عالم الموضة يرقص على دقات طبول أفريقيا

شانيل.. المكان أفريقي والتشكيلة باريسية

نظرة المصممة حيادية بنكهة باريسية - الأبيض والأسود عوض الألوان الأفريقية الصاخبة - من عرض شانيل - من تصميمات دانكل إينامو خلال أسبوع داكار
نظرة المصممة حيادية بنكهة باريسية - الأبيض والأسود عوض الألوان الأفريقية الصاخبة - من عرض شانيل - من تصميمات دانكل إينامو خلال أسبوع داكار
TT

عالم الموضة يرقص على دقات طبول أفريقيا

نظرة المصممة حيادية بنكهة باريسية - الأبيض والأسود عوض الألوان الأفريقية الصاخبة - من عرض شانيل - من تصميمات دانكل إينامو خلال أسبوع داكار
نظرة المصممة حيادية بنكهة باريسية - الأبيض والأسود عوض الألوان الأفريقية الصاخبة - من عرض شانيل - من تصميمات دانكل إينامو خلال أسبوع داكار

عندما تُذكَر أسابيع الموضة فإن اسم السنغال لا يخطر على بال سوى قلة قليلة من متابعي الموضة، لكن في شهر ديسمبر الماضي عرف الجميع أن لها أسبوعاً عمره 20 عاماً. الفضل يعود لدار «شانيل» التي قررت أن تشدّ الرحال إلى العاصمة داكار لعرض تشكيلتها لعام 2023 من خط «ميتييه داغ».
الأسبوع السنغالي يُنظمه أداما نديايي؛ وهو مصمم من أصول سينغالية يعيش في فرنسا، حيث أسس علامته «أداما باريس». كانت بداخله رغبة جامحة للتعريف بثقافته وفتح الأبواب لأبناء جلدته ليُعبروا عن مواهبهم وخبراتهم في كل المجالات الفنية، وليس فقط الأزياء. فالأسبوع السنغالي أقرب إلى مهرجان صاخب بالموسيقى والأدب، منه إلى أسبوع موضة تقليدي. عروضه تحتفل بكل ما هو محلي وأصيل، وكأن مصمِّميه خائفون على إرثهم من التلاشي والتناسي. فأفريقيا كانت ولا تزال منجم إلهام للكثير من المصممين العالميين، وليس علينا إلا أن نذكر اسم إيف سان لوران أو جون غاليانو، أو الإيطالي أنطونيو ماراس، لكي نتذكر مدى قوة ألوانها وثراء ثقافتها، لكن كل هذا لم يعد كافياً لأبنائها، ولا سيما في السنوات الأخيرة مع ظهور حركات متمردة على كل ما يمُت بصلة إلى العهد الاستعماري بكل ما يتضمنه من تعالٍ أو استغلال. بالنسبة لهؤلاء فإن قوة أفريقيا تكمن في إبداع أبنائها، وتتعدى تنوعها الكبير أو كونها سوقاً مهمة.

هناك نهضة في صناعة الموضة الأفريقية تتمثل في ازدياد أسابيع العروض التي يجري تنظيمها (أ.ف.ب)

وبالفعل فرضت أسماء نفسها على الساحة العالمية من خلال تعاونات مع شركات كبيرة. المصمم ريتش منيسي مثلاً تعاون مؤخراً مع «أديداس» التي طرحت مجموعة أزياء وإكسسوارات تعكس ثقافته وإرثه الأفريقي. هناك أيضاً اهتمام دول أفريقية لاستعراض مهارات مصمِّميها المحليين بتنظيمها أسابيع موضة، نذكر منها، على سبيل المثال، أسبوع جنوب أفريقيا، الذي احتفل مؤخراً بدورته الـ41، وأسبوع أكرا بعامه الـ6، وأسبوع لاغوس الذي تأسس في عام 2011.
لكن بالرغم من جغرافية القارة السمراء الشاسعة وما تُجسده من تنوع ثقافي، وبالرغم من ارتفاع أصوات مؤثرة مثل صوت ناعومي كامبل تطالب بردّ الاعتبار لها، ومجلة «فوغ» بمنح عارضات أفريقيات فُرصاً ليتصدرن أغلفتها، فإن دار «شانيل» الفرنسية هي التي نجحت في تسليط البريق على تنامي اهتمام صُناع الموضة بالقارة السمراء. اهتمام بدأ منذ سنوات، ووصل إلى ذروته في 2022؛ العام الذي تناسوا فيه تعهداتهم ووعودهم خلال جائحة كورونا، بالتخفيف من عدد التشكيلات التي كانوا يعرضونها في الماضي، ومن السفر إلى وجهات بعيدة حفاظاً على البيئة. ما إن فتحت أبواب السفر حتى عادوا إلى سابق عهدهم وكأن شيئاً لم يكن. بالعكس، زادت الشهية على استكشاف أماكن بعيدة، والإقبال على الموضة بكل أنواعها، المستدامة والسريعة على حد سواء. لسان حال المستهلك يقول إن الجائحة علّمته أن الحياة قصيرة ويجب الاستمتاع بكل دقيقة فيها. أما بالنسبة لصُناع الموضة، فإن النموذج القديم لا يزال هو المألوف لديهم، وهو الذي يضمن لهم إيرادات تعوّدوا عليها، ومن الصعب أن يتنازلوا عنها بسرعة. لم يجرِ تقليص عدد التشكيلات الموسمية، ولا الأسفار، بل يمكن القول إنها زادت. توجه «شانيل» إلى داكار؛ عاصمة السنغال لعرض تشكيلتها الخاصة بـ«ميتييه داغ»، أكبر دليل على هذا. بل يمكن القول إنها وجهة تثير بعض التساؤلات.

