المفاوضون على مشارف «اتفاق تاريخي» حول النووي الإيراني

الجمهوريون في الكونغرس الأميركي يستبعدون المصادقة على اي اتفاق

وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتمشى في شرفة فندق «قصر الكوبورغ» أمس (رويترز)
وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتمشى في شرفة فندق «قصر الكوبورغ» أمس (رويترز)
TT

المفاوضون على مشارف «اتفاق تاريخي» حول النووي الإيراني

وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتمشى في شرفة فندق «قصر الكوبورغ» أمس (رويترز)
وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتمشى في شرفة فندق «قصر الكوبورغ» أمس (رويترز)

أكد دبلوماسيون أمس إنه بعد أكثر من أسبوعين من المفاوضات الماراثونية يبدو أن إيران والقوى العالمية الكبرى تقترب من «اتفاق نووي تاريخي» سيخفف العقوبات المفروضة على طهران مقابل الحد من أنشطة برنامجها النووي. لكن مسؤولين إيرانيين وغربيين توقعوا أنه من غير المرجح إتمام الاتفاق أمس الأحد، مؤكدين أن الأرجح إنجاز الاتفاق بحلول اليوم.
وأطل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من شرفة «الكوبورغ» في ساعة متأخرة من مساء أمس الأحد، مؤكدا للصحافيين أن المفاوضات سوف تنتهي اليوم الاثنين، مضيفا: «لا تمديد». وعندما حاول الصحافيون استفساره حول تفاصيل الاتفاق، هز مجموعة أوراق كان ممسكا بها، في إشارة إلى أنه «مشغول»، ومن ثم اختفى، فيما ظلت عدساتهم تلاحقه.
وأكد مصدر إيراني مطّلع لـ«الشرق الأوسط» ضرورة التحلي بـ«التفاؤل الحذر» بسبب قضايا وصفها بـ«اللوجستية» وقضايا «تتعلق بالقيود الزمنية» لا تزال عالقة، ذلك بالإضافة إلى الاتفاق حول مسودة قرار أممي يجب أن ترفع لمجلس الأمن في حال تم التوصل لاتفاق.
بدوره، قال علي رضا مير يوسفي، المتحدث باسم الوفد الإيراني، في حسابه على موقع «تويتر»: «نحن نعمل جاهدين.. لكن ببساطة وبالمنطق.. من المستحيل الوصول لاتفاق الليلة (ليلة أمس)». وأضاف: «إنها وثيقة من 100 صفحة على أي حال».
من جانبه، حذر وزير الخارجية الأميركي جون كيري من بقاء بعض الصعوبات في اليوم السادس عشر من المفاوضات التي تجري على مستوى وزاري بين إيران وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين بالإضافة إلى ألمانيا (5+1). وأبلغ كيري الصحافيين في العاصمة النمساوية: «أعتقد أننا بصدد اتخاذ قرارات حقيقية.. لذا سأقول إنني ما زلت متفائلا، لأنه ما زال لدينا بعض الأشياء الصعبة لننجزها»، في إشارة إلى بعض القضايا العالقة.
من جانبه، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أمس إنه يأمل في أن تكون المحادثات النووية بين القوى العالمية وإيران قد دخلت مراحلها الأخيرة. وأضاف في تصريحات للصحافيين بعد عودته من اجتماع طارئ للحكومة في باريس عن الأزمة اليونانية: «أتمنى أن نكون دخلنا أخيرا المرحلة الأخيرة من هذه المفاوضات الماراثونية».
وقال عدة دبلوماسيين على اطلاع بمجريات المحادثات، إنه «يمكن التوصل إلى اتفاق ينهي أكثر من عام ونصف العام من المفاوضات اليوم (أمس) الأحد». ومن المتوقع أن ينضم للمحادثات كل من وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والصيني وانغ يي.
ورغم أجواء التفاؤل في العاصمة النمساوية، فإن مسؤولين أميركيين وإيرانيين بددوا الآمال بأن الاتفاق بات وشيكا. وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية: «لم نصدر مطلقا تكهنات حول توقيت أي شيء خلال هذه المفاوضات، ولن نقوم بذلك الآن بالتأكيد، خصوصا حين لا تزال هناك مسائل أساسية عالقة».
من جانبه، أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي، في تصريحات لفضائية «الميادين» اللبنانية بثت أمس، عن انتهاء المفاوضات التقنية حول برنامج إيران النووي، وأنه «تتم حاليًا (أي أمس) مراجعة النصوص للتأكد من مطابقتها المفاوضات الشفهية»، كاشفا عن دخول بلاده نادي الدول المستفيدة من التكنولوجيا النووية تجاريