غارات روسية جديدة على مدن أوكرانية تتزامن مع إحباط «هجوم تفجيري»

موسكو ترفض خطة سلام «لا تقر بالواقع الجديد»... وتحذر من تسليح كييف «رقمياً»

رئيس الوزراء الروسي لدى ترؤسه اجتماعاً للحكومة في موسكو أمس (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الروسي لدى ترؤسه اجتماعاً للحكومة في موسكو أمس (إ.ب.أ)
TT

غارات روسية جديدة على مدن أوكرانية تتزامن مع إحباط «هجوم تفجيري»

رئيس الوزراء الروسي لدى ترؤسه اجتماعاً للحكومة في موسكو أمس (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الروسي لدى ترؤسه اجتماعاً للحكومة في موسكو أمس (إ.ب.أ)

أكد «الكرملين»، الأربعاء، أنه «لا يرى خطة سلام» في المقترحات التي قدّمتها أوكرانيا، وشدد على أنه لا يمكن التعامل مع أية خطة للتسوية «لا تأخذ في الاعتبار الواقع الجديد». في غضون ذلك، تزامن دويّ صفارات الإنذار في عدد من المدن الأوكرانية الكبرى التي تعرضت لضربات جوية مع إعلان موسكو أنها قتلت «عميلين للأجهزة الأوكرانية حاولا تنفيذ تفجيرات في مدينة روسية».
وجدّد الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف، الأربعاء، تأكيد موقف بلاده الرافض للاقتراحات الأوكرانية في إطار ما وصف بأنه «خطة سلام» تتألف من 10 بنود، وقال إنه «لا توجد خطة سلام يُزعم أن أوكرانيا اقترحتها».
كانت «الخارجية» الروسية قد رفضت قبل يومين «أفكاراً أوكرانية حول خطة سلام يجري إعدادها»، وجاء تعليق «الكرملين» بعد أن نشرت كييف الاقتراحات التي وضعها الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وهي تدعو إلى سحب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية المعترَف بها دولياً، مما يعني تخلي روسيا عن المناطق الـ4 التي أعلنت ضمّها، إلى جانب شبه جزيرة القرم التي استولت عليها موسكو عام 2014. وأعلنت الرئاسة الأوكرانية، في وقت سابق، أنها ستدعو لاجتماع دولي تحت رعاية الأمم المتحدة لبحث «الخطة»، وقالت إن موسكو لن تكون مدعوّة لهذا الاجتماع. وجاء الرد الروسي حازماً واستباقياً، إذ قال بيسكوف إنه «لا يمكن أن تكون هناك خطة سلام لأوكرانيا لا تأخذ في الاعتبار الحقائق المكرسة حالياً، مع دخول 4 مناطق جديدة إلى قوام روسيا الاتحادية (..) لا توجد خطة لا تقر بالوضع القائم، ولا يمكن أن تدعي أنها سلمية».

جانب من تدريبات عسكرية لجنود روس في بيلاروسيا أمس (أ.ب)