لم تستلهم مصممة شانيل من ألوان أو نقشات أفريقيا وظلت وفية لأسلوب الدار (صورة خاصة من شانيل لـ{الشرق الأوسط})

فقد جرت العادة أن تتوجه بيوت الأزياء إلى وجهات جديدة وبعيدة عندما تكون لها نية في افتتاح محالّ فيها أو هناك تعاونٌ ما بينهما، أو تعرف مسبقاً أن السوق في هده الوجهة ستنتعش قريباً، ومن ثم تريد أن تستقطب زبائنه. وفي حالة «شانيل» فإنها أيضاً عوّدتنا نسج قصص مثيرة تربطها بأية منطقة تزورها، لكنها لا تنوي افتتاح محل في داكار قريباً، ولم يربطها بالمكان أي خيط، حيث إن الآنسة غابرييل شانيل لم تُفكر يوماً بزيارتها، كما لم تستلهم من ثقافتها، بل ربما يكون في الأمر بعض المخاطرة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العيون متفتحة على أية هفوة قد يُفسرها البعض بالميز العنصري. ثم إن أي تفصيل تفوح منه رائحة إمبريالية يمكن أن يثير الكثير من الجدل تحت شعار «حياة السود مهمة»، خصوصاً أن السنغال كانت من المستعمرات الفرنسية.
كل هذه المخاوف ذابت بعد العرض، وتأكد للجميع أنه لا خوف على «شانيل» من هذا، فهي تُتقن فنون المراوغة إتقانها فنون السحر والجاذبية. راعت أن تنظم عرضها على ذيل أسبوع السنغال، فساهمت في جعله بمثابة عُرس طويل احتفل فيه السنغاليون، ومعهم العالم، بالثقافة والموسيقى والأدب. والأهم من هذا منحتهم إحساساً بالاعتزاز لأن أنظار العالم توجهت إليهم. من الناحية الفنية أيضاً حرصت على أن لا تثير أي جدل يمكن تفسيره بشكل سلبي. لم تستقِ مصممة الدار فيرجيني فيار أي شيء من ألوان أفريقيا الدافئة، باستثناء القليل من النقشات التي زيّنت الأكمام حيناً، أو الصدر حيناً آخر. ظلت نظرتها حيادية، وأسلوبها فرنسياً، لوناً وشكلاً. لم تُكلف نفسها حتى عناء التعاون مع حرفيين محليين. كانت رسالتها واضحة وهي أن انتقالها بخط «ميتييه داغ» لأية وجهة هو أولاً وأخيراً لاستعراض مهارات حرفيّي ورشات «شانيل» المتخصصة في التطريز والترصيع والحياكة مثل لوساج ولومارييه وغيرهم، وهذا ما جعل المكان أفريقياً، والتشكيلة فرنسية خالصة تختزل كل الجماليات التي تُبدعها الدار، بدءاً من التايورات، إلى فساتين المساء والسهرة والكوكتيل وغيرها.
باستثناء نية «شانيل» العودة إلى داكار، هذا الشهر، لفتح حوار مع حرفيّيها ونقل خبرة ورشاتها المتخصصة، فإنك تستنتج أن هدفها من اختيار الوجهة لم يكن سوى جذب المزيد من الأنظار والتساؤلات، تماماً مثلما حصل عندما توجهت منذ بضع سنوات إلى كوبا. فهذه الأخيرة أيضاً لم تكن معروفة بصناعة الموضة، ومع ذلك حققت للدار ما كانت ترغب فيه من تغطيات مجانية لا تُقدَّر بثمن، سلطت الضوء على مهاراتها ورسخت مكانتها عالمياً كدار أزياء جريئة في اختياراتها وواثقة من قدراتها. ثم لا ننسى أن هناك تشابهاً كبيراً بين تجربتيْ كوبا وداكار. فعدا أن الدار لم تكن تنوي افتتاح محالّ جديدة في أي منهما، هناك الصعوبة اللوجيستية التي لا يمكن تجاهلها، من توفير فنادق خمس نجوم تليق بضيوفها الـ850 (في داكار) والذين كان من بينهم فاريل ويليامز، ويتني بيك وغيرهما، إلى سرعة الإنترنت وأهميتها للحصول على التغطيات.
وفق تصريح لرئيسها التنفيذي برونو بافلوفسكي، فإن التجربة يمكن أن تشكل نموذجاً لتعاون مختلف يرتكز على تبادل ثقافي وخبرات مختلفة في حقبة تحتفي بالاختلاف «إذ من الصعب أن تكون مبتكِراً وأنت واقف في مكان واحد»، وفق قوله.

