مصر تبدأ 2023 بـ«تعويم إجباري» للجنيه وفائدة 25 %

مستوردون يتلقون خطابات من البنوك بتوفير الدولار بسعر السوق

عملات مصرية من فئات مختلفة أمام عملات دولية (أ.ف.ب)
عملات مصرية من فئات مختلفة أمام عملات دولية (أ.ف.ب)
TT

مصر تبدأ 2023 بـ«تعويم إجباري» للجنيه وفائدة 25 %

عملات مصرية من فئات مختلفة أمام عملات دولية (أ.ف.ب)
عملات مصرية من فئات مختلفة أمام عملات دولية (أ.ف.ب)

تراجع الجنيه المصري أمس الأربعاء، لأدنى مستوى له على الإطلاق أمام الدولار، ليسجل 26.50 جنيه للدولار الواحد، فيما قفزت العقود الآجلة غير القابلة للتسليم 5.5 - 7 في المائة إلى 29.4 - 32.4 جنيه للدولار، كما ارتفعت السندات المصرية الحكومية المقومة بالدولار.
يأمل البنك المركزي المصري، من خلال استمرار خفض العملة المحلية، جمع أكبر حصيلة دولارية قد تكفي للإفراج عن بضائع متراكمة بمليارات الدولارات في الموانئ المصرية، قدرها مجلس الوزراء نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بـ14 مليار دولار، تم الإفراج عن قرابة 6 مليارات دولار منها.
ولكبح التضخم، الذي تخطى 20 في المائة في البلاد، أصدر بنكا الأهلي ومصر، المملوكان للدولة، شهادات ادخارية بعائد سنوي يصل إلى 25 في المائة، صباح أمس، للسيطرة على استمرار ارتفاع الأسعار المتواصل والمتوقع خلال الفترة المقبلة.
تأتي هذه الإجراءات مع سياسة نقدية جديدة يحددها محافظ البنك المركزي المصري حسن عبد الله، الذي جاء خلفاً لطارق عامر، الذي استقال قبل انقضاء مدته أغسطس (آب) الماضي، وفق بيان صحافي وقتها.
وسمح عبد الله بتعويم للعملة أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لتتراجع وقتها بنحو 15 في المائة إلى 24.4 جنيه للدولار الواحد، لكنها لم تفلح في ملء الفجوة الدولارية.

وهذا هو التعويم الثاني، في ولاية عبد الله، بعد موافقة صندوق النقد الدولي منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بمنح مصر قرضاً جديداً بقيمة 3 مليارات دولار، في إطار «تسهيل الصندوق الممتد» الذي تصل مدته إلى 46 شهراً، على أن يتبعها: «تحول دائم إلى نظام سعر صرف مرن، وسياسة نقدية تهدف إلى خفض التضخم تدريجياً، وضبط أوضاع المالية العامة لضمان مسار الدين العام التنازلي، مع تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الضعفاء، وإصلاحات هيكلية واسعة النطاق للحد من تأثير الدولة، وتعزيز الحوكمة والشفافية». وفق بيان الصندوق وقتها. فيما وصف بـ«التعويم الإجباري» للجنيه للحصول على باقي الدفعات.
كانت مصر تسعى للحصول على القرض منذ مارس (آذار) الماضي، بعد أن أدت التداعيات الاقتصادية للحرب الأوكرانية إلى تفاقم نقص النقد الأجنبي، وتراكم البضائع في الموانئ.
وموافقة الصندوق على القرض، ستسمح «بتوفير تمويلات إضافية بقيمة تصل إلى 14 مليار دولار من شركاء دوليين وإقليميين، شاملة موارد تمويلية جديدة من دول مجلس التعاون الخليجي وشركاء آخرين، من خلال عمليات البيع الجارية للأصول المملوكة للدولة، وقنوات التمويل التقليدية من الدائنين الثنائيين ومتعددي الأطراف». وفق رؤية الصندوق، وهو ما تعمل عليه مصر حاليا لحلحلة أزمة الدولار.

خطابات بنكية لتوفير الدولار

في الأثناء، تلقى عدد من المستوردين أمس الأربعاء، خطابات بنكية تفيد بإمكانية تدبير وتوفير الدولار لاستيراد المنتجات، بسعر البنك بعد التعويم. وحددت تلك الخطابات، نسب المساهمة الدولارية من البنك، كل على حسب القطاع وأهميته للمستهلك، والتي كان قد حددها مجلس الوزراء المصري في اجتماعات سابقة، (قطاعات الأغذية ثم الأدوية والبترول ثم المواد الخام وباقي السلع).
وأفاد مصدر مصرفي مسؤولي، رفض نشر اسمه، بأن «عددا من البنوك على استعداد لتوفير الدولار بسعر السوق، للمستوردين، على أن يتم تحديد النسبة التي سيتدبرها البنك وفقاً للقطاع الذي يعمل فيه المستورد». وفق خطاب أرسلته عدة بنوك لزبائنها من المستوردين أمس.
أضاف المصدر: «البنك سيوفر 70 في المائة من احتياجات المستوردين في قطاع الأغذية، مقابل أن يضع المستورد 30 في المائة من عنده، وسيوفر البنك 60 في المائة لقطاعات الأدوية والمواد الخام للمصانع، مقابل أن يضع المستورد 40 في المائة من عنده، وهناك قطاعات 50/50، وهكذا». متوقعا الإفراج عن كافة البضائع في الموانئ المصرية خلال فترة قصيرة، نتيجة هذا التوجه.
كان البنك المركزي المصري قد وجه البنوك، 29 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بإلغاء العمل بنظام الاعتمادات المستندية، وبدء التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية.
بدأ العمل بنظام الاعتمادات المستندية، التي تتطلب فتح المستورد اعتمادا بكامل قيمة الشحنة المستوردة، منذ فبراير (شباط) 2022 في خطوة كانت تهدف إلى وقف التدفقات الخارجة بالعملة الأجنبية. أما مستندات التحصيل، فلا تتطلب أن يدفع المستورد للمورد الأجنبي، كامل قيمة الشحنة إلا مع وصولها الميناء.


شركة صرافة في وسط القاهرة (إ.ب.أ)

كواليس قرار خفض العملة

رغم عدم نجاح عملية التعويم خلال عام 2022، سمح المركزي المصري بتخفيض جديد للعملة في العام الجديد، أمس، وذلك رغما عنه، في محاولة منه للسيطرة على أسعار السلع المنفلتة في السوق، والتي تتغير أسعارها بشكل شبه يومي، وسط موسم أعياد السنة الجديدة ودخول شهر رمضان، وما يتطلبه من توافر سلع غذائية.
وبالنظر إلى بيان للبنك المركزي في 27 ديسمبر (كانون الأول)، ورصده «قيام البعض بتداول السلع داخل مصر بالعملات الأجنبية، وتأسيس شركات ذات طبيعة خاصة خارج البلاد تقوم بالوساطة خصوصاً في مجالي التصدير والسياحة، تستهدف الاحتفاظ بالنقد الأجنبي خارج البلاد والتعامل فيه خارج الإطار القانوني». أوضح مصدر لم يرد الإفصاح عن هويته، أن قرارات المركزي أمس، جاءت «لاستكمال قرارات سابقة لضرب السوق السوداء».
قال المصدر، الذي يعمل مع جهات استيرادية مصرفية حكومية وخاصة، إن «البنك المركزي رصد تصدير كمية كبيرة من الذهب الخام ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ولم يتم وضع الحصيلة الدولارية في البنوك، بل تم استبدالها بسلع استهلاكية وغذائية مع مستوردين في الخارج بسعر دولار السوق السوداء، وهو ما رفع أسعار الذهب والسلع لمستويات كبيرة». وأضاف، أن «المركزي وجد نفسه أمام عملية تعويم إجباري لضرب السوق السوداء وبالتالي ضبط السوق والتحكم في الأسعار».
ووصف البنك المركزي وقتها هذه الممارسات بأنها «تستهدف زعزعة الاستقرار النقدي والمالي للبلاد، وكذا محاولة تحقيق أرباح سريعة بطرق غير مشروعة».
ورغم ذلك أفاد المركزي المصري يوم الثلاثاء، بأن صافي احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية ارتفع إلى 34.003 مليار دولار في ديسمبر (كانون الأول) من 33.332 مليار دولار في نوفمبر (تشرين الثاني).

القطاعات الإنتاجية هي الحل

ينظر إلى الاقتصاد المصري حاليا على أنه يحتاج حلا جذريا لعدم تكرار أزمة الدولار من جديد، وسط اضطرابات عالمية تهدد الاقتصاد الدولي، ومن ثم تنعكس سلبا على الاقتصاد المصري. وفي هذا الإطار أكدت وزيرة التخطيط المصري هالة السعيد، أمس، على أهمية التركيز على القطاعات الإنتاجية الثلاثة التي تستطيع مساندة الاقتصاد، وهي قطاعات: الصناعة والزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وهو توجه البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية الذي يقوم على زيادة الوزن النسبي لتلك القطاعات.
أضافت السعيد، خلال مناقشتها خطة التنمية المستدامة متوسطة المدى في العام الثاني منها 23/2024، أن «الاقتصاد الحقيقي والقطاعات الإنتاجية هي الأساس في الاقتصادات لمواجهة أي أزمات».
يأتي هذا في الوقت الذي قال فيه البنك الدولي، إن نسبة الدين قصير الأجل من الدين الخارجي في مصر، ارتفع من 9.9 في المائة بنهاية يونيو (حزيران) 2021، إلى 17.1 في المائة بنهاية يونيو الماضي. وعلى مصر سداد ما يزيد عن 42 مليار دولار فوائد وأقساط دين في العام المالي الحالي، مقارنة بـ26 مليار العام المالي الماضي.