في هذه الأثناء، شنّت طائرات روسية سلسلة هجمات جديدة استهدفت البنى التحتية في مدن أوكرانية، وأعلنت مصادر إعلامية روسية وأوكرانية أن صفارات الإنذار دوّت في غالبية المدن الأوكرانية، صباح الأربعاء، بعد تحرك طائرات روسية لتنفيذ الهجوم. ولم تعلن وزارة الدفاع الروسية تفاصيل عن المواقع التي جرى استهدافها. لكن مصادر أوكرانية تحدثت عن توسيع الضربات في عدد من المواقع المجاورة لخطوط التماس، وخصوصاً قرب خيرسون وباخموت في الجنوب. في الوقت نفسه، أعلنت الوزارة أن القوات الصاروخية والمدفعية الروسية دمرت مستودعاً عسكرياً أوكرانياً في منطقة زابوروجيا. وجاء في التقرير أن «مستودع أسلحة ومُعدات عسكرية دُمّر بالقرب من قرية جوليبول بمنطقة زابوروجيا».
بالإضافة إلى ذلك، ضرب الجيش الروسي 5 مواقع قيادة للقوات المسلحة الأوكرانية في منطقة خاركيف وفي مواقع عدة داخل مقاطعة دونيتسك. ووفقاً للبيان العسكري، فقد جرى استهداف 72 وحدة مدفعية وقوة بشرية ومُعدات عسكرية في 97 مقاطعة خلال الساعات الـ24 الماضية.
في المقابل كشفت هيئة الأمن الفدرالي الروسي، الأربعاء، تفاصيل عن إحباط «هجوم تفجيري خططت له الأجهزة الخاصة الأوكرانية»، واستهدف مواقع داخل العمق الروسي. وقالت الهيئة، في بيان، إن مسلحين اثنين قُتلا أثناء محاولة اعتقالهما في جمهورية قبردينو بلقاريا (جنوب)، وقالت إنهما «كانا يُعِدان لهجوم إرهابي في مدينة تشيغيم بناء على تعليمات من جهاز الأمن الأوكراني». ونشر الجهاز الأمني مقاطع فيديو ظهرت فيها وحدات الأمن وهي تحاول اعتقال الرجلين اللذين لم يكشف عن هويتهما، قبل أن تقع مواجهات أسفرت عن مقتلهما. وزاد البيان أنه «جرى العثور في مكان الاشتباك على قنبلة محلية الصنع تعتمد على مزيج من نترات الأمونيوم ومسحوق الألمنيوم بسعة حوالي كيلوغرامين من مادة (تي إن تي) مع عناصر مدمرة، وبندقية هجومية من طراز (كلاشينكوف) ومسدس وذخيرة».
وجاء الحادث بعد مرور يومين فقط على إعلان الأمن الروسي إحباط نشاط مجموعة مسلحة أوكرانية حاولت التسلل إلى منطقة بريانسك المحاذية لأوكرانيا. وأفاد بيان بأن الجهاز الأمني قام بـ«تصفية مجموعة مسلّحة من المخرِّبين الأوكرانيين الذين حاولوا التسلل إلى الأراضي الروسية عبر منطقة الحدود الروسية الأوكرانية». وزاد أن اشتباكاً مسلحاً وقع بين قوات الأمن الروسي والمجموعة المسلحة، و«جرت تصفية 4 مسلحين حاولوا اختراق أراضي روسيا».
وأوضحت هيئة الأمن الفدرالي أنه كان بحوزة المجموعة المسلحة «أسلحة أجنبية الصنع، بينها رشاشات ألمانية وذخيرة، وأجهزة اتصال، وكذلك أدوات لارتكاب أعمال تخريبية وإرهابية، و4 عبوات ناسفة بسعة إجمالية بلغت حوالي 40 كيلوغراماً من مكافئ مادة تي إن تي».
على صعيد آخر حذر نائب وزير الخارجية الروسي أوليغ سيرومولوتوف من تنشيط الغرب عمليات إمداد كييف بتقنيات رقمية لاستخدامها في «الحرب السيبرانية» ضد روسيا. وقال الدبلوماسي إن كييف «فقدت سيادتها الرقمية وأصبحت عملياتها تخضع بالكامل لإدارة حلف الناتو». وزاد أنه «لا ينبغي الاستهانة بالتهديدات المنبثقة من الفضاء المعلوماتي الأوكراني للأمن الروسي، كييف خسرت سيادتها الرقمية، وتحولت قواتها السيبرانية لأداة لحلف الناتو في مواجهتنا عبر ما يسمى (جيش تكنولوجيا المعلومات) الأوكراني. نحن لا نتعامل مع قراصنة محليين، وإنما مع قوات الناتو السيبرانية».
وأضاف الدبلوماسي الروسي أن «حلف الناتو زاد خلال الصراع بشكل مكثف تزويد كييف بتقنيات وأسلحة رقمية بشكل لا يمكن السيطرة عليها، وهو أمر محفوف بعواقب يصعب التنبؤ بها على العالم بأسره». وقال: «من الضروري أن نفهم بوضوح أن التهديدات التي تشكلها أوكرانيا في مجال المعلومات ذات طبيعة عالمية». وفي وقت سابق قال الدبلوماسي الروسي إن عدد الهجمات الإلكترونية ضد المراكز المعلوماتية الروسية زاد بشكل قوي بعد بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، مشيراً إلى أن هذه الهجمات مصدرها بشكل رئيسي من بلدان أميركا الشمالية والاتحاد الأوروبي.
في هذه الأثناء خرج نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف باقتراح ناري جديد موجَّه لملاحقة «الخونة» الذين يعارضون الحرب في أوكرانيا. وكان السياسي الذي تحوّل خلال الصراع الحالي إلى واحد من أكثر «الصقور» تشدداً في النخب الروسية، قد اقترح مجموعة من الآليات لملاحقة معارضي سياسات «الكرملين»، بينها مصادرة أموالهم وممتلكاتهم. وكتب، الأربعاء، على صفحته على «تلغرام»، اقتراحاً جديداً موجهاً إلى الهيئة التشريعية الروسية يقوم على حرمان «الخونة الذين يكرهون بلادهم لدرجة الدعوة إلى هزيمتها» من دخول البلاد، وحرمانهم من أية مصادر دخل أو ممتلكات داخل الأراضي الروسية.
وبدا أن دعوة مدفيديف موجهة تحديداً لملاحقة الروس المقيمين في الولايات المتحدة وبلدان غربية وأعربوا عن رفض قرار شن الحرب. وأوضح مدفيديف أن هؤلاء «يثيرون الاشمئزاز»، و«فيما جنودنا يدافعون عن بلادنا بالسلاح في أيديهم، ويخاطرون بحياتهم يومياً، ويسطّرون معجزات البطولة الحقيقية، يتمنى أصحاب هذه النزوات الفاسدة الموت لمواطنيهم والدمار لبلادهم على نحو مجافٍ للعقل والمنطق». وحدد اقتراحه في «اعتبار هؤلاء الخونة أعداء للشعب، حتى لو لم يقم أحد برفع دعاوى إدارية أو جنائية ضدهم. ثانياً لا ينبغي السماح لمثل هؤلاء الأشخاص بالعودة إلى روسيا حتى نهاية أيامهم، ويجب عزلهم تماماً عن أية مصادر للدخل في بلادنا، ولا يمكن أن تجري إعادة هؤلاء الأشخاص إلى وطنهم إلا في حالة التوبة العلنية التي لا لبس فيها، وفي بعض الحالات الأخرى من خلال العفو».


مقالات ذات صلة

اليابان: مشاركة كوريا الشمالية في حرب أوكرانيا تضر بأمن شرق آسيا

أوروبا وزير الخارجية الياباني تاكيشي إيوايا (يسار) ووزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيغا في كييف (رويترز)

اليابان: مشاركة كوريا الشمالية في حرب أوكرانيا تضر بأمن شرق آسيا

حذّر وزير الخارجية الياباني، السبت، من أن دخول قوات كورية شمالية الحرب في أوكرانيا سيكون له تأثير «كبير للغاية» على الأمن في شرق آسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

زيلينسكي: إذا تحدثنا وحدنا مع بوتين... أوكرانيا ستكون الخاسرة

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة إن المفاوضات مع نظيره الروسي دون دعم (غربي) ستجعل أوكرانيا تخسر المفاوضات.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أحد عناصر جهاز الأمن الأوكراني (قناة المخابرات الأوكرانية عبر «تلغرام»)

أوكرانيا توقف ضابطا كبيرا بتهمة التجسس لصالح روسيا

أعلنت أوكرانيا، الجمعة، توقيف ضابط يقود وحدة قوات خاصة في البلاد بتهمة نقل معلومات إلى روسيا حول عمليات عسكرية سرية تنفذها كييف.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي: الحرب ستنتهي «على نحو أسرع» في ظل إدارة ترمب

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن حرب روسيا على بلاده «ستنتهي على نحو أسرع» بعد تولي إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب

«الشرق الأوسط» (كييف)
شؤون إقليمية السفينة الحربية الأوكرانية التركية «كورفيت آضا» (موقع ديفينس تورك نت)

