البروفسور برتراند بادي لـ«الشرق الأوسط»: إسقاط بوتين لن يحل مشكلة روسيا

خبير العلاقات الدولية البارز في معهد العلوم السياسية في باريس وضع تحليلاته وتوقعاته للعام 2023

ميكانيكيون عسكريون من أوكرانيا خلال تدريبات في كتيبة المدفعية في روكلا بليتوانيا 19 ديسمبر 2022 الماضي (أ.ف.ب)
ميكانيكيون عسكريون من أوكرانيا خلال تدريبات في كتيبة المدفعية في روكلا بليتوانيا 19 ديسمبر 2022 الماضي (أ.ف.ب)
TT

البروفسور برتراند بادي لـ«الشرق الأوسط»: إسقاط بوتين لن يحل مشكلة روسيا

ميكانيكيون عسكريون من أوكرانيا خلال تدريبات في كتيبة المدفعية في روكلا بليتوانيا 19 ديسمبر 2022 الماضي (أ.ف.ب)
ميكانيكيون عسكريون من أوكرانيا خلال تدريبات في كتيبة المدفعية في روكلا بليتوانيا 19 ديسمبر 2022 الماضي (أ.ف.ب)


(حوار سياسي)
باريس: ميشال أبو نجم
اعتبر البروفسور برتراند بادي، أستاذ العلاقات الدولية البارز في معهد العلوم السياسية في باريس، في حديث مطول خص به «الشرق الأوسط» أن النظام الإيراني «مهدد» وأن سياسة القمع القصوى التي يتبعها و«التنازلات» التي يقدمها تبين أنه «على طريق الضياع» وأنه «فقد ثقة المواطنين».
وتناول بادي الحرب في الحرب في أوكرانيا، مشدداً على أن الخروج منها لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال مؤتمر موسع يوفر الضمانات الأمنية للجميع بمن فيهم روسيا.
ورأى بادي، وهو صاحب مجموعة واسعة من الكتب المخصصة للعلاقات الدولية، أن الغرب ارتكب خطأ عقب سقوط حلف وارسو، وأن السلم والأمن الدوليين لم يعودا رهناً بتوازن القوى بل بوجود ميزان الثقة بين الأطراف. ونبه من أن الرئيس الروسي يراهن على عامل الزمن الذي يرى أنه يلعب لصالحه، مضيفاً أنه إذا نجح الغرب في سياسة فرض العقوبات والعزل على روسيا فإن ذلك «سيتحول إلى سلاح الردع المستقبلي».
وفيما يلي نص المقابلة:
> كيف ستنتهي الحرب الروسية على أوكرانيا؟ انتصار طرف على آخر؟ الجلوس إلى طاولة المفاوضات؟ تجميد النزاع؟
- سؤال بالغ الأهمية، وهو اللغز المحير في نظرتنا لكيفية انتهاء هذه الحرب. ومصدر الصعوبة أن مرجعيتنا التاريخية تعود إلى حروب سابقة كان فيها، من جهة، منتصر يفرض شروط السلام في المفاوضات، ومن جهة ثانية منهزم يفرض عليه قبول هذه الشروط ويجهد الثاني، خلال المفاوضات والمناورات الدبلوماسية لتلطيفها. لكن هذه الصيغة لم تعد فاعلة. فالحروب التي اندلعت بعد الحرب العالمية الثانية لم تنته وفق الصيغة التقليدية. الانتصارات كانت نادرة، والحروب توقفت غالباً بسبب الإنهاك وليس الهزيمة العسكرية. هذه كانت حال الأميركيين في فيتنام، ولاحقاً في أفغانستان وفرنسا في الجزائر والاتحاد السوفياتي في أفغانستان أيضاً.
اليوم، السيناريو مختلف والذهاب إلى المفاوضات لوضع حد لنزاع وفق صيغ الماضي لم يعد أمراً محسوماً، وذلك لثلاثة أسباب: الأول، أن قضم أرض بلد آخر لم يعد أمراً مقبولاً في العالم، بسبب مبدأ معمول به على الصعيد العالمي، وهو عدم المس بالحدود القائمة، وبالتالي فإن أي مفاوضات يكون هدفها فرض تخلي المهزوم عن أراضٍ تابعة له ستكون فاشلة؛ والثاني، أن أسلوب التفاوض الماضي، الذي كان يتكفل به مبعوثون كاملو الصلاحيات انتهى إلى غير رجعة؛ والثالث، بروز دور المجتمعات التي أصبحت أكثر تطلباً. فالرئيس الأوكراني، لو توفرت فرصة الجلوس إلى طاولة المفاوضات، لن يكون قادراً على السير بأي قرار ينص على التخلي عن أراضٍ كشبه جزيرة القرم مقابل السلام، لأنه سيواجه ثورة اجتماعية يمكن أن تطيح بما هو عازم عليه أو حتى الإطاحة بحكومته.
لذا، ثمة أمران غير محسومين: كيفية إنهاء الحرب لأن السلاح لم يعد وحده ما يقرر مصير النزاع من جهة؛ ومن جهة ثانية لأن المفاوضات نفسها لم تعد مضمونة، بالنظر إلى أن العناصر التي كانت توفر إمكانية حصولها وقبول نتائجها تغيرت جذرياً.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورؤساء طاجيكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وبيلاروسيا خلال قمة غير رسمية في سانت بطرسبرغ في 27 ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)

> لكن ثمة عناصر جديدة خاصة بالحرب الروسية على أوكرانيا، وأبرزها العقوبات الدولية متعددة الأشكال المفروضة على روسيا، التي ستلعب دوراً أساسياً في الدفع إلى المفاوضات وإنهاء الحرب. ألا توافق على هذه القراءة؟
- أنا أفضل الحديث عن العزل على الحديث عن العقوبات. القوى الغربية تسعى لعزل روسيا من «الفضاء العالمي» على الصعد كافة: الاقتصاد، الطاقة، الدورة المالية، المؤسسات الدولية، الرياضة، الثقافة والإعلام، بحيث تتحول روسيا إلى دولة منبوذة. وإذا كان للعزل فعالية جدية، وهو أمر ليس محققاً بعد، فإنه سيتحول إلى سلاح الردع المستقبلي. حتى اليوم، ليس هناك شيء مؤكد.
ولكن أود التنبيه إلى أن سياسة العزل الكلي، ترتدي طابعاً بنيوياً وكلياً، بمعنى أن فرض العزلة على الطرف الآخر ستكون له تأثيرات في الوقت عينه على الطرف الذي يفرضه. وهذا الأمر يشكل اليوم التحدي الأكبر بالنسبة للغرب، الذي يتخوف من أن تفضي ارتداداته إلى حراك اجتماعي واقتصادي وسياسي تكون أوروبا ضحيته، ومن شأنه أن يدفع القادة الأوروبيين إلى التخلي عن بعض مبادراتهم. ويعي الرئيس بوتين التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية العكسية، ويحاول استغلالها ضد الغرب. يضاف إلى ذلك أن ثمة طرفاً ثالثاً يمكن أن يكون له تأثير حاسم على سياسة العزل، ويتمثل بكتلة واسعة متشكلة من دول مثل الصين والهند ودول العربية وبعض أميركا اللاتينية ودول أفريقية. ويسعى الغرب التي دفعهم للسير في ركابه والتقيد بالعقوبات التي فرضها على موسكو (كما برز ذلك خلال قمة العشرين الأخيرة في بالي، إندونيسيا). ومصير سياسة العزل مرهون إلى حد كبير بمواقف هذه الكتلة، التي من شأنها أن تغير موازين القوى لصالح هذا الطرف أو ذاك. واللافت للنظر أن الغربيين المتمترسين وراء الحلف الأطلسي لا يرون كفاية الشرخ الجديد والعميق على مستوى العالم.
> الحرب تدور منذ 11 شهراً على الأراضي الأوروبية. ما هي، وفق نظرتك، صورة أوروبا المستقبلية التي سترى النور عقب انتهائها؟ ما هي الهندسة الأمنية التي يمكن التوصل إليها لاحقاً لضمان الأمن والسلم في القارة القديمة؟
- إن اندلاع الحرب الأوكرانية مرده، في نظري، لكوننا لم نأخذ بالاعتبار التطورات، التي حصلت منذ انهيار حائط برلين، والفراغ الذي برز مع اندثار النظام الأمني القديم عقب سقوط حلف وارسو ومعه موت الثنائية القطبية (الحلف الأطلسي مقابل حلف وارسو).

 الرئيس الأميركي جو بايدن مع نظيره الفرنسي، ورؤساء حكومات بريطانيا وإسبانيا وكندا خلال اجتماع لمجموعة السبع في بالي بإندونيسيا 11 نوفمبر (أ.ب)

الواقع أن الرئيس بوتين جعل من هذه المسألة حصان طروادة سياسياً، أي جعل استعادة روسيا لدورها ومكانتها وهيمنتها العلامة الفارقة لسلطته وقيادته، ونجح في أن يستخدم هذا الطرح كرافعة للقيام بمبادرات قادرة على تعبئة الروس خلفه. واعتقادي أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان مصيباً في طرحه، حين اعتبر أنه سيكون من الصعب تصور نظام أمني جديد (في أوروبا) ونظام أمني عالمي من غير التأكيد على أهمية الأمن الجماعي لما بعد الثنائية القطبية، بما في ذلك توفير ضمانات أمنية لروسيا. ولكن ليست روسيا وحدها المحتاجة لضمانات. هناك دول كثيرة أخرى، أولها أوكرانيا، ودول أوروبا الوسطى التي تستشعر تهديد أمنها، والتي ترى أنها قد تعاني مما تعاني منه أوكرانيا اليوم. ويمكن توسيع الدائرة لتطال، أبعد من أوروبا، دول آسيا الوسطى والشرق الأوسط.
نحن نعيش في عالم متداخل، حيث إذا غاب الأمن الجماعي، لا أحد يمكنه أن يكون في مأمن. وهذا في نظري يمثل القطيعة الرئيسية مع الماضي، حيث كان هناك نوع من التوازن بين كتلتين. لكن اليوم، لا أمن ولا سلام إلا إذا شعر الكل، جماعياً، أنهم في حال آمنة. ولذا، المفاوضات الثنائية ليست الحل، بل ثمة حاجة لمفاوضات جماعية لأن من شأنها المساهمة في وضع حد لهذه الحرب، وليس فقط توفير الضمانات لهذه الجهة أو تلك.
> كثيرون يرون أن أحد أهداف هذه الحرب، من الجانب الغربي، ليس فقط منع روسيا من ضم أراضٍ أوكرانية، بل إضعافها منهجياً لا بل إسقاط بوتين. ما هي رؤيتك؟
- أعتبر أن هذه القراءة للعلاقات الدولية قديمة، حيث لا نعيش اليوم في عالم يحكمه ميزان القوى بل في عالم ممنهج، مترابط ومتداخل. وبالنسبة للسؤال المطروح، أرى أن إضعاف روسيا أو إسقاط بوتين لن يحل مشكلة روسيا نفسها. ما ستكون عليه صورة هذا البلد الضعيف والمهان في عالم الغد؟ أتصور أن ما حصل في عام 1991 سوف يستنسخ مرة ثانية، وسيأتي ببوتين جديد يمكن أن يكون أكثر تطرفاً من الحالي. وأود أن أعيد التأكيد على أنه في عالم يتمتع بالأمن الجماعي، فإن المهم ليس تعيين رابح أو خاسر، بل الوصول إلى عالم لا يحكمه ميزان القوى، بل توازن الثقة، أي أن يشعر كل طرف بالأمن وألا يتخوف من ضرب استقراره، ويعني أيضاً إدارة التداخل بين كل القوى والعناصر المؤثرة في عالم معولم. مفتاح التوازن غداً هو إدارة واعية ومنسجمة حيث يشعر كل طرف أن مصالحه مضمونة وأنه لا خوف على استقراره.
العالم تغير، واليوم هزيمة الآخر تخلق صعوبات ومشاكل أكثر من إيجاد الحلول، وهذا ما يبين الحاجة لاستنباط حلول شاملة، لا تدفع أحداً ليشعر بأنه منبوذ. خطأ الغربيين أنهم اعتقدوا أنهم قادرون على استثمار انتصارهم على الطريقة القديمة، أي استغلاله لفرض السيطرة والهيمنة. هذا ما فعله جورج بوش الأب خريف عام 1991. عندما تمسك بالإبقاء على الحلف الأطلسي وتوسيعه واستيعاب دول حلف وارسو المنهار. واليوم نرى التجليات المعقدة للفهم السابق للانتصار ونحن اليوم ندفع ثمنه المرتفع.
> كيف تنظر إلى تواصل تدفق المليارات الأمير كية على أوكرانيا، مقروناً بدفق أسلحة لم نرَ مثيلاً له منذ الحرب العالمية الثانية؟
- ثمة أسباب نبيلة وأخرى أقل نبلاً لما تقوم به واشنطن. في السياق الأول، ثمة رغبة أميركية بمساعدة بلد اعتدي عليه، وروسيا تحاول وضع اليد على أراضٍ تابعة لدولة تتمتع بالسيادة، الأمر الذي يحرمه القانون الدولي. كذلك تعتبر واشنطن أنه تقع على عاتقها مسؤولية المحافظة على التوازن الدولي والنظام العالمي.
في السياق المقابل، تسعى الولايات المتحدة للاستمرار في التحكم بالنظام العالمي، ولكن هذه المرة من غير الانخراط مباشرة في النزاع، الذي تستبدله بتوفير الدعم المكثف مختلف الأنواع والأشكال كما في حالة أوكرانيا. لكن علينا التنبه لوجود مجتمع أميركي لم نسبر غوره كفاية، وهو يعتبر أن للعولمة ثمناً باهظاً، إذ إن تكلفتها مرتفعة وعائداتها ضعيفة، مما يفسر إلى حد كبير بروز ظاهرة الرئيس ترمب والنزعات الانعزالية الجديدة وشعار «أميركا أولاً». والانسحاب من العراق وأفغانستان، ورفض الانخراط العسكري في الحروب بما في ذلك أوكرانيا، تندرج في هذا الإطار. ومع ذلك لا تريد أميركا التخلي عن وضعها راعية للنظام الدولي.
وتستفيد واشنطن من قدراتها المالية والتسليحية لتكون الداعم الأكبر لأوكرانيا، وبالتالي لإبقاء أوروبا تحت عباءتها وعباءة الحلف الأطلسي. وكل ذلك منطقي حتى اليوم. لكن إذا تواصلت الحرب فإن المجتمع الأميركي سيطرح تساؤلات (وقد بدأ بذلك) حول تكلفة دعم أوكرانيا، وبالتالي فإن غريزة العزلة والحمائية يمكن أن تدفع الإدارة الأميركية إلى التراجع. وثمة العديد من الأصوات (خصوصاً من صفوف الحزب الجمهوري) التي أخذت بطرح التساؤلات والتعبير عن القلق. ولا بد من الإشارة أيضاً إلى المقولة الكيسينجيرية القائلة بضرورة المفاوضات والمحافظة على ماء الوجه لروسيا. ولا شك أن بوتين يرى أن عامل الوقت لصالحه، ويمكنه استغلاله (في حربه مع الغرب).
> ما هي بنظرك التحديات الرئيسية التي سيواجهها العالم في عام 2023؟
- النزاع الروسي - الأوكراني بالغ الأهمية. ولكن المشكلة تكمن في أنه، بسبب أهميته، غطى على التحديات الأخرى التي تواجه العالم والعلاقات الدولية. ثمة تحديان رئيسيان يواجهان عالم اليوم والغد: أفريقيا من جهة والشرق الأوسط من جهة أخرى. في أفريقيا، خارطة النزاعات مترامية: بلدان الساحل، حوض الكونغو، القرن الأفريقي، وبلدان أخرى كلها تعاني من حالة غليان وفوهة يمكن أن تنفجر. ثم فيما خص الشرق الأوسط، فإن قوس الأزمات يمتد من اليمن وصولاً إلى أفغانستان.
لقد أفضت العولمة إلى قيام عالم بالغ التعقيد. والحال أن هذه العولمة تحمل في طياتها مخاطر بنيوية ومنهجية، لا نعرف بعد كيف التعاطي معها، وهي تندرج تحت تسميات التحديات الشاملة، والأمن الشامل ومنها تحديات الأمن الغذائي والصحي والاقتصادي والبيئوي. بيد أننا، نتناسى للأسف كل ذلك فيما انتباهنا مركز على أزمة واحدة رغم خطورتها.
وأريد أن أذكر بعض الأرقام بالغة الدلالة: فقدان الأمن الغذائي يتسبب بوفاة 10 ملايين نسمة كل عام، في أفريقيا وجنوب شرقي آسيا ومناطق أخرى. وإلى جانب ذلك، هناك أكثر من مليار نسمة يعانون من سوء التغذية، الذي يزيد التعرض من الأمراض على أنواعها، وبالتالي التعرض للوفاة. وهذا الواقع يفضي إلى مخاطر بنيوية بالغة التهديد، وذلك لسبيين: الأول، أن هذه المخاطر تتغذى من بعضها البعض، فالخطر البيئوي له انعكاساته على الأمن الغذائي والصحي والحياة بكافة أشكالها وأنواعها؛ والثاني، عنوانه أن مخاطر الحروب والنزاعات في أفريقيا والشرق الأوسط، التي أشرنا إليها، مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالتحديات الشاملة وانعدام الأمن بمعناه العام. والأمثلة كثيرة وأحدها أن التصحر، في منطقة الساحل وانعدام الأمن المائي من جانب، والفيضانات التي تضرب بلداناً مثل باكستان وبنغلاديش ومدغشقر من جانب آخر، يولدان اهتزازات اجتماعية واقتصادية ويتسببان بهجرات واسعة، وكل ذلك يمهد لأزمات واندلاع نزاعات.
ومثال آخر يفيد بأن الدراسات المعمقة، بينت وجود علاقة بين الأزمة الزراعية والغذائية في سوريا. وهذه الأزمة دفعت إلى هجرات واسعة من الأرياف باتجاه المدن وساهمت في التعبئة التي أفضت إلى اندلاع الحرب الأهلية لاحقاً.
واسمح لي أن أضيف رقمين بالغي الدلالة: دراسات منظمة الصحة العالمية تبين أن الوفيات المترتبة على المخاطر البيئوية تبلغ ثمانية ملايين شخص في العام، بينما الوفيات المترتبة على الأعمال الإرهابية المختلفة تتراوح ما بين 10 آلاف ضحية و40 ألفاً. والحال أن العالم كله يتحدث عن الإرهاب وضرورة محاربته، وقليلون يتحدثون عن انعدام الأمن الغذائي أو الصحي... ثم إن الأمم المتحدة تعتبر أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة، يفترض توفير مبلغ 100 مليار دولار في العام، الأمر الذي لا يتحقق. وبالمقابل، فإن حدثاً رياضياً مثل كأس العالم لمباريات كرة القدم الأخيرة بلغت ميزانيته 220 مليار دولار. وأترك لك تقدير فائدة مبلغ كبير كهذا، لو استخدم لمواجهة تحديات الأمن الغذائي والبيئوي والتحديات الأخرى التي تواجه العالم.
> هل ترى أن القوتين العظميين حالياً في العالم، الولايات المتحدة والصين، ذاهبتان نحو المواجهة؟
- بداية، أريد أن أقول إن الصين والولايات المتحدة لا تقرآن العالم بالطريقة نفسها. الصين فهمت العالم المعولم والممنهج قبل غيرها، وهي تعي أن مستقبلها مرتبط في هذه الفترة بحيوية الاقتصاد العالمي ولذا، فإنها ليست بحاجة لأي أزمة كبيرة، وأن أي حرب كلاسيكية ستكلفها الكثير من نجاحاتها وتطيح باقتصادها المعولم. بكين وعت كيفية الاستفادة من العولمة وسياستها الواقعية عملت على اجتياح العالم عن طريق ما سمته «الطريق» و«الحزام»، مما مكنها من توفير قوة فاعلة، وحضور متصاعد، وقضم الهيمنة الأميركية، والإفلات من صيغة العالم القديم وريث «الوستفالية» المعروفة. والشوكة الوحيدة في قدم الصين هي فضاؤها الإقليمي. واللافت أنها تتصرف بطريقة حديثة جداً في أفريقيا، وحتى في أوروبا، لفرض سيطرتها، لكنها بالمقابل تتعاطى بالطريقة القديمة في فضائها الإقليمي. من هنا، نزاعاتها مع تايوان واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وأستراليا.
ورغم ما سبق، أتوقع أن بكين ستبقى في سياق سياسة ضبط النفس، لأن حرباً تبدأها ضد تايوان سيكون من نتائجها القضاء على كل ما راكمته من فوائد منذ عقود. وأذكّر بقول لرئيس الوزراء الصيني الأسبق شو إن لاي للكاتب المصري محمد حسنين هيكل، حول أميركا وفيتنام إذ قال له: «بالنظر لصعوبات أميركا في فيتنام، لن نسعى لهيمنة عسكرية شاملة لأنها تكلف الكثير ولا توفر شيئاً، ولذا نحن لسنا طرفاً في نزاعات الشرق الأوسط».
> لكن واشنطن ترى في بكين منافساً منهجياً شاملاً وتريد احتواءه، لأنها ترى فيه تهديداً لهيمنتها. أليس كذلك؟ ثم إن التهديد الصيني العسكري لتايوان قائم.
- هذا صحيح. التهديد العسكري الصيني قائم وهو وسيلة من وسائل الضغط على تايوان. ولكن للصينيين رؤية مغايرة لرؤيتنا لعامل الزمن وهم يعتقدون أنه، في نهاية المطاف، سيتغير الوضع الذي يعانون منه اليوم، بمعنى أن تايوان ستعود للصين يوماً ما، ولذا أستبعد حرباً تتواجه فيها القوات الصينية والأميركية.
> الرئيس بوتين يدعو بشكل دائم إلى قيام نظام دولي «متعدد الأقطاب». هل نحن على الطريق الصحيح؟
- نظرية الأقطاب مبدأ يعود للعالم القديم، ولا أحبذ استخدامه أو تطبيقه على عالم اليوم. فزمن الحرب الباردة، كانت الثنائية القطبية فاعلة، وسمحت بتنظيم العالم وتوفير التوازن رغم أن أحد القطبين (الغربي) كان الأقوى. لكن اليوم، الأمور تغيرت، إذ إن كل دولة أو قوة تسعى للعب دورها بشكل شبه مستقل. والدليل على ذلك أن قوى إقليمية متوسطة لم تعد تسعى للحصول على حماية الكبار، بل إنها تتبع سياسة متحركة وغير دائمة، مع هذه الجهة أو تلك وفقاً لمصالحها. لقد انتقلنا من واقع الزواج الرسمي الدائم إلى العلاقة الحرة. يكفي أن ننظر إلى أداء الرئيس التركي إردوغان كيف يعدل سياساته وفق الظروف والمصالح.
أما بالنسبة للرئيس بوتين، فأعتقد أن دعوته لعالم متعدد الأقطاب، تدل على هشاشة وضعه، ورغبته في أن يقدم نفسه على أنه الجهة التي تحمي العالم من الهيمنة الأميركية، كما أنه يحلم أن تبقى روسيا قوة فوق الآخرين، وأن يستعيد وضع الاتحاد السوفياتي سابقاً بحيث يكون قطباً إلى جانب أقطاب أخرى.
> أعرف أنك تتابع الوضع الإيراني عن كثب. هل النظام الإيراني مهدد؟ ما قراءتك لما يجري اليوم وما يمكن أن يحصل غداً؟
- أعتبر أن النظام الإيراني اليوم مهدد، ولدينا أدلة على ذلك، ومنها التقلبات (في التعامل مع الحراك الاجتماعي)، حيث يتأرجح بين القمع الأقصى وتقديم التنازلات التي لم يكن أحد يتوقعها. وعندما نرى أن نظاماً يغالي في سياسة القمع، ويوازي ذلك مع تنازلات، فهذا يعني أنه على طريق الضياع لأنه فقد ثقة المواطنين. المجتمع الإيراني بكافة شرائحه عبر عن مواقف رافضة. كثيرون يرون أنها «ثورة النساء»، ولكن هذا التوصيف غير صحيح تماماً: إنها ثورة النساء ولكن أيضاً ثوة الأقليات الإثنية، وثورة الطلاب والعمال و«البازار» والمدن الوسطى، أي كل شرائح المجتمع، التي أظهرت أنها على طلاق ليس مع الجمهورية الإسلامية، بل مع نظام محافظ ومغالٍ في التشدد.
والمفارقة أن المجتمع الإيراني هو الأكثر مطالبة وتمسكاً بالعولمة، وهذا النظام هو الأكثر انغلاقاً. وقد ساهمت أخطاء ترمب في تعزيز دفعه إلى الانغلاق بعد خروجه من اتفاق عام 2015 النووي. الاتفاق المذكور كان فتح الباب لتطبيع العلاقات بين إيران والعالم، وبتمزيقه أنقذ ترمب مجموعة الأوليغارشية، التي تدور في فلك خامنئي، وبالنسبة لهؤلاء، فإن الحجاب هو علامة انتصارهم وقوتهم وليس رمزاً دينياً. لكن ثمة انعداماً لليقين بشأن هذه النقمة الاجتماعية غير الموجهة وغير المدارة سياسياً، مما يجعلها شبيهة إلى حد كبير بالربيع العربي، أي أنها تعبير عفوي يفتقد للقيادة السياسية وللقاعدة الآيديولوجية، مما يجعل وصولها إلى السلطة إشكالياً.


