ترحيب عربي وفلسطيني «باستثناء حماس»... وغضب إسرائيلي من قرار «فتوى الاحتلال»

شبه بالمسار الذي بدأته الأمم المتحدة ضد نظام «الأبرتهايد» في جنوب أفريقيا

محمود عباس (أ.ف.ب)  -  بنيامين نتنياهو (أ.ب)
محمود عباس (أ.ف.ب) - بنيامين نتنياهو (أ.ب)
TT

ترحيب عربي وفلسطيني «باستثناء حماس»... وغضب إسرائيلي من قرار «فتوى الاحتلال»

محمود عباس (أ.ف.ب)  -  بنيامين نتنياهو (أ.ب)
محمود عباس (أ.ف.ب) - بنيامين نتنياهو (أ.ب)

وسط ترحيب عربي واسع واحتفالات فلسطينية رسمية (باستثناء حركة «حماس»، التي اعتبرته «مجرد حبر على ورق»)، وغضب إسرائيلي شديد، كشفت مصادر سياسية في تل أبيب عن خطة للرد على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة طلب فتوى قانونية من محكمة العدل الدولية حول شرعية الاحتلال في الأراضي الفلسطينية.
وتقضي هذه الخطة بتحويل الدول الست والعشرين التي صوتت ضد القرار إلى «مجموعة العالم الحر المتنور ضد سياسة الرفض الفلسطينية».
وأوضح مسؤول إسرائيلي أن بلاده لن تستسلم للقرار، وستحارب إجراءات تطبيقه ولن تتعاون مع المحكمة الدولية بتاتاً في خطواتها المقبلة، وستسعى بكل قوتها لإجهاضه.
وقال سفيرها الدائم لدى الأمم المتحدة، غلعاد إردان، الذي تغيَّب عن الجلسة وكلف المندوب الأميركي التصويت مكانه، إنه «لا يمكن لأي هيئة دولية أن تقرر أن الشعب اليهودي محتل لوطنه. وأي قرار من قبل هيئة قضائية تحصل على تفويضها من الأمم المتحدة المفلسة أخلاقياً والمسيّسة، هو قرار غير شرعي على الإطلاق».
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد عقدت جلستها في منتصف ليلة الجمعة - السبت، وقررت تبني قرار اللجنة الرابعة فيها (الخاصة بالمسائل السياسية وإنهاء الاستعمار)، الذي اتخذ في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وينص على طلب فتوى قانونية ورأي استشاري من محكمة العدل الدولية حول ماهية وجود الاحتلال الإسرائيلي في أرض دولة فلسطين، بما فيها القدس.
وكشفت المصادر السياسية في تل أبيب أن إسرائيل عملت، بشكل حثيث خلال الخمسين يوماً الماضية، على إجهاض القرار أو تقليص عدد الدول المؤيدة له.
وكان لافتاً أن رئيس الوزراء ووزير الخارجية، يائير لبيد، ومنافسه وخصمه اللدود، رئيس الوزراء المكلف، بنيامين نتنياهو، بذلا جهوداً لدى 60 دولة لتغيير رأيها. ونجحت هذه الجهود في تقليص عدد مؤيدي القرار من 98 دولة صوتت لصالح القرار في نوفمبر إلى 87 دولة صوتت هذه المرة. وتمكنت من رفع عدد الدول المعترضة من 17 في حينه إلى 26 دولة.
وتباهى نتنياهو بأنه تمكن وحده من إقناع خمس دول بتغيير تصويتها والوقوف ضد القرار، هي كرواتيا واليونان وتوغو ورومانيا وكينيا. بينما تباهى لبيد بإقناع أربع دول أخرى، هي ألبانيا وغينيا الجديدة وكوستاريكا والدومينيكان.
وقد هاجم السفير الإسرائيلي، إردان، الدول التي صوتت مع القرار، خصوصاً بولندا والبرتغال ومالطا وآيرلندا وسلوفينيا وبلجيكا. ولكنه أبدى «ارتياحه» من عدول دول عدة عن دعم القرار مثل البرازيل، وأوكرانيا نتيجة ضغوط إسرائيلية، بحسب موقع «واينت»، بالإضافة لتغيب بعض الدول الأفريقية عن التصويت.
