المقص بالنسبة إليه ليس «أداة قطع»، بل «وسيلة وصل» مع فنه الفريد الذي اكتشفه صدفة وهو طفل صغير، يلهو فوق سطح منزله القديم بحي السيدة زينب العريق بالقاهرة. يومها منحته الصدفة أجمل هدايا حياته، وشكّل الضوء والظلال مسيرته الفنية لأكثر من خمسة عقود تالية.
إنه الفنان المصري نوبي بديع (66 عاماً) الذي يبدو مختلفاً حتى في مظهره. فهو يحرص دائماً على اعتمار القبعة الغربية، حتى يحسبه كثيرون للوهلة الأولى فناناً أجنبياً، لكنه عندما يتحدث بتلقائيته وبساطة «أبناء البلد»، تكتشف فيه إنساناً مُشبعاً بحكايات الحي الشعبي الذي نشأ فيه، وفناناً مغموساً في اكتشاف آفاق ذلك الفن الجديد الذي ابتكره وطوّره، ولا يزال يسعى إلى نشره وتوثيقه، بل يحلم بتعليمه للأطفال كي لا يندثر من بعده.
الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز (بريشة الفنان نوبي بديع)
يقول نوبي في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، متحدّثاً عن ذلك الفن الفريد الذي اقترن باسمه، ونظّم من أجله الكثير من المعارض الفنية: «إن بداية اكتشاف موهبته جاءت بالصدفة، عندما كان يلهو بقصّ بعض الأوراق وهو طفل صغير، فإذ بطائرة تمر في السماء. رفع الورقة لتحجب ضوء الشمس عن عينيه كي يتمكن من مشاهدة الطائرة العابرة، فإذا بالضوء المتسلل عبر ورقته المقصوصة يصنع شكلاً فنياً أقرب إلى وجه إنسان. ومن لحظتها وهو مهووس بمطاردة الظلال عبر قص الأوراق والجلد، وتحويلها إلى لوحات فنية بأسلوب الخط الواحد، أي إن اللوحة كلها متصلة، والفراغات بها تتقاطع في نقاط محدودة».
الشيخ زايد" أول رئيس لدولة الإمارات (بريشة نوبي بديع)
وحول دراسته للفن بعد اكتشافه لموهبته، يقول الفنان نوبي بديع إنه لم يدرس الفن بل حرص على أن يبقى الأمر هواية يستمتع بها، لكنه استفاد كثيراً من شقيقه الأستاذ بكلية الفنون الجميلة، الذي شجَّعه على الاستمرار في ممارسة فنه التلقائي، دون التقيد بنظريات أكاديمية يمكن أن تعوق ذلك الفن المختلف عن الفنون التشكيلية التقليدية.
ويضيف: «بالفعل انطلقت في العمل، أحوّل كل الأفكار في رأسي إلى لوحات من الورق والجلد المقصوص، واستطعت تقديم مئات اللوحات من هذا الفن. فيكفي أن أنظر إلى وجه شخص ما للحظات وأختزن صورته في رأسي، ثم تبدأ أصابعي في العمل باستخدام المقص، لتتحول الصورة إلى لوحة مفرغة، يمكن عرضها منفردة، أو باستخدام الضوء في تكبيرها».
الملكة البريطانية الراحلة "إليزابيت الثانية" (بريشة نوبي بديع)
وعن اهتمامه برسم بورتريهات لزعماء مصر والعالم، من الجلد المقصوص، يقول الفنان نوبي بديع إنه يعشق بالفعل فن البورتريه، ولكن ليس بصورته التقليدية. وإنه يختار من يرسمهم من الزعماء، بناءً على مشاعره الخاصة وتقديره لسيرتهم وإنجازاتهم. لذلك قدم لوحات من الجلد لمعظم الزعماء في مصر، كمحمد علي باشا، والرؤساء جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك، وصولاً إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي حوّل صورته أخيراً من بورتريه من الجلد إلى لوحة من الحديد، وهي المرة الأولى -حسب بديع- التي تُستخدم فيها هذه التقنية، حتى إنه يمكن عرض البورتريه في ميدان عام، أو على جدارية ضخمة باستخدام تقنية الضوء والظلال، دون أن تتضرر اللوحة الأصلية بسبب عوامل الجو، ويشير إلى أن هناك تنسيقاً جارياً حالياً مع قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية لتبني هذا المشروع.
سلطان عمان الراحل "السلطان قابوس" (بريشة نوبي بديع)
ويضيف نوبي أنه رسم كذلك بورتريهات لقادة وملوك دول عربية عزيزة على قلبه، في مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عُمان. وقدم بورتريهات للملك عبد العزيز آل سعود، والملك فهد، والملك خالد، وأمير الكويت الشيخ الجابر الصُباح، والسلطان قابوس، إضافة إلى بورتريهات لملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية والملك تشارلز والأميرة ديانا، وغيرهم كثيرون.
ويشير بديع إلى أن أول معارضه جاء بالصدفة عندما شاهد محافظ الجيزة لوحاته في ثمانينات القرن الماضي، فمنحه مرسماً دائماً بحديقة الحيوان بالجيزة، ومكافأة شهرية قدرها 90 جنيهاً. لكن سعادته الحقيقية كانت في رسم وجوه الأطفال من رواد الحديقة.
أمير الكويت الراحل "جابر الصباح" (بريشة نوبي بديع)
ويضيف أنه نظَّم بعد ذلك عشرات المعارض الفنية للوحاته، والتي تطورت من فن البورتريه إلى أن تكون فناً تشكيلياً خالصاً، ولوحات ملونة عبر تقنيات خاصة طورها ذاتياً.
ويتابع الفنان نوبي بديع القول إنه حوّل مرسمه في وكالة الغوري بالقاهرة القديمة إلى معرض مفتوح وورشة تدريبية لمن يريد أن يتعلم هذا الفن مجاناً، لأن حلمه أن يبقى هذا الفن، وينقله إلى الأطفال والشباب حتى لا يندثر من بعده.
الرئيس المصري الراحل أمور السادات (بريشة نوبي بديع)