مقالات ذات صلة

بريطانيا وألمانيا تتعهّدان بدعم أوكرانيا «مهما استغرق الأمر»

أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس يستمع بينما يلقي رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك كلمة في مؤتمر صحافي مشترك في برلين (أ.ف.ب)

بريطانيا وألمانيا تتعهّدان بدعم أوكرانيا «مهما استغرق الأمر»

تعهّد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك والمستشار الألماني أولاف شولتس اليوم (الأربعاء)، بدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا «مهما استغرق الأمر»

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا عناصر من الشرطة الألمانية (رويترز)

ألمانيا تتهم 7 أجانب بالتخطيط لشن هجمات إرهابية

أعلن مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا (الأربعاء) أن اتهامات وجهت لـ7 أجانب بالتخطيط لشن هجمات إرهابية نيابة عن فرع لتنظيم «داعش».

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ «الشيوخ الأميركي» يقرّ حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل

«الشيوخ الأميركي» يقرّ حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل

-أقرّ الكونغرس الأميركي الثلاثاء في ختام أشهر طويلة من المفاوضات الشاقة حزمة مساعدات عسكرية واقتصادية ضخمة لأوكرانيا تبلغ قيمتها 61 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا جنود في الجيش الروسي (أ.ب)

أوكرانيا: روسيا ستقصف أماكن غير متوقعة من الجبهة خلال الصيف

قال قائد الحرس الوطني الأوكراني اليوم الثلاثاء إن القوات الروسية ستقصف قطاعات غير متوقعة من الجبهة عندما تشن هجوما واسعا في الصيف على الأراضي الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك ومستشار ألمانيا أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 15 مارس 2024 (أ.ف.ب)

مجلس الشيوخ الأميركي سيصوت بأغلبية كبيرة على مشروع قانون المساعدات لأوكرانيا

تخطط وزارة الدفاع الأميركية لنقل المساعدات «في غضون أسبوع أو أسبوعين» بعد الموافقة عليها.

إيلي يوسف (واشنطن) «الشرق الأوسط» (وارسو) «الشرق الأوسط» (موسكو)

ملالا يوسفزاي تؤكد دعمهما للفلسطينيين بعد انتقادات لمشاركتها هيلاري كلينتون إنتاج مسرحية

الناشطة الباكستانية الحائزة جائزة نوبل للسلام ملالا يوسفزاي كانت قد أصيبت في هجوم لطالبان بوادي سوات (أ.ف.ب)
الناشطة الباكستانية الحائزة جائزة نوبل للسلام ملالا يوسفزاي كانت قد أصيبت في هجوم لطالبان بوادي سوات (أ.ف.ب)
TT

ملالا يوسفزاي تؤكد دعمهما للفلسطينيين بعد انتقادات لمشاركتها هيلاري كلينتون إنتاج مسرحية

الناشطة الباكستانية الحائزة جائزة نوبل للسلام ملالا يوسفزاي كانت قد أصيبت في هجوم لطالبان بوادي سوات (أ.ف.ب)
الناشطة الباكستانية الحائزة جائزة نوبل للسلام ملالا يوسفزاي كانت قد أصيبت في هجوم لطالبان بوادي سوات (أ.ف.ب)

نددت الباكستانية ملالا يوسفزاي حاملة جائزة نوبل، الخميس، بإسرائيل وأعادت التأكيد على دعمها للفلسطينيين في غزة، في أعقاب انتقادات عنيفة لمشاركتها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في إنتاج مسرحية موسيقية.

