2022... عام تأرجح بين طموحات مثالية وواقع مضطرب

جدل واستغناءات... وتغير مناصب

من عرض شانيل في السنغال
من عرض شانيل في السنغال
TT

2022... عام تأرجح بين طموحات مثالية وواقع مضطرب

من عرض شانيل في السنغال
من عرض شانيل في السنغال

أحداث وتغيرات كثيرة أثرت في عالم الموضة هذا العام، وستنعكس آثارها طويلاً على ثقافتنا ككل... ثقافة تحركها نوايا طيبة من المطالبة بحقوق العاملين في صناعة الموضة، وحماية البيئة بسن قوانين صارمة، إلى البحث عن حلول بعيدة المدى، من دون أن ننسى مطالب الجيل الجديد. فهذا الأخير أصبحت له قوة تأثير يستمدها من تمكُّنه من أدوات العصر، أي وسائل التواصل الاجتماعي.
شريحة من هذا الجيل لها تطلعات مثالية في مجالات البيئة والأنشطة الاجتماعية وغيرهما، بينما هناك أيضاً شريحة أخرى متمردة على الوضع، إن لم نقل «غاضبة» من الجيل السابق، وتلقي عليه باللوم فيما آل إليه الوضع حالياً، وتطالبه بتحمل المسؤولية في تصحيح الوضع.
الإقبال على شراء منتجات رخيصة من دون التحقق من مصدرها وطرق صناعتها له مبرراته بالنسبة لهذه الشريحة من هذا الجيل.

من تصاميم توم فورد قبل تقاعده (أ.ب)

فهو من جهة يعاني من شُح الإمكانيات المادية التي تسمح له بشراء منتجات باهظة الثمن تحترم معايير الاستدامة، ومن جهة أخرى، لا يمكنه الاستغناء عن متعة الموضة.
هذه الازدواجية تضع المطالبين بالاستدامة وإحداث تغييرات جذرية في مجال الموضة، في حيرة من أمرهم، وتُبطئ من عملية الدفع بمفهوم الاستدامة إلى الأمام بالوتيرة التي يطمحون إليها.
هناك أيضاً المجموعات الكبيرة التي حققت، لعقود من الزمن، أرباحاً هائلة باعتمادها على النموذج القديم. هي الأخرى تتخبط في هذا المجال وإن كان يُحسب لها أنها بدأت فعلياً بالبحث عن طرق فعالة وجديدة سواء في ابتكار خامات صديقة للبيئة أو من خلال التقليل من إنتاجها وما شابه ذلك، بيد أنها لا تستطيع أن تستغني عن أرباح تعودت عليها طويلاً.
أكبر دليل على هذا أن وعودها خلال الجائحة بالتقليل من السفر للخفض من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تلاشت مع الهواء بمجرد عودة الحياة إلى سابق عهدها.
لم تتوقف عروض الكروز بل زاد عددها سواء بدخول بيوت لم تكن تُقدم هذا الخط من قبل الجائحة أو بعدم رغبة بعض بيوت الأزياء التقيد ببرامج أسابيع الموضة الرسمية.
دار «شانيل» التي بدأت هذا التقليد وبرعت فيه، مثلاً، قدمت خطها الخاص المعروف باسم «ميتييه داغ»، والذي تحتفل به بالأنامل الناعمة من الحرفيين المتخصصين في مجالات مهمة لا تكتمل أركان الموضة من دونهم، في السنغال. وكأن هذا لا يكفي فإنها أعلنت أنها ستعيد تقديمه قريباً في اليابان.
هذه الرغبة في عودة الحياة إلى سابق عهدها وكأن الجائحة لم تكن، طالت أيضاً مصائر مصممين عدة، تمثلت في اتخاذ قرارات قاسية استغنت فيها بيوت أزياء عن بعضهم رغم أنهم كبروا معها، وحققوا لها كثيراً قبل أن تُستنزف طاقاتهم وتتأثر ملكتهم الإبداعية تحت الضغوطات.

