بوتين يشدد على «الردع النووي» في استراتيجيته العسكرية لـ2023

تحدث عن نشر صواريخ «خارقة» وتطوير قدرات الجيش بناءً على تجربة حرب أوكرانيا

الرئيس الروسي يزور معرضاً عسكرياً برفقة وزير الدفاع في موسكو أمس (رويترز)
الرئيس الروسي يزور معرضاً عسكرياً برفقة وزير الدفاع في موسكو أمس (رويترز)
TT

بوتين يشدد على «الردع النووي» في استراتيجيته العسكرية لـ2023

الرئيس الروسي يزور معرضاً عسكرياً برفقة وزير الدفاع في موسكو أمس (رويترز)
الرئيس الروسي يزور معرضاً عسكرياً برفقة وزير الدفاع في موسكو أمس (رويترز)

أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس (الأربعاء)، مرحلة جديدة في إطار تطوير القدرات العسكرية لبلاده، خلال اجتماع موسع مع كبار القادة العسكريين الروس، جرى خلاله وضع ملامح الاستراتيجية الحربية لروسيا خلال العام المقبل، والخطوات المقبلة على صعيد تعزيز القدرات لـ«تحقيق كل أهدافها» في أوكرانيا.
وكان لافتاً أن بوتين تعمّد خلال افتتاح الاجتماع توجيه رسائل داخلية وخارجية. وفي مقابل تأكيده أهمية دعم النشاط الحربي للجيش وقوات الحلفاء في المعركة التي وصفها بأنها مصيرية، شدد على عزم بلاده على تطوير ترسانتها النووية، وتثبيت مبدأ «توازن الردع النووي»، وتحدث عن مرحلة جديدة على صعيد تزويد وحدات الجيش بترسانة صاروخية حديثة من الطرازات التي وصفت بأنها «خارقة».
واستهل بوتين خطابه بالإشادة بعمل «الضباط والجنود الذين يقدمون حياتهم فداء للوطن». وعقد مقارنة بين الحرب الحالية وحروب روسيا التاريخية؛ أبرزها حرب عام 1812، والحربان العالميتان الأولى والثانية. وقال إن بلاده لا تتراجع عن تحقيق «كل أهدافها» في أوكرانيا، «رغم وقوف إمكانات (الناتو) قاطبة ضدنا». في الوقت ذاته، أقر الرئيس الروسي بأن العمليات الحربية في أوكرانيا، وحملات التعبئة العسكرية التي أطلقتها موسكو، «أظهرت ضرورة أن نواصل تطوير القدرات وآليات العمل». كما أشار على الصعيد الفني العملياتي إلى أن الحرب «طرحت عدداً من القضايا التي يجب علينا التعامل معها، مثل تطوير قطاع الاتصالات، والأتمتة، وتكتيكات حرب البطاريات». ورأى أنه «لا بد من تطوير العمل مع الوزارات المختصة، والتنسيق مع المختصين في مجال الإدارات الهندسية والمراكز البحثية». ولفت إلى أهمية توسيع استخدام الذكاء الصناعي على جميع مستويات الإدارة، ومعالجة المشكلات التي أظهرتها التعبئة الجزئية، وأمر بالبدء في التحول إلى رقمنة إدارات التعبئة العسكرية، وتحسين أنظمة التنسيق بين الإدارات. ورأى الرئيس الروسي أن «الخبرات المكتسبة من العملية العسكرية الخاصة شأنها شأن خبرتنا المكتسبة في سوريا، لا بد من أن تصبح أساساً للمواد التربوية التي نقدمها للضباط والجنود في الأكاديميات؛ بما في ذلك كلية أركان الحرب».
وفي إطار تطوير تسليح الجيش الروسي، قال بوتين إن بلاده لن تتخلى عن برامجها لتطوير القدرات النووية التي أثبتت أنها عنصر رادع مهم، ورأى أن «(توازن الردع النووي) هو أساس الاستقرار في العالم». وأعلن في الوقت ذاته عن بدء نشر قدرات صاروخية متطورة على القطعات في الجيش، وقال إن أنظمة «سارمات»، التي تعدّ أحدث جيل من الصواريخ الروسية، سوف «تدخل الخدمة الميدانية في المستقبل القريب». كما أشار إلى الشروع في نشر صواريخ «تسيركون» التي «ليس لها مثيل في العالم، الشهر المقبل».
