«طابور جوع» في صنعاء يستغرق ساعات... والأمل وجبة مجانية

اتساع في رقعة الفقر مع انقطاع سبل العيش وتوقف الرواتب

محتاجون اصطفوا للحصول على وجبة مجانية من أحد مطاعم صنعاء (فيسبوك)
محتاجون اصطفوا للحصول على وجبة مجانية من أحد مطاعم صنعاء (فيسبوك)
TT

«طابور جوع» في صنعاء يستغرق ساعات... والأمل وجبة مجانية

محتاجون اصطفوا للحصول على وجبة مجانية من أحد مطاعم صنعاء (فيسبوك)
محتاجون اصطفوا للحصول على وجبة مجانية من أحد مطاعم صنعاء (فيسبوك)

أظهرت صور صادمة جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي يمنيين ويمنيات في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء وهم يقفون أمام بوابة أحد المطاعم لساعات؛ أملاً في الحصول على وجبات مجانية، وهو الأمر الذي أثار سخطاً واسعاً في أوساط الحقوقيين، بالتزامن مع تحذيراتهم من اتساع رقعة الجوع وانعدام سبل العيش في ظل حكم الميليشيات الحوثية.
ورغم مواصلة الجماعة الحوثية تضييق الخناق على مُلاك المطاعم تارة بابتزازهم وإجبارهم على دفع جبايات لتمويل عملياتها العسكرية، وأخرى باعتقالهم وتدمير ونهب ومصادرة ممتلكاتهم التي تمثل مصدر رزقهم الوحيد، أظهرت إحدى الصور التي تداولها الناشطون طابورين أمام أحد المطاعم؛ الأول للرجال مع أطفال وهم ينتظرون دورهم للحصول على الوجبة المجانية، وآخر للنساء وهن ينتظرن دورهن أيضاً للحصول على الوجبة نفسها.
الناشطون حمّلوا الحوثيين مسئولية ما وصلت إليه حال اليمنيين من فقر وجوع وحرمان بفعل جرائم الفساد والإفقار والتجويع التي مارسوها منذ 8 سنوات، ولا يزالون بحق القاطنين في مدن سيطرتهم.
يقول حمدي؛ وهو اسم مستعار لأحد الأشخاص العاملين في منظمة إغاثية: «إن عبث الجماعة المستمر بالمال العام وسياسات القمع والنهب والسلب المنظمة التي تنتهجها تُعدّ من العوامل الرئيسية التي أجبرت السكان الفقراء بمناطق قبضتها على الوقوف لساعات أمام بوابات المطاعم للحصول على وجبات طعام بسيطة».
أشاد زبائن المطعم الشهير في صنعاء، في حديثهم على منصات التواصل الاجتماعي، بمثل تلك المبادرات الخيرية التي يطلقها مُلاكه رغم الحملات الحوثية لإرغامهم على دفع إتاوات وتقديم وجبات مختلفة لعناصر الميليشيات، وقالوا إن مثل تلك المبادرات بإمكانها التخفيف ولو قليلاً من معاناة السكان في صنعاء والتي لا حصر لها.
يقول العاملون في المطعم نفسه إن مالكه يعاني بطش قيادات حوثية، بيد أنه تطوّع منذ أيام بتقديم وجبات بسيطة للفقراء والمحتاجين ممن يقطنون الحي الذي يقع المطعم في نطاقه، مؤكدين أنهم تفاجأوا بعد أيام قليلة من إطلاق تلك المبادرة المتواضعة بوجود طوابير طويلة لفقراء ومحتاجين من مختلف الأعمار والفئات، وهي تصطفّ أمام بوابة المطعم بحثاً عن طعام يسد جوعهم.
وتوقّع العاملون في المطعم أن يتضاعف العدد خلال الأيام المقبلة إلى أكثر مما هو عليه الآن، مشيرين إلى أن الصورة التي وصفوها بـ«المؤسفة» تُعدّ تلخيصاً لحجم المأساة التي يعيشها سكان العاصمة صنعاء والمناطق الأخرى الخاضعة للحوثيين.
يشار إلى أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الحرجة واتساع رقعة الفقر وانقطاع الرواتب وانعدام فرص العمل، دفعت كثيراً من السكان في صنعاء وغيرها من المدن تحت سيطرة الميليشيات إما إلى الخروج للشوارع لمد أيديهم للغير طلباً للمساعدة، أو البحث عن بقايا طعام وسط أكوام القمامة لسد رمقهم وأطفالهم.
وكان ناشطون في صنعاء قد تداولوا في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، صوراً على منصات التواصل تظهر فيها نساء يمنيات بمنطقة شميلة جنوب صنعاء وهنّ يبحثن عن قُوتهن وقُوت أطفالهن في أكوام القمامة، الأمر الذي أثار سخطاً واسعاً ضد الحوثيين الذين يتجاهل قادتهم معاناة اليمنيين مع حرمانهم من الحصول على أبسط الحقوق.
جاء ذلك في وقت قالت فيه التحذيرات الأممية إن نحو 25.5 مليون نسمة في اليمن من إجمالي السكان البالغ 30 مليون نسمة باتوا يعيشون تحت خط الفقر، وبحاجة ماسة إلى الدعم أكثر من أي وقت مضى.
وفي حين توقّع تقرير دولي حديث تصاعد الصراع في اليمن بسبب تعنت الجماعة الحوثية تجاه تجديد الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة، رجحت شبكة الإنذار المبكر بشأن المجاعة أن يؤدي ارتفاع مستويات الصراع مرة أخرى إلى تقليل فرص اكتساب الدخل للأسر وإعاقة واردات الوقود عبر موانئ البحر الأحمر.
وقالت الشبكة إنه ونظراً لأن تجديد الهدنة مشروط بمطالب من غير المرجح أن تتحقق خلال فترة التوقع، فمن المتوقع أن يتصاعد الصراع تدريجياً.
وبيّنت أن أسعار المواد الغذائية والأساسية غير الغذائية لا تزال أعلى بكثير من المتوسط، مرجحة، في تقريرها، أن يؤدي ارتفاع مستويات الصراع مرة أخرى إلى تقليل فرص اكتساب الدخل للأسر وإعاقة واردات الوقود عبر موانئ البحر الأحمر، وإلى انخفاض توافر الوقود والضغط التصاعدي على الأسعار في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات.
وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد ذكرت أخيراً أن غالبية اليمنيين بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، من جرّاء الصراع الدائر في البلد منذ نحو 8 أعوام.
وأوضحت اللجنة، عبر حسابها في «تويتر»، أن «أكثر من 70 % من الناس في اليمن، اليوم، في حاجة إلى مساعدات إنسانية».
وقالت إن 51 % فقط من المرافق الصحية تعمل في اليمن، مع وجود أكثر من 4.7 مليون امرأة وطفل يعانون سوء التغذية الحاد، وأن هناك أكثر من 3.3 مليون شخص في اليمن فرّوا من منازلهم.


مقالات ذات صلة

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

تحليل إخباري ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.