وواجهت يوسفزاي التي نالت جائزة نوبل للسلام عام 2014 ردود فعل عنيفة في موطنها باكستان لعملها مع كلينتون المؤيدة الصريحة لحرب إسرائيل في غزة. وتتناول المسرحية الموسيقية التي تحمل عنوان "Suffs" وتعرض في برودواي في نيويورك منذ الأسبوع الماضي نضال المرأة الأميركية للحصول على حق التصويت في القرن العشرين.

وكتبت يوسفزاي على إكس "أريد ألا يكون هناك أي لبس بشأن دعمي لشعب غزة"، مضيفة "لا نحتاج لرؤية المزيد من الجثث والمدارس المقصوفة والأطفال الذين يتضورون جوعا لندرك أن وقف إطلاق النار أمر ملح وضروري".

أضافت "لقد أدنت الحكومة الإسرائيلية وسأظل أدينها بسبب انتهاكاتها للقانون الدولي وجرائم الحرب التي ترتكبها".

وشهدت باكستان العديد من الاحتجاجات القوية المؤيدة للفلسطينيين منذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وقالت الكاتبة الباكستانية المعروفة مهر ترار على منصة إكس "إن تعاونها المسرحي مع هيلاري كلينتون (...) التي تمثل الدعم الأميركي المطلق للإبادة الجماعية للفلسطينيين (...) يشكّل ضربة قوية لمصداقيتها كناشطة في مجال حقوق الإنسان". أضافت "أنا أعتبر الأمر مأساويا تماما".

وفي حين أيدت كلينتون الحملة العسكرية للقضاء على حماس ورفضت المطالب بوقف إطلاق النار، إلا أنها دعت أيضا إلى توفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين. ونددت يوسفزاي علنا بسقوط ضحايا مدنيين ودعت إلى وقف إطلاق النار في غزة.

وأوردت صحيفة "نيويورك تايمز" أن ملالا البالغة 26 عاما وضعت دبوسا باللونين الأحمر والأسود خلال افتتاح المسرحية الخميس الماضي للدلالة على دعمها لوقف إطلاق النار. لكن الكاتبة والأكاديمية نيدا كيرماني اعتبرت على منصة إكس أن قرار ملالا مشاركة كلينتون "يثير الجنون ويفطر القلب في نفس الوقت. يا لها من خيبة أمل مطلقة".

وشغلت كلينتون منصب وزيرة الخارجية خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما التي أشرفت على حملة غارات بالطائرات المسيّرة استهدفت مقاتلي طالبان في باكستان والمناطق الحدودية الأفغانية. وحصلت يوسفزاي على جائزة نوبل للسلام بعد إصابتها برصاصة في رأسها على يد حركة طالبان الباكستانية عندما كانت تطالب بتعليم الفتيات عام 2012.

ومع ذلك، تسببت حرب الطائرات المسيّرة بمقتل وتشويه عشرات المدنيين في المنطقة التي عاشت فيها ملالا، ما تسبب بمزيد من الانتقادات عبر الإنترنت التي استهدفت أصغر حائزة على جائزة نوبل، عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها. وغالبا ما يُنظر إلى يوسفزاي بريبة في باكستان، حيث يتهمها منتقدوها بالترويج لأجندة سياسية نسوية وليبرالية غربية في الدولة المحافظة.


300 مليون شخص يواجهون أزمة غذائية حادة حول العالم

أطفال فلسطينيون يتلقون مساعدات غذائية في غزة في 31 ديسمبر 2023 (د.ب.أ)
أطفال فلسطينيون يتلقون مساعدات غذائية في غزة في 31 ديسمبر 2023 (د.ب.أ)
TT

300 مليون شخص يواجهون أزمة غذائية حادة حول العالم

أطفال فلسطينيون يتلقون مساعدات غذائية في غزة في 31 ديسمبر 2023 (د.ب.أ)
أطفال فلسطينيون يتلقون مساعدات غذائية في غزة في 31 ديسمبر 2023 (د.ب.أ)

تفاقم انعدام الأمن الغذائي في العالم خلال عام 2023، وارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون منه إلى 282 مليوناً، وفق تقرير أصدرته 16 منظمة للأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى أمس (الأربعاء).

ويشكل هذا العدد زيادة قدرها 24 مليوناً مقارنة بعام 2022، ولا تزال الآفاق «قاتمة» للسنة الراهنة على ما جاء في التقرير العالمي الأخير حول الأزمات الغذائية، الذي تعدّه شبكة المعلومات حول الأمن الغذائي.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في مقدمة التقرير: «في عالم يتمتع بالوفرة، ثمة أطفال يموتون جراء الجوع. وتؤدي الحروب والفوضى المناخية وأزمة غلاء المعيشة، المترافقة مع تحرك غير مناسب، إلى مواجهة نحو 300 مليون شخص أزمة غذائية حادة في 2023»، كما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية». وأضاف أن «التمويل غير متناسب مع الحاجات. على الدول زيادة الموارد المتوافرة للتنمية المستدامة»، خصوصاً أن تكلفة توزيع المساعدات زادت أيضاً.

وهذه السنة الخامسة على التوالي التي تشهد ارتفاعاً في عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.


«فيتو» روسي ضد مشروع قرار بمجلس الأمن لمنع نشر أسلحة نووية في الفضاء

سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا (أرشيفية - رويترز)
سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا (أرشيفية - رويترز)
TT

«فيتو» روسي ضد مشروع قرار بمجلس الأمن لمنع نشر أسلحة نووية في الفضاء

سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا (أرشيفية - رويترز)
سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا (أرشيفية - رويترز)

استخدمت روسيا، الأربعاء، حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة صاغته الولايات المتحدة ويدعو الدول إلى منع سباق تسلح في الفضاء الخارجي، وهي خطوة دفعت الولايات المتحدة إلى التساؤل عما إذا كانت موسكو تخفي شيئا ما.

وجاء التصويت بعد أن اتهمت واشنطن موسكو بتطوير سلاح نووي مضاد للأقمار الصناعية لوضعه في الفضاء، وهو ما نفته روسيا. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن موسكو تعارض نشر أسلحة نووية في الفضاء.

وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد للمجلس بعد التصويت «حق النقض اليوم يطرح هذا السؤال: لماذا؟ لماذا، إذا كنتم تتبعون القواعد، لا تدعمون قرارا يعيد التأكيد عليها؟ ما الذي يمكن أن تخفوه؟... هذا أمر محير ومشين»، وفق ما نقلته «رويترز».

واتهم سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا واشنطن بمحاولة تشويه صورة موسكو، وقال إن روسيا ستبدأ قريبا مفاوضات مع أعضاء المجلس بشأن مشروع قرار من جانبها يهدف إلى الحفاظ على السلام في الفضاء.

وأضاف «نريد حظرا على نشر أي نوع من الأسلحة في الفضاء الخارجي وليس فقط (أسلحة الدمار الشامل). لكنكم لا تريدون ذلك... دعوني أطرح عليكم نفس السؤال: لماذا؟»، موجها سؤاله للسفيرة الأميركية.

وطرحت الولايات المتحدة واليابان مشروع القرار للتصويت بعد ما يقرب من ستة أسابيع من المفاوضات. وحصل القرار على تأييد 13 صوتا بينما امتنعت الصين عن التصويت واستخدمت روسيا حق النقض (الفيتو).

ويؤكد نص مشروع القرار الالتزام بمعاهدة الفضاء الخارجي ويدعو الدول إلى «المساهمة بفاعلية في تحقيق هدف الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي ومنع سباق التسلح في الفضاء الخارجي».

وتمنع معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 الموقعين عليها، ومنهم روسيا والولايات المتحدة، من وضع «أي أجسام تحمل أسلحة نووية أو أي نوع آخر من أسلحة الدمار الشامل في مدار حول الأرض».


300 مليون شخص يواجهون أزمة غذائية حادة حول العالم

أطفال فلسطينيون يتلقون مساعدات غذائية في غزة في 31 ديسمبر 2023 (د.ب.أ)
أطفال فلسطينيون يتلقون مساعدات غذائية في غزة في 31 ديسمبر 2023 (د.ب.أ)
TT

300 مليون شخص يواجهون أزمة غذائية حادة حول العالم

أطفال فلسطينيون يتلقون مساعدات غذائية في غزة في 31 ديسمبر 2023 (د.ب.أ)
أطفال فلسطينيون يتلقون مساعدات غذائية في غزة في 31 ديسمبر 2023 (د.ب.أ)

تفاقم انعدام الأمن الغذائي في العالم خلال عام 2023، وارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون منه إلى 282 مليوناً، وفق تقرير أصدرته، الأربعاء، 16 منظمة للأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى. ويشكل هذا العدد زيادة قدرها 24 مليوناً مقارنة بعام 2022. ولا تزال الآفاق «قاتمة» للسنة الراهنة على ما جاء في التقرير العالمي الأخير حول الأزمات الغذائية، الذي تعدّه شبكة المعلومات حول الأمن الغذائي. وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في مقدمة التقرير: «في عالم يتمتع بالوفرة، ثمة أطفال يموتون جراء الجوع. وتؤدي الحروب والفوضى المناخية وأزمة غلاء المعيشة، المترافقة مع تحرك غير مناسب، إلى مواجهة نحو 300 مليون شخص أزمة غذائية حادة في 2023»، كما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية». وأضاف أن «التمويل غير متناسب مع الحاجات. على الدول زيادة الموارد المتوافرة للتنمية المستدامة»، خصوصاً أن كلفة توزيع المساعدات زادت أيضاً.