وفي إشارة إلى الغرب، قال بوتين إن «الهدف الأساسي لعدونا الاستراتيجي هو تفتيت روسيا وتدمير قوتها». وزاد أن بلاده «سعت إلى أن تكون جزءاً من العالم الذي يطلقون عليه صفة (المتحضر)؛ إلا أنه لم ينتظرنا أحد هناك».
ورأى أن التطورات المرافقة للوضع في أوكرانيا تشكل استمراراً للسياسة الغربية التي «سعت منذ تسعينات القرن الماضي إلى تفتيت روسيا عبر دعم (القاعدة) وغيرها من التنظيمات الإرهابية، لكننا، وبمساعدة شعب القوقاز، تمكنا من مجابهة هذه التهديدات». واتهم الغرب أيضاً بالقيام بعملية واسعة لـ«غسل الأدمغة» في محيط الجمهوريات السوفياتية السابقة؛ بما في ذلك في أوكرانيا، وزاد: «مع ذلك، حاولنا أن نحافظ على علاقات الجوار مع أوكرانيا، ووفرنا القروض، والغاز بأسعار زهيدة، إلا أن ذلك كله ذهب سدى».
وأضاف الرئيس الروسي أن «العدو عمل بإصرار، ولا بد من الاعتراف بأنه عمل بفاعلية، وتمكن من التفريق بين شعبين يربطهما التاريخ والثقافة. دائماً ما نعدّ الشعب الأوكراني شعباً شقيقاً، وما زلت أعدّه شعباً شقيقاً، وما يحدث هو مأساة، إلا أن ذلك لم يكن بسببنا. كل ذلك بسبب خطط تفتيت العالم الروسي».
بدوره، قال وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، خلال الاجتماع، إن «الجيش الروسي يواجه في أوكرانيا قوات الغرب الجماعي... الذي أنفق 97 مليار دولار على تسليح أوكرانيا». وزاد أن المستفيد الأكبر من هذه العمليات هو الولايات المتحدة التي «تستفيد من إضعاف شركائها في أوروبا». وحذر الوزير من أن «جزءاً من الأسلحة التي توفرها الولايات المتحدة لأوكرانيا بدأ يتسرب إلى الأسواق حول العالم». وقال إن كثيراً من الوسائل العسكرية الأميركية تذهب لمساعدة أوكرانيا، بما في ذلك 70 قمراً صناعياً عسكرياً، علاوة على أقمار صناعية أخرى متعددة الاستخدام.
وأشاد الوزير بما وصفه بـ«الدعم الكبير الذي نلمسه من جانب المجتمع المدني في روسيا»، لافتاً إلى «تطوع أكثر من 20 ألفاً في صفوف القوات المسلحة، إلى جانب الدعم الذي نلقاه من عدد من المؤسسات والهيئات المجتمعية». وقال إن قرار التعبئة الجزئية، التي أعلن عنها قبل شهرين، ساعد القوات المسلحة الروسية في توسيع سيطرتها على مساحة أكبر بـ5 أضعاف من المساحات التي كانت تسيطر عليها دونيتسك ولوغانسك عند بداية العمليات العسكرية.
ومع تقديم تقرير شامل حول الخطوات الجارية لتعزيز تسليح الجيش الروسي بأنظمة حديثة، تطرق شويغو إلى الوضع المستجد حول روسيا، خصوصاً من خلال الإشارة إلى مسألة توسيع «حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، وقال إن انضمام فنلندا والسويد إلى «الناتو» يجعل من الضروري إنشاء تشكيلات عسكرية جديدة في الشمال الغربي للبلاد، ورفع عدد المطلوبين للتجنيد بهذه المناطق في سن 18 - 21 عاماً، ورفع سن التجنيد من سن 27 - 30 عاماً.


