جهاز لتوجيه مرضى «اضطراب ما بعد الصدمة» خلال العلاج

يُسمح للمعالجين بالمتابعة الآنية للبيانات الفيسيولوجية

الجهاز الجديد يمكن إخفاؤه بسهولة تحت الأكمام الطويلة (شركة زريسكوب)
الجهاز الجديد يمكن إخفاؤه بسهولة تحت الأكمام الطويلة (شركة زريسكوب)
TT

جهاز لتوجيه مرضى «اضطراب ما بعد الصدمة» خلال العلاج

الجهاز الجديد يمكن إخفاؤه بسهولة تحت الأكمام الطويلة (شركة زريسكوب)
الجهاز الجديد يمكن إخفاؤه بسهولة تحت الأكمام الطويلة (شركة زريسكوب)

يمكن لبعض المشاهد والروائح والأصوات، في الحياة اليومية، أن تكون بمثابة محفزات تعيد الشخص المُصاب بـ«اضطراب ما بعد الصدمة» إلى مكان الحدث الذي يحاول نسيانه.
ومع اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، يمكن لبوق السيارة أو المقهى المزدحم أو الرائحة الحادة، أن تعيد الذكريات المؤلمة التي يمكن أن ترفع معدل ضربات القلب، وتزيد من توتر العضلات، وتؤدي إلى القلق والاكتئاب، وتُحدث ردود الفعل هذه حتى من دون وجود خطر، لكنها تشكل تهديداً خاصاً من خلال التسبب في توتر العلاقات في المنزل والعمل، وإشعال الحاجة إلى تجنب مواقف معينة والمساهمة في تغيرات المزاج.
ويمكن أن يحدث اضطراب ما بعد الصدمة لأي شخص في أي عمر، وفقاً للمعاهد الوطنية للصحة، وتشمل خيارات العلاج استخدام الأدوية، وكذلك بعض التجارب التي تقوم على «العلاج بالتعرض» لأحد المحفزات المرتبطة بالحدث المسبِّب للصدمة، وذلك بشرط أن يتم ذلك تحت إشراف طبي.
ومن أجل تسهيل «العلاج بالتعرض»، عمل الباحثون في جامعة «ساوث كارولاينا» الطبية مع شركة الأجهزة الطبية «زريسكوب»، على إنتاج جهاز يسمى «بيو وير»، والذي تم تصميمه لمساعدة الأطباء على التقييم الفوري لسير تجربة العلاج، وتم الإعلان عن تفاصيل هذا الجهاز وفوائده (الأربعاء) في مجلة «البحوث النفسية».
ومن خلال تجارب العلاج، يتم تكليف المرضى بوضع أنفسهم في مواقف آمنة، ولكنها غير مريحة، كشكل من أشكال الواجبات المنزلية، فإذا كان لديهم خوف من الأماكن المزدحمة، على سبيل المثال، فقد يطلب منهم معالجهم الذهاب إلى متجر البقالة في وقت مزدحم، ثم مشاركة رد فعلهم في جلسة العلاج التالية.
وإذا كان المريض يخشى المساحات الصاخبة ويتجنبها، فقد يرسلهم المعالج إلى حدث رياضي صاخب، على سبيل المثال، في محاولة لمساعدتهم على تعلم الشعور براحة أكبر في تلك المواقف، وعدم الاضطرار إلى تجنبها في المستقبل.
ووفق تقرير نشره الموقع الإلكتروني لجامعة «ساوث كارولاينا» الطبية، بالتزامن مع نشر الدراسة، فإن جهاز «بيو وير»، يساعد على أداء هذه التجارب العلاجية من دون خسائر، وهو يحتوي على كاميرا سرّية على شكل زرّ متصلة بملابس المريض، وأداة بحجم الساعة حول معصمه وسماعة رأس تعمل بتقنية البلوتوث في أذنه، حتى يتمكن المعالجون من الوجود معهم تقريباً في التجربة أو الموقف الذي يسبب لهم التوتر.
ويمكن للطبيب أن يرى تسجيلات فورية لمعدل ضربات قلب المريض، والتنفس والاضطراب العاطفي، ويمكنه توجيه المريض خلال التجربة، إما بدفعه للقيام بالمزيد، وإما بطلب القيام بعمل أقل.
ويقول سودي باك، الباحث الرئيسي بالدراسة: «هذه هي المرة الأولى، على حد علمي، التي تمكنّا فيها فعلياً من الذهاب مع المرضى في أثناء تعرضهم للتجربة والوصول الفوري إلى بياناتهم الفيسيولوجية في الوقت الحالي لمساعدتهم حقاً على تحقيق أقصى استفادة من تلك التمارين، التي أعتقد أنها ستترجَم إلى رؤية انخفاض كبير في أعراض اضطراب ما بعد الصدمة لديهم».
ويُبدي خالد عبد الصبور، مدرس الطب النفسي بجامعة أسيوط «جنوب مصر»، إعجاباً بهذا الجهاز، كونه يتجاوز المؤشرات التي توفرها الخيارات المتاحة حالياً.
ويقول عبد الصبور لـ«الشرق الأوسط»، إن الخيارات المتاحة حالياً، مثل الساعات الذكية، توفر معلومات عن النبض فقط، بينما الجهاز الجديد يذهب إلى ما هو أعمق، حيث يوفر معلومات عن معدل ضربات القلب وضغط الدم والتنفس.
ويضيف أن الجهاز العصبي اللاإرادي يتحكم في التفاعلات الفيسيولوجية مثل معدل ضربات القلب وضغط الدم والتنفس، وبالتالي فإنه باستخدام التقنية الجديدة قد يكون مفيداً في تحسين النصائح التي تقدَّم للمرضى.