أوكرانيا أجرت تجارب على سفينة حربية أنتجتها بشكل مشترك مع تركيا

أكملت البحرية الأوكرانية بنجاح الاختبارات على السفن الحربية «هيتمان إيفان مازيبا» من نوع «كورفيت» فئة «آضا» التي تشارك تركيا في تصنيعها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

لقاء بايدن وشي لا يبدد عدم اليقين بين القوتين العظميين

الرئيس بايدن يشارك في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في ليما عاصمة بيرو (أ.ب)
الرئيس بايدن يشارك في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في ليما عاصمة بيرو (أ.ب)
TT

لقاء بايدن وشي لا يبدد عدم اليقين بين القوتين العظميين

الرئيس بايدن يشارك في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في ليما عاصمة بيرو (أ.ب)
الرئيس بايدن يشارك في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في ليما عاصمة بيرو (أ.ب)

يلتقي الرئيس الأميركي، جو بايدن، بنظيره الصيني، شي جينبينغ، للمرة الأخيرة بصفته رئيساً للولايات المتحدة، السبت، على هامش أعمال منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في ليما عاصمة بيرو. لكن مسعى الزعيمين لخفض التوتر قبل تنصيب الرئيس المنتخب، دونالد ترمب، يواجه تحديات بسبب صراعات جديدة متعلقة بالجرائم الإلكترونية والشؤون التجارية والوضع في تايوان وروسيا.

الرئيس بايدن يصل إلى منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في ليما عاصمة بيرو (أ.ب)

وسيلتقي بايدن مع شي لإجراء أول محادثات بينهما منذ سبعة أشهر، فيما يقيّم زعماء المنطقة الآثار المترتبة على عودة ترمب إلى السلطة في 20 يناير (كانون الثاني).

حذّر الرئيس الأميركي، الجمعة، من حقبة التغيير السياسي أثناء عقده آخر اجتماع له مع حليفين رئيسيين في قمة آسيا والمحيط الهادئ (آبيك). وقال بايدن أثناء لقائه رئيس الوزراء الياباني، شيغيرو إيشيبا، والرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول، في ليما: «لقد وصلنا الآن إلى لحظة تغيير سياسي كبير»، ورجّح أن يكون هذا اجتماعه الأخير في إطار التحالف الثلاثي الذي رعاه على مدى العام الماضي ضد كوريا الشمالية والصين.

وأضاف الرئيس الأميركي أن التحالف الثلاثي «بُنيَّ ليبقى. هذا ما آمله وأتوقعه»، كما حذّر بايدن من «التعاون الخطير والمزعزع للاستقرار» بين كوريا الشمالية وروسيا، وسط مخاوف متزايدة من قيام بيونغ يانغ المسلحة نووياً بإرسال قوات للقتال في أوكرانيا.

الرئيس الصيني شي جينبينغ يشارك في أعمال منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في ليما عاصمة بيرو (أ.ب)

من المتوقع أن يستخدم الرئيس الأميركي اجتماعه الأخير مع الزعيم الصيني لحثه على إقناع كوريا الشمالية بعدم تعزيز دعمها للحرب الروسية على أوكرانيا. ويقول مسؤولون إن بايدن سيتطلع إلى قيام شي بتعزيز المشاركة الصينية لمنع تصعيد لحظة خطيرة بالفعل مع كوريا الشمالية.

وكان بايدن قد أدان، الجمعة، قرار الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، بإرسال آلاف من الجنود لمساعدة موسكو على صد القوات الأوكرانية، التي استولت على أراضٍ في منطقة كورسك الحدودية الروسية، ووصف بايدن هذه الخطوة بأنها «تعاون خطير ومزعزع للاستقرار».

بدوره دعا الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول، الجمعة، إلى مزيد من التعاون مع بكين لتعزيز «السلام والاستقرار الإقليميين»، بعد أن التقى نظيره الصيني شي جينبينغ لأول مرة منذ عامين، حسبما ذكرت وكالة «يونهاب» للأنباء، ونقلت الوكالة عن يون قوله: «آمل أن تتعاون دولتانا لتعزيز الاستقرار والسلام في المنطقة؛ رداً على الاستفزازات المتكررة من جانب كوريا الشمالية، والحرب في أوكرانيا، والتعاون العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية».