وينص القرار على إحالة طلب إلى محكمة العدل الدولية لتقديم رأي استشاري قانوني بشأن الآثار القانونية الناجمة عن انتهاك إسرائيل المتواصل لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، واحتلالها الطويل الأمد للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، واستيطانها وضمها لها، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي لمدينة القدس وطابعها ووضعها، إضافة إلى كيفية تأثير سياسات إسرائيل وممارساتها في الوضع القانوني للاحتلال، والآثار القانونية المترتبة على هذا الوضع بالنسبة للدول جميعاً والأمم المتحدة.
وقد رحبت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بهذا القرار، علماً بأن الدول العربية جميعاً صوتت لصالحه، واعتبره الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة فيها، سعيد أبو علي، خطوة مهمة في المسار القضائي والقانوني ضد الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني، وقال: «إنه يعبر عن إرادة المجتمع الدولي بالانتصار لمبادئ القانون وقرارات الشرعية الدولية بما في ذلك توظيف الآليات القضائية لمواجهة الاحتلال والممارسات والمخططات الإسرائيلية».
ولقي القرار ترحيباً فلسطينياً شاملاً، باستثناء حركة «حماس». فأصدرت رئاسة السلطة في رام الله ورئيس الوزراء، د. محمد اشتية، ووزارة الخارجية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بيانات أشادت فيها بالقرار.
وقال الناطق باسم الرئاسة، الوزير نبيل أبو ردينة، إن هذا التصويت دليل على وقوف العالم أجمع إلى جانب شعبنا وحقوقه التاريخية غير القابلة للتصرف. وشكر باسم الرئيس محمود عباس جميع الدول التي وقفت بجانب الحق الفلسطيني، وجميع الأطراف التي عملت على إنجاح صدور هذا القرار.
وأضاف قائلاً: «آن الأوان لتكون إسرائيل دولة تحت القانون، وأن تحاسب على جرائمها المستمرة بحق شعبنا، وعلى العالم تحمل مسؤولياته وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وعلى الجميع التوقف عن الكيل بمكيالين».
وقال: «القيادة الفلسطينية لن تترك باباً إلا وستطرقه لحماية أبناء شعبنا الفلسطيني».
من جهة ثانية، عقّب الناطق باسم حركة حماس، حازم قاسم، على قرار الأمم المتحدة بالقول: «هذا القرار ينضم إلى سلسلة طويلة من القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، التي لم تتحول ولا مرة واحدة إلى خطوة عملية ضاغطة على الاحتلال. فما دامت الولايات المتحدة تتصرف باعتبارها شريكة للاحتلال وتوفر له الغطاء الكامل، فستبقى القرارات ومخرجات اللجان كلها حبراً على ورق».
وهاجم السلطة الفلسطينية قائلاً: «إن السعي لهذه القرارات من الدبلوماسية الرسمية للسلطة نابع من عجزها المتزايد في المواجهة الحقيقية مع الاحتلال، وضعف منظومة عملها».
وفي تل أبيب لم تصدر الحكومة موقفاً رسمياً؛ بسبب عطلة السبت، لكن مسؤولين أطلقوا تصريحات مختلفة عبروا فيها عن الغضب والضيق، وهاجموا القرار بشدة واعتبروه «نمطياً ضد إسرائيل» و«غير أخلاقي»، بل إن وزير المالية السابق، أفيغدور ليبرمان، شتمه قائلاً: «قرار حقير».
وعلى الرغم من أن نتائج هذا القرار تحتاج إلى وقت حتى تتحول إلى قرارات عملية، فإن الدبلوماسية الإسرائيلية تعد لمواجهته بسلسلة خطوات على الصعيد الدولي.
وهناك من يطرح اقتراحات متطرفة مثل الانسحاب من الأمم المتحدة أو معاقبتها بطرد ممثلها من المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل.
ويرى مراقبون أن وجود حكومة يمين متطرف في إسرائيل وضعت في خطوطها العريضة سلسلة خطوات لتكريس وتثبيت الاحتلال، يمكنه أن يشجع الأمم المتحدة على المضي في خطواتها بشكل أكبر.


