هل يمكن لمنتخب أفريقي أن يفوز بكأس العالم؟

دول القارة أصبحت أكثر وصولاً إلى نهائيات المونديال وأكثرمنافسة فيما بينها

الجماهير المغربية تستقبل أبطالها أصحاب المركز الرابع في مونديال قطر (إ.ب.أ)
الجماهير المغربية تستقبل أبطالها أصحاب المركز الرابع في مونديال قطر (إ.ب.أ)
TT

هل يمكن لمنتخب أفريقي أن يفوز بكأس العالم؟

الجماهير المغربية تستقبل أبطالها أصحاب المركز الرابع في مونديال قطر (إ.ب.أ)
الجماهير المغربية تستقبل أبطالها أصحاب المركز الرابع في مونديال قطر (إ.ب.أ)

كان كثير من عشاق كرة القدم يتمنون أن يفوز منتخب أفريقي بكأس العالم 2022 بقطر. وكان العالم ينتظر ذلك منذ أن توقع اللاعب البرازيلي العظيم بيليه (في سبعينات القرن الماضي) أن يتمكن بلد أفريقي من الفوز بالمونديال قبل عام 2000. لم يحدث ذلك؛ لكنه لم يمنع باتريس موتسيبي، رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، من أن يقول في عام 2021: «لا بد من أن يفوز منتخب أفريقي بكأس العالم في المستقبل القريب».
لكن هل يمكن تحقيق هذا الحلم على أرض الواقع؟ وهل المنتخبات الأفريقية قادرة على منافسة أفضل المنتخبات في العالم؟ وهل حصولها على لقب كأس العالم ما هو إلا مسألة وقت؟ أم أنه يتعين على المنتخبات الأفريقية أن تعمل بشكل مختلف إذا كانت ترغب حقاً في الفوز بكأس العالم؟ أم أن الفوز الأفريقي بالمونديال مستحيل وأمل زائف؟
لعل وصول المنتخب المغربي إلى المربع الذهبي في مونديال قطر، يكون بداية حقيقية لإلقاء الضوء على هذه الأسئلة.
لقد تناولتُ هذه الأسئلة في ورقة بحثية حديثة تعتمد على مصادر بيانات مختلفة (بما في ذلك نظام تصنيف إيلو الذي يُستخدم لحساب مستويات المهارة عند لاعبي الشطرنج) لمقارنة التاريخ التنافسي لهذه المنتخبات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وتناولت هذه الورقة البحثية أفضل المنتخبات الأفريقية: (الجزائر، والكاميرون، وكوت ديفوار، ومصر، وغانا، والمغرب، ونيجيريا، والسنغال، وتونس) وآخر المنتخبات المتأهلة إلى الدور النهائي والدور نصف النهائي لكأس العالم: (بلجيكا، والبرازيل، وكرواتيا، وإنجلترا، وفرنسا، وألمانيا، وإسبانيا) لمعرفة ما إذا كانت البلدان الأفريقية قادرة حقاً على منافسة أفضل المنتخبات العالمية أم لا. وإذا لم تكن قادرة على المنافسة، فما السبب وراء ذلك؟ في الحقيقة، وقد وجدت فجوة تنافسية كبيرة بين البلدان الأفريقية وأفضل المنتخبات في العالم، وهي الفجوة التي ازدادت واتسعت على مدى الأجيال الأخيرة. وبالتالي، فإن هذه الفجوة ليست مشجعة لأولئك الذين يأملون أن يفوز أحد المنتخبات الأفريقية بكأس العالم.

وهبي الخزري من نجوم المنتخب التونسي في قطر (إ.ب.أ)

