سوريا تعاني أسوأ أزمة وقود في تاريخها

لنقص الإمدادات الإيرانية وحرب أوكرانيا وانهيار المصارف اللبنانية

سوريون يصطفون خارج محطة وقود في إدلب شمال غربي البلاد (أ.ف.ب)
سوريون يصطفون خارج محطة وقود في إدلب شمال غربي البلاد (أ.ف.ب)
TT

سوريا تعاني أسوأ أزمة وقود في تاريخها

سوريون يصطفون خارج محطة وقود في إدلب شمال غربي البلاد (أ.ف.ب)
سوريون يصطفون خارج محطة وقود في إدلب شمال غربي البلاد (أ.ف.ب)

بدعم من إيران وروسيا، سحق نظام بشار الأسد التمرد بوحشية وبات يسيطر الآن على نحو ثلثي البلاد، لكن الصراع الطويل، والعقوبات الغربية، وانهيار النظام المصرفي اللبناني المجاور، دفعت بالاقتصاد إلى حافة الانهيار، مما أوصل سوريا إلى أسوأ أزمة وقود في تاريخها، وفق تقرير لصحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية، تابعت جزءاً منه من داخل سوريا.
بسبب هذه الأزمة بات كثير من مرافق البلاد معطلاً؛ حيث لا يوجد وقود للمولدات الكهربائية لتوفير التيار الكهربائي، وتوقفت المصانع عن العمل، وألغت الجامعات فصولها الدراسية، وأصبح انقطاع التيار 22 ساعة يومياً أمراً مألوفاً في دمشق وضواحيها.
يوسف؛ سائق سيارة أجرة في حلب، كان أجره الذي يتحصل عليه كافياً لإعالة أسرته، على الرغم من طول أمد الأزمة لنحو 12 سنة، غير أن النقص الحاد في الوقود خلال الأسابيع الأخيرة، أدى إلى إصابة المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في سوريا بالشلل، وبات يوسف (37 عاماً) عاجزاً على نحو متزايد عن العثور على الوقود لتشغيل سيارته، ناهيك بتحمل ثمنه. فاتجه إلى أعمال بسيطة لمساعدة أسرته على النجاة مما يقول الخبراء والسكان إنها إحدى أسوأ الأزمات التي ضربت البلاد منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.
في هذا السياق، قالت إيما فورستر، مديرة إدارة السياسة والاتصالات في «المجلس النرويجي للاجئين في سوريا» بدمشق، إن الآثار المتتالية لأزمة الوقود كانت واسعة النطاق، مضيفة: «في السابق كان الوقود متاحاً، لكنه كان مكلفاً جداً، والآن بات غير متوفر على الإطلاق، وهو ما كان له تأثير بالغ على كل جوانب الحياة في سوريا، والتي كانت بالفعل صعبة تماماً بالنسبة لكثيرين».
وفي تقرير صدر الشهر الحالي، حذرت الأمم المتحدة من أن 15.3 مليون شخص في سوريا، في حاجة إلى مساعدات إنسانية، وهو أكبر عدد من المحتاجين منذ بداية الصراع.
وقالت فورستر إن نقص الطاقة يؤثر على أنظمة الرعاية الصحية والتعليم والمياه. ومع اقتراب صقيع الشتاء، بات الناس يلجأون إلى حرق «أي شيء يمكنهم العثور عليه للتدفئة؛ الخشب إذا استطاعوا توفيره، والقمامة، والأكياس البلاستيكية، والإطارات المطاطية، والملابس والأحذية القديمة، وحتى قشر الفستق».
وفي إجراء نادر؛ أعلنت الحكومة، التي تُعدّ «بالغة الحرص في رسائلها العامة»، وفقاً للصحيفة، أن مكاتبها ستغلق ليومي عمل في الشهر الحالي. وقال أحد الموظفين الحكوميين في دمشق، عرف نفسه باسم «أبو عمر» فقط: «يبدو أننا نعود إلى العصر الحجري، ففي الأسبوعين الماضيين لم نتمكن من الذهاب إلى العمل سوى 5 مرات فقط».
وزير النفط السوري، بسام طعمة، ألقى باللائمة في نقص الوقود على التعليق المؤقت لشحنات النفط الوارد من إيران؛ الحليف الرئيسي لحكومة الأسد والمورِّد الرئيسي للوقود منذ بداية فرض العقوبات الغربية في السنوات الأولى من الحرب.
غير أن جهاد يازجي، رئيس تحرير نشرة الأخبار الاقتصادية «سوريا ريبورت»، أوضح للصحيفة البريطانية أن البيانات المتعلقة بشحنات الوقود بين البلدين تبدو غير مكتملة، ولا يزال سبب خفض إيران إمدادات النفط غير واضح، وأنه «ما من سبب لعدم تصديق الحكومة في هذا الشأن، خصوصاً أنها تجني كثيراً من المال في هذا القطاع». واستطرد: «الإمدادات الإيرانية قد انخفضت بالفعل. وإذا لم يكن الأمر كذلك؛ فما كان وزير النفط سيلوم الإيرانيين على أزمة داخلية».
يُذكر أن شراء واردات الوقود الإيرانية عادة ما يجري بالدَّين، وسيجبر النقص الحكومة على البحث عن إمدادات من مكان آخر يجب أن يدفع ثمنها نقداً من احتياطاتها الضئيلة من العملات الأجنبية.
كما ألقى مسؤولون حكوميون اللوم في نقص الوقود على العقوبات الأميركية والحملة العسكرية التركية الأخيرة في شمال شرقي سوريا، بقولهم إن ضرباتها الجوية ألحقت أضراراً بالبنية التحتية للطاقة؛ بما في ذلك المصافي ومحطات الطاقة، كما يلومون كذلك الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أسهم في ارتفاع الأسعار.
ومع شح الإيرادات والفساد المستشري، خفّضت الحكومة، منذ بداية العام الحالي، الدعم الذي بات الناس في أمسّ الحاجة إليه، وفقد ملايين السوريين القدرة على الحصول على المواد الغذائية والمنتجات النفطية المدعومة، غير أنه يحقّ لأولئك الذين ما زالوا يتمتعون بحق للحصول على الوقود المدعوم، الحصول على 25 لتراً من البنزين كل 10 أيام، لكن السكان والمحللين يقولون إنه لا يمكنهم الحصول على الوقود إلا مرة كل 20 يوماً. لكن في الوقت الحالي يقول الخبراء إنه من غير المرجح أن تكون للأزمة تداعيات سياسية أوسع على نظام الأسد.
ووفق يازجي؛ فإن «النظام على استعداد لتدمير البلاد برمتها للبقاء في السلطة».
يُذكر أن الحكومة كانت قد ضاعفت سعر الوقود غير المدعوم إلى 5400 ليرة سورية للتر الديزل، و4900 ليرة للتر البنزين، كما خفّضت مخصصات الوقود بنسبة 40 في المائة لمصلحة المركبات الحكومية حتى نهاية العام.
وبالنسبة لكثيرين؛ لم تؤدّ بداية الشتاء سوى إلى تفاقم الأزمة، وها قد بدأ يوسف يشعر بالذعر مما تحمله الأيام المقبلة، وهو ما عبّر عنه لـ«فايننشيال تايمز» بقوله: «كان الشتاء الماضي صعباً، لكن هذا الشتاء يمكن أن يقتلنا».



بنك إنجلترا يحذر من تأثير زيادة الحواجز التجارية على النمو العالمي

بنك إنجلترا في الحي المالي لمدينة لندن (رويترز)
بنك إنجلترا في الحي المالي لمدينة لندن (رويترز)
TT

بنك إنجلترا يحذر من تأثير زيادة الحواجز التجارية على النمو العالمي

بنك إنجلترا في الحي المالي لمدينة لندن (رويترز)
بنك إنجلترا في الحي المالي لمدينة لندن (رويترز)

حذر بنك إنجلترا يوم الجمعة من أن زيادة الحواجز التجارية قد تؤثر سلباً على النمو العالمي وتزيد من حالة عدم اليقين بشأن التضخم، مما قد يتسبب في تقلبات في الأسواق المالية.

وقال بنك إنجلترا، دون الإشارة بشكل خاص إلى فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، إن النظام المالي قد يتأثر أيضاً بالاضطرابات في تدفقات رأس المال عبر الحدود وانخفاض القدرة على تنويع المخاطر، وفق «رويترز».

وأضاف أن «انخفاض التعاون الدولي في مجال السياسات قد يعوق تقدم السلطات في تحسين مرونة النظام المالي وقدرته على امتصاص الصدمات المستقبلية».

وفي حين أظهرت الأسر والشركات والبنوك في المملكة المتحدة أنها في حالة جيدة، فإن القطاع المالي في البلاد يواجه مخاطر «ذات أهمية خاصة» نظراً لانفتاح الاقتصاد البريطاني.

ومن بين التهديدات الأخرى ارتفاع مستويات الدين العام في العديد من الاقتصادات في مختلف أنحاء العالم. وقال التقرير إن «حالة عدم اليقين والمخاطر التي تهدد التوقعات قد زادت».

وأضاف بنك إنجلترا أنه لا يزال يعتقد أن التقييمات والعوائد في الأسواق المالية «عرضة لتصحيح حاد» بسبب المخاطر التي تهدد النمو والتضخم وعدم اليقين بشأن أسعار الفائدة. وحذر من أن مثل هذا التصحيح قد يتفاقم بسبب نقاط الضعف المستمرة في التمويل القائم على السوق وقد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض للأسر والشركات في المملكة المتحدة.

وأشار إلى أن أحدث اختبارات المرونة التي أجراها على البنوك البريطانية أظهرت أنها تتمتع برأس مال جيد وسيولة وفيرة. لكن المؤسسات المالية غير المصرفية، مثل صناديق التحوط، لا تزال عرضة لصدمات مالية مفاجئة، وأنه ليس بإمكان جميع هذه المؤسسات الوصول إلى التمويل الضروري في أوقات الأزمات. وأوضح أن القطاع المتنامي للمؤسسات المالية غير المصرفية قد عزز من مرونته، إلا أن اعتماده على التمويل البنكي في أوقات الأزمات قد يؤدي إلى «مخاطر أكبر على الاستقرار المالي».

وعلى خلاف اختبارات الضغط التقليدية التي تركز على كيفية تأثر ميزانيات البنوك والمؤسسات المالية الأخرى خلال الأزمات، استعرض اختبار بنك إنجلترا الشامل كيف يمكن لتصرفات شبكة كاملة من المؤسسات المالية، بما في ذلك البنوك وصناديق التحوط وشركات التأمين والمقاصة المركزية، أن تُفاقم الصدمات الاقتصادية.

وتصور السيناريو الافتراضي حالة من «تفاقم التوترات الجيوسياسية» التي تؤدي إلى صدمة سوقية مفاجئة وشديدة. وقد يصبح هذا السيناريو أكثر احتمالاً بعد فوز ترمب، حيث هدد مراراً بفرض رسوم جمركية على الواردات الأجنبية، مما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات التجارية والسياسية مع دول مثل الصين.

وقد أظهرت نتائج اختبار بنك إنجلترا المخاطر المستمرة في قطاع المؤسسات المالية غير المصرفية، حيث تتوقع العديد من هذه المؤسسات أن تتمكن من الاعتماد على تمويل «الريبو» من البنوك، وهو أمر قد يكون غير متاح في حالات الأزمات.

كما أشار إلى أن سوق سندات الشركات بالجنيه الاسترليني ستواجه ضغطاً كبيراً، حيث ستضطر الصناديق التي تحاول جمع السيولة إلى بيع السندات في سوق متهالك، مما يؤدي إلى «قفزة نحو عدم السيولة» مع قلة المشترين.

ورغم أن هذا الاختبار الشامل كان يهدف بشكل أساسي إلى توعية المؤسسات المالية بالمخاطر المحتملة بدلاً من اتخاذ إجراءات سياسية مباشرة، أكد بنك إنجلترا أن استنتاجاته تدعم الجهود الدولية لفهم وتنظيم القطاع غير المصرفي المتنامي. ويشمل ذلك المراجعات المتزايدة من قبل المنظمين في مختلف أنحاء العالم للقطاع الذي يمثل الآن حوالي نصف النظام المالي العالمي، بعد عدة حوادث تطلبت دعماً لهذه المؤسسات في السنوات الأخيرة.

وفي المستقبل، يخطط البنك المركزي لإجراء اختبارات مرونة كاملة للبنوك كل عامين اعتباراً من عام 2025، وذلك لتقليل العبء الإداري على المقرضين والسماح للبنك بالتركيز على المخاطر المالية المحتملة الأخرى. وسيتم إجراء اختبارات معيارية أقل تفصيلاً حسب الحاجة بين تلك السنوات.

واحتفظ بنك إنجلترا بمتطلب رأس المال المعاكس للتقلبات الدورية (CcyB)، أو متطلب رأس المال «للأيام الممطرة» للبنوك التي يمكن السحب منها في الأوقات العصيبة، عند مستوى محايد بنسبة 2 في المائة.