الغذامي وأدونيس وسينويه يناقشون أثر اللغة على الهوية والإبداع الإنساني

«قمّة اللغة العربية» في أبوظبي ناقشت تحديات تواجه «لغة الضاد»

عبد الله الغذامي في المؤتمر (الشرق الأوسط)
عبد الله الغذامي في المؤتمر (الشرق الأوسط)
TT

الغذامي وأدونيس وسينويه يناقشون أثر اللغة على الهوية والإبداع الإنساني

عبد الله الغذامي في المؤتمر (الشرق الأوسط)
عبد الله الغذامي في المؤتمر (الشرق الأوسط)

على مدار اليومين الماضيين (20 - 21) ديسمبر (كانون الأول) الحالي انعقدت «قمة اللغة العربية»، وناقشت فعالياتها عدداً من القضايا والهموم القديمة والجديدة التي تشكل أبرز التحديات التي تواجه لغة الضاد، وكالعادة نستعيد الماضي بمزيج من الحذر واللوم والشكوى أمام لغات العصر التي تتقدم وتتطور وتصبح أسلوب حياة الشعوب وعلومها المتقدمة التي تلائم العصر التكنولوجي الذي نعيشه. كان من أهم المتحدثين في «قمة اللغة العربية» الذي افتتحته نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الثقافة والشباب الإمارتية، الناقد الأدبي والأكاديمي السعودي عبد الله الغذامي، والشاعر والمفكر العربي أدونيس، والروائي الفرنسي جيلبير سينويه، حيث أكد الغذامي على «أن اللغة تخلق حالة من التآلف، فكلما تعلمنا لغة، تآلفنا مع ناطقيها، وقد جمعت اللغة العربية ناطقيها مع اختلاف القوميات والمعتقدات من المحيط إلى الخليج، ونحن ننتمي إلى اللغة العربية اختياراً، والهوية بمعنى اللغة ليست ذات بعد عنصري عدواني يحدث التباعد والانفصال، بل هي على العكس الرابط الذي يوحّد ويجمع، وهي الثابت الوحيد في ظل المتغيرات جميعها، وكل من يتكلم اللغة العربية هو عربي».
وأضاف «علينا قبل الدخول في مصطلح الهوية أن نؤسس للمصطلح نفسه ونوضّحه بالشكل الأمثل؛ فالهوية معنى عربي قديم ومتصل وتعني البئر العميقة، في دلالة واضحة على العمق والتجذر، وكلما تقدمت اللغة العربية، نراها تجذب معها ماضيها وذاكرتها ودلالاتها ووجدانها، فهي تحمل في داخلنا عقول السلف، فالكلمات مغروسة في عقولنا، وفي الوقت الذي نقول فيه إن اللغة بئر، نراها أيضاً نهراً منساباً، نحن آبار تتحرك في اللغة نفسها، بمعنى هي نهر وبئر عميق وانسياب». وختم الغذامي حديثه بالقول «لغتنا جميلة عظيمة ليس فيها عيوب والتعريف بها ونشرها يحتاج إلى تشجيع غير الناطقين بها لتعلمها والإقبال عليها، وقبل قرنين من الزمن احتاجت الولايات المتحدة الأميركية إلى اختيار لغة لها في مرحلة التأسيس ووقع الاختيار على الإنجليزية، ولو وقع الاختيار على العربية لكانت اليوم هي لغة العالم». وأكد على أن «تبني اللغة الإنجليزية من قِبل دولة عظمى تمتلك التكنولوجيا وأدوات التواصل أدى إلى أن تكون هذه اللغة عالمية وفي المقام الأول نظراً لحاجة الناس إليها، ولدورها في تسهيل أمور حياتهم من تواصل وفرص عمل وغيرها، وهذا الأمر الذي يجب علينا تبنيه في حال رغبنا في نشر اللغة العربية، فلا أحد سيقبِل على تعلم لغتنا لمجرد أنها جميلة فقط. اللغة يجب أن تكون ضرورة، وعنده فقط سوف تنتشر».

أدونيس وسينويه في يتحدثان في المؤتمر (الشرق الأوسط)