مقالات ذات صلة

تقرير: قوات كورية شمالية تساعد الجيش الروسي في حرب أوكرانيا

أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يزوران قاعدة فوستوشني الفضائية في منطقة آمور بأقصى شرق روسيا (أرشيفية - رويترز)

تقرير: قوات كورية شمالية تساعد الجيش الروسي في حرب أوكرانيا

قال مسؤولون كبار في أوكرانيا وكوريا الجنوبية لصحيفة «الغارديان» البريطانية إن المهندسين العسكريين الكوريين الشماليين تم نشرهم لمساعدة روسيا في استهداف أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا تظهر هذه الصورة الملتقطة عبر الأقمار الصناعية مباني بالمنطقة الاقتصادية الخاصة «ألابوغا» في تتارستان في روسيا على بعد نحو 1000 كيلومتر شرق موسكو في 28 سبتمبر 2024 بعد عامين ونصف عام من غزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا (أ.ب)

شابات أفريقيات وُظّفن للعمل في روسيا خُدعن لبناء مسيّرات تستخدم في أوكرانيا

اكتشفت شابات أفريقيات أن الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي، التي وعدتهن بسفر مجاني وعمل في مجال الضيافة، هي فخ وقعن فيه للعمل في مصنع مسيرات في روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (د.ب.أ)

زيلينسكي: حالة ساحة المعركة تتيح فرصة لإنهاء الحرب العام المقبل

كشف الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، اليوم (الأربعاء)، عن أن الوضع في ساحة المعركة «يتيح فرصة» لاتخاذ خطوات لإنهاء الحرب في بلاده بموعد أقصاه عام 2025.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

روسيا: السلام في أوكرانيا مستحيل إذا انضمت إلى «الناتو»

قالت المتحدثة باسم «الخارجية» الروسية، ماريا زاخاروفا، اليوم الأربعاء، إن من المستحيل تحقيق سلام عادل في أوكرانيا إذا فقدت كييف حيادها بانضمامها إلى «الناتو».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمة أمام قوات من جيش بلاده بقاعدة «مونت دي مارسان» الجوية في فرنسا يوم 20 يناير 2023 (رويترز)

ماكرون يتفقد القوات الأوكرانية في معسكر تدريبي شرق فرنسا

يلتقي الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الأربعاء، لأول مرة بعض القوات الأوكرانية البالغ عددها 15 ألف جندي، التي دربتها فرنسا لمواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)

«الناتو» سيبدأ مناورات نووية سنوية وسط تهديد روسيا لداعمي أوكرانيا الغربيين

جندي أميركي يعطي تعليمات لجندي فنلندي على بندقية «كارل غوستاف» خلال تدريبات في روفاجارفي 30 مايو 2023 (رويترز)
جندي أميركي يعطي تعليمات لجندي فنلندي على بندقية «كارل غوستاف» خلال تدريبات في روفاجارفي 30 مايو 2023 (رويترز)
TT

«الناتو» سيبدأ مناورات نووية سنوية وسط تهديد روسيا لداعمي أوكرانيا الغربيين

جندي أميركي يعطي تعليمات لجندي فنلندي على بندقية «كارل غوستاف» خلال تدريبات في روفاجارفي 30 مايو 2023 (رويترز)
جندي أميركي يعطي تعليمات لجندي فنلندي على بندقية «كارل غوستاف» خلال تدريبات في روفاجارفي 30 مايو 2023 (رويترز)

قال رئيس «الناتو» ينس ستولتنبرغ، الخميس، إن الحلف سيعقد مناورات نووية كبيرة مخططاً لها منذ فترة طويلة الأسبوع المقبل، بعد أسابيع قليلة من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تغييرات في العقيدة النووية الروسية لتثبيط حلفاء أوكرانيا الغربيين عن دعم الهجمات الأوكرانية على بلاده.

وتبدأ مناورات «الظهيرة الثابتة» يوم الاثنين، وستستمر لمدة أسبوعين تقريباً. وستقود هذه المناورات بلجيكا وهولندا، وتستخدم 8 قواعد عسكرية، وتشمل 2000 فرد و60 طائرة من 13 دولة.

