الانتقال من الورق إلى الفضاء الرقمي... ما الذي سيتغير؟

كتاب مغربي يبحث في كيفية العلاقة بين كيانين مختلفين

الانتقال من الورق إلى الفضاء الرقمي... ما الذي سيتغير؟
TT

الانتقال من الورق إلى الفضاء الرقمي... ما الذي سيتغير؟

الانتقال من الورق إلى الفضاء الرقمي... ما الذي سيتغير؟

صدر مؤخراً للباحث المغربي عبد الصمد الكباص كتاب جديد بعنوان «الشاشة والورق... ميديولوجيا الصورة والنص في الصحافة زمن الانتقال الرقمي»، يقدم فيه معالجة فكرية للقضايا المرتبطة بالانتقال من الحامل الورقي إلى الحامل الإلكتروني، من وجهة نظر ميديولوجية تدرس الوقْع الثقافي لتغير الوسائل المادية المهيمنة في تخزين الأثر وتوزيعه.
وينطلق الكباص، في كتابه الصادر عن «دار أفريقيا الشرق»، بالدار البيضاء، من فكرة أن المهمة المنسوبة للصحافة؛ والمتمثلة في نقل الأخبار، لا تدل إلا على جزء سطحي من مهمتها الجوهرية، فهي لا تكتفي بصنع الأخبار، وإنما تخلق «الشيء الاجتماعي» وتستديم وجوده. إنها، كما يقول في مقدمة الكتاب، حقل لإنتاج العام، عبر آليات خاصة تتحمل فيها الصورة والنص بالدرجة الأولى القسط الأوفر من هذه العملية المعقدة، وهذا يعني أن الواقع يشرع في العمل باعتباره وظيفة، انطلاقاً من ممارسات الصورة والنص التي توفرها الصحافة والإعلام، والتي تجعل «الكلام العمومي» ينطوي على ارتباط حميم بالنظرة المعممة التي تفرضها ممارسات الصورة، والتي لا يكون الواقع المدرك على أنه كذلك إلا اشتقاقاً منها.
يَعتبر الكباص أن هذه الممارسات المتعلقة بالنص والصورة، التي من خلالها يصبح الواقع قابلاً للاستهلاك، ويحظى بوضعه بوصفه كياناً معرفاً، بوساطة التثبيت النسبي الذي تفرضه هذه الممارسات التي تنقل الوقائع من أحداث زائلة إلى وقائع مشتركة بعد انتزاعها من مجرى الزمن وتخزينها في اللغة والصورة، لا تتعلق بالقدرات الخاصة لكل من الصورة والنص في حد ذاتهما، ولكن تترتب بشكل وثيق عما يتيحه الحامل المادي (ورق، جهاز إلكتروني) من إمكانات لإطلاق طاقات مفاجئة ومؤثرة لكل منهما. لذلك كان الانتقال من زمن ينتظم حول حامل مهيمن إلى زمن ينتظم حول حامل آخر، انتقالاً من حضارة إلى أخرى؛ لأن الحامل أو الوسيلة المادية لتخزين الأثر وتوزيعه لا تكتفي بدور الوسيط، وإنما تعين الوسط (بمعناه الإيكولوجي) الذي يحدد مسبقاً إمكانيات قيام مبادلات رمزية مثلما يحدد مفعولها. فكل حامل (أي الوسيلة المادية المعتمدة في تخزين الأثر وتوزيعه) يأتي محملاً بقطائع حاسمة تمس طرق التفكير والتواصل وإمكانات الفعل.
وبالنسبة للكباص، من المؤكد، كما تُظهر ذلك التجربةُ المباشرة، أن الانتقال من الورق إلى الفضاء الرقمي هو انتقال في المنطق الحضاري لتشغيل النص والصورة، لكنه يتجاوز ذلك، فهو إذ يعين انتقالاً في طرز بناء الذاكرة وتسجيل الأثر، يحدد أيضاً إمكانات الحقيقة وما يُفترض الخضوع له باعتباره حقيقة. يقول، في هذا الصدد: «صارت إمكانات التكنولوجيا الرقمية وهي تستحوذ على وظيفة تخزين الأثر؛ أي إنتاج الذاكرة، تعين طرقاً جديدة لتولد الذات التي أضحت تتعرف على نفسها من خلال تموقعها الرقمي في الفضاء الإلكتروني مستنتجة حضورها الفعلي في العالم ومشاركتها فيه، من خلال الحصيلة الكمية من علامات الإعجاب التي تحصل عليها في حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي. مثلما صارت قناعتها تُبنى من خلال حجم المشاركة الذي توفره هذه التطبيقات على التجهيزات الذكية، بمعنى أن إمكانات الذات صارت محددة بما تتيحه تطبيقات التكنولوجيا الذكية التي توجد في متناول اليد، إذ غدا هذا المسلسل السريع لمضاعفة الذات في بديل رقمي تعميقاً لذلك التصور الذي أضحت معه الذات تطبيقاً معلوماتياً، حسب الصياغة التي قدمها لوشيانو فلوريدي، والذي يعزز طبيعتها المعلوماتية انطلاقاً من مبدأ جون أرشيبالد ويلر (الشيء من البيت)؛ والذي يعني أن كل الأشياء المادية هي نظرياً معلومات في الأصل».
وتقوم الرؤية المنهجية التي اعتمدها الكباص لمعالجة موضوعه استناداً لمبادئ الميديولوجيا العامة، على فكرة أن كل تغيير في الحامل يُلحق تعديلات جوهرية في الرسالة، فالانتقال من الحامل الورقي إلى الحامل الإلكتروني لا يحافظ على الخطاب نفسه، ولا يرسخ الهوية نفسها؛ لأن الحامل ليس وسيلة محايدة، إنه بالأحرى مجال قيمي وشرط تحقق. وهو يؤكد، في هذا الصدد، أن همه الأساس هو التعامل بجدية مع سؤال الحامل واشتغاله بوصفه شرطاً لتحقق أبنية للصورة والنص في الصحافة، ورصد التحولات التي تطال هذه الأبنية عند الانتقال من الحامل الورقي إلى الإلكتروني.
يحاول الكتاب الإجابة عن مجموعة من الأسئلة؛ منها ما يهم كيفية تدبر هذه العلاقة بين كيانين مختلفين هما الصورة والنص، أحدهما مُعَدّ للقراءة، والثاني للنظر، الأول يستكشف من خلال توسطات اللغة وتعاقدات الكتابة ودوائر التمثيل المترتبة عنها، والثاني يفيض من خلال مباشرة حسية ويحقق أفقه الدلالي عبر كيانات الألوان والأشكال وتدرج الضوء وزوايا ضبط الإطار وغيرها، أو كيفية تحقق هذه العلاقة من خلال الحامل الورقي في الصحافة، أو الحدود التي تمليها الصفحة الورقية من حيث كونها مكاناً نصياً، على هذه العلاقة، وما يتغير في هذه الأبنية عندما تنتقل إلى الشاشة الإلكترونية، لتدرج في بنية الاستعجال التي تحكم منطق الشبكة؛ والآثار المترتبة عن إمكانيات الربط السريع بين النص والصورة والصوت التي توفرها الشبكة، على هذه الأبنية؛ فضلاً عن التحولات التي تطرأ عليها عندما تصير الشبكة بيئة معلوماتية لعملية إخبار محددة بتحفيزات الأجهزة الذكية وتزايد تأثير الشبكات الاجتماعية؛ علاوة عن الذي يتغير في هذه الأبنية عندما يتدخل الفيديو في عمليات ربط سريع مع النص، وتأثير هذه العوامل الجديدة التي تتيحها الأجهزة في أبنية الصورة والنص، مثل خيارات المشاركة والنقل والإلصاق والحذف.
كما أن الممارسات الإخبارية المنجَزة من قِبل مستخدمي الإنترنت، في شكل تدفقات هائلة من النصوص والصور عبر «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» و«يوتيوب» و«واتساب»، والتي تدخل عموماً في نظام الشبكات الاجتماعية، لم تدمج في الفضاء العربي بجدية ضمن الاهتمام العلمي، ما عدا بعض الدراسات المنجَزة من زاوية تأثيرها السياسي.


مقالات ذات صلة

تجلّيات الثقافة والفكر تُزيّن معرض الرياض الدولي للكتاب

يوميات الشرق المعرض يشهد استحداث ممر تكريمي للشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن (وزارة الثقافة)

تجلّيات الثقافة والفكر تُزيّن معرض الرياض الدولي للكتاب

المعرض يُعدّ تظاهرة ثقافية وفكرية سنوية بارزة بالمنطقة تجسّد منذ عقود الإرث الثقافي للمملكة وترسّخ ريادتها في صناعة الثقافة وتصدير المعرفة.

عمر البدوي (الرياض)
خاص الحجيلان يكشف حدود الدور الفرنسي في تحرير المسجد الحرام play-circle 01:52

خاص الحجيلان يكشف حدود الدور الفرنسي في تحرير المسجد الحرام

في الحلقة الأخيرة من مذكراته، يوضح رجل الدولة السعودي الشيخ جميل الحجيلان، حقيقة الدور الفرنسي في جهود تحرير الحرم المكي الشريف من مجموعة جهيمان العتيبي.

بندر بن عبد الرحمن بن معمر (الرياض)
يوميات الشرق تبدأ فصول من المعرفة والفكر والثقافة على مدى 10 أيام من عمر المعرض (واس)

رحلة معرفية جديدة تنطلق في معرض الرياض الدولي للكتاب 2024

تنطلق (الخميس)، التظاهرة الثقافية الدولية للكتاب، تحت شعار «الرياض تقرأ»، التي تبدأ معها فصول من المعرفة والفكر والثقافة.

عمر البدوي (الرياض)
كتب دليل من أجل الحكم الرشيد

دليل من أجل الحكم الرشيد

أسئلة مهمة يطرحها هذا الكتاب بشأن السمات والمهارات وطرائق التفكير التي تصنع القائد الناجح، ويقترح عليهم مؤلفه من وحي خبرته الشخصيّة أموراً ينبغي للقادة فعلها - أو تجنُّب القيام بها - للحصول على صيت خالد في التاريخ.

ندى حطيط (لندن)
كتب الحياة على هامش الوحدة

الحياة على هامش الوحدة

ينقسم أبطال المجموعة بين أبطال يتخبطون بحثاً عما يريدونه من الحياة، وآخرين يؤرقهم وعيهم التام بما يريدون، في واقع ضاغط يجعل الأحلام كابوسية لا مسافة بينها وبين الواقع

منى أبو النصر (القاهرة)

«الشارقة الثقافية»: أفريقيا في المدونة الشعرية العربية

«الشارقة الثقافية»: أفريقيا في المدونة الشعرية العربية
TT

«الشارقة الثقافية»: أفريقيا في المدونة الشعرية العربية

«الشارقة الثقافية»: أفريقيا في المدونة الشعرية العربية

صدر أخيراً العدد 95، لشهر سبتمبر (أيلول) 2024م، من مجلة «الشارقة الثقافية»، وقد تضمن مجموعة من الموضوعات والمقالات والحوارات، في الأدب والفن والفكر والسينما والتشكيل والمسرح.

افتتاحية العدد كانت بعنوان «أفريقيا في المدونة الشعرية العربية»، التي أشارت إلى أن أهم ما يميّز الملتقيات الشعرية التي تنظمها الشارقة، هو تعزيز حضور الشعر العربي بكلّ تجلياته في المشهد العالمي، وتحديداً في القارة السمراء، والاحتفاء به كقيمة حضارية وإنسانية جامعة.

مدير التحرير نواف يونس احتفى في مقالته بـ«سعدالله ونوس... علامة فارقة في المسرح العربي»، قال فيها إن ونوس، منذ انطلاقته الأولى في ستينات القرن الفائت، قدم للمسرح العربي أفكاراً وقضايا ترتبط بواقع الإنسان العربي، وإنه لم يتوان أثناء مسيرته أن يعمل في أكثر من موقع صحافي، سجل من خلاله شهادة على إبداعه وقدرته على تقديم صحافة جادة وملتزمة، من دون أن يتخلى عن بحثه الدائم والمستمر عن صيغة جديدة، تؤسس لمسرح عربي حقيقي، على مستوى التأليف والإخراج.