مقالات ذات صلة

الدولار… صداع مزمن يقض مضاجع المصريين

شمال افريقيا مصريون يسيرون أمام مكتب صرافة في القاهرة (أ.ب)

الدولار… صداع مزمن يقض مضاجع المصريين

تنعكس أي زيادة في سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري بصورة مباشرة على زيادة أسعار السلع والخدمات، في ظل اعتماد مصر على مواد مستورَدة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد عمليات تطوير وإنشاء مبانٍ حديثة بوسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

القطاع الخاص المصري يواصل الانكماش رغم ارتفاعه في أكتوبر

واصل أداء القطاع الخاص غير النفطي في مصر تراجعه في أكتوبر، وذلك في وقت تسببت ضغوط التكلفة المرتفعة في كبح أحجام الطلبيات الجديدة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا والوفد المرافق (رئاسة الجمهورية)

مصر: المراجعة الرابعة لبرنامج صندوق النقد تبدأ الثلاثاء

قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، اليوم (الأحد)، إن المراجعة الرابعة لبرنامج صندوق النقد الدولي مع البلاد ستبدأ يوم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكريستالينا غورغييفا مديرة صندوق النقد (أرشيفية - رويترز)

السيسي يدعو مديرة صندوق النقد إلى «مراعاة التحديات»

أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن تطلع بلاده لاستكمال التعاون مع صندوق النقد الدولي، والبناء على ما تَحقَّق «بهدف تعزيز استقرار الأوضاع الاقتصادية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

«فيتش» ترفع تصنيف مصر إلى «بي» لأول مرة منذ 5 سنوات

رفعت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، للمرة الأولى منذ مارس (آذار) عام 2019، تصنيف الديون طويلة الأجل لمصر بدرجة واحدة من «B -» إلى«B»، مشيدة بعدد من التحسينات.


النرويج تثبت الفائدة عند أعلى مستوى منذ 16 عاماً

مبنى البنك المركزي النرويجي في أوسلو (رويترز)
مبنى البنك المركزي النرويجي في أوسلو (رويترز)
TT

النرويج تثبت الفائدة عند أعلى مستوى منذ 16 عاماً

مبنى البنك المركزي النرويجي في أوسلو (رويترز)
مبنى البنك المركزي النرويجي في أوسلو (رويترز)

أبقى البنك المركزي النرويجي على أسعار الفائدة دون تغيير عند أعلى مستوى في 16 عاماً عند 4.50 في المائة يوم الخميس، كما توقع المحللون بالإجماع، في استطلاع أجرته «رويترز»، وأكد البنك المركزي أنه سيظل على حاله حتى نهاية العام.

وقال البنك في بيانه: «ترى اللجنة أنه من الضروري تطبيق سياسة نقدية تقييدية من أجل خفض التضخم إلى المستوى المستهدف ضمن إطار زمني معقول»، وفق «رويترز».

ويختلف النهج النقدي للبنك المركزي النرويجي عن سياسات البنوك المركزية الغربية الأخرى، مثل البنك المركزي الأوروبي، وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وبنك إنجلترا، والبنك المركزي السويدي، التي بدأت جميعها في خفض أسعار الفائدة خلال هذا العام.

وفي وقت سابق من يوم الخميس، خفض البنك المركزي السويدي سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، كما كان متوقعاً، وأشار إلى أنه قد يخفض السعر مرة أخرى في ديسمبر (كانون الأول) 2024، وفي النصف الأول من عام 2025، إذا استمرت التوقعات الاقتصادية والتضخمية كما هي.

وفي السياق ذاته، ذكر بنك النرويج أن التوقعات الاقتصادية للبلاد لم تتغير بشكل ملحوظ منذ اجتماعه الأخير في سبتمبر (أيلول)، حينما توقع أن تبدأ الأسعار في الانخفاض خلال الربع الأول من عام 2025.

وقالت محافظة بنك النرويج، إيدا وولدن باتشي، في البيان: «من المرجح أن يبقى سعر الفائدة عند 4.5 في المائة حتى نهاية عام 2024». وأضاف البنك: «ستحصل اللجنة على مزيد من المعلومات حول التطورات الاقتصادية قبل اجتماع السياسة النقدية المقبل في ديسمبر (كانون الأول)؛ حيث سيتم تقديم توقعات جديدة».

وفي السوق، ارتفعت الكرونة النرويجية بنسبة 0.17 في المائة مقابل اليورو، لتسجل 11:79 عند الساعة 09:44 (بتوقيت غرينتش)، مقارنة بـ11.81 قبل الإعلان مباشرة.

وأشار الخبراء الاقتصاديون إلى أن التضخم في النرويج كان أقل قليلاً من المتوقع منذ سبتمبر، لكن ضعف العملة النرويجية قد يسبب ضغوطاً تصاعدية محتملة على أسعار المستهلك، لا سيما مع ارتفاع أسعار الفائدة في السوق. ويجعل ضعف الكرونة الواردات أكثر تكلفة، في حين أن العملة الأقوى يمكن أن تساعد في الحد من التضخم.

وكان التضخم الأساسي في النرويج قد انخفض إلى 3.1 في المائة على أساس سنوي في سبتمبر، مستمراً في التراجع بعد بلوغه ذروته عند 7 في المائة، في يونيو (حزيران) 2023. رغم أنه لا يزال أعلى من الهدف الرسمي للبنك المركزي الذي يبلغ 2 في المائة.