تقام المناورات في الوقت نفسه تقريباً من كل عام لأكثر من عقد، وتشارك فيها طائرات قاذفة وأخرى مقاتلة، يمكنها حمل رؤوس حربية نووية. ولا يجري استخدام ذخيرة حية، وفق ما أفاد تقرير لوكالة «أسوشييتد برس».

ويتم إجراء الجزء الأكبر من المناورات على بُعد نحو 900 كيلومتر من روسيا في بحر الشمال.

قال مسؤولون في «الناتو» إن موسكو أُبلغت بالتدريبات. وقال الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، للصحافيين في لندن: «في عالم غير مؤكد، من الأهمية بمكان أن نختبر دفاعنا، وأن نعززه، حتى يعرف خصومنا أن (الناتو) جاهز وقادر على الرد على أي تهديد».

وتُشكل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بقواتهما النووية الاستراتيجية، مفتاح الردع الأمني ​​لحلف شمال الأطلسي. كما تمتلك فرنسا أسلحة نووية، ولكنها ليست جزءاً من مجموعة التخطيط النووي للمنظمة.

وقال أنغوس لابسلي، الأمين العام المساعد لحلف شمال الأطلسي للسياسة الدفاعية والتخطيط، إن التدريبات تهدف إلى إثبات أن قدرة التحالف على مواجهة أي تهديد لدوله الأعضاء، البالغ عددها 32 دولة، موثوقة وشيء «يجب على أي خصم أن يأخذه على محمل الجد حقاً».

وأضاف لابسلي: «أن حلف شمال الأطلسي كان يراقب ظهور كوريا الشمالية بصفتها قوة نووية، والتوسع السريع للقدرات النووية للصين والتطورات في إيران، لكن من الواضح أن ما يقلقنا أكثر هو روسيا».

وقال: «إن موسكو كانت تستثمر في قواتها النووية (بكثافة متسارعة) على مدى العامين الماضيين، وأنها تقدم كثيراً من الأنظمة الجديدة، وتضع مزيداً من التركيز على الاستثمار في أنظمة الأسلحة قصيرة ومتوسطة المدى».

وأشار لابسلي إلى أن موسكو كانت مؤخراً «تتحدث كثيراً عن عقيدتها النووية، وكيف قد تتطور أو لا تتطور». وقال إنه يبدو كأنه «محاولة واضحة للتأثير علينا» عندما يتعلق الأمر بدعم أوكرانيا.

لقد هدد بوتين وأصوات أخرى في الكرملين الغرب بشكل متكرر بالترسانة النووية الروسية. وفي تحذير قوي جديد في أواخر الشهر الماضي، قال بوتين إن الهجوم التقليدي على روسيا من قبل أي دولة بدعم من قوة نووية سيعدّ هجوماً مشتركاً.

وعند توليه منصبه في الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، أكد روته أنه في حين كان خطاب بوتين النووي «متهوراً وغير مسؤول»، فلا يوجد دليل على أي تهديد وشيك باستخدام الأسلحة النووية.

وقال روته إنه من المهم ترك بوتين «للحديث عن ترسانته النووية. إنه يريد منا أيضاً مناقشة ترسانته النووية، وأعتقد أنه ليس علينا فعل ذلك».

وفي الوقت نفسه، قال روته إن الاستسلام لأي تهديد «سيشكل سابقة مفادها أن استخدام القوة العسكرية يسمح لدولة ما بالحصول على ما تريد، ولا يمكننا أن نسمح بذلك».

وقال دانيال بانش، رئيس العمليات النووية في المقر العسكري لحلف شمال الأطلسي، إنه في حين تشارك العشرات من الطائرات، فإن كثيراً من التدريبات تجري خلف الكواليس.

وأضاف بانش: «في إطار مناورات (الظهيرة الثابتة) نسعى إلى تأكيد النظام العام؛ ووضع الناس في مواقف صعبة، ووتيرة عمليات عالية». وقال: «إن التحدي المتمثل في تنسيق الأمور حرفياً حتى الدقيقة التي نصوب فيها سلاحاً على الهدف، هو نشاط معقد للغاية».