صدمات جديدة

وهذه السنة الخامسة على التوالي التي تشهد ارتفاعاً في عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، الذي يشير إلى وضع تكون فيه حياة الفرد أو سبل عيشه مهددة بخطر داهم لأنه عاجز عن توفير الغذاء بشكل مناسب.

600 ألف شخص على شفا المجاعة في غزة (رويترز)

وهذا التفاقم الأخير ناجم جزئياً أيضاً عن زيادة في عدد المناطق المشمولة بالتقرير. وأوضحت فلور فوتيرس، المديرة المساعدة لمكتب حالات الطوارئ والقدرة على الصمود في منظمة الفاو، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن الوضع عائد أيضاً إلى «صدمات جديدة أو متفاقمة»، فضلاً عن «تدهور ملحوظ في أزمات غذائية رئيسية مثل السودان وقطاع غزة». وثمة 700 ألف شخص على شفا المجاعة في 2023، بينهم 600 ألف في غزة. وقد ارتفع هذا العدد في قطاع غزة خلال السنة الراهنة بسبب استمرار الحرب التي تشنّها إسرائيل، وانتشار الجوع ليصل إلى 1.1 مليون نسمة.

تفاقم الحروب

منذ أن بدأت الشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية، التي تمثل تحالفاً من منظمات أممية وأخرى تابعة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومنظمات إنسانية، في بدء إعداد التقرير عام 2016: «انتقل عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي من 108 ملايين إلى 282 مليوناً، في حين أن معدل الانتشار (نسبة السكان المعنيين في منطقة معينة) انتقل من 11 في المائة إلى 22 في المائة»، بحسب فلور فوتيرس. والأزمة الغذائية متواصلة منذ ذلك الحين في أفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا ونيجيريا، فضلاً عن سوريا واليمن، بحسب المصدر نفسه.

تسببت الحرب بالسودان في تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي في البلاد (أ.ف.ب)

من جهتها، قالت مديرة برنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين خلال عرض للتقرير عبر الإنترنت: «نُدرك جميعاً سبب ارتفاع الجوع في مناطق كثيرة من العالم، ونعرف ما الحلول. لكن في غياب الموارد والإرادة السياسية الضرورية لتطبيقها، سنستمر في الطريق الحالية». ورأت منظمة «أوكسفام» غير الحكومية أن «الأزمة الغذائية العالمية هي في الأساس أزمة أخلاقية»، مضيفة: «إنه أمر لا يغتفر أن يعاني أكثر من 281 مليون شخص من الجوع الحاد، في حين يستمر أغنى أغنياء العالم في تحقيق أرباح طائلة؛ بما يشمل شركات صناعات الطيران والدفاع التي تغذي النزاعات، السبب الرئيسي للجوع». وأشارت فلور فوتيرس إلى أن تطور الوضع في 2024 «سيكون رهناً بوقف القتال»، مضيفة أنه ما إن تتمكن المنظمات الإنسانية من الدخول إلى غزة والسودان، فستساهم المساعدة «سريعاً» في خفض الأزمة الغذائية. كما قالت إن ثمة كثيراً من عدم اليقين بشأن هايتي: «حيث استولت مجموعات مسلحة على أراض زراعية (...) ونهبت محاصيل». إلى ذلك، قد تؤدي ظاهرة إل نينيو المناخية «إلى جفاف حاد في غرب أفريقيا وجنوبها».


سيدني: توقيف 7 أشخاص في إطار عملية لمكافحة الإرهاب

صورة مثبتة من مقطع فيديو لحادثة طعن أسقف داخل كنيسة في سيدني
صورة مثبتة من مقطع فيديو لحادثة طعن أسقف داخل كنيسة في سيدني
TT

سيدني: توقيف 7 أشخاص في إطار عملية لمكافحة الإرهاب

صورة مثبتة من مقطع فيديو لحادثة طعن أسقف داخل كنيسة في سيدني
صورة مثبتة من مقطع فيديو لحادثة طعن أسقف داخل كنيسة في سيدني

قالت الشرطة الأسترالية الأربعاء، إنها أوقفت سبعة أشخاص يشكلون «خطراً وتهديداً غير مقبولين» على الجمهور بعد مداهمات لمكافحة الإرهاب شارك فيها 400 شرطي.

وكشف اثنان من كبار الضباط أن الأفراد على صلة بشاب يبلغ من العمر 16 عاماً متهم بطعن أسقف آشوري، ويتبنون «آيديولوجية متطرفة ذات دوافع دينية...». وكانت الشرطة قد أعلنت في وقت سابق أنها اعتقلت خمسة أشخاص، على ما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية».

ورجّح نائب مفوّض الشرطة دايف هادسون، أن تكون المجموعة «تخطّط لهجوم، بالرغم من عدم تحديد هدف خاص». وصرّح للصحافيين أن «سلوكهم، وهم قيد المراقبة، دفعنا إلى الظنّ أنه في حال أرادوا ارتكاب فعلة ما، لن يكون في وسعنا منع ذلك». وقال: «خلصنا خلال التحقيق إلى أرجحية حدوث هجوم».

شرطة الطب الشرعي ومركباتها خارج كنيسة «المسيح الراعي الصالح» في ضاحية واكلي الغربية بسيدني (أ.ف.ب)

وأشارت الشرطة إلى أن كلّ الموقوفين قاصرون.

وكان الأسقف مار ماري عمانوئيل تعرض للطعن في الرأس والصدر، في حادثة نفّذها فتى في السادسة عشرة من العمر في كنيسة «المسيح الراعي الصالح» الآشورية، بينما كان الأسقف يلقي عظة.

وعلى مرأى من المصلّين داخل الكنيسة، ومتابعي العظة عبر الإنترنت، انقضّ المهاجم بسكّينه على الأسقف، في هجوم أثار حالة من الذعر والغضب العارمين في أوساط أتباع الكنيسة الآشورية في غرب سيدني.

وصنّفت الشرطة الحادثة «عملاً إرهابياً»، فشُكّل فريق عمل لمكافحة الإرهاب من عناصر الشرطة الفيدرالية والإقليمية والمخابرات، وفتَحَ تحقيقاً في المسألة.

رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز ورئيس وزراء نيو ساوث ويلز كريس مينز ينضمان إلى سياسيين آخرين حيث يضعون الزهور بمكان حادثة الطعن الجماعي في سيدني (أ.ف.ب)

والأسقف الذي تلقى عظاته بالعربية والإنجليزية متابعة واسعة النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي، اكتسب شهرة واسعة بسبب مواقفه.

وفي السياق ذاته، حذر المدير العام لمنظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية مايك بيرجيس من احتمالية أن يحسن الذكاء الاصطناعي من إمكانيات أعداء البلاد، مما يؤدي إلى زيادة التجسس، والمعلومات المضللة والتطرف السياسي، حسبما ذكرت «وكالة بلومبرغ للأنباء».

وقال بيرجيس، إن الإنترنت بالفعل «هو حاضنة أقوى تطرف في العالم. ومن المحتمل أن يجعل الذكاء الاصطناعي التطرف السياسي أسهل وأسرع». وذكر أن منظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية تعتقد أن الذكاء الاصطناعي «سيسمح بتغير كبير» في قدرات أعداء أستراليا.

وتردد تصريحات بيرجيس، صدى مشاعر رئيسي مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي وجهاز الأمن البريطاني عن «استغلال الإرهابيين للقدرة الهائلة للتكنولوجيا». وأشارت التصريحات التي ترجع إلى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أن الذكاء الاصطناعي «يجلب مستوى من التهديد لم تتم مواجهته من قبل».


ما سبب الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأميركية؟

طلاب جامعة كولومبيا يشاركون في احتجاج ضد الحرب الإسرائيلية على غزة (د.ب.أ)
طلاب جامعة كولومبيا يشاركون في احتجاج ضد الحرب الإسرائيلية على غزة (د.ب.أ)
TT

ما سبب الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأميركية؟

طلاب جامعة كولومبيا يشاركون في احتجاج ضد الحرب الإسرائيلية على غزة (د.ب.أ)
طلاب جامعة كولومبيا يشاركون في احتجاج ضد الحرب الإسرائيلية على غزة (د.ب.أ)

اشتدت الاحتجاجات الطلابية في الولايات المتحدة على الحرب في غزة، واتسع نطاقها، خلال الأسبوع الماضي، مع إقامة عدد من المخيمات الآن في جامعات؛ منها كولومبيا وييل ونيويورك. واستدعت عدة جامعات الشرطة لاعتقال متظاهرين، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويتزر» للأنباء.

وفيما يلي تفاصيل عن الاحتجاجات:

ما الذي يطالب به المتظاهرون؟

أصدر الطلاب في الجامعات التي اندلعت بها الاحتجاجات، دعوات لوقف دائم لإطلاق النار في غزة، وإنهاء المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، وسحب استثمارات الجامعات من شركات توريد الأسلحة، وغيرها من الشركات المستفيدة من الحرب، والعفو عن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين تعرضوا لإجراءات تأديبية أو الطرد بسبب الاحتجاج.