ملفات خلافية عدة

وتبادل بايدن وشي، مرات عدة، وجهات نظر متعارضة حول كيفية تنظيم علاقات بلديهما والعالم، وقال بايدن، الذي وصف شي بأنه «ديكتاتور»، إن الحفاظ على الديمقراطية كان «التحدي الحاسم لعصرنا»، في حين اتهم شي الولايات المتحدة بأنها «أكبر مصدر للفوضى» في العالم، وحذر من الأفكار الليبرالية الغربية الخطيرة.

تقول إدارة بايدن إن الرئيس يريد استخدام الاجتماع في بيرو؛ لتحدي شي بشأن القرصنة الصينية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتهديدات ضد تايوان. لكن مع تراجع رؤية بايدن للعالم، حيث يغادر المسرح العالمي، وقد تضاءلت مكانته بعد أن صوَّت الأميركيون لترمب للعودة إلى السلطة، من غير المرجح أن يولي شي، الذي يشعر بالانزعاج من تلقيه محاضرات من الغرب، الاهتمام لحديث بايدن، في ظل التباين في مكانتهما السياسية. ويظل شي أقوى زعيم للصين منذ ماو تسي تونغ، غير مقيد بحدود المدة، ومحاطاً بالموالين. وقد ألقى باللوم في المشكلات الاقتصادية التي تواجهها الصين على «الاحتواء» الأميركي.

رئيسة بيرو تستقبل رئيسة وزراء تايلاند (أ.ب)

التوسع في مناطق نفوذ واشنطن

ووسع نفوذ بكين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك دول أميركا الجنوبية، التي تعدها الولايات المتحدة مناطق نفوذها الخلفية، وهي النقطة التي أكد عليها شي هذا الأسبوع خلال افتتاح ميناء للمياه العميقة بتمويل صيني بقيمة 3.5 مليار دولار في بداية زيارته إلى بيرو.

وتشعر واشنطن بالغضب إزاء عملية اختراق مرتبطة بالصين لاتصالات هاتفية لمسؤولين في الحكومة الأميركية، وفي الحملات الرئاسية، كما أنها قلقة إزاء زيادة الضغوط من جانب بكين على تايوان ودعم الصين لروسيا.

رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا (أ.ب)

وكانت وكالة «رويترز» قد ذكرت، الجمعة، أن الرئيس التايواني، لاي تشينغ ته، يعتزم التوقف في ولاية هاواي الأميركية، وربما جزيرة غوام الأميركية، في زيارة من المؤكد أنها ستثير غضب بكين في الأسابيع المقبلة. وتنظر بكين إلى تايوان بوصفها إقليماً تابعاً لها، وأن الولايات المتحدة أهم داعم ومورد أسلحة للجزيرة، على الرغم من عدم وجود اعتراف دبلوماسي رسمي بها.

في الوقت نفسه، يواجه الاقتصاد الصيني ضربة شديدة بسبب الإجراءات التجارية التي يعتزم بايدن اتخاذها قبل مغادرة منصبه، ومنها خطة لتقييد الاستثمار الأميركي في مجالي الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات في الصين، وفرض قيود على تصدير الرقائق الحاسوبية المتطورة. وقال مسؤولون أميركيون إن كل هذه الموضوعات من المتوقع أن تتناولها المحادثات. وتنفي الصين باستمرار الاتهامات الأميركية بضلوعها في عمليات اختراق، وتعد تايوان شأناً داخلياً. كما احتجت على التصريحات الأميركية بشأن تجارتها مع روسيا. ولكن من غير الواضح بعدُ مستقبل السياسة التي انتهجها بايدن تجاه الصين، التي ركزت على التنافس دون الدخول في صراع وعلى حشد الديمقراطيات ذات التفكير المماثل لمواجهة بكين.

ومن المرجح أن يؤكد شي أن العالم كبير بما يكفي للقوتين العظميين، وأنهما بحاجة إلى التفاهم، في إشارة إلى الرئيس المنتخب ترمب، الذي يميل إلى المواجهة وتعهد بفرض رسوم جمركية بواقع 60 في المائة على الواردات من السلع الصينية ضمن حزمة من التدابير التجارية التي تتبنى شعار «أميركا أولاً».