مقالات ذات صلة

خلل بسيط في حركة العين قد يشير إلى إصابتك بألزهايمر

صحتك بهدف تكوين صورة بصرية ذات معنى لمشهد ما تقوم أعيننا بسلسلة من الحركات السريعة المنسقة (رويترز)

خلل بسيط في حركة العين قد يشير إلى إصابتك بألزهايمر

تبرز مؤخراً طريقة جديدة للكشف المبكر عن مرض ألزهايمر ترتبط بالاستماع إلى حركة عيون المرضى عبر ميكروفونات في آذانهم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك شعار «شات جي بي تي» يظهر أمام شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)

هل يساعد «شات جي بي تي» الأطباء حقاً في تشخيص الأمراض؟ الإجابة مفاجئة

يتساءل الكثير من الأشخاص حول ما إذا كان برنامج الدردشة الآلي الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي قادراً على مساعدة الأطباء في تشخيص مرضاهم بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك يرفع العلاج الجديد مستويات البروتين في الخلايا الحساسة للضوء بشبكية العين (هارفارد)

علاج جيني يُعيد القدرة على السمع ويعزّز الرؤية

طوّر باحثون بكلية الطب في جامعة «هارفارد» الأميركية علاجاً جينياً للمصابين بمتلازمة «آشر من النوع 1F»، وهي حالة نادرة تسبّب الصمم والعمى التدريجي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

كشفت دراسة حديثة أن استهداف العصب الذي غالباً ما يكون مبهماً يؤدي إلى تحسين معدل نجاح العلاج بالتبريد والعلاج بالترددات الراديوية لالتهاب الأنف المزمن.

العالم العربي من داخل مجمع مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح في قطاع غزة (أرشيفية - أ.ب)

«أطباء بلا حدود»: مواصلة إسرائيل تدمير النظام الصحي في غزة ستَحرم مئات آلاف السكان من العلاج

حذرت منظمة «أطباء بلا حدود»، اليوم الأحد، من أن مواصلة إسرائيل تدمير النظام الصحي في قطاع غزة ستَحرم مئات آلاف السكان من العلاج الطبي.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
TT

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

في النسيج الواسع لتاريخ الفن التشكيلي، تبرز بعض الأعمال الفنية وتكتسب شهرة عالمية، ليس بسبب مفرداتها وصياغاتها الجمالية، ولكن لقدرتها العميقة على استحضار المشاعر الإنسانية، وفي هذا السياق تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود»، وهي كذلك شهادة على «قوة الفن في استكشاف أعماق النفس، وصراعاتها الداخلية».

هذه المعالجة التشكيلية لهموم البشر وضغوط الحياة استشعرها الجمهور المصري في أول معرض خاص لماهر البارودي في مصر؛ حيث تعمّقت 32 لوحة له في الجوانب الأكثر قتامة من النفس البشرية، وعبّرت عن مشاعر الحزن والوحدة والوجع، لكنها في الوقت ذاته أتاحت الفرصة لقيمة التأمل واستكشاف الذات، وذلك عبر مواجهة هذه العواطف المعقدة من خلال الفن.

ومن خلال لوحات معرض «المرايا» بغاليري «مصر» بالزمالك، يمكن للمشاهدين اكتساب فهم أفضل لحالتهم النفسية الخاصة، وتحقيق شعور أكبر بالوعي الذاتي والنمو الشخصي، وهكذا يمكن القول إن أعمال البارودي إنما تعمل بمثابة تذكير قوي بالإمكانات العلاجية للفن، وقدرته على تعزيز الصحة النفسية، والسلام، والهدوء الداخلي للمتلقي.

لماذا يتشابه بعض البشر مع الخرفان (الشرق الأوسط)

إذا كان الفن وسيلة للفنان والمتلقي للتعامل مع المشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن البارودي اختار أن يعبِّر عن المشاعر الموجعة.