مؤيدون للفلسطينيين يتجمعون خارج جامعة كولومبيا (أ.ف.ب)

من المتظاهرون؟

اجتذبت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين طلاباً وأعضاء هيئة التدريس من خلفيات مختلفة تشمل الديانتين الإسلامية واليهودية. ومن المجموعات المنظمة للاحتجاجات «طلاب من أجل العدالة في فلسطين»، و«الصوت اليهودي من أجل السلام».

وشهدت المخيمات أيضاً إقامة صلوات بين الأديان وعروضاً موسيقية، فضلاً عن مجموعة متنوعة من برامج التدريس.

وأنكر المنظمون مسؤوليتهم عن العنف ضد المتظاهرين المؤيدين لإسرائيل أو تأييدهم له، غير أن بعض الطلاب اليهود قالوا إنهم يشعرون بالقلق من الهتافات التي يقولون إنها معادية للسامية.

* ماذا كان رد السلطات؟

اتخذ القائمون على إدارة الجامعات وسلطات إنفاذ القانون إجراءات صارمة ضد الاحتجاجات.

فقد أوقفت جامعة كولومبيا، وكلية بارنارد التابعة لها، عشرات الطلاب المشاركين في الاحتجاجات، وأُلقي القبض على أكثر من 100 متظاهر في كولومبيا، حيث استدعت رئيسة الجامعة مينوش شفيق شرطة نيويورك لإخلاء المخيم، بعد يوم من إدلائها بشهادتها أمام لجنة بمجلس النواب. وقالت إن المخيم انتهك القواعد المناهضة للاحتجاجات غير المصرّح بها.

ضباط الشرطة يسيرون خارج جامعة كولومبيا (أ.ف.ب)

واعتقلت شرطة ييل أكثر من 60 متظاهراً، يوم الاثنين، بعد أن منحتهم «عدة فرص للمغادرة وتجنب الاعتقال»، وفقاً للجامعة.

وقالت إدارة شرطة نيويورك إن الضباط اعتقلوا 120 شخصاً في جامعة نيويورك، خلال وقت متأخر من يوم الاثنين. وقال مسؤولو الجامعة إنهم طلبوا تدخل الشرطة لأن المتظاهرين لم يتفرقوا، وكانوا «يؤثرون على سلامة وأمن مجتمعنا».

ضباط الشرطة يعتقلون متظاهرين بالقرب من منزل زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر في حي بروكلين بنيويورك (أ.ف.ب)

* ما التأثير على الحياة العادية في الحرم الجامعي؟

بعد عقد جميع الفصول الدراسية افتراضياً، يوم الاثنين، أعلنت جامعة كولومبيا أنها ستعتمد نظام دراسة مختلطاً من الحضورين الشخصي والافتراضي لبقية الفصل الدراسي. وقالت شفيق، في بيان، إنها لن تسمح لأي مجموعة بتعطيل حفل التخرج.

طلاب وأعضاء هيئة التدريس بجامعة نيويورك يشاركون في احتجاج ضد الحرب الإسرائيلية على غزة بواشنطن سكوير بارك (د.ب.أ)

وألغت جامعة ولاية كاليفورنيا للفنون التطبيقية في هومبولت الحضور الشخصي حتى اليوم الأربعاء، بعد أن تحصَّن طلاب بمبنى إداري، وطالبوا الجامعة بالكشف عن جميع العلاقات مع إسرائيل، وقطع العلاقات مع جامعاتها.

وقالت جامعة ميشيجان إنها ستسمح بحرية التعبير والاحتجاج السلمي في احتفالات التخرج، خلال أوائل مايو (أيار)، لكنها ستوقف «التعطيل الكبير» للدراسة.

* كيف يستجيب القادة السياسيون؟

قال الرئيس الديمقراطي جو بايدن، الذي انتقده المتظاهرون لتزويده إسرائيل بالتمويل والأسلحة، للصحافيين، يوم الاثنين، إنه يستنكر «الاحتجاجات المعادية للسامية»، و«أولئك الذين لا يفهمون ما يحدث مع الفلسطينيين».

متظاهرون يغلقون الشارع بالقرب من منزل زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر في حي بروكلين بنيويورك (أ.ف.ب)

ووصف الرئيس السابق دونالد ترمب، المرشح الجمهوري لانتخابات عام 2024، الاحتجاج في الحُرم الجامعية بأنه «فوضوي».


أذربيجان تؤكد أن السلام مع أرمينيا «أقرب من أي وقت»

الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف (أ.ف.ب)
الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف (أ.ف.ب)
TT

أذربيجان تؤكد أن السلام مع أرمينيا «أقرب من أي وقت»

الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف (أ.ف.ب)
الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف (أ.ف.ب)

أعلن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، الثلاثاء، أن التوصل إلى اتفاق للسلام مع أرمينيا بات أقرب من أي وقت مضى، في حين بدأ فريقان من البلدين عملية ترسيم الحدود على أمل إنهاء عقود من النزاعات على الأراضي.

وبحسب «وكالة الصحافة الفرنسية»، يأتي تفاؤل علييف في ظل التقدّم الذي تم تحقيقه بشأن ترسيم الحدود رغم احتجاجات في أرمينيا لم تتجاوز صدمة سيطرة باكو على إقليم ناغورنو كاراباخ إثر عملية خاطفة العام الماضي.

والثلاثاء، أقام فريقان من البلدين أول علامة حدودية بعدما اتفق مسؤولون على ترسيم جزء بناء على خرائط عائدة إلى الحقبة السوفياتية.

وقال علييف الثلاثاء في إشارة إلى إمكان التوصل إلى اتفاق سلام: «نقترب من ذلك أكثر من أي وقت مضى».

وأضاف: «لدينا الآن فهم مشترك للكيفية التي يجب أن يبدو عليها اتفاق السلام. علينا فقط التعامل مع التفاصيل».

وتابع: «يحتاج الطرفان إلى وقت... لدى كلانا الرغبة السياسية في القيام بذلك».

وافق رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان الشهر الماضي على إعادة أربع قرى حدودية كانت جزءاً من أذربيجان عندما كان البلدان ضمن جمهوريات الاتحاد السوفياتي.

احتجاجات في أرمينيا

أكد علييف الثلاثاء أنه وافق على مقترح قدّمته كازاخستان باستضافة اجتماع لوزراء الخارجية.

وحاولت عدة بلدان في الماضي أداء دور الوسيط بما فيها روسيا وإيران والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، إلا أن سنوات من المحادثات فشلت.

وقلل علييف من أهمية الحاجة إلى تدخل أطراف ثالثة. وقال: «لا نتحدث عن أي نوع من الوساطة؛ لأن ما يحصل الآن عند حدودنا يُظهر أنه عندما نُترك وحدنا... يمكننا الاتفاق في أقرب وقت».

وأقام خبراء من البلدين أول علامة حدودية، الثلاثاء، وفق ما جاء في بيانين متطابقين.

واندلعت احتجاجات في وقت سابق في أرمينيا؛ إذ عطّل متظاهرون حركة السير لمدة وجيزة عند عدة نقاط على الطريق السريعة الرابطة بين أرمينيا وجورجيا خشية انتهاء العملية بتنازل يريفان عن مزيد من الأراضي.

وأكدت يريفان الثلاثاء أنها لن تنقل «الأراضي التابعة لسيادة أرمينيا» إلى جارتها.

وانتزعت القوات الأرمينية في التسعينات المناطق المهجورة الأربع التي ستعاد إلى أذربيجان، أسكيابارا السفلى وباغانيس أيروم وخيريملي وغيزيلهاجيلي، ما دفع سكانها المنتمين للعرقية الأذربيجانية إلى الفرار. لكن سكان القرى المجاورة الأرمن يخشون من عزلهم عن باقي البلاد، ومن إمكان انتهاء بعض المنازل ضمن الأراضي الأذربيجانية.

وتحمل المنطقة أهمية استراتيجية بالنسبة لأرمينيا.

وقد يتم تسليم عدة أجزاء صغيرة من الطريق السريعة المؤدية إلى جورجيا التي تعد حيوية للتجارة.

وستمر الحدود التي يتم ترسيمها قرب أنبوب روسي رئيسي للغاز في منطقة توفر أيضاً مواقع عسكرية متميّزة.

مؤشر سلام

شدد باشينيان على ضرورة حل النزاع الحدودي «لتجنّب حرب جديدة». وقال السبت إن الحراس الروس المنتشرين في المنطقة منذ عام 1992 سيُستبدلون «وسيتعاون حرس الحدود من أرمينيا وأذربيجان لحراسة حدود الدولة بأنفسهم».

وأضاف أن ترسيم الحدود يمثّل «تغيراً كبيراً»، مضيفاً أن فصل البلدين بـ«حدود لا خط تماس هو مؤشر على السلام».

واستعادت القوات الأذربيجانية الخريف الماضي إقليم ناغورنو كاراباخ من قبضة الانفصاليين الأرمن في إطار عملية استغرقت يوماً واحداً، ووضعت حداً لنزاع دامٍ مستمر منذ عقود على المنطقة. لكن المطالبات بالأراضي شكلت تهديداً متواصلاً بتصعيد جديد.

تطالب باكو بأربع قرى إضافية تقع في جيوب أعمق ضمن الأراضي الأرمينية. كما تطالب بإقامة ممر برّي عبر أرمينيا لربط البر الرئيسي بجيب ناخيتشيفان وصولاً إلى حليفتها تركيا.

وتشير يريفان بدورها إلى جيبها في أذربيجان وإلى الأراضي التي انتزعتها باكو على مدى السنوات الثلاث الأخيرة خارج كاراباخ.


