كيف يتفادى العالم خطر عودة انتشار «كوفيد-19» في الصين؟

في ظل نقص البيانات المقدمة من بكين

الصين فككت قيود احتواء الفيروس الشهر الماضي (أ.ب)
الصين فككت قيود احتواء الفيروس الشهر الماضي (أ.ب)
TT

كيف يتفادى العالم خطر عودة انتشار «كوفيد-19» في الصين؟

الصين فككت قيود احتواء الفيروس الشهر الماضي (أ.ب)
الصين فككت قيود احتواء الفيروس الشهر الماضي (أ.ب)

بينما تشهد الصين ارتفاعاً في أعداد إصابات «كوفيد-19»، بعد سنوات من قيود الاحتواء المتشددة عبر سياسة «صفر كوفيد» التي تم تفكيكها الشهر الماضي، فإن هناك شعوراً متزايداً بالقلق، بسبب نقص البيانات المتعلقة بتفشي المرض والمتحورات السائدة هناك، الأمر الذي يثير مخاوف بشأن كيفية التعامل عالمياً مع مشكلة «مجهولة البيانات».
واعترفت بكين في وقت سابق بأن حجم تفشي المرض أصبح «مستحيلاً» تعقبه، بعد انتهاء الاختبارات الجماعية الإلزامية الشهر الماضي. وأمام هذا الوضع «المرتبك» وقلة البيانات، فرضت أكثر من دولة –منها: الولايات المتحدة، واليابان، والهند، وأستراليا، وكندا، وفرنسا، وبريطانيا- قيوداً على الوافدين من الصين، تتضمن «ضرورة إجراء اختبار سلبي للمرض قبل 48 ساعة من موعد الوصول». واتخذت دول أخرى -مثل المغرب- إجراء أكثر «تشدداً»، بعدم استقبال أي مسافر قادم من الصين. غير أن هذا الإجراء يراه بعض الخبراء مدعماً لـ«حالة الضبابية التي يعيشها العالم، في ظل نقص البيانات التي تقدمها الصين».
وتقول ديفي سريدهار، رئيسة قسم الصحة العامة العالمية في جامعة إدنبره البريطانية، في مقال نشرته، الثلاثاء، بصحيفة «الغارديان»: «تقديم دليل على وجود اختبار سلبي يعني أن هناك عدداً أقل من الحالات الإيجابية سيكون موجوداً على الرحلات الجوية، وهو إجراء يهدف لمنع انتقال الفيروس داخلياً، ويكون مقبولاً عندما تكون الحالات المحلية منخفضة». وتضيف: «في صيف 2020 عندما كانت أعداد الحالات منخفضة في بعض الدول، كان من المنطقي فرض سياسات صارمة لمنع استيراد الفيروس؛ لكن اليوم أصبح الفيروس مستوطناً في كثير من الدول، وهذا لا يعني أنه غير ضار؛ لكنه يعني أنه من غير المحتمل أن تتأثر أعداد الحالات بالحالات الجديدة المستوردة، وبالتالي فإن اختبار الركاب على الرحلات القادمة من أجل تقليل عدد الحالات المحلية، ليس منطقياً في ظل هذا الموقف».
وترى سريدهار أن إلزام المسافرين بتقديم نتيجة اختبار سلبي، تحرم العالم -في ظل ضعف البيانات الواردة من الصين- من اكتشاف المتغيرات الجديدة التي يمكن أن تكون أكثر قابلية للانتقال، أو تتهرب من المناعة. وتقول إنه «في حين أنه من المستحيل إيقاف انتشار متغير جديد تماماً، فإن الكشف السريع عن متحور جديد يمكن أن يساعد في تأخير انتشاره، وتوفير بيانات قيمة حول أفضل السبل للاستجابة له. وبالتالي فإن إجراء اختبارات للمسافرين يمكن أن يساعد في ذلك، ولكن إجبارهم على إجراء اختبارات قبل السفر تثبت سلبية عيناتهم، يحرم العالم من هذه الميزة».
وتوضح سريدهار أن «اختبار كل شخص عند وصوله ليس ضرورياً لهذا الغرض، وسيكون أخذ عينات عشوائية من الركاب القادمين من الصين كافياً لمراقبة المتغيرات الجديدة، ومعرفة ما إذا كانت هناك متحورات جديدة قد ظهرت. ويمكن أيضاً إجراء المراقبة من خلال اختبار مياه الصرف الصحي على الطائرات الدولية؛ حيث تشير المياه العادمة التي يتم التخلص منها في مراحيض الطائرة إلى المتغيرات التي قد يحملها الركاب».
ويتفق هلال فؤاد حته، أستاذ مساعد الميكروبيولوجيا الطبية والمناعة بكلية الطب، جامعة أسيوط (جنوب مصر)، مع ما ذهبت إليه سريدهار. ووصف إلزام المسافرين بتقديم نتيجة اختبار سلبية، بأنه «إجراء لا معنى له»؛ حيث كشفت دراسات سابقة في مرحلة مبكرة من الوباء عن وجود حالات إيجابية للفيروس بين ركاب الطائرات، بعد تحليل مياه الصرف الصحي على متن الطائرة، بينما كان الركاب يحملون شهادات تثبت أن اختباراتهم سلبية.
ويرى حته أنه «بعد مرور 3 سنوات على الجائحة، ونجاح معظم الدول في بناء جدار المناعة تجاه الفيروس، من خلال مزيج من اللقاحات وموجات كبيرة من العدوى، فإنه على الأرجح حتى في حال ظهور متغير جديد، أن يكون العالم مهدداً بخسارة كل ما حققه من تقدم؛ لكن هذا لا يعني ألا تظل الأعين مفتوحة باستمرار ويتم تقييم الوضع باستمرار، بناء على بيانات جديدة يتم على أساسها وضع سياسات مناسبة». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «مع الأسف، إن إلزام المسافرين بتقديم نتائج اختبارات سلبية يحرمنا من المعرفة والبيانات، وبالتالي لن تتمكن دول العالم من الاستجابة السريعة للمخاطر الصحية المستقبلية، وبالتالي سنظل نعيش في حالة دائمة من الذعر والقلق».



تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».