لواء «الزينبيون».. والمجال الحيوي الإيراني الجديد

الوجه الآخر لاستقطاب المقاتلين الأجانب من حول العالم إلى الميليشيات الشيعية

لواء «الزينبيون».. والمجال الحيوي الإيراني الجديد
TT

لواء «الزينبيون».. والمجال الحيوي الإيراني الجديد

لواء «الزينبيون».. والمجال الحيوي الإيراني الجديد

طرحت الثورة السورية عدة إشكالات تتعلق بالدور الإيراني المتزايد في تكوين وتدريب الميليشيات الطائفية وإدماجها في نظام الفوضى المسلحة القائمة هناك؛ وفي الوقت الذي يجري التركيز على «داعش» واستقطابه للأجانب يظهر أن هناك نوعا من غض الطرف من جانب الإعلام العالمي، وتقارير الأجهزة الأمنية للدول الكبرى فيما يخص تجنيد إيران شيعة العالم، وإشراكهم في الحرب الدولية المندلعة في سوريا.
ورغم أن هناك تناولا عابرًا لميليشيا «الحشد الشعبي»، فرضه مجموع جرائمها المنظمة في العراق بحق المدنيين؛ فإن الوضع يختلف عندما ننتقل للجانب السوري، ودور الميليشيات الشيعية غير المنتمية لحزب الله اللبناني في المعارك بين الأسد وقوى المعارضة. ومن هنا نرى أن تسليط الضوء على لواء «الزينبيون»، يأتي في سياق يتجاوز تكوين لواء «حيدر الكرار» من طرف الحرس الثوري الإيراني، منتصف العام 2014م، بعضوية طلبة باكستانيين يدرسون في إيران؛ ليساهم في كشف جزء من حقيقة المعركة الطائفية الدائرة في سوريا حاليًا، كما يظهر طبيعة الاستراتيجية الإيرانية القائمة على استغلال التشيع لأغراض عسكرية وفق منظور استراتيجي لا يخلو من نزوع للتوسع والهيمنة الإقليمية.
لقد ظهرت قضية لواء «الزينبيون» بشكل «بارز» إعلاميًا أواخر مايو (أيار) 2015 على إثر نشر شريط مسجل لوكالة الأناضول للأنباء، ويظهر فيه مقاتلون باكستانيون شيعة يحاربون إلى جانب النظام السوري، ويعلنون انتماءهم لهذا اللواء. وكانت الصحافة الإيرانية قد اعترفت في أبريل (نيسان) الماضي بمقتل نحو 200 مقاتل باكستاني وأفغاني، خلال مشاركتهم في القتال داخل سوريا إلى جانب قوات النظام. وما زالت تتوالى جنازات الباكستانيين الذين سقطوا قتلى في معارك سوريا.
ومعلوم أنه منذ بداية هذه السنة - 2015م - شهدت سوريا تحولات مهمة فيما يخص تقدم المعارضة مما جعل إيران تولي مزيدا من الاهتمام لجلب الشيعة الباكستانيين ودمجهم في لواء موحد. يظهر أن لواء «الزينبيون» يتكون من مئات الشباب الباكستانيين الشيعة من أبناء غرب باكستان خاصة القبيلتين «توري» و«بنجش»؛ ومن غير المستبعد أن يضم اللواء كذلك شباب طائفة الهزارة الشيعية الأفغانية. وذلك راجع أولاً- لطبيعة العمل التشبيكي الذي يعتمده الحرس الثوري الإيراني في إدارته للمعركة الشاملة التي يخوضها في منطقة الشرق الأوسط؛ وثانيًا لنجاح إيران في تكوين لواء «الفاطميون» من مجندين أفغان من الهزارة، وهي مجموعة سكانية من أصول مغولية تتركز في وسط أفغانستان ولها امتدادات في باكستان وتتكلم الفارسية إلى جانب لغة محلية، كما تنتمي فقهيا للمذهب الإثني عشري.