بدء ترسيم الحدود بين أرمينيا وأذربيجان

أعلنت أرمينيا وأذربيجان عن البدء في ترسيم الحدود المشتركة بينهما (إ.ب.أ)
أعلنت أرمينيا وأذربيجان عن البدء في ترسيم الحدود المشتركة بينهما (إ.ب.أ)
TT

بدء ترسيم الحدود بين أرمينيا وأذربيجان

أعلنت أرمينيا وأذربيجان عن البدء في ترسيم الحدود المشتركة بينهما (إ.ب.أ)
أعلنت أرمينيا وأذربيجان عن البدء في ترسيم الحدود المشتركة بينهما (إ.ب.أ)

أعلنت أرمينيا وأذربيجان اليوم الثلاثاء عن البدء في ترسيم الحدود المشتركة بينهما، في خطوة تكتسي أهمية كبيرة للبلدين اللذين تواجها في نزاعات دامية في منطقة القوقاز.

وبحسب «وكالة الصحافة الفرنسية»، جاء في بيان صادر عن وزارة الداخلية في أذربيجان أن مجموعة من الخبراء شرعت في «توضيح الإحداثيات على أساس دراسة هندسية مساحية (جيوديسية)».

وأكّدت وزارة الداخلية الأرمينية من جهتها «أعمال ترسيم» الحدود، مستبعدة «نقل أيّ جزء من أراضي أرمينيا السيادية» إلى باكو في أعقاب العملية.

قبل رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان الشهر الماضي طلب باكو استعادة أربع بلدات حدودية استولت عليها قوّات يريفان خلال حرب في التسعينات.

وأثار هذا القرار احتجاج مئات الأرمن في منطقة محاذية لأذربيجان يخشون أن يعزلوا وأن تصبح بعض أملاكهم تحت السيادة الأذرية.

وهم قطعوا الاثنين لفترة وجيزة مسلكا مروريا محاذيا يربط أرمينيا بجورجيا يشكّل للسكان المحليين المعبر الأساسي إلى العالم الخارجي. وحاولوا أيضا عرقلة أعمال لإزالة الألغام.

والثلاثاء، اندلعت احتجاجات جديدة في عدّة مناطق في أرمينيا، لا سيّما في محيط بحيرة سيفان ومدينة نويمبريان.

وكان البلدان الواقعان في منطقة القوقاز قد أعربا الأسبوع الماضي عن نيّتهما ترسيم الحدود على أساس خرائط تعود للحقبة السوفياتية.

وشدّد باشينيان على ضرورة حلّ الخلافات الحدودية بغية «تفادي حرب جديدة» مع أذربيجان.

وقد تواجهت الدولتان اللتان كانتا من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا في حربين داميتين، أوّلاهما في التسعينات خرجت منها أرمينيا منتصرة وأودت بحياة أكثر من 30 ألف شخص، والثانية في 2020 كسبتها أذربيجان وأدّت إلى مقتل أكثر من 6 آلاف شخص.

وبعد هزيمة أرمينيا في 2020، اضطرت يريفان إلى التخلّي عن أجزاء كبيرة في ناغورنو كاراباخ وفي محيط هذه المنطقة التي كانت تسيطر عليها منذ حوالى ثلاثين سنة.

وفي سبتمبر (أيلول) 2022، أطلقت باكو هجوما خاطفا أدّى إلى استسلام الانفصاليين الأرمن في خلال بضعة أيّام أعادت إثره فرض سيطرتها على منطقة ناغورنو كاراباخ برمّتها.


فيروس الحرب

من حرب فيتنام (إنترنت)
من حرب فيتنام (إنترنت)
TT

فيروس الحرب

من حرب فيتنام (إنترنت)
من حرب فيتنام (إنترنت)

يقول الرئيس البريطاني الراحل، ونستون تشرشل، إنه يمكن اختصار تاريخ العالم بالتالي: «عندما تكون الدول قويّة، فهي ليست عادلة. وعندما تريد أن تكون عادلة، فهي لم تعد قويّة». فهل للقوّة علاقة بالعدل؟ وهل يعكس عدل الدولة ضعفها؟ وماذا تريد الدولة أصلاً؟ أن تكون محبوبة، أم مرهوبة الجانب، أم أن تكون الاثنين معاً؟ هنا لا بد من الاستعانة بنصائح نيكولو ماكيافيللي لأميره.

الحرب مثل الفيروس. تظهّر الحرب نقاط الضعف والهشاشة لدى المتقاتلين. هكذا يتصرّف الفيروس، يدخل إلى جسم الإنسان، يحتل مكاناً مهماً يؤمّن استمراريته، وذلك على حساب الجسم المُضيف. يتغيّر الفيروس في الجسم الذي يحضنه، كما يتغيّر الجسم الحاضن إلى غير رجعة (Mutation). فبمجرّد نجاح الفيروس في غزوته، فهذا يعني أن الهشاشة قائمة. فهل هناك لقاح ضدّ الحرب، كما هناك لقاح ضدّ الفيروس؟ بالطبع كلا، فعودة الفيروس متكرّرة كما علّمنا علم الفيروس (Virology). كما وقوع الحرب هو أيضاً أمر مُستدام كما علّمتنا علوم الحروب. وإذا ابتكر الإنسان اللقاح ضد الفيروس، فهذا الأمر يعني فقط محاولة الإنسان تخفيف تأثير الفيروس الصحي على الإنسان. في المقابل، يقول العالم الاجتماعي الأميركي الراحل شارلز تيللي: «صنعت الحرب الدولة، لتعود الدولة بعدها لصنع الحرب». فما هو لقاح الدولة، أو الدول بالأحرى لتخفيف تأثير الحروب؟ بعد تجارب الإمبراطوريّات والدول للحروب الدمويّة، وبعد ارتفاع تكلفة هذه الحروب، سعت الدول المهيمنة إلى ابتكار لقاح ضد هذه الحروب للتخفيف من وطأتها. تظهّر هذا اللقاح عبر خلق المؤسسات الدوليّة، والبيروقراطيات المساعدة لها، بهدف السعي لمنع وقوع الحرب إذا أمكن، وإلا محاولة إدارة الأزمة بهدف التخفيف من وطأتها.

تذهب الأمم عادة إلى الحرب لأسباب عدّة أهمها: الخوف، والمكانة، والمصلحة، ومن ثمّ الانتقام. إذا كنا قد اعتبرنا أن الحرب هي مثل الفيروس، فهي حتماً قابعة في عقل وجسم الإنسان. وإذا كانت الحرب تبدأ من عقل الإنسان وفكره، ألا يجب البدء من عقل وفكر الإنسان لوقف الحروب؟

قصف إسرائيلي على رفح في قطاع غزّة (أرشيفية - رويترز)

تشكّل وتكوّن بعض الحروب عقداً نفسيّة لبعض الدول. فقد خلقت حرب فيتنام للولايات المتحدة الأميركيّة ما يُسمّى بـ«متلازمة فيتنام». بقي هذا الفيروس الحربي في الجسم الأميركي حتى النصر في حرب الخليج الأولى. أمنّت هذه الحرب اللقاح الشافي للعم سام. عادت أميركا إلى اجتياح العراق في عام 2003 لعدّة أسباب منها: حادثة 11 سبتمبر (أيلول)، كما فائض القوّة الذي تملكه أميركا في عالم كان آنذاك آحادي القطب. أدى الغرق الأميركي في العراق، إلى خلق عقدة نفسيّة جديدة، هي عقدة العراق. حتى الآن، لا تزال عقدة العراق تلاحق أميركا؛ لأن الاستثمار الأميركي الكبير والمُكلف جدّاً في أرض الرافدين، كان لمصلحة الأعداء، وهذا أمر يناقض المفاهيم السياسيّة كما العسكريّة.

شكّلت حرب اجتياح لبنان عام 1982 الكثير من العقد النفسيّة لإسرائيل. فقد غيّرت هذه الحرب إسرائيل، كما غيّرت لبنان. تعاني إسرائيل اليوم مما أنتجته حربها على لبنان، أي الجبهة الشماليّة. وإذا ما ربطنا هذه الجبهة بالعمقين السوري والعراقي، فقد يمكن القول إن أميركا تعاني اليوم مما أنتجته حربها على العراق عام 2003.

ديناميكيّة الحرب الجديدة في غزّة

أتى قرار سحب الفرقة 98 من خان يونس مفاجئاً، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كان قد قال إن السبيل الوحيد لتدمير «حماس» وتحرير الأسرى والرهائن، هو عبر القوّة العسكريّة؛ فكيف سيتمّ الأمر بعد الانسحاب العسكري؟ وفي ظلّ غياب المعلومات الدقيقة لتحليل هذا الأمر، فقد يمكن القول إنه لا بد من وجود سبب منطقي في العقل الإسرائيلي لهذا الانسحاب. فكيف أصبحت الديناميكية التكتيكيّة في قطاع غزّة؟

سحبت إسرائيل الفرقة 98 من خان يونس لعدّة أسباب، أهمها وصول الحرب إلى نقطة الذروة دون تحقيق الأهداف العليا. فبعد نقطة الذروة يبدأ مردود الحرب يصبح سلبياً وخطراً، كما أن العمل من خارج القطاع يرفع الضغوطات الأميركيّة عن إسرائيل.

المنطقة العازلة

شقّت إسرائيل كوريدور نتزاريم في جنوب مدينة غزّة بطول 6 كيلومترات وعرض 350 متراً. الهدف منه هو فصل الشمال عن الجنوب ومنع الغزيين من العودة إلى الشمال. كذلك الأمر، تركت لواء معزّزاً «ناحال» (وحدة من اللواء المدرّع 401) لحماية الكوريدور واعتباره نقطة انطلاق لعمليات مقبلة.