يقول البارودي لـ«الشرق الأوسط»: «يجد المتلقي نفسه داخل اللوحات، كل وفق ثقافته وبيئته وخبراته السابقة، لكنها في النهاية تعكس أحوال الجميع، المعاناة نفسها؛ فالصراعات والأحزان باتت تسود العالم كله». الفن موجود إذن بحسب رؤية البارودي حتى يتمكّن البشر من التواصل مع بعضهم بعضاً. يوضح: «لا توجد تجربة أكثر عالمية من تجربة الألم. إنها تجعلهم يتجاوزون السن واللغة والثقافة والجنس لتعتصرهم المشاعر ذاتها».

الفنان السوري ماهر البارودي يحتفي بمفردة الخروف في لوحاته (الشرق الأوسط)

لكن ماذا عن السعادة، ألا تؤدي بالبشر إلى الإحساس نفسه؟، يجيب البارودي قائلاً: «لا شك أن السعادة إحساس عظيم، إلا أننا نكون في أقصى حالاتنا الإنسانية عندما نتعامل مع الألم والمعاناة». ويتابع: «أستطيع التأكيد على أن المعاناة هي المعادل الحقيقي الوحيد لحقيقة الإنسان، ومن هنا فإن هدف المعرض أن يفهم المتلقي نفسه، ويفهم الآخرين أيضاً عبر عرض لحظات مشتركة من المعاناة».

وصل الوجع بشخوص لوحاته إلى درجة لم يعد في استطاعتهم أمامه سوى الاستسلام والاستلقاء على الأرض في الشوارع، أو الاستناد إلى الجدران، أو السماح لعلامات ومضاعفات الحزن والأسى أن تتغلغل في كل خلايا أجسادهم، بينما جاءت الخلفية في معظم اللوحات مظلمةً؛ ليجذب الفنان عين المشاهد إلى الوجوه الشاحبة، والأجساد المهملة الضعيفة في المقدمة، بينما يساعد استخدامه الفحم في كثير من الأعمال، وسيطرة الأبيض والأسود عليها، على تعزيز الشعور بالمعاناة، والحداد على العُمر الذي ضاع هباءً.

أحياناً يسخر الإنسان من معاناته (الشرق الأوسط)

وربما يبذل زائر معرض البارودي جهداً كبيراً عند تأمل اللوحات؛ محاولاً أن يصل إلى أي لمسات أو دلالات للجمال، ولكنه لن يعثر إلا على القبح «الشكلي» والشخوص الدميمة «ظاهرياً»؛ وكأنه تعمّد أن يأتي بوجوه ذات ملامح ضخمة، صادمة، وأحياناً مشوهة؛ ليعمِّق من التأثير النفسي في المشاهد، ويبرز المخاوف والمشاعر المكبوتة، ولعلها مستقرة داخله هو نفسه قبل أن تكون داخل شخوص أعماله، ولمَ لا وهو الفنان المهاجر إلى فرنسا منذ نحو 40 عاماً، وصاحب تجربة الغربة والخوف على وطنه الأم، سوريا.

أجواء قاتمة في خلفية اللوحة تجذب العين إلى الألم البشري في المقدمة (الشرق الأوسط)

وهنا تأخذك أعمال البارودي إلى لوحات فرنسيس بيكون المزعجة، التي تفعل كثيراً داخل المشاهد؛ فنحن أمام لوحة مثل «ثلاث دراسات لشخصيات عند قاعدة صلب المسيح»، نكتشف أن الـ3 شخصيات المشوهة الوحشية بها إنما تدفعنا إلى لمس أوجاعنا وآلامنا الدفينة، وتفسير مخاوفنا وترقُّبنا تجاه ما هو آتٍ في طريقنا، وهو نفسه ما تفعله لوحات الفنان السوري داخلنا.

لوحة العائلة للفنان ماهر البارودي (الشرق الأوسط)

ولا يعبأ البارودي بهذا القبح في لوحاته، فيوضح: «لا أحتفي بالجمال في أعمالي، ولا أهدف إلى بيع فني. لا أهتم بتقديم امرأة جميلة، ولا مشهد من الطبيعة الخلابة، فقط ما يعنيني التعبير عن أفكاري ومشاعري، وإظهار المعاناة الحقيقية التي يمر بها البشر في العالم كله».

الخروف يكاد يكون مفردة أساسية في أعمال البارودي؛ فتأتي رؤوس الخرفان بخطوط إنسانية تُكسب المشهد التصويري دراما تراجيدية مكثفة، إنه يعتمدها رمزيةً يرى فيها تعبيراً خاصاً عن الضعف.

لبعض البشر وجه آخر هو الاستسلام والهزيمة (الشرق الأوسط)

يقول الفنان السوري: «الخروف هو الحيوان الذي يذهب بسهولة لمكان ذبحه، من دون مقاومة، من دون تخطيط للمواجهة أو التحدي أو حتى الهرب، ولكم يتماهى ذلك مع بعض البشر»، لكن الفنان لا يكتفي بتجسيد الخروف في هذه الحالة فقط، فيفاجئك به ثائراً أحياناً، فمن فرط الألم ومعاناة البشر قد يولد التغيير.