الدراسة
اعتمد تحليلي على بُعدين أساسيين في التاريخ التنافسي لكل بلد: كيف يتنافس عندما يشارك في كأس العالم (عدد المباريات التي يلعبها، وضد من يلعب، وفي أي بطولات) وإلى أي مدى يستمر في المنافسة (كم مرة يفوز؛ خصوصاً أمام منتخبات الصفوة، وفي البطولات الكبرى رفيعة المستوى). لسوء الحظ، فإن الدول الأفريقية تتخلف كثيراً عن الدول الكبرى في كلا البُعدين. فأفضل المنتخبات الأفريقية لعبت مستويات أقل من المنافسة، وكانت معدلات فوزها أقل أيضاً. وبدلاً من التنافس مع أفضل دول العالم، يبدو أن أفضل المنتخبات الأفريقية تقترب في المستوى من بلد مثل اليونان التي شاركت 3 مرات في نهائيات كأس العالم، ووصلت إلى دور الستة عشر في مونديال 2014. قد يكون هذا إنجازاً مثيراً للإعجاب بالنسبة لليونان؛ لكن الحقيقة هي أنه لا يوجد كثيرون خارج اليونان يعتقدون أن هذا البلد قادر على الفوز بكأس العالم يوماً ما! فلماذا نعتقد إذن أن الدول الأفريقية قادرة على الفوز بكأس العالم؟
لقد وجدت أن التاريخ التنافسي لأفضل البلدان الأفريقية كان أشبه بالمنافسين الحاليين في كأس العالم في العقود السابقة (حتى في حقبة السبعينات عندما توقع بيليه أن أحد المنتخبات الأفريقية سيفوز بكأس العالم قبل عام 2000).
كان لدى تونس وفرنسا معدلات متشابهة جداً من حيث المشاركات والمنافسات في سبعينات القرن الماضي، على سبيل المثال؛ لكن فرنسا تسجل الآن معدلات أعلى بكثير من تونس في كلا البُعدين، وهو ما يشير إلى أن أفضل المنافسين في أفريقيا أصبحوا أقل تنافسية بمرور الوقت.
قد تعتبر هذه الملاحظة مفاجئة عندما يفكر المرء في مقدار ما تم القيام به لزيادة عدد المنتخبات الأفريقية في نهائيات كأس العالم منذ سبعينات القرن الماضي؛ حيث أصبحت دول القارة أكثر وصولاً إلى نهائيات المونديال، وأكثر منافسة فيما بينها داخل القارة أكثر من أي وقت مضى (مع توسيع كأس الأمم الأفريقية، على وجه الخصوص).
بالإضافة إلى ذلك، أظهر اللاعبون الأفارقة قدرات وفنيات رائعة، وخرجوا للاحتراف، ولعبوا لأفضل الأندية في العالم. والدليل على ذلك أن أكثر من 200 لاعب أفريقي يلعبون حالياً في البطولات الخمس الكبرى في أوروبا.

لماذا تعتبر المنتخبات الأفريقية أقل قدرة على المنافسة؟
بغض النظر عن هذه التطورات، أعتقد أن البلدان الأفريقية أصبحت أقل قدرة على المنافسة؛ لأنها لا تتنافس بانتظام مع أفضل منتخبات العالم؛ حيث تشير الأرقام والإحصائيات إلى أن أقل من 20 في المائة من مباريات المنتخبات الأفريقية الكبرى تكون ضد منتخبات من النخبة.
في المقابل، يلعب المتأهلون لنصف نهائي ونهائي كأس العالم ما يتراوح بين 30 في المائة و60 في المائة من مبارياتهم ضد دول النخبة. ولم يكن من المفاجئ أن البلدان الأفريقية تفوز بعدد أقل بكثير من هذه المباريات عالية المستوى: حصلت نيجيريا على 30 في المائة فقط من النقاط في هذه المباريات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في حين حصلت إنجلترا، على سبيل المثال، على 68 في المائة.
وتشير دراسات من مختلف الأوراق البحثية إلى أن الفرق تصبح أكثر تنافسية عندما تلعب أمام منتخبات من النخبة، وتصبح أقل قدرة على المنافسة عندما تلعب أمام منتخبات ضعيفة.
ويعود السبب في هذا إلى أن الفرق تتعلم كثيراً من استراتيجيات وخطط الفرق المنافسة عندما تلعب ضدها. وتمتلك المنتخبات الكبرى أفضل الخطط وطرق اللعب، وبالتالي فإن الطريقة الوحيدة لتعلم هذه الأشياء تكون من خلال الاحتكاك القوي والمنافسة المنتظمة. لكن أفضل الدول الأفريقية لا تلعب بانتظام أمام المنتخبات الكبرى، وبالتالي فهي غير قادرة على تعلم هذه التقنيات والخطط المتطورة. لذلك، قد يسيطر أحد هذه المنتخبات على البطولات القارية؛ لكنها ستفتقر في النهاية إلى القدرة على المنافسة الحقيقية -باستمرار وبشكل منتظم- مع أفضل المنتخبات في العالم.

فرص الفوز بكأس العالم
أعتقد أن البلدان الأفريقية يمكنها الفوز في مباراة واحدة مثلاً على أحد المنتخبات العالمية (وقد رأينا مثل هذه النتائج كثيراً)؛ لكن لكي يفوز أي فريق بكأس العالم يتعين عليه أن يحقق الفوز على 5 منتخبات من النخبة على الأقل (ويتعادل ضد اثنين آخرين)؛ لكن لم يفز أي منتخب من المنتخبات الأفريقية التي شاركت في نهائيات كأس العالم بقطر بخمس مباريات ضد منتخبات من مستوى الصفوة خلال السنوات الخمس الماضية.
ويمكن القول إن أفضل نتيجة للكاميرون ضد منتخب من منتخبات النخبة من غير الأفارقة منذ عام 2017، كانت التعادل في مباراة ودية أمام اليابان. وتعادلت غانا في مباراتين وديتين ضد تشيلي واليابان، وفاز المغرب في مباراتين وديتين على تشيلي وصربيا. وتعادلت السنغال ودياً أمام البرازيل.
أما أفضل نتائج لتونس فكانت الفوز على تشيلي واليابان، والتعادل مع البرتغال، في مباريات كلها ودية. ومن المؤكد أن المباريات الودية تختلف تماماً عن المباريات الرسمية. لذا، أعتقد -مع الأسف– أنه من الصعب أن يفوز أي منتخب أفريقي بكأس العالم؛ لكن ذلك قد يكون ممكناً إذا لعبت أفضل المنتخبات الأفريقية ضد منتخبات أفضل، وتعلمت كيفية التنافس على هذا المستوى.

ما الذي يتطلبه الأمر؟
يتطلب ذلك أن تتخذ المنتخبات الأفريقية الكبرى قراراً بأن يلعب الفريق الثاني في المسابقات الأفريقية، على أن يلعب الفريق الأول مزيداً من المباريات ضد منتخبات قوية من المستوى العالمي. أتوقع أن تكون المباريات التي ستخسرها المنتخبات الأفريقية أمام المنتخبات الكبرى أكثر من المباريات التي ستفوز فيها -على الأقل في البداية- لكنني أراهن على أنها ستفوز في عدد أكبر من المباريات بمرور الوقت، وهو ما يعزز فرصها في تحقيق الفوز على أي منتخب في كأس العالم 2026 أو 2030. وأراهن أيضاً على أن الدول الأفريقية التي ستستمر في خوض مباريات أمام منافسين ضعفاء لن تتمكن أبداً من الفوز بكأس العالم.
أنا شخصياً أتمنى أن يأتي اليوم الذي يفوز فيه منتخب أفريقي بكأس العالم؛ خصوصاً أن البلدان الأفريقية تمتلك إمكانات مذهلة -في ملاعب كرة القدم وخارجها- لكن كثيراً من الأفارقة يحتاجون إلى استغلال هذه الإمكانات لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم.
في الحقيقة، لا يوجد مكان لإثبات ما يمكن أن تفعله «القارة السمراء» أفضل من ملاعب كرة القدم العالمية؛ لكن يجب القيام بمزيد من العمل لتحقيق ذلك!


مقالات ذات صلة

ليما يحيي آمال الإمارات في العودة للمونديال بعد 36 عاماً

رياضة عالمية فابيو ليما (رويترز)

ليما يحيي آمال الإمارات في العودة للمونديال بعد 36 عاماً

تحوّل فابيو ليما البرازيلي المولد رمزاً لحملة الإمارات لما يمكن أن يكون صعودها لكأس العالم لكرة القدم بعد غياب 36 عاماً، بتسجيله 4 أهداف بالفوز الساحق على قطر.

«الشرق الأوسط» (دبي)
رياضة عربية سون هيونغ مين (أ.ف.ب)

سون قائد كوريا الجنوبية: علينا التعلم من منتخب فلسطين

أشاد سون هيونغ مين، قائد كوريا الجنوبية، بصلابة الفريق الفلسطيني، بعدما منح مهاجم توتنهام هوتسبير فريقه نقطة بالتعادل 1 - 1.

«الشرق الأوسط» (عمان)
رياضة عالمية فرحة لاعبي الأرجنتين بهدف مارتينيز (أ.ف.ب)

تصفيات كأس العالم: الأرجنتين تبتعد في الصدارة... والبرازيل تتعثر بنقطة الأوروغواي

قاد المهاجم لاوتارو مارتينيز المنتخب الأرجنتيني إلى الفوز على ضيفه البيروفي بهدف دون رد، الثلاثاء، في الجولة الـ12 من تصفيات أميركا الجنوبية.

«الشرق الأوسط» (مونتيفيديو)
رياضة عربية فابيو ليما (رويترز)

ليما بعد الخماسية في قطر: الإمارات قدَّمت أفضل أداء في التصفيات

قال فابيو ليما مهاجم الإمارات، إن مباراة بلاده مع قطر في المرحلة الثالثة من التصفيات الآسيوية لكأس العالم لكرة القدم 2026 كانت الأفضل.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
رياضة عربية شين تاي-يونغ (أ.ف.ب)

مدرب إندونيسيا: الفوز على «الأخضر» يمنحنا الثقة في بلوغ كأس العالم

يثق شين تاي-يونغ مدرب إندونيسيا في أن الفوز المفاجئ 2-صفر على السعودية، في جاكرتا أمس (الثلاثاء) سيمنح فريقه فرصة حقيقية في بلوغ كأس العالم لكرة القدم 2026.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)

«خليجي 26»... السعودية والعراق وجهاً لوجه في المجموعة الثانية

الكويت ستحتضن كأس الخليج بنهاية العام الحالي (الشرق الأوسط)
الكويت ستحتضن كأس الخليج بنهاية العام الحالي (الشرق الأوسط)
TT

«خليجي 26»... السعودية والعراق وجهاً لوجه في المجموعة الثانية

الكويت ستحتضن كأس الخليج بنهاية العام الحالي (الشرق الأوسط)
الكويت ستحتضن كأس الخليج بنهاية العام الحالي (الشرق الأوسط)

أسفرت قرعة بطولة كأس الخليج (خليجي 26) لكرة القدم التي أجريت السبت، وتستضيفها الكويت خلال الفترة من 21 ديسمبر (كانون الأول) 2024، وحتى 3 يناير (كانون الثاني) 2025، عن مجموعتين متوازنتين.

فقد ضمت الأولى منتخبات الكويت، وقطر، والإمارات وعمان، والثانية العراق والسعودية والبحرين واليمن.

ويتأهل بطل ووصيف كل مجموعة إلى الدور نصف النهائي.

وسُحبت مراسم القرعة في فندق «والدورف أستوريا» بحضور ممثلي المنتخبات المشارِكة في البطولة المقبلة.

وشهد الحفل الذي أقيم في العاصمة الكويت الكشف عن تعويذة البطولة «هيدو»، وهي عبارة عن جمل يرتدي قميص منتخب الكويت الأزرق، بحضور رئيس اتحاد كأس الخليج العربي للعبة القطري الشيخ حمد بن خليفة، إلى جانب مسؤولي الاتحاد وممثلين عن الاتحادات والمنتخبات المشاركة ونجوم حاليين وسابقين.

السعودية والعراق وقعا في المجموعة الثانية (الشرق الأوسط)

وجرى وضع الكويت على رأس المجموعة الأولى بصفتها المضيفة، والعراق على رأس الثانية بصفته حاملاً للقب النسخة السابقة التي أقيمت في البصرة، بينما تم توزيع المنتخبات الستة المتبقية على 3 مستويات، بحسب التصنيف الأخير الصادر عن الاتحاد الدولي (فيفا) في 24 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وتقام المباريات على استادي «جابر الأحمد الدولي» و«جابر مبارك الصباح»، على أن يبقى استاد علي صباح السالم بديلاً، ويترافق ذلك مع تخصيص 8 ملاعب للتدريبات.

وستكون البطولة المقبلة النسخة الرابعة التي تقام تحت مظلة اتحاد كأس الخليج العربي بعد الأولى (23) التي استضافتها الكويت أيضاً عام 2017. وشهدت النسخ الأخيرة من «العرس الخليجي» غياب منتخبات الصف الأول ومشاركة منتخبات رديفة أو أولمبية، بيد أن النسخة المقبلة مرشحة لتكون جدية أكثر في ظل حاجة 7 من أصل المنتخبات الثمانية، إلى الاستعداد لاستكمال التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم 2026 المقررة في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.

وباستثناء اليمن، فإن المنتخبات السبعة الأخرى تخوض غمار الدور الثالث الحاسم من التصفيات عينها، التي ستتوقف بعد الجولتين المقبلتين، على أن تعود في مارس (آذار) 2025.

ويحمل المنتخب الكويتي الرقم القياسي في عدد مرات التتويج باللقب الخليجي (10) آخرها في 2010.

الكويت المستضيفة والأكثر تتويجا باللقب جاءت في المجموعة الأولى (الشرق الأوسط)

ووجهت اللجنة المنظمة للبطولة الدعوة لعدد من المدربين الذين وضعوا بصمات لهم في مشوار البطولة مع منتخبات بلادهم، إذ حضر من السعودية ناصر الجوهر ومحمد الخراشي، والإماراتي مهدي علي، والعراقي الراحل عمو بابا، إذ حضر شقيقه بالنيابة.

ومن المقرر أن تقام مباريات البطولة على ملعبي استاد جابر الأحمد الدولي، الذي يتسع لنحو 60 ألف متفرج، وكذلك استاد الصليبيخات، وهو أحدث الملاعب في الكويت، ويتسع لـ15 ألف متفرج.

وتقرر أن يستضيف عدد من ملاعب الأندية مثل نادي القادسية والكويت تدريبات المنتخبات الـ8.