> يلاحظ اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن الإعلام بات لديه خيارات كثيرة تعفيه عن مجرد ملاحقة أخبار النجوم ونشر فضائحهم. نعم ما زال هذا الأمر موجوداً في كل مكان (ليس في أفغانستان أو كوريا الشمالية مثلاً، ولكن في معظم أنحاء العالم)، لكن منصّات المواقع الإعلامية لديها منافذ أخرى لكي تكبّر حجم كل شيء وتجعل منه قضية. > في الأسبوع الماضي اضطرت الممثلة جايمي لي كيرتس التصدّي لأقوال انتقدت حضور الممثلين والممثلات اللذين «وصلوا إلى الشهرة على حساب شهرة آبائهم» (Nepotism). قالت إن هذا مقصود به الأذى. والحق معها، لكن مثل هذا الاتهام، لم يكن لينتشر سابقاً إلا على صفحات مجلة مثل «National Enquirer» أو «In Touch Weekly». > إعلام الإنترنت يرفع كذلك من الجدال بين الفرقاء. محنة فيلم «Trust» الذي قُتلت فيه مديرة تصويره بفعل خطأ في المسدس الذي لم يكن جاهزاً للاستعمال الآمن، مضت لأسابيع طويلة قبل أن تهدأ (أو تفتر على الأقل). > حالياً هناك قضية الممثلة ووبي غولدبيرغ، التي كانت طرحت ذات مرّة موضوع الهولوكوست وأن ما حدث لليهود على أيدي النازية لم يكن تصفية عرقية. طبعاً هي على خطأ في هذا الاعتبار. لكن الجدال حول ما قالت قبل عدة أشهر، وما تردد أنها قالت لصحيفة بريطانية قبل أيام لم يهدأ رغم اعتذارها. > على الإنترنت كل واحد في العالم معرّض لأن يكون موضوع مشاهدة أو معارضة أو نقاش أو سخرية أو تندّر. رجل يجتاز الشارع المزدحم هرباً من كلب يطارده يصوّره آخر ويبعث به إلى النت. آخر يقف أمام الكاميرا وهو يرفع بأصبعه صحناً من السباغيتّي ينام على شهرة تنتهي قبل استيقاظه في اليوم التالي. > عدا محو الخصوصية (التي تشارك بها الهواتف والكومبيوترات والكاميرات وكل شيء تقني) يسهل تداول الشائعات والأقاويل وتغييب الحقيقة الأم. م. ر
أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذبhttps://aawsat.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7/5086357-%D8%A3%D8%BA%D9%86%D9%8A%D9%8A%D8%B4%D9%83%D8%A7-%D9%87%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AF-%D9%84%D8%A7-%D8%A3%D9%8F%D8%AC%D9%85%D9%91%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB-%D9%88%D9%84%D8%A7-%D8%A3%D9%83%D8%B0%D8%A8
بعد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك. «لا يهم»، تقول: «على الأفلام التي تعني لنا شيئاً أن تشقّ طريقاً للعروض ولو على مدى سنة أو أكثر».
فيلمها الأخير «حدود خضراء» نال 24 جائزة صغيرة وكبيرة واجتاز حدود نحو 30 دولة حول العالم. ترك تأثيراً قوياً منذ افتتاحه في المهرجان الإيطالي، حيث نال جائزةَ لجنة التحكيم الخاصة وفوقها 8 جوائز فرعية.
مردّ ذلك التأثير يعود إلى أن الفيلم (بالأبيض والأسود) تحدّث عن مهاجرين سوريين (ومهاجرة من أفغانستان) علِقوا على الحدود بين بروسيا وبولندا، وكلّ حرس حدود كان يسلبهم شيئاً ومن ثمّ يعيدهم إلى حيث أتوا. الحالة لفتت نظر جمعية بولندية أرادت مساعدة هؤلاء الذين تناقص عددهم بعدما اختفى بعضهم وسُجن آخرون. الدراما كما قدّمتها هولاند (75 سنة حالياً) نابعة من مواقف ونماذج حقيقية وأحداثٍ وقعت عالجتها المخرجة بأسلوب تقريري غير محايد.
لحظات إنسانية
> حال مشاهدتي لفيلم «حدود خضراء» في «مهرجان ڤينيسيا» خطر لي أنه يلتقي مع أفلام سابقة لكِ تناولت قضايا مهمّة وحادّة مثل «يوروبا، يوروبا» و«الحديقة السّرية» و«أثر» (Spoor) الذي عُرض في «برلين». كيف تُصنّفين أفلامك؟ وكيف تختارين قضاياها؟
- أفلامي السابقة تنوّعت كثيراً في موضوعاتها باستثناء أنني قصدت دوماً تناول ما اعتقدت أنه أجدى للمعالجة. والأفلام التي ذكرتها هي بالنسبة لي من بين أهم ما أخرجته. اخترتها لجانبها الإنساني أو، أُصحّح، لقضاياها الإنسانية. اخترتها لأن الأحداث وقعت في لحظات تاريخية ليست فقط مهمّة، بل هي لحظاتٌ بدت فيها الإنسانية بمنحدرٍ. هناك كثيرٌ ممّا يحدث في هذا العالم، وما حدث سابقاً يشكّل صدمة لي ولملايين الناس والفيلم هو صلتي مع هذه الأحداث. رأيي فيها.
