الصحافية ناديا ببليسي: اضطررت للتنكر من أجل مهمة صحافية

الصحافية ناديا ببليسي تعشق العمل الميداني منذ تخرجها الجامعي، حيث كانت تتعامل مع ملف الأسرى الفلسطينيين، وحين بدأت الانتفاضة الأولى في ديسمبر (كانون الأول) عام 1987 تركت عملها المكتبي، وأغرتها فكرة نقل قصص ومعاناة الناس في المخيمات الفلسطينية، وأعطتها شعورا بأنها تقدم خدمة للمجتمع وخصوصا أن غزة كانت منطقة متجاهلة من الصحافة الغريبة، وتعتبر ناديا الصحافية العربية الوحيدة التي أجرت ست مقابلات مع الرئيس جورج بوش، وتقول في حوارها مع «الشرق الأوسط»: «عبر البريد الإلكتروني أدركت منذ البداية أنني أريد أن أكون صحافية لأنها في الحقيقة مهنة مميزة فيها روح المغامرة وفيها محاولات البحث عن الحقيقة وتضعك في مواجهة مباشرة مع الحدث، تلتقي بأشخاص يتركون أثرهم في حياتك». وجاء الحوار على النحو التالي:
* كيف بدأت حياتك المهنية كصحافية؟ وهل أصبحت عند لحظة معينة على يقين بأنك اخترت الوظيفة الصائبة؟
- بدأت مشواري الصحافي مع وكالة الصحافة الفرنسية، كنت خريجة جامعية حديثة، وعملت مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكنت أتعامل مع ملف الأسرى الفلسطينيين، وحين بدأت الانتفاضة الأولى في ديسمبر (كانون الأول) عام 1987 تركت عملي المكتبي وراتبي الجيد، وأغرتني فكرة العمل الميداني ونقل قصص ومعاناة الناس في المخيمات الفلسطينية، وأعطتني شعورا بأني أقدم خدمة للمجتمع وخصوصا أن غزة كانت منطقة متجاهلة من الصحافة الغريبة. غطيت أحداثا كثيرة في القطاع من مواجهات بين الشباب والجيش الإسرائيلي وأحيانا كنت أعلق في المنتصف. في ذلك الوقت لم يكن هناك سترات واقية للصحافيين لكن حبي للعمل الصحافي كان يدفعني لنقل الأحداث رغم خطورتها. في تلك اللحظات أدركت أنني أريد أن أكون صحافية لأنها في الحقيقة مهنة مميزة فيها روح المغامرة وفيها محاولات البحث عن الحقيقة وتضعك في مواجهة مباشرة مع الحدث، تلتقي بأشخاص يتركون أثرهم في حياتك.
* ما هي أول قصة صحافية قدمتها؟ ومتى وكيف تتذكرينها؟
- أول قصة إذا لم تخني الذاكرة كانت من مخيم جباليا في قطاع غزة، حيث كنت أزور المخيم لأول مرة وكان الجنود الإسرائيليون يحيطونه من كل مدخل، وعبرت متنكرة بثوب فلسطيني وبغطاء للرأس لإعداد تقرير ميداني عن الحياة داخل المخيم ومعاناة الأطفال والنساء بالتحديد.
* ما هي القصة التي تأملين في تقديمها قريبا؟
- أتمنى أن أعود إلى سوريا على رغم أن الوضع خطير جدا بالنسبة للصحافيين، لكنني أريد أن أقوم بتقرير مطول شبه وثائقي عن الحياة في زمن الحرب، فنحن نرى فقط المقاتلين، والقصف والدمار على شاشات التلفزيون، لكن تأثير الحرب على حياة جيل من السوريين ستبقى معهم لسنين قادمة. واقع بائس، لكن التعلق بالحياة يبقي على وميض شمعة صغيرة تضيء لهم الطريق.
* من هو كاتبك المفضل (كاتبتك المفضلة) محليا وعالميا؟
- لا يوجد كاتب واحد مفضل لكني من عشاق أعمال الروائي الكبير نجيب محفوظ، وقد قرأت معظم رواياته وأنا لم أتجاوز السادسة عشرة. أحب أيضا الروائي السعودي عبده خال. أسلوبه وطرحه لقضايا اجتماعية مهمة في العالم العربي متميز جدا لدرجة أنني أخشى القراءة بسرعة حتى لا تنتهي الرواية. يعجبني أيضا أسلوب الروائي العراقي سنان أنطوان. أما أقرب الكتاب الفلسطينيين إلى قلبي فهو الراحل غسان كنفاني الذي أعتبر روايته «رجال في الشمس» من روائع الأدب الفلسطيني، كذلك أحب القراءة للكاتب الأفغاني الأصل خالد حسيني. أقدر جرأة نوال السعداوي في الكتابة وعلى المستوى العالمي تجذبني كتابات اورهان باموك وجارسيا ماركيز وويليام بويل.
* من هي الشخصية الإعلامية، حسب رأيك، الأصلح كمثل أعلى يحتذى في الإعلام المرئي والمسموع في بلدك؟
- لا أجد أي شخصية إعلامية عربية أقول بأنها مثلي الأعلى بصراحة لأن الإعلام العربي ليس حرا بشكل كامل، وهو يعكس حال المجتمع. نحن لا نزال بعيدين عن المهنية الحقيقية في إعلامنا المكتوب والمرئي. هذا لا يعني عدم وجود بعض الصحافيين المتميزين لكنهم قلائل جدا.