ترمب يقلب حسابات الصين

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن شين تشيانغ، نائب مدير مركز الدراسات الأميركية في جامعة فودان في شنغهاي، قوله إن الصين تعلم أنه «بعد تولي ترمب منصبه، من المرجح جداً أن يتم عكس عدد من الوعود التي قطعها بايدن، وعدد من السياسات التي تم تبنيها أو التدابير المنفذة تماماً»، وقال إنه مع تغير السلطة في الولايات المتحدة، أصبحت السياسة الخارجية للبلاد غير متسقة بشكل متزايد.

وبعد تولي ترمب الرئاسة، قد تصبح العلاقة بين البلدين أكثر تقلباً، خصوصاً مع اختياراته لمرشحيه للمناصب العليا في إدارته، بما في ذلك النائب مايكل والتز، مستشاره للأمن القومي، والسيناتور ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية، اللذان يبحثان منذ سنوات عن أفضل السبل للضغط على بكين وتغيير سلوكها.

وفي حين كان الصينيون ينظرون إلى ترمب خلال رئاسته الأولى بشكل ساخر، فإنهم الآن يأخذونه على محمل الجد أكثر بكثير. ومع تصاعد المنافسة بين القوتين العظميين، واحتمال اندلاع حرب أو أزمة اقتصادية، سعى شي إلى إظهار أنه يقوم بدوره في الحفاظ على السلام مع الولايات المتحدة من أجل الاستقرار العالمي.

ويطرح تولي ترمب السلطة أسئلة عمّا إذا كان يريد إقامة علاقات مستقرة مع الزعيم الصيني، لكن التوترات بشأن مطالبات الصين في بحر الصين الجنوبي وتايوان، فضلاً عن دعم بكين لروسيا، تجعل العلاقات بين البلدين حقل ألغام يمكن أن يُغرق العالم بسرعة في أزمة. وبالنسبة لشي، فإن رحلته إلى أميركا الجنوبية التي سيزور خلالها البرازيل أيضاً، فرصة للتأكيد على أن الصين قوة للاستقرار في مواجهة عدم القدرة على التنبؤ بسياسات ترمب. وقد لا يكون هناك مكان أكثر أهمية للصين لإظهار قوتها الجيوسياسية من أميركا الجنوبية، نظراً لقربها من الولايات المتحدة ومجال نفوذها.

رافعات عملاقة في الميناء الجديد المُنشأ بتمويل صيني قرب العاصمة البيروفية ليما (أ.ف.ب)

ويقول الباحثان كوش أرها، وجورن فليك، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بوصفهما الاقتصادين الحرين والمنفتحَين الوحيدَين القادرَين على مواجهة النزعة التجارية الصينية، هما شريكان لا غنى لأحدهما عن الآخر في التغلب على الصين.

ويضيف الباحثان أن حصة الاتحاد الأوروبي من الناتج المحلي الإجمالي العالمي أكبر قليلاً من حصة الصين، وتبلغ قيمة الاستثمارات المتكاملة عبر الأطلسي أكثر من 5 تريليونات دولار، مع أكثر من 2.7 تريليون دولار من الاستثمارات الأميركية في أوروبا، وأكثر من 2.4 تريليون دولار من الاستثمارات الأوروبية في الولايات المتحدة، وتشكل اقتصادات ضفتي الأطلسي أكبر وأقوى تجمع اقتصادي في العالم، وتحتاج إلى الاستفادة من ميزتها الجماعية في مواجهة الخصوم العالميين المشتركين الذين يسعون بعزم إلى تقسيمهما.

ويقول الباحثان إنه ينبغي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي توحيد جهودهما لتعزيز مصالحهما المشتركة، غير مبالين بمحاولات خصومهما المشتركين لإلهائهما. ويعكس التصويت الأخير لدول الاتحاد الأوروبي على فرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية الرخيصة التي تغزو الأسواق الأوروبية، إدراك التهديد الصيني والتحديات التي تواجه توحيد الدول الأوروبية المختلفة لاتخاذ إجراءات حاسمة.