في الوقت نفسه، وإرضاء للأميركيين اتّبعت إسرائيل مبدأ التعهد (Maintenance) في رفح عبر استهداف أي هدف مهمّ ذات قيمة استراتيجيّة عند تظهّره، خاصة القيادات من «حماس».

في الوقت نفسه وبسبب الضغوط من المجتمع الدوليّ، فتح باب المساعدات وطرقها إلى القطاع.

لكن المهم يبقى تأمين الحرية والحركية التكتيكيّة للجيش الإسرائيلي من دون مقاومة في داخل القطاع.

السعي إلى «روتنة» الحرب (من روتين) على أن تصبح عمليات عسكرية تكتيكية لكن مستمرّة حتى خفض كلّ قدرات «كتائب القسام».

وأخيراً وليس آخراً، الاستعداد لما قد يطرأ في المنطقة.


الإنفاق الدفاعي العالمي بلغ 2443 مليار دولار عام 2023 وسط 55 نزاعاً

قاذفة استراتيجية روسية خلال عرض جوي (أرشيفية - رويترز)
قاذفة استراتيجية روسية خلال عرض جوي (أرشيفية - رويترز)
TT

الإنفاق الدفاعي العالمي بلغ 2443 مليار دولار عام 2023 وسط 55 نزاعاً

قاذفة استراتيجية روسية خلال عرض جوي (أرشيفية - رويترز)
قاذفة استراتيجية روسية خلال عرض جوي (أرشيفية - رويترز)

العالم في حالة حرب. صحيح أن الأضواء مسلطة على الحرب الروسية ــ الأوكرانية التي انطلقت منذ أكثر من عامين، وعلى الحرب الإسرائيلية على غزة التي تلج قريباً شهرها السابع، ومؤخراً التصعيد الإيراني ــ الإسرائيلي، إلا أن العالم يشهد راهناً 55 نزاعاً بمستويات عنف متنوعة، وفق التقرير الصادر مؤخراً عن مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التي تؤكد أن العالم «واجه نادراً هذا العدد من الأزمات المتكاثرة»، معدداً من بينها حروب القرن الأفريقي، ومنطقة الساحل وخليج غينيا والسودان ونيجيريا، إضافة إلى الحروب المنسية مثل بورما والأحداث المتكررة في بحر الصين، وتصاعد التوترات في آسيا وعلى رأسها الحرب التي يمكن أن تندلع ما بين الصين وتايوان.

ولأن الحروب تحتاج إلى سلاح وإلى ميزانيات عسكرية، فإن الأرقام التي جاءت في التقرير الصادر، الأحد، عن معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام «سيبري»، تعكس حالة العالم اليوم؛ حيث يؤكد أن الميزانيات العسكرية، على مستوى العالم، لم تعرف أبداً، منذ عام 2009، هذا المستوى من الارتفاع؛ حيث وصلت نسبته إلى 6.8 بالمائة في عام 2023، قياساً على العام الذي سبقه. وبالأرقام، فإن المصاريف العسكرية في العام بلغت العام الماضي 2443 مليار دولار؛ حيث إن تكلفة كل إنسان، على وجه الكرة الأرضية، 306 دولارات.

وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس مع نظيره السنغافوري بمناسبة تسليم غواصة ألمانية للبحرية السنغافورية الاثنين (رويترز)

سباق التسلح الأميركي ــ الصيني

الثابتة الرئيسية التي يؤكدها التقرير هي أن الولايات المتحدة تستأثر بحصة الأسد في الميزانيات العسكرية الدولية؛ حيث إن مصاريفها بلغت 916 مليار دولار (بزيادة نسبتها 2.3 في المائة قياساً للعام الماضي)؛ ما يعني أن واشنطن تنفق 37.5 في المائة من مجمل المصاريف الدفاعية في العالم. ورغم ما يقال عن سباق التسلح بينها وبين الصين، فإن الأرقام تبين أن بكين، التي تحتل المركز الثاني في المصاريف الدفاعية على مستوى العالم، ما زالت بعيدة لسنوات ضوئية قبل أن تلحق حقيقة بالولايات المتحدة. ووفق أرقام المعهد السويدي، فإن الإنفاق الدفاعي الصيني زاد بنسبة 6 بالمائة ليصل إلى 296 مليار دولار؛ ما يعني عملياً أن واشنطن تنفق نحوي 3 أضعاف ونصف ما تنفقه بكين. ورغم ذلك، فإن ارتقاء الميزانيات الدفاعية الصينية من عام إلى عام يبين طموحات بكين الجيو ــ استراتيجية سواء في سعيها للحاق بواشنطن من جهة، أم للتمتع بوضع الهيمنة في منطقة آسيا ــ أوقيانيا؛ حيث إن ميزانيتها تساوي نصف ما تنفقه كل دول هذه المنطقة.

وفي أية حال، فإن واشنطن وبكين تنفقان معا 1212 مليار دولار للتسلح ما يساوي نصف الإنفاق الدولي. ونظراً لمخاوف تايبيه من الأخ الصيني الأكبر الذي ما فتئ يهدد بإعادة تايوان إلى «بيت الطاعة» سلماً أو عنوة، فإن الأخيرة زادت نفقاتها الدفاعية العام الماضي بنسبة 11 في المائة لتصل إلى 16.6 مليار دولار، لكن هذه الميزانية تقل عن 6 في المائة من الميزانية الصينية.

ملصق ضخم ضد إسرائيل في العاصمة الإيرانية طهران (إ.ب.أ)

لا يمكن فصل الميزانية الأميركية عن ميزانية حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي تتزعمه واشنطن. وليس سراً أن الجانب الأميركي ما فتئ يدفع أعضاء الحلف من الأوروبيين للوفاء بالتزاماتهم بتخصيص 2 في المائة على الأقل من ناتجهم الداخلي الخام للاحتياجات الدفاعية. وتبلغ الميزانية الإجمالية للأطلسي 1341 مليار دولار تبلغ ضمنها الحصة الأميركية 68 بالمائة. وتبين الأرقام أن الأطلسي وحده ينفق 55 بالمائة من إجمالي الإنفاق العالمي على التسلح. والواضح أن الحرب الروسية على أوكرانيا قد دفعت الجناح الأوروبي للحلف إلى رفع ميزانيته الدفاعية نظراً لما يعده تهديداً روسياً لأمن القارة، ولأن الحلف يبقى المظلة الوحيدة القادرة على حماية أعضائه الذين وصل عددهم إلى 32 مع انضمام فنلندا والسويد. وتشكل ألمانيا حالة على حدة. فبعد أن كانت ميزانيتها العسكرية، عمدت إلى دفعها بقوة إلى الأعلى مع تخصيص مبلغ 100 مليار يورو للدفاع، بحيث تحتل ميزانيتها المرتبة الثانية أوروبياً بعد بريطانيا. وبذلك تصبح ألمانيا في الموقع السابع عالمياً بعد بريطانيا والمملكة السعودية والهند وروسيا والصين والولايات المتحدة.

روسيا ما زالت بعيدة

حقيقة الأمر أن واشنطن وبكين تتقدمان بأشواط على متابعيهم في سباق التسلح. ذلك أن أقرب منافس لهما هو روسيا. لكن موسكو رغم الحرب في أوكرانيا، ما زالت بعيدة جداً عنهما. ووفق أرقام المعهد السويدي فقد عمدت موسكو، بسبب حرب أوكرانيا، إلى رفع ميزانيتها العسكرية بنسبة 24 بالمائة بحيث بلغت العام الماضي 109 مليارات دولار. لكنها ما زالت بعيدة جداً عن اللحاق ببكين أو واشنطن. بيد أن ميزانية موسكو تبقى متقدمة على الإنفاق الدفاعي الأوكراني الذي بلغ 64.8 مليار دولار ما يشكل زيادة سنوية نسبتها 51 بالمائة. وتخصص كييف 58 بالمائة من إنفاقها الحكومي للدفاع مقارنة بـ15 في المائة من الإنفاق الروسي. بيد أن ما يساعد أوكرانيا على تحمل تخصيص أكثر من نصف ميزانيتها للدفاع هي بلا شك المساعدات التي تتلقاها من الغرب ومن دول أخرى مثل اليابان أو كوريا الجنوبية. وآخر تجلياتها موافقة الكونغرس الأميركي على منحها 61 مليار دولار مساعدات عسكرية، وهو أكبر مبلغ خُصص لها منذ بدء الحرب.

مدفع أوكراني ذاتي الحركة يطلق قذيفة باتجاه مواقع روسية (أرشيفية - أ.ف.ب)

واحتلت أوكرانيا المرتبة الثامنة عالمياً. ونقل المعهد السويدي ألكسندر لورتس، خبير نزع السلاح في «منظمة السلام الأخضر»، أن «ألمانيا تقدم الآن مساهمة كبيرة في سباق التسلح العالمي».

أما في الشرق الأوسط، فإن التوترات التي يعيشها تدفع الإنفاق الدفاعي إلى الأعلى. ووفق المعهد السويدي، فإن الإنفاق ضرب رقماً قياسياً العام الماضي؛ حيث وصل إلى 200 مليار دولار مع نمو نسبته 9 في المائة. وتحتل إسرائيل المرتبة الثانية مع 27.5 مليار دولار وارتفاع نسبته 24 بالمائة. ولا يفصل المعهد السويدي ما إذا كانت هذه الميزانية تتضمن المساعدات العسكرية التي تتلقاها إسرائيل من الولايات المتحدة أو ما تضخه واشنطن في برامج الأبحاث العسكرية المشتركة بين البلدين. وجاء آخر تجلٍّ لهذا الدعم في تصويت الكونغرس على مساعدات تزيد على 20 مليار دولار.