في مدينة باخموت الأوكرانية التي مزّقتها الحرب، يطلب قائد جهاز الإطفاء من عناصر فريقه الاصطفاف أمام علم أوكراني معلّق على جدار وحوله زينة عيد الميلاد، ويتمنّى لهم عاماً جديداً سعيداً.
بالنسبة إلى عناصر الإطفاء التسعة المتمركزين بشكل دائم في مركز الإطفاء وسط المدينة، كان عاماً صعباً؛ فهم يؤدّون مهمّتهم في منطقة دونيتسك في شرق البلاد، حيث تقع مدينة باخموت التي أصبحت مركزاً للقتال.
لكن قائدهم أوليكسي ميغرين ذا الطبع الطيب والمرح، لا يشتكي غالباً. ويقول لفريقه إن «سنة 2022 كانت قاسية على المستوى الشخصي، وقاسية بالنسبة لأوكرانيا. انتبهوا لأنفسكم، لا تنسوا أن عائلاتكم تنتظركم. العام المقبل سننتصر». وختم خطابه بالقول: «المجد لأوكرانيا». وعلى غرار عناصر الإطفاء في المركز، يعتبر أن الوضع «صعب» في المدينة التي شكلت جبهة قتال مهمّة، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها. منذ أكثر من ستة أشهر، تحاول القوات الروسية وعناصر مجموعة فاغنر الخاصة السيطرة على المدينة لكن دون جدوى، مما تسبب بأضرار فادحة لكلا الجانبين، إضافة إلى دمار لا يمكن أن تصوّره.
باخموت التي كانت ذات يوم «مدينة جميلة مليئة بالأزهار والأشجار»، وحيث كان يعيش نحو 70 ألف شخص قبل اندلاع الحرب في فبراير (شباط) 2022. باتت تشبه حالياً أرضاً قاحلة.
«أقبيتهم هي كل ما تبقى لهم»
تقول ناديا بيتروفا، وهي ربّة عائلة تعيش منذ أشهر في قبو منزلها: «لم يعد هناك مدينة في الخارج». وبحسب قائد جهاز الإطفاء، لا يزال آلاف المدنيين ربما عشرة آلاف، يعيشون في ظروف رهيبة. ويوضح أنه «ليس لديهم سبل للمغادرة. منازلهم مدمّرة، أقبيتهم هي كل ما تبقى لهم».
يختصر عناصر الإطفاء التسعة في المركز يوميّاتهم ببضع كلمات: «إزالة الألغام، إخلاء (مواقع)، إخماد نيران، توفير المياه، رفع الحطام».
ومن جانبه، يقول المسؤول الثاني في المركز نيكيتا نيديلكو إن عناصر آخرين من مراكز في المنطقة يأتون يومياً لمساندة جهاز باخموت، لكن «لا يمكن أن يكون لدينا عدد كبير من العناصر متمركز في المكان نفسه، إنه لأمر خطير للغاية ومرهق جداً».
يؤدي العناصر مهمّتهم بالتناوب لمدة يومين، ثمّ يمضون يوماً خارج باخموت في مدن أكثر «أماناً»، مثل كونستانتينوفسكا الواقعة على بعد بضعة كيلومترات من هنا.
ومنذ بداية الغزو الروسي، قُتل 11 عنصر إطفاء في منطقة دونيتسك، بحسب نيديلكو. في باخموت، قضى أحد العناصر بعدما سُحق تحت جدار أثناء عملية إزالة حطام إثر قصف.
«نتحمل الكثير من الألم والمعاناة»
يبدأ نيديلكو أيضاً بالقول إن الوضع «صعب». ثمّ مع تقدّم المحادثة، يشارك الإطفائي البالغ 30 عاماً والأب لطفل عمره عام واحد، تفاصيل أكثر. ويقول: «نتحمل الكثير من الألم والمعاناة. لم تكن لدينا خبرة في ذلك».
ويروي نيديلكو الذي يذهب مرة كل شهرين إلى دنيبرو (وسط) حيث لجأت عائلته، أن «الجزء الأكثر قساوة، هو رؤية ناس يموتون أمام عيوننا. الأكثر حزناً هو رؤية أطفال بقوا هنا». فجأة، يستعيد مشاهد رآها في الأشهر الأخيرة؛ إذ يتحدث عن رجل حوصر حياً بين جدارين مليئين بقضبان معدنية، ويؤكد أن «أي حركة خاطئة من جانبنا كان يمكن أن تكلّفه حياته». ويصف أماً كانت تحتضن ابنتها تحت الأنقاض وكيف اضطرّ لإعلان نبأ وفاتهما للأب. يتذكّر ضربة مزدوجة ويتحدث عن صراخ الناس طالبين المساعدة. بالنسبة إليه كما بالنسبة لجميع عناصر مركز الإطفاء، يبدأ العام الجديد كما انتهى سلفه، وسط الضوضاء والغضب.