> «حدودٌ خضراء» هو واحد من أفلام أوروبية تناولت موضوع المهاجرين، لكن القليل منها انتقد السّلطات على النحو الذي ورد في فيلمك.
- أنا لست في وارد تجميل الأحداث. ولا أريد الكذب على المشاهد وأقول له إن ما تعرّض له مهاجرون مساكين على الحدود التي لجأوا إليها بحثاً عن الأمان غير صحيح، أو أنه حدث في شكل محصور. ومهنتي هذه استخدمها لقول الحقيقة، ولأفيد المشاهد بما أصوّره ولا يمكنني الكذّب عليه أو خداعه. ما شاهدته أنتَ على الشّاشة حصل وربما لا يزال يحصل في دول أوروبية أخرى.
نحو المجهول
> كيف كان رد فعل الجمهور البولندي حيال فيلمك؟
- إنها تجربة مهمّة جداً بالنسبة لي. سابقاً كان هناك حذرٌ من قبول ما أقدّمه لهم من حكايات. كثيرون قالوا إن هذا لا يمكن أن يحدث. نحن في أوروبا والعالم تغيّر عمّا كان عليه. والآن، مع هذا الفيلم، وجدتُ أن غالبية النّقاد وقراء «السوشيال ميديا» يوافقون على أن هذا يحدث. هناك من يأسف وهناك من يستنكر.
> نقدُك لحرس الحدود البولندي والبروسي في هذا الفيلم يؤكّد أن المعاملة العنصرية لا تزال حاضرة وربما نشطة. اليمين في أوروبا يجد أن طرد اللاجئين الشرعيين أو غير الشرعيين بات أولوية. صحيح؟
- نعم صحيح، لكن الاكتفاء بالقول إنه موقف عنصريّ ليس دقيقاً. نعم العنصرية موجودة ولطالما كانت، وعانت منها شعوب كثيرة في كل مكان، ولكن العنصرية هنا هي نتاج رفض بعضهم لقاء غريبٍ على أرض واحدة، هذا رفض للإنسانية التي تجمعنا. للأسف معظمنا لا يستطيع أن يمدّ يده إلى الآخر في معاملة متساوية. الحروب تقع وتزيد من انفصال البشر عن بعضهم بعضاً. ثم لديك هذا العالم الذي يسير بخطوات سريعة نحو المجهول في كل مجالاته.
> هل تقصدين بذلك التقدم العلمي؟
- بالتأكيد، لكني لست واثقة من أنه تقدّمَ حقاً. الذكاء الاصطناعي؟ هذا وحده قد يذهب بما بقي من ضوابط أخلاقية ومجتمعية. أعتقد أن التأثير الأول لذلك أننا نعيش في زمن نعجِز عن فهم تغيّراته، والنتيجة أننا بتنا نهرب إلى حيث نعتقده ملجأً آمناً لنا. نهرب من التّحديات ونصبح أكثر تقوقعاً معتقدين أن ذلك خير وسيلة للدفاع عن مجتمعاتنا.
ضحايا
> عمَدتِ في «حدود خضراء» إلى تقسيم الفيلم إلى فصول. هذا ليس جديداً لكنه يطرح هنا وضعاً مختلفاً لأننا ننتقل من وضع ماثلٍ ومن ثَمّ نعود إليه لنجده ما زال على حاله. ما الذي حاولتِ تحقيقه من خلال ذلك؟
- هذه ملاحظة مهمّة. في الواقع هناك قصصٌ عدة في هذا الفيلم، وكل شخصية تقريباً هي قصّة قابلة للتطوّر أو التوقف. وهناك 3 فرقاء هم الضحايا والمسعفون ورجال السُّلطة. بعضُ هذا الأسلوب المطروح في الفيلم مشتقٌ من العمل الذي مارسته للتلفزيون وهو يختلف عن أسلوب السّرد السينمائي، وقد اعتمدت عليه هنا لأنني وجدته مناسباً لفيلمٍ يريد تقديم الأحداث في شكلٍ ليس بعيداً عن التقريرية.
> هناك أيضاً حربٌ أوروبية دائرة على حدود بولندا في أوكرانيا. هل يختلف الوضع فيما لو كان أبطال فيلمك أوكرانيين هاربين؟
- نعم. يختلف لأنّ الرموز السياسية للوضع مختلفة. البولنديون يشعرون بالعاطفة حيال الأوكرانيين. السلطات لديها أوامر بحسن المعاملة. لكن هذا لم يكن متوفراً وليس متوفراً الآن للاجئين غير أوروبيين.