هذه المناطق في باكستان وأفغانستان تعاني من صعوبات اقتصادية واجتماعية، ما يدفع الشباب للبحث عن طرق مختلفة للخروج من دائرة الفقر والتهميش وإيجاد سبل جديدة للعيش الكريم. وشيء من هذا توفره إيران للمقاتلين في لواء «الزينبيون» الذي يقاتلون مقابل مبالغ مالية مهمة إذا ما قورنت بالأجور المعمول بها في مناطقهم الأصلية.
ومن جهة أخرى، استطاعت إيران خلال العقدين الماضيين بناء نفوذ حقيقي في هذه المناطق، شهد توسعًا سريعًا بعد 2003م. ولقد تحوّل هذا النفوذ إلى نوع من الشراكة بين هذه المناطق القبلية والحرس الثوري الإيراني، يظهر من خلال اتخاذ الشراكة بعدا خطيرا يتمثل في توفير إيران للسلاح والتدريب لهذه المناطق القبلية الشيعية، في استغلال واضح للهجمات المتكررة على الحسينيات الإمامية في عدة مدن كبيشاور، وكذلك مناطق شمال وغرب باكستان، التي تقف وراءها حركة «طلبان باكستان» وجماعة «جيش الإسلام» ومجموعات أخرى مسلحة صغيرة لها منطلقات طائفية. ثم إن الشيعة في باكستان يشعرون أن تنظيم داعش أصبح يهددهم في بلدهم، وأن القضاء عليه يستلزم خوض معركة مقدسة، في مركز ولادته ومقره في سوريا والعراق.
ويظهر أن إيران لن تقف عند هذا الحد في دعمها لشيعة الدول المجاورة لها وجوار الجوار، فانسجاما مع استراتيجية شدّ الأطراف الطائفية بالمركز الإيراني، وفق خريطة المجال «الحيوي الإيراني الجديد»؛ يسعى البرلمان لتعديل «المادة 980» من القانون المدني الخاصة بالجنسية، بحيث تمنح الجنسية الإيرانية للأشخاص «الذين يقدمون المنفعة، ويعملون لأجل إيران». وهذه، بالمناسبة، استراتيجية قديمة استعملت مع منظمة بدر العراقية التي يحمل جل قادتها الجنسية الإيرانية منذ ثمانينات القرن العشرين.
ويبدو أن هذه الجهود الإيرانية باتت تثير حفيظة بعض المؤسسات الباكستانية، إذ أصدر مجلس علماء باكستان بيانًا بتاريخ 23 - 06 - 2015، يرفض فيه تجنيد الشباب الباكستاني للقتال في صفوف الميليشيات الداعمة للنظام السوري «بدعم وتجنيد وتمويل إيراني». وطالب الحكومة الباكستانية بالتدخل العاجل لوقف هذه العملية. ومن جهتها ترفض الحكومة الباكستانية تسلُّم جثث المقتولين من لواء «الزينبيون» ما يدفع الحرس الثوري إلى دفنهم في قُم وغيرها من المدن الإيرانية.
«الزينيبون» والسياق الإقليمي وأهدافه
يبدو أن توسيع دائرة التسليح والحشد الشعبي من داخل باكستان يحقق لإيران ثلاثة أهداف مركزية:
أولاً: يتجاوز تثبيت النفوذ الإيراني وتوسيعه داخل الطائفة الشيعية الباكستانية، ونقل الولاء من مجرد تقاطعات عقدية تكتنفها اختلافات فقهية مذهبية، إلى ربط مصير المكوّن الشيعي الباكستاني بطهران باعتبارها المركز والمرجعية الأعلى دينيًا، عبر ولاية الفقيه، وما تمثله من انتماء يتجاوز الجغرافية البلدانية، ويمنح الأولوية للمذهب ومقتضياته السياسية.
