع تشكل تهديداً للاستقرار المالي، فنحن نمتلك مجموعة من الأدوات الفعّالة للتعامل مع هذا الوضع».

وأكد جابونيا أن سعر الفائدة القياسي المرتفع، الذي يبلغ حالياً 21 في المائة، يسهم في دعم الروبل، من خلال تعزيز جاذبية الأصول المقومة بالروبل، وتهدئة الطلب على الواردات.

وكانت أحدث العقوبات الأميركية على القطاع المالي الروسي قد استهدفت «غازبروم بنك»، الذي يتولى مدفوعات التجارة الروسية مع أوروبا، ويعد المصدر الرئيسي للعملات الأجنبية في السوق المحلية. وقد أدت هذه العقوبات إلى نقص حاد في سوق العملات الأجنبية الروسية، ما تَسَبَّبَ في حالة من الهلع واندفاع المستثمرين نحو شراء العملات الأجنبية. ورغم هذه التحديات، أصر المسؤولون الروس على أنه لا توجد أسباب جوهرية وراء تراجع قيمة الروبل.

النظام المصرفي يتمتع بمرونة عالية

وفي مراجعة للاستقرار المالي، يوم الجمعة، قال المركزي الروسي إن الشركات الصغيرة فقط هي التي تواجه مشكلات في الديون في الوقت الحالي، في وقت يشكو فيه بعض الشركات من تكاليف الاقتراض المرتفعة للغاية مع بلوغ أسعار الفائدة 21 في المائة.

وأضاف أن نمو المخاطر الائتمانية قد أدى إلى انخفاض طفيف في نسبة كفاية رأس المال للبنوك الروسية في الربعين الثاني والثالث، لكنه وصف القطاع المصرفي بأنه يتمتع بمرونة عالية. كما نصح البنوك بإجراء اختبارات ضغط عند تطوير منتجات القروض، بما في ذلك سيناريوهات تتضمن بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترات طويلة.