وفي تفاصيل العدد، كتب يقظان مصطفى عن عالم الرياضيات والضوء كمال الدين الفارسي، الذي تميز بمآثر واضحة في نظرية الأعداد والجبر، وحاور حسن الوزاني المترجمة ماري أنيل التي نقلت إلى اللغة السويدية مختارات من الأدب العربي، فيما تناول د. محمد صابر عرب واحة سيوة التي تعتبر لغز الصحراء المصرية، وهي مأهولة منذ العصر الحجري، وقدم حسن بن محمد بانوراما عن مدينة سوسة، التي تعد جوهرة الساحل التونسي، وقد صنفت تراثاً عالمياً من قبل «اليونيسكو».

أما في باب «أدب وأدباء» فتناول علاء عبد الهادي بطولة المكان في أدب نجيب محفوظ، وكتب جمال عبد الحميد عن تشينوا أتشيبي مؤسس الأدب الأفريقي الذي اهتم بأبعاد الشخصية والهوية، وكتبت رويدا محمد عن أحد رموز الأدب العربي الحديث في ليبيا وهو الأديب خليفة التليسي، «الذي ظل وفياً للثقافة العربية وأثرى المكتبة أدباً وشعراً وترجمة». أما عبير محمد فقرأت سيرة الأديب والكاتب أحمد عبد السلام البقالي، «الذي يعد علامة أدبية ثقافية مغربية مميزة»، وتوقف سعيد البرغوثي عند رحيل حسن سامي يوسف، الذي قدم إلى جانب الرواية عشرات الأفلام والأعمال الدرامية.

وقدم طارق الطاهر إضاءة حول وثائق ترى النور للمرة الأولى حول ملف الطالب طه حسين الجامعي، واحتفى عبد الرزاق الربيعي بـ«المنجز الإبداعي والأسلوب الحر للكاتب إسماعيل فهد إسماعيل» في ذكرى رحيله السادسة، وكتب د. أحمد الدوسري عن الكاتب والشاعر صالح الغازي الذي يقدم نموذجاً للرواية الحديثة، وسلط ساسي جبيل الضوء على رواية «موعدنا في شهر آب»، آخر هدية غير متوقعة من ماركيز لقرائه، واستعرض د. محمد خليل محمود إسهامات الأديب عبد الكريم غلاب في مختلف المجالات الفكرية والإبداعية، وغير ذلك.

ونقرأ في باب «فن. وتر. ريشة» الموضوعات الآتية: «فؤاد شردودي... علامة بارزة في التشكيل العربي» لمحمد العامري، و«فتحي محمد قباوة استهواه تشكيل الطين والحفر على الخشب» لعبد الرزاق شحرور، و«صلاح بن البادية... حظي بشعبية داخل السودان وخارجه» لجيهان إلياس، و«القباني وحجازي وسيد درويش رواد المسرح الغنائي العربي» لبادية حسن، و«أحمد إسماعيل من أهم كتاب المسرح وأدب الأطفال» لأديب حسن.

ومن المقالات الأخرى التي نشرتها المجلة: «مع مؤلفات الجاحظ» لأحمد يوسف داود، و«سليم حسن... سائح في مفازة التاريخ والحضارة المصرية» للدكتورة بهيجة مصري إدلبي، و«الرواية في الوطن العربي... رؤية علي الراعي النقدية» لاعتدال عثمان، و«محمود فاخوري... مسيرة حافلة بالـتأليف والبحث» لسلوى عباس، و«أسطورة المعتمد... الملك الشاعر» لخوسيه ميغيل بويرتا، و«سونيا نمر تروي رحلات السندبادة العجيبة» لنبيل سليمان، و«السيد ياسين درس المستقبل أفقاً ودلالة معرفية» لأحمد فرحات، «المبدع... والأسلوب» لعبد العليم حريص، «واسيني الأعرج... البطل لا ييأس» للوركا سبيتي، و«(مفضّليات) أمير تاج السر» لمصطفى عبد الله، و«عز الدين إسماعيل... والشموخ النقدي» بقلم سعيد يقطين، و«تأثير العرب في الفكر الأوروبي»، د. رانيا يحيى، و«حميد قاسم يتناول المنجز الشعري في دراسة أكاديمية» د. حاتم الصكر.