ثانيًا: تسعى إيران لتجاوز صعوباتها العملية في الحرب الإقليمية الشاملة التي تخوضها في عدة بلدان بالشرق الأوسط؛ فقد أدت شساعة رقعة الحرب القائمة حاليا لنوع من الاستنزاف للموارد الإيرانية بشريًا وماديا. فلم يعد حزب الله اللبناني قادرًا على خلق التوازن الحقيقي للقوى مع المعارضة السورية، كما أنه مصدر محدود من حيث عدد المقاتلين. وهذا ما يفسر خسارة نظام الأسد مدينتي إدلب وجسر الشغور وسيطرة المعارضة عليهما، إلى جانب سقوط مدينة تدمر في أيدي تنظيم داعش الإرهابي. وعي إيران هذه الإشكالية دفعها إلى التقارب مع شيعة العالم رغم بعض الاختلافات الفقهية والسياسية الحاصلة مع نموذجها.
ثالثًا: تهدف إيران وفق استراتيجية الحرس الثوري إلى خلق جيوب حقيقية لمنظمة «الباسيج» في دول الجوار وجوار الجوار؛ وهذا يعني تكوين وإعداد «ميليشيات» غير إيرانية الجنسية، لكنها موالية عقديًا وعسكريًا للولي الفقيه. ومن أجل ذلك فإن إشراك «الزينبيون» في الحرب السورية لا يحقق فقط الهدف القريب المدى المتمثل في الدفاع عن نظام بشار الأسد؛ بل يحقق أيضًا هدفًا استراتيجيًا آخر هو إعادة التموضع داخل المشهد الباكستاني حيث يشكل الشيعة نحو 20 في المائة من السكان البالغ عددهم 180 مليونا، والذي يشهد منذ عقود عنفًا مسلحًا بمبررات بعضها طائفي. وهكذا فإن إيران بهذه الاستراتيجية الجديدة ستزيد من وتيرة الاضطرابات الأمنية وتفاقم التطاحنات الدينية؛ وهذا وضع تدرك طهران أنه سيدفع للاحتماء بالطائفية، وهنا تبرز العناصر المدربة عسكريًا والموالية للحرس الثوري للعمل داخل الأراضي الباكستانية باسم الدفاع عن شيعة البلد ضد «الإرهاب السني».
إن تجربة حزب الله اللبناني، ومنظمة بدر العراقية التي أنشأتها إيران منذ العام 1982. وما لعبته هذه الأخيرة من دور فعال في الحرب العراقية – الإيرانية لصالح إيران، يبرز قدرة إيران على إقناع جزء هام من الشيعة لحمل السلاح ضد بلدانهم، وفق أجندة دينية وسياسية تتقاطع مع منظومتهم الفقهية المحلية. ورغم أن الغالبية الكبرى من العراقيين لا يتبنون ولاية الفقيه، فإن العلاقة بينهم وبين النظام الإيراني بات ينظر إليها اليوم طائفيًا باعتبار أن بين البلدين مصيرًا مشتركًا.
صحيح أن الغزو الأميركي للعراق عام 2003م كان سببا جوهريًا في الموضوع، إلا أن الدور الذي لعبته وتلعبه منظمة بدر بقيادة هادي العامري، الذي يحمل الجنسية الإيرانية، أصبح هو العامل الحاسم من الناحية العسكرية؛ أما من الناحية السياسية، فأحزاب المنظومة السياسية الشيعية مرتبطة بالميليشيات العسكرية.
ولهذا فإن اختلاف الوضع الباكستاني عن نظرائه اللبناني واليمني والعراقي، لا يعني أن دور «الزينبيون» بعيد عن الاستراتيجية الإيرانية التي دخلت بشكل مبكر في «نظام الحرب بالوكالة»؛ فقد أثبتت التجربة التاريخية منذ ثمانينات القرن العشرين فعالية هذه الاستراتيجية، وقدرة إيران على خلق «معارك مقدسة» تصنع وتحمي المجال الحيوي الجديد لطهران.
* أستاذ العلوم السياسية
في جامعة محمد الخامس



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».