من تصاميم أليساندرو ميكيلي لـ«غوتشي» (أ.ب)

من أهم أحداث العام

«أسبوع لندن» يُعلن الحداد على وفاة الملكة

شهد «أسبوع لندن» نكسة كبيرة في الموسم الماضي، والذي كان من المفترض أن يتوجه لربيع وصيف 2023، وخصوصاً أن المشرفين عليه والمشاركين فيه كانوا يأملون أن يتعافى بعد جائحة «كورونا» وما خلفته من متاعب وإفلاسات، والسبب كان وفاة الملكة إليزابيث الثانية.
تسبب الحدث في صدمة لصناع الموضة في لندن تحديداً. لم يكن التوقيت الذي تزامن مع أسبوعها في صالحهم. معظم العروض المُبرمجة، إن لم نقل كلها، مرت مرور الكرام دون احتفالية أو تغطيات إعلامية؛ احتراماً للحدث الجليل، فضلاً عن أن بيوتاً كبيرة مثل «بيربري» و«راف سيمونز» ألغت عروضها أو أجلتها إلى حين انتهاء فترة الحداد.

من آخر عرض لأليساندرو ميكيلي (إ.ب.أ)

توم فورد يتقاعد مليارديراً

أخيراً، أخذ المصمم الأميركي قراره بالتقاعد إلى أجل غير مسمى. نقطة النهاية بالنسبة له كانت بيع شركته الخاصة بالمكياج والجمال.
المصمم، البالغ من العمر 61 عاماً، لمَّح منذ فترة إلى أنه يريد الابتعاد عن عالم الموضة. كانت البداية بتنحيه عن رئاسة «مجلس موضة المصممين الأميركيين» في شهر مايو (أيار) الماضي، والآن ببيع شركة حققت له أرباحاً طائلة وجعلته يتقاعد وفي رصيده 2.8 مليار دولار.
عديد من الشركات الكبيرة مثل مجموعة «كيرينغ» المالكة لبيوت أزياء «إيف سان لوران»، و«بالنسياغا»، و«غوتشي»، و«ألكسندر ماكوين» وغيرها، تنافست للاستحواذ على شركته.
في الأخير رسا الخيار على «إيستي لودر» التي قدمت أعلى سعر، وهو 2.8 مليار دولار. كان المبلغ باعتراف الكل باهظاً، لكنه بالنسبة للشركة المتخصصة في صناعة الجمال فإنه استثمار جيد... من جهة لأن اسم توم فورد له رنّة الذهب، ومن جهة ثانية لأن العطور ومستحضرات التجميل انتعشت بعد جائحة «كورونا» بشكل غير مسبوق.
ووفقاً لشروط الصفقة، سيستمر توم فورد في منصبه حتى نهاية 2023، في حين سيستمر شريكه دومينيك دو سول، رئيس مجلس إدارة «توم فورد إنترناشيونال» مستشاراً خلال الفترة نفسها، بعدها تتحول الملكية كاملة إلى «إيستي لودر».

«غوتشي» تودع أليساندرو ميكيلي (رويترز)

«غوتشي» تستغني عن مصممها

تفاجأ عالم الموضة بإعلان دار «غوتشي» خبر انتهاء عقدها مع أليساندرو ميكيلي. على الرغم من أن الشائعات كانت تدور وراء الكواليس حول الموضوع، فإن سرعة التنفيذ لم تكن متوقعة. كان الانفصال في اليوم ذاته.
العارفون بخفايا الدهاليز، يقولون إن المجموعة أمهلت المصمم وطالبته منذ فترة بإجراء تجديدات على أسلوبه بعد أن تراجعت المبيعات، لكن المصمم لم يقم بأية خطوة بهذا الاتجاه. وكان أليساندرو ميكيلي عند تعيينه مصمماً فنياً لـ«غوتشي» في عام 2015 مفاجأة سارة للدار الإيطالية ولعالم الموضة.
أدخل أسلوباً خض به المتعارف عليه، حيث دمج أسلوب الفينتاج بالنقشات المتضاربة والألوان الصارخة، بشكل لم يكن أحد يتوقع أن يلقى ترحاباً في كل أسواق العالم.
انتعشت المبيعات وزادت الأرباح ما بين عامي 2015 و2019 بشكل أثلج صدور المستثمرين. لكن بعد مرور سنوات عدة، بدأ الملل يدِب في نفوس المستهلكين الذين بدأوا يتوجهون إلى ماركات أخرى مثل «إيف سان لوران»، الأمر الذي انعكس على الأرباح.