خطوات بسيطة رسّخت أقدام أفريقيا في عالم الموضة

> في شهر فبراير (شباط) الماضي، تصدرت وجوه 9 عارضات أفريقيات غلاف مجلة «فوغ» النسخة البريطانية. أثار الغلاف الكثير من الجدل الإيجابي صَبّ في صالح كل من رئيس تحرير المجلة إدوارد إيننفول، والمصور رافائيل بافاروتي. كانت الفكرة جديدة وجريئة في الوقت نفسه، رغم أن البعض انتقد اللون الأسود الذي استعمل في «الفوتوشوب» لجعل بعضهن أكثر سواداً مما هُنّ عليه في الحقيقة.
> في شهر يونيو (حزيران) نظم متحف «فكتوريا أند ألبرت» ولأول مرة في تاريخه منذ 170 عاماً، معرضاً يتتبع تاريخ الموضة الأفريقية من بدايتها إلى اليوم. ويشمل المعرض الذي يمتد إلى شهر أبريل المقبل، شتى أنواع فنون الموضة من الأقمشة والرسمات والموسيقى وغيرها.
> في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، جرى ترشيح النيجيري أديجو تومسون لجائزة «وولمارك» الأسترالية، التي سيُعلن عن الفائز بها في شهر أبريل (نيسان) المقبل. قوة المصمم تكمن في اهتمامه بصناعة الأقمشة وإتقانه تقنيات الدباغة التي يستعملها كوسيلة للحفاظ على تقاليد متوارثة في هذا المجال، علماً بأن مصممين أفارقة آخرين مثل كينيث إيزي من نيجيريا، وثيبي ماغاغو من جنوب أفريقيا كانا من بين المرشحين للجائزة في عام 2021. تجدر الإشارة هنا إلى أن ثيبي ماغاغو تعاون، هذا العام، مع كل من «ديور» و«أديداس»، إلى جانب دار «فالنتينو».


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)
اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)
TT

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)
اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون كشفها. هدفه أن يُشكِلها بأسلوب يمنح المرأة الثقة من دون أن يحرمها من إحساسها بأنوثتها. صحيح أن بعضها يتسم ببعض الجرأة، إلا أن ما يشفع له فيها أنه نجح في ضخها بحقنات مناسبة من العصرية والديناميكية من خلال فنية تظهر حيناً في الأكمام وحيناً آخر في التنورات والجوانب وغيرها.

لعب المصمم على الأنوثة ليرسم لوحة مفعمة بالأنوثة الطاغية والراقية في الوقت ذاته (خاص)

اللافت فيها أيضاً أنها بالرغم من تفاصيلها وكشاكشها وطياتها، مريحة. يشرح المصمم أنه راعى فيها أن تمنح المرأة حرية الحركة «فمن دون حركة وراحة لا يمكن للمرأة أن تبدو ساحرة وواثقة من نفسها» حسب رأيه. ويُبرر أن الجرأة التي اعتمدها محسوبة، بدليل أنها قد تقتصر على الأكمام ولا تركز على إبراز مفاتن الجسد بشكل واضح.

اعتمد المصمم على الألوان الأحادية المتوهجة وكأنه يريد استعمالها بوصفها مضاداً لرمادية الشتاء (خاص)

اختارها ألا تكون صادمة، بل فنية لإضفاء مزيد من الأناقة الفنية على كل قطعة. فكل قطعة في التشكيلة لها شخصيتها الخاصة. أرداها أن تتكلم بلغة تفهمها المرأة التي ستختارها، معتمداً كلياً على التفاصيل، سواء كانت هذه التفاصيل على شكل طيات من لون القماش، أو ثنايا تتلوى على جانب معين، أو فتحات تغازل العين.

يكمن جمال الفساتين في تفاصيلها وأنوثتها من دون أن تكشف الكثير من مفاتن الجسد (خاص)

هذه الرؤية، ينفذها المصمم فؤاد سركيس بألوان متوهجة وواضحة، تكسر الصورة النمطية التي ارتبطت بألوان الخريف والشتاء. بالنسبة له، فإن الألوان الغنية تلعب دوراً محورياً في ضخ التصاميم بالديناميكية التي ينشدها. «فكل لون هنا يضفي قيمته على الزي، سواء تلوّن بالأخضر الزمردي أو الفوشيا النابض بالحياة أو الأحمر الناري أو الأزرق النيلي أو الأسود وغيرها من الألوان الطبيعية الأخرى».