3 جرائم قتل أسرية تفجع المصريين خلال أيام

دارت وقائعها بمحافظتي القليوبية وبورسعيد

محافظة بورسعيد شهدت جريمة بشعة أخيراً (الصفحة الرسمية للمحافظة على «فيسبوك»)
محافظة بورسعيد شهدت جريمة بشعة أخيراً (الصفحة الرسمية للمحافظة على «فيسبوك»)
TT

3 جرائم قتل أسرية تفجع المصريين خلال أيام

محافظة بورسعيد شهدت جريمة بشعة أخيراً (الصفحة الرسمية للمحافظة على «فيسبوك»)
محافظة بورسعيد شهدت جريمة بشعة أخيراً (الصفحة الرسمية للمحافظة على «فيسبوك»)

هزت 3 جرائم قتل أسرية الرأي العام في مصر خلال الأيام القليلة الماضية، ولا تزال ردود الفعل التي تعبر عن الصدمة والفجيعة تتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي. أحدث هذه الجرائم تمثل في قيام أب بذبح ابنه البالغ من العمر 17 عاماً في قرية «ميت حلفا» بمحافظة القليوبية (شمال القاهرة)؛ إذ أكد شهود عيان لأجهزة التحقيق المصرية، أن «القاتل منفصل عن أم أولاده ويقيم بقرية مجاورة، وكان دائم الاعتداء على أبنائه بالضرب، والتهديد لزوجته السابقة».
وفي نفس المحافظة، لكن بمنطقة «الخصوص»، استيقظ الجيران على جريمة لا تقل بشاعة عن الجريمة الأولى؛ إذ قام زوج بذبح زوجته البالغة من العمر 38 سنة، ثم توجّه لأداء صلاة الفجر بمنتهى الهدوء. وحين أُلقي القبض عليه وتم تضييق الخناق عليه من قبل المحققين، اعترف بأنه ارتكب جريمته بسبب «معايرة الزوجة له بفقره؛ إذ إن ظروفه المادية سيئة وانتقل من الصعيد إلى القليوبية أملاً في تحسن دخله، لكن زوجته لم تكفّ عن إذلاله نتيجة وضعه المادي»، على حد تعبيره.
وتغيرت الأدوار في الجريمة الثالثة التي جرت وقائعها في محافظة بورسعيد (شمال شرقي مصر)؛ إذ أقدمت فتاة وطفل لا يتجاوز عمره 15 سنة على ذبح أمها بعد كشفها علاقتهما الآثمة، مستخدمين «عصا خشبية مُثبَّتاً فيها مسامير، ومطرقة وماء مغلياً وسكيناً وكأساً زجاجيّة مكسورة»، بحسب بيان النيابة الذي أشار إلى أن سبب الجريمة يعود إلى «إحاطة الأم بالعلاقة الآثمة» التي انخرطت فيها ابنتها والطفل.
وبحسب باحثين، «لم تعد تشكّل هذه النوعية المخيفة من الجرائم حالات فردية، وإنما تُعد ظاهرة تستوجب من الحكومة وصنّاع الرأي العام الوقوف على أسبابها والحد من معدلاتها».
وكشفت دراسة بجامعة عين شمس أجريت العام الماضي، أن جرائم العنف الأسري باتت «تشكّل ربع إلى ثلث جرائم القتل في مصر»، في حين أكدت دراسة أخرى للمركز القومي للبحوث، أن «الخلفية الاقتصادية والاتهامات المتعلقة بالشرف والأخلاق تقف وراء 92 في المائة من الجرائم العائلية» بالبلاد.
ويلقي الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، باللائمة على عدة عوامل مجتمعة تغذي ظاهرة القتل العائلي، مثل «الضائقة المالية التي تجعل انفلات الأعصاب وارداً بقوة، وانتشار تعاطي المخدرات، فضلاً عن التنشئة الخاطئة للولد في مجتمع ذكوري واعتقاده بأن ضرب المرأة عموماً، سواء كانت زوجته أو أخته أو حتى أمه، هو أمر مشروع له باعتباره رجلاً، ويندرج تحت ذلك قيام أحدهم بذبح ابنه لمجرد تأديب طليقته».
ويضيف الدكتور سعيد قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «اعتاد البعض التعامل العنيف مع أي اختلاف باعتباره وسيلة مشروعة للتربية وحل الأزمات. والحل يبدأ بالاعتراف بوجود المشكلة والتوعية بها في المدارس، مع وجود خطوط تليفونات ساخنة للاستغاثة الفعالة، فضلاً عن إدانة هذا النموذج في الأفلام والمسلسلات التي بدأت تمجّد نموذج البطل (البلطجي) في بعض أعمالها دون أن تعي أن العنف يولّد العنف، ومن اعتاد على استخدامه في معاقبة الجيران سيأتي اليوم الذي يستخدمه داخل بيته».
وتحذر الباحثة في علم الاجتماع، مروة نبيل، من «الاعتقاد بأن ظاهرة العنف العائلي تقتصر فقط على البيئات الاجتماعية الأقل وعياً، أو ذات المستوى الاقتصادي المنخفض»، مشددة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن هناك «ما يُعرف بظاهرة المحاكاة أو التقليد؛ إذ تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد الذبح، سواء التي حدثت في الواقع أو ضمن عمل درامي، بكثافة شديدة، وبالتدريج وعلى نحو لا شعوري يصبح القتل بدم بارد شيئاً عادياً».



معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
TT

معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)

ما إنْ تدخُل معرض «المجهول» للفنان التشكيلي المصري أحمد مناويشي، حتى تستوقفك وجوه لوحاته، بريشة حرّة تستكشف ملامحَ وأحداثاً غامضة. أعماله تبحث عن مشاعر عميقة وعلامات استفهام تحضّك على التحليل وفكّ الألغاز.

ينقسم معرض مناويشي في غاليري «آرت ديستريكت» بمنطقة الجميزة البيروتية إلى قسمين، من بينها ما يروي حكايات أشخاص اختبأت مشاعرهم تحت الأقنعة الواقية من جائحة «كورونا»، وأخرى رسمها حديثاً لمَن عاشوا الحرب الأخيرة في لبنان.

يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)

مع هذا المعرض، يستعيد غاليري «آرت ديستريكت» عافيته. فالحرب منعته قسرياً من إقامة نشاطات ثقافية. ومن خلال «المجهول»، يعلن صاحبه المصوّر الشهير ماهر عطّار انطلاق الموسم الفنّي في الغاليري.

في الجزء الأول من مجموعة أحمد منشاوي، تصطفُّ سلسلة لوحات صغيرة، تصوِّر جميعها وجوهاً يعتريها القلق. فالفنان المصري لفتته ملامح الإنسانية في زمن «كورونا». كان يرى الإنسان يمشي مرتدياً القناع خوفاً من الإصابة بالعدوى. وهو ما حضَّه، خلال إقامته في بروكسل، على تخيّل ملامحه الأصلية. وفي 30 لوحة يئنُّ أصحابها تحت وطأة أحاسيسهم، يُترجم أفكاره. مجموعة من النساء والرجال تصرخ بصمت، فتُخرج غضبها وقلقها وحزنها عابسةً في معظم الوقت.

تقنيته المرتكزة على الأكليريك تتدخَّل فيها أحياناً أنامل الفنان بعيداً عن ريشته (الشرق الأوسط)

يوضح مناويشي لـ«الشرق الأوسط»: «بدأتِ التجربة عندما كنتُ في بروكسل عام 2021. كانت مفاعيل الجائحة لا تزال تسيطر على حياتنا. جميعنا اعتقدنا بأنّ هذه الحقبة أبدية، كأنَّ سوادها لا حدود له. فرحتُ أتخيّل الناس الذين أراهم كأنهم خلعوا أقنعة الوقاية ورسموها. جميعهم كانوا مجهولين بالنسبة إليّ، ولا تربطني بهم أي علاقة. عندما عدتُ إلى لبنان، انتابتني الأحاسيس عينها. كانت الحرب محتدمة، وكان الناس قلقين، لا يعرفون مصيرهم. فرأيتُ بوضوح المجهول الذين يتخبَّطون فيه. حالة الترقب هذه حرّضت ريشتي على التحرُّك من جديد. ومن خلال تلك الحالتين، تناولتُ موضوع (المجهول)، إنْ من ناحية المشاعر أو المصير».

الإحساس بالتأرجُح في طريق لا رؤية واضحة لنهايتها، يُترجمه أحمد مناويشي. ويعترف من خلال ريشته بأنّ الانتظار مخيف، فكيف إذا كانت الأجواء التي يعيشها الناس غامضة؟

تحمل وجوه لوحات مناويشي أسئلة مختلفة تتعلّق بقلق المصير (الشرق الأوسط)

في واحدة من لوحاته، يشير إلى شخصيات مجموعة «أنونيموس» العاملة في مجال «النضال» عبر الاختراق البرمجي. راجت أعمالها المثيرة للجدل عام 2003، فمثَّلت مفهوماً لمستخدمي الإنترنت المجهولين. حينها، عَبَروا من العالم الواقعي إلى الوهمي في أعمال تتعارض مع الرقابة. اخترقوا مواقع حكومية عدّة، وأنظمة كومبيوتر أهم شركات الحماية. وولَّدوا «بلبلة» على أصعدة مختلفة، وهم يرتدون أقنعة تُعرَف بـ«جاي فوكس».

يتابع الرسام المصري: «قناع (الأنونيموس) كان الأشهر في القرن الحالي، فرغبتُ بالربط بينه وبين عنوان معرضي، لتُولد هذه اللوحة الوحيدة عن تلك المجموعة. مبدأ هؤلاء يرتكز على الثورة ورفض حُكم الدولة العميقة والسلطات العليا».

لم يعنون مناويشي لوحاته بأسماء معيّنة، فتركها مجهولةً. يقول: «رغبتُ في أن يسمّيها ناظرها كما يشتهي. أرنو إلى هذا التفاعل المباشر بين المُشاهد واللوحة». وهو يميل إلى المدرسة التعبيرية في الفنّ التشكيلي: «أحبُّ حالة الحركة في لمسات اللوحة وموضوعها، وأرغب في التواصل معها القائم على الشعور بأنها حيّة، فلا تكون باهتة تمرّ من دون تَرْك أثرها على ناظرها. لذلك، تسير ريشتي بشكل غير مُنتظم باحثةً عن نَفَس لا ينقطع؛ ومرات تتدخَّل أناملي مباشرة، فأبتعدُ عن ريشتي لتخرُج أعمالي من رتابتها، وتكسر تلك القدرة على التحكُّم التقليدي بمشاعر مُشاهدها».

تؤلّف الألوان التي يستعملها مناويشي حالةً بذاتها. فهو جريء باختيارها زاهيةً مرّات؛ ودافئة أخرى. يُحدِث زوبعة بألوان تبدو ثائرة، فتُعبّر عن الظلم والقلق والعنف: «مشاعر الإنسانية لا يمكن حصرها في بوتقة واحدة. وهذه الألوان تعبّر عن المشهدية المدفونة في أعماقنا، فتُبرز التنوّع في أحاسيس تنتابنا وفيها كلّ الاحتمالات. وهنا يأتي دور المتلقّي الذي يرى اللوحة من وُجهة نظره، ويُلاقي ما يمثّل تفكيره ومشاعره في أحد هذه الألوان».

ينقسم «المجهول» إلى قسمين من الأعمال التعبيرية (الشرق الأوسط)

في قسم لوحات الحرب، تأخُذ أعمال الرسام أحمد مناويشي منحى آخر، فيكبُر حجمها بشكل ملحوظ لتضع تفاصيل الوجه تحت المجهر. يعلّق: «هذه المساحات الكبيرة تزوّدنا بفرصة للتوضيح بشكل أفضل. فالعبور من زمن (كورونا) إلى زمن الحرب، كان لا بدَّ أن يحمل التطوّر. واعتمدتُ هذا التغيير؛ لئلا أقع في التكرار والتشابُه».

وأنت تتجوَّل بين أقسام معرض «المجهول»، تستوقفك ملامح وجه رجل حائر، ووجه امرأة تنظر إلى الغد بعتب. وأحياناً تلمس صلابة وجه آخر على شفير هاوية. وفي أخرى، تحملك ملامح رجل تلقّى صفعات الحياة بعينين حزينتين. لكنَّ جميع الشخصيات لا تبدو مستسلمة لقدرها، كأنها تقول: «وماذا بعد؟» على طريقتها.

يبرُز العنصر الأنثوي بوضوح في مجموعة «المجهول». وهنا كان لا بدَّ للرسام التشكيلي أن يعترف: «النساء لا يعرفن إخفاء أحاسيسهن ببراعة. مشاعرهن تخرج بقوة. لذلك نكتشفها بصورة أسهل من تلك الموجودة عند الرجل. فالأخير يحاول أن يُظهر صموداً تجاه مشاعره. ويفضّل ألا تُقرأ بسهولة».

يؤكد أحمد مناويشي أنه لا يحبّ تقييد نفسه بأسلوب رسم واحد. ويختم: «أفضّل التنويع دائماً، وعدم طَبْع لوحاتي بهوية واحدة كما يحبّ بعضهم. أُشبّه نفسي بروائي يؤلّف القصص ليستمتع بها القارئ، فلا يكرّر نفسه أو يقدّم ما يتشابه. ما أنجزه اليوم في عالم فنّ (البورتريه)، لم أقاربه مِن قبل. هو نافذة للتعبير. وهذا الاختلاف في الأسلوب يُحفزّني على دخول مدارس فنّية مختلفة. ما يهمّني هو تقديمي للناس أعمالاً يستمتعون بها فتولّد عندهم حبَّ الاكتشاف».