* كيف تنجحين في تقسيم وقتك لإنجاز المهام الإعلامية المستمرة؟
- الوقت مهم للصحافي، العمل التلفزيوني هو عمل فريق، فلدينا منتج ومصورون ومسؤول في المكتبة وحتى متدربون يساعدوننا، لكن المسؤولية الأولى تقع على المراسل. فأنا أراقب الأخبار على مدى أربع وعشرين ساعة. في الحقيقة العمل مع محطة إخبارية بالنسبة لي هو نمط حياة لا تستطيع أن تأخذ وقتا للراحة حتى لو كنت في إجازة فأنا أتابع الأخبار لأني أحبها، ولا أريد أن أقول إدمان لكنه حب حقيقي وإلا ستترك في مرحلة ما.
* ما هي عدد ساعات العمل التي تمضينها خلال الأسبوع، وهل ذلك يترك لك الكثير من الوقت لكي تمضينه مع الأسرة؟
- أنا أرى أن عملي الصحافي لا يرتبط بساعات معينة، فأنا لست موظفة حكومية، بل مستعدة للعمل أربعا وعشرين ساعة إذا تطلبت المهمة. أحب أن أكون السباقة في الخبر وأن أعمل بجهد لخلق شبكة من المصادر وهذا يتطلب ساعات طويلة لكني أثمن حياتي العائلية التي تأتي دوما في المقام الأول، أحيانا أنا أكون مضطرة للخيار بين حضور مؤتمر صحافي مهم أو المشاركة في ندوة مدرسية لابنتي ودائما أختار ابنتي.
* هل لديك فريق عمل خاص يساعدك بشأن البرامج التلفزيونية؟
- لا، لا يوجد لدينا فريق، فهذا أكثر موجود في الصحافة الغربية التي تحرص على وجود فريق متكامل. أكثر ما لدينا هو المنتج، وهو يعمل لكل المراسلين في المكتب.
* ما رأيك في الإعلام الجديد وهل – في رأيك – سيحل محل الإعلام التقليدي؟
- الإعلام الجديد مهم جدا، وهو مكمل للإعلام التقليدي لكنه لا يستطيع أن يحل مكانه لأنه إعلام غير محترف. بمعنى أنه إعلام المواطن الصحافي. بإمكان أي شخص أن يكتب خبرا دون أن يتأكد من صحته ولا يوجد هناك عواقب أو ملاحقة من مسؤول. لكنه في الوقت ذاته منح صوتا للمواطنين الذين لا يثقون في إعلام بلادهم الرسمي وأعطاهم الفرصة للحديث بحرية عن كل القضايا سياسية أو اجتماعية.
* هل في رأيك أنه من المهم، على نحو خاص، وجود الصحافي المتخصص بتغطية أخبار معينة، مثل أن تكون لديه معرفة خاصة بتنظيم «القاعدة» أو أفغانستان أو العراق؟
- التخصص مهم، فالصحافي يجب أن يكون قارئا جيدا وأن يلم بثقافة عامة وأن يستطيع الحديث بتمكن عن أي موضوع يغطيه مثل الحروب أو التنظيمات الجهادية، فالناس تنظر إليه على أنه مصدر خبر لذا فالمسؤولية عليه كبيرة. للأسف نحن نفتقد لهذا في العالم العربي. نادرا ما نرى صحافيا متخصصا. فمثلا في الغرب الصحافي الذي يغطي مواضيع قضائية تتعلق في المحاكم يكون في معظم الأحيان محاميا مثل بيت ويليامز من قناة «إن بي سي»، أو الذي يغطي مواضيع طبية يكون طبيبا مثل سانجاي جوبتة من «إل سي إن إن» وهكذا.
*ما هي، بالنسبة لك، المدونة المفضلة أو الموقع الإلكتروني المفضل؟
- أنا أقرأ الكثير من المدونات والمواقع الإلكترونية يوميا وهي مهمة لعملي الصحافي. أقرأ لناشطين مصريين مثل ساند منكي وأقرأ لليبيين ويمنيين وسوريين. أما المواقع الإلكترونية فأنا أقرأ «العربية نت»، «الحياة» و«الشرق الأوسط»، «القدس»، «نيويورك تايمز»، «واشنطن بوست»، «وول ستريت»، «لوموند» العربي، «الغارديان» و«الإيكونوميست».
* ما هي نصيحتك للصحافيين الشباب في بداية حياتهم الإعلامية؟
- أهم نصيحة هي الحرص على الموضوعية، المصداقية، وتحري المصادر قبل الكتابة. المهنية هي الأساس رغم أننا جميعا نعمل ضمن خطوط حمراء، لكن هذا لا يعني أن الصحافي لا يستطيع أن يكون محايدا قدر الإمكان. واجبنا ألا نمدح هذا المسؤول أو ذاك، وأن نعطي حقائق وليس وجهة نظر. فالصحافي ليس ناطق باسم حزب. عليه أيضا أن يحضر جيدا لأي موضوع أو مقابلة يقوم بها وأن يكون مغامرا ولا يجب أن يبقى في المكتب. فالصحافي الجيد يقضي وقته بين الناس وليس في المكاتب.
* في رأيك، ما هي أنجح قصة إخبارية قدمتها حتى الآن؟
- أعتقد أن أنجح قصة كانت في تغطيتي للحرب بين إثيوبيا وإريتريا حيث كنت الصحافية العربية والأجنبية التي استطاعت الوصول إلى جبهة القتال، وتأكيد بداية الحرب وتصوير طائرة مقاتلة سقطت وأسر طيار. كان في الواقع سبقا صحافيا وكذلك أعتقد بأني كنت الصحافية العربية الوحيدة التي تمكنت من إجراء 6 مقابلات مع الرئيس جورج بوش.