مقالات ذات صلة

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي نازحون فلسطينيون يسيرون في شارع غرب مدينة غزة الاثنين (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار في لبنان وإسرائيل وغزة

دعت الأمم المتحدة، اليوم (الثلاثاء)، من جديد إلى «وقف دائم لإطلاق النار» في لبنان وإسرائيل وغزة، في حين يتوقع إعلان هدنة بين إسرائيل و«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي جنود لبنانيون يتجمعون في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت موقعاً للجيش في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الهجمات التي تستهدف الجيش اللبناني «انتهاك صارخ» للقرار 1701

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أنها «تشعر بالقلق» إزاء تصاعد الأعمال القتالية بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي، والهجمات التي تعرض لها الجيش اللبناني.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

البرهان يسمح للمنظمات الإغاثية باستخدام 3 مطارات لتخزين مواد الإغاثة

وجه رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، بالسماح لمنظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة باستخدام 3 مطارات بوصفها مراكز لتخزين مواد الإغاثة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
المشرق العربي صورة تظهر لحظة قصف إسرائيلي لمبنى في منطقة الشياح بالضاحية الجنوبية لبيروت... 25 نوفمبر 2024 (رويترز)

الأمم المتحدة تدعو «الأطراف» إلى «الموافقة على وقف إطلاق النار» في لبنان

دعا مسؤول في الأمم المتحدة، الاثنين، الأطراف المعنية إلى «الموافقة على وقف إطلاق النار» في لبنان حيث تتواصل الحرب بين إسرائيل و«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

ما حجم الخسائر البشرية والمادية جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان؟

كشف تقرير للبنك الدولي أن تكلفة الأضرار التي لحقت بالمساكن في لبنان جراء الحرب تقدر بنحو 2.8 مليار دولار (أ.ف.ب)
كشف تقرير للبنك الدولي أن تكلفة الأضرار التي لحقت بالمساكن في لبنان جراء الحرب تقدر بنحو 2.8 مليار دولار (أ.ف.ب)
TT

ما حجم الخسائر البشرية والمادية جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان؟

كشف تقرير للبنك الدولي أن تكلفة الأضرار التي لحقت بالمساكن في لبنان جراء الحرب تقدر بنحو 2.8 مليار دولار (أ.ف.ب)
كشف تقرير للبنك الدولي أن تكلفة الأضرار التي لحقت بالمساكن في لبنان جراء الحرب تقدر بنحو 2.8 مليار دولار (أ.ف.ب)

قد يتوقف قريباً إطلاق النار بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» اللبنانية بموجب اتفاق يستهدف إنهاء أكثر من عام من قتال أشعلته حرب غزة.

وفيما يلي بعض الجوانب الرئيسية من تكلفة الصراع الذي احتدم بشدة منذ شهرين حين شنت إسرائيل هجوماً على الجماعة اللبنانية المدعومة من إيران.

حصيلة القتلى والجرحى

قالت وزارة الصحة اللبنانية إنه حتى 24 نوفمبر (تشرين الثاني) قُتل 3768، وجُرح 15699 شخصاً على الأقل في لبنان منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ولا تميز الأرقام بين مقاتلي «حزب الله» والمدنيين. وغالبية الحصيلة وقعت بعد أن شنت إسرائيل هجومها في سبتمبر (أيلول).

ولم يتضح بعد عدد القتلى في صفوف «حزب الله». وكانت الجماعة قد أعلنت عن مقتل نحو 500 من مقاتليها في المعارك حتى اللحظة التي شنت فيها إسرائيل هجومها في سبتمبر، لكنها توقفت عن إعلان ذلك منذئذ.

ويقول معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، وثيق الصلة بالمؤسسة العسكرية، إن جماعة «حزب الله» خسرت 2450 فرداً إجمالاً.

وقتلت غارات «حزب الله» 45 مدنياً في شمال إسرائيل وهضبة الجولان المحتلة.

وقالت السلطات الإسرائيلية إن 73 جندياً إسرائيلياً على الأقل قُتلوا في شمال إسرائيل، وهضبة الجولان وفي معارك بجنوب لبنان.

الدمار

قال تقرير للبنك الدولي إن تكلفة الأضرار التي لحقت بالمساكن في لبنان تقدَّر بنحو 2.8 مليار دولار مع تدمير أكثر من 99 ألف وحدة سكنية جزئياً أو كلياً.

وقال مختبر المدن بيروت التابع للجامعة الأميركية إن الضربات الجوية الإسرائيلية هدمت 262 مبنى على الأقل في الضاحية الجنوبية لبيروت وحدها، معقل «حزب الله».

وألحق الجيش الإسرائيلي أيضاً أضراراً واسعة النطاق في قرى وبلدات في سهل البقاع وجنوب لبنان، وهما منطقتان يسيطر عليهما «حزب الله».

وقدَّر تقرير البنك الدولي الأضرار التي لحقت بالزراعة بنحو 124 مليون دولار وخسائر تزيد على 1.1 مليار دولار، بسبب فوات الحصاد نتيجة تدمير المحاصيل والثروة الحيوانية ونزوح المزارعين.

وتقدر السلطات الإسرائيلية الأضرار التي لحقت بالممتلكات في إسرائيل بنحو مليار شيقل (273 مليون دولار) على الأقل، مع تضرر أو تدمير آلاف المنازل والمزارع والشركات.

ووقع القسط الأكبر من الأضرار في إسرائيل في المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية التي تعرضت لقصف صاروخي من «حزب الله».

وتقول السلطات الإسرائيلية إن نحو 55 ألف فدان من الغابات والمحميات الطبيعية والحدائق والأراضي المفتوحة في شمال إسرائيل وهضبة الجولان تعرضت للحرق منذ بداية الحرب.

نزوح

قالت المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أكثر من 886 ألف شخص نزحوا داخل لبنان حتى 18 نوفمبر. وأظهرت بيانات المفوضية أن أكثر من 540 ألف شخص فروا من لبنان إلى سوريا منذ بدء الحرب.

وفي إسرائيل، تم إجلاء نحو 60 ألف شخص من منازلهم في الشمال.

التأثير الاقتصادي

قدم البنك الدولي في تقرير صدر في 14 نوفمبر تقديراً أولياً للأضرار والخسائر التي لحقت بلبنان بنحو 8.5 مليار دولار. ومن المتوقع أن ينكمش الإنتاج المحلي الإجمالي الحقيقي للبنان بنحو 5.7 في المائة في عام 2024، مقارنة بتقديرات النمو قبل الصراع البالغة 0.9 في المائة.

وتكبد قطاع الزراعة خسائر تجاوزت 1.1 مليار دولار خلال الأشهر الاثني عشر الماضية بسبب تدمير المحاصيل والثروة الحيوانية ونزوح المزارعين، خصوصاً في المناطق الجنوبية. وقال البنك الدولي إن قطاعي السياحة والضيافة، المساهمين الرئيسيين في الاقتصاد اللبناني، كانا الأكثر تضرراً بخسائر بلغت 1.1 مليار دولار.

وفي إسرائيل، فاقم الصراع مع «حزب الله» التأثير الاقتصادي للحرب في قطاع غزة؛ ما أدى إلى ضغط على المالية العامة.

وارتفع العجز في الميزانية إلى نحو 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي؛ ما دفع وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الكبرى إلى خفض تصنيف إسرائيل هذا العام.

وفاقم الصراع الاضطرابات في سلاسل التوريد حتى صعد التضخم إلى 3.5 في المائة متخطياً النطاق المستهدف للبنك المركزي بين واحد وثلاثة في المائة. وأبقى البنك المركزي نتيجة لهذا على أسعار فائدة مرتفعة لكبح التضخم فظلت أسعار الرهن العقاري مرتفعة، وتفاقمت الضغوط على الأسر.

وانتعش الاقتصاد الإسرائيلي في الربع الثالث إلى حد ما عن الربع الثاني الضعيف لينمو بنحو 3.8 في المائة على أساس سنوي وفقاً ًللتقديرات الأولية للحكومة.