من آخر عرض للمصمم ريكاردو تيشي لدار بيربري

سقوط كيني ويست

كان ظهور المغني الأميركي مرتدياً قميصاً كُتب عليه شعار «حياة البيض مهمة» في أسبوع الموضة بباريس الأخير، القشة التي جعلت عالم الموضة يُسارع بالتنصل من أي علاقة تربطه بالمغني صاحب ماركة «ييزي». فهذا الشعار الذي يستخدمه اليمين المتطرف الأميركي يُمثل كل معاني العنصرية التي يُندد بها العالم في السنوات الأخيرة بشراسة. إضافة إلى هذا كانت له تصريحات معادية للسامية أثارت الخوف من أي ارتباط به.
وهكذا أنهت كل من «أديداس» و«بالنسياغا» شراكتهما معه. أعلنت «أديداس» إنهاء تصنيعها كل المنتجات التابعة لمجموعة «ييزي»، التي يصممها المغني، رغم أن شراكة الشركة الألمانية مع مغني الراب كانت «إحدى أنجح الشراكات في تاريخها».

«بيربري» تستغني عن مصممها ريكاردو تيشي

هو الآخر ترك الدار بشكل سريع ومن دون مقدمات. بعد يومين فقط من عرضه لربيع وصيف 2023 في لندن، تم إعلان الخبر مرفوقاً باسم خليفته، البريطاني دانييل لي، المصمم السابق في دار «بوتيغا فينيتا». السبب حسب المتابعين أنه على الرغم من إعجاب ريكاردو تيشي بالروح البريطانية، فإنه فشل في فهمها من العُمق.
غلبت على تصاميمه للدار بصماته الخاصة مثل الأسلوب القوطي، الذي أحضره معه من دار «جيفنشي» التي عمل فيها سابقاً، وغابت الغرابة البريطانية التي تدخل في صميم ثقافتها الفنية.
صحيح أنه لم يتجاهل رموز الدار مثل الغاباردين والمعطف الواقي من المطر والكاروهات، إلا أنه لم يُضف إليها شيئاً يستحق الذكر، لا من الناحية الفنية أو الناحية التجارية.
أرقام المبيعات تقول إنه أصاب في الجانب الرجالي وخاب في الجانب النسائي، وخصوصاً عندما قرر طرح أزياء راقية بأسعار تعكس حرفيتها. ارتقى بها وجمل صورتها، لكنه تعثر في تسويقها لمستهلك تعود على أسلوب الدار الكلاسيكي وأدمنه.
الآمال الآن معقودة على خليفته دانييل لي، ليعيد للدار شخصيتها البريطانية، ومن ثم ولاء زبائنها القدامى. فهو بريطاني الهوى، كما أنه حقق لدار «بوتيغا فينيتا» التي تركها في عام 2021، كثيراً من النجاحات التي تشهد عليها مبيعات الحقائب تحديداً.

كبوة «بالنسياغا»

يقول المثل «كبوة الشاطر بعشر»، وهو ما ينطبق على دار «بالنسياغا» التي تعوَّدت على إحداث الصدمة بالتطرق إلى موضوعات حساسة لإثارة الانتباه وتحفيز الشراء على حد سواء.
نجحت في ذلك لسنوات طويلة، لكن حملتها الترويجية الأخيرة لم تكن في صالحها. أثارت عليها موجة غضب عالمية، السبب هو ظهور أطفال في الحملة وهم يحملون أكسسوارات ذات دلالات جنسية.
ظهور مستندات تحمل رسائل مبطّنة وتفاصيل أخرى تتناول الأطفال زاد الطين بلة، وهو ما ندّدت به «بالنسياغا»، مشيرة إلى أنها رفعت دعوى ضد شركة «نورث سيكس» للإنتاج، ومصمم الديكور نيكولاس دي جاردان، لتضمينهما حملتها «هذه المستندات غير الموافق عليها».
تصاعد حملة الغضب ضدها اضطر الدار المملوكة لمجموعة «كيرينغ» الفرنسية إلى تقديم اعتذار تتحمل فيه المسؤولية، وتُقر بأن هذه الأكسسوارات «لم يكن ينبغي أن تُعرض مع أطفال»، مؤكدةً أنّ ما حصل كان نتيجة قرار سيئ من قبلها، وأنها تتحمّل «كامل المسؤولية»



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.