ناقش كّلّ من المفكّر والروائي الفرنسي جيلبير سينويه، والمفكّر والشاعر السوري أدونيس، أثر اللغة على الهوية وأهميتها على الإبداع الإنساني والمشاريع الثقافية، وذلك خلال جلسة حملت عنوان «صُنّاع الهويات في اللغات الأخرى» حيث تناول سينويه وهو روائي فرنسي من أصول مصرية الحديث خلال الجلسة التي أدارها الدكتور سليمان الهتلان، الرئيس التنفيذي لشركة «هتلان ميديا»، بالإشارة إلى أنه يعيش بقلب أم كلثوم وعقل ديكارت، واصفاً هذه العلاقة بالمعادلة المعقدة والمهمة في آن واحد، موضحاً أن اللغة العربية بالنسبة له لغة علم وحضارة وعالم كبير من المفردات، فهو الذي يصف بأنه عندما يعود من مصر إلى فرنسا يشعر بعروبته أكثر.
وقال سينويه «عندما بدأت كتابة الروايات قالوا لي أنت لا تكتب كفرنسي، بل كعربي، وكنتُ أشرح لهم لكنهم لم يفهموا ما أقوله، كانوا يقولون لي إنك تحلّق بأعمالك ضمن فضاءات مليئة بحكايات الجدّات والقصص الواقعية والأزقة وغيرها، وأعمالك مشبعة بخصوصية عربية، وهذا أمر لا أشكك فيه كوني ولدت في مصر، وتعلّمي اللغة العربي أكسبني الكثير من المهارات وغيّر من طريقة تفكيري».
وتابع «اللغات والحضارات متشابهة، لكن العقليات مختلفة، وأنا يجب أن أعود إلى جذوري وقد كتبت عن ابن سينا ضمن أعمالي الكثيرة التي تناولت فيها الحديث عن العالم العربي، وأدرك أن اللغة الأم هي أساس الهوية، والإنسان عندما يفقد لغته الأم يبقى في صراع مع هويته، وبالنسبة لي لقد نسيت لغتي الأم على صعيد القواعد، لكني لم أفقدها عقلياً وعاطفياً، وبهذا لم أفقد الهوية، بل أضفت هوية أخرى على هويتي وهذا مكسب بالنسبة لي». وأوضح سينويه، أنه لطالما اكتسب المزيد من المهارات في امتلاكه لهويتين، مشيراً إلى أنه يسعى من خلال كتاباته إلى تغيير الصورة النمطية المأخوذة عن العرب والمسلمين، وتعزيز الاندماج الثقافي بين الشرق والغرب.
ثم تساءل الشاعر أدونيس «هل الهوية العربية مرتبطة بالتعبير العربي؟»، موضحاً، أنه يجب إعادة النظر في مفهوم الهوية، بقوله «الشائع أننا نرث هويتنا كبيوتنا، ومن المهم أن تتغير نظرتنا لمفهوم الهوية وأن نجعلها أفقاً نتحرّك فيه ونوعاً من أنواع الابتكار، لا أن تبقى نفقاً».
وتابع أدونيس «يجب أن نميّز بين مستويين في النظر إلى الثقافة وممارسته والإبداع الثقافي، الأول نكتب كأننا نعيد صياغة ما نعرفه ونضع ما سبقنا في سياق جديد، لكن مع إعادة التوصيف وكأننا نكتب ما تركه الأقدمون، لكن بأسلوب آخر، وهناك فرق بين من هم جزء من التاريخ وبين من يكون التاريخ جزءاً منهم؛ لهذا يجب فتح الآفاق للتحاور مع المتلقي ولا مفر لنا نحن كعرب إلا أن نسلك طريقاً يقدم لنا أفقا ورؤية جديدة». وختم أدونيس «لدينا معايير سائدة للثقافة اعتبرها غير موضوعية فنحن لا نقرأ النص للنصّ نفسه، بل لصاحبه وميوله وعقيدته».
وقال أدونيس، إن عبد الملك بن مروان جزء من التاريخ بينما جرير والفرزدق التاريخ جزءٌ منهم؛ لأنهما فتحا أفقاً جديداً للمستقبل. ولينين أصبح جزءاً من التاريخ بينما شاعر الثورة الاشتراكية الأولى مايكوفسكي قتلته الثورة وأصبح جزءاً من التاريخ. والثورة جزء من شعره وعالمه. لا نريد استعادة التاريخ بل أن نفتح أفقاً فيه.
وتطرق أدونيس إلى موضوع الأدب الفراكوفوني ورواده الذين يكتبون بلغة غير العربية إلا أن أرواحهم عربية ويغمسون أقلامهم في آلام الأمة العربية وهمومها كما أثرت سحر اللغة العربية على أعمالهم، وتساءل حائراً: هل نعتبر هذا الأدب عربياً أم أجنبياً؟
وشدد على أن ما يفتقره العالم العربية هو الحرية التي من شأنها أن تفتح أفق الإبداع وترفعه إلى أعلى المستويات.
المفكرون الثلاثة أبدوا ملاحظاتهم على اللغة العربية التي أخذت تعاني من الضعف بسبب طغيان وسائل التواصل الاجتماعي السريعة التي تعمل على تدفق المعلومات، وكذلك انخفاض الإقبال على القراءة، وغيرهما من الأسباب التي تدخل في صميم العملية التربوية والجامعية والعلمية التي تشهد تراجعاً في العالم العربية، واللغة هي الأداة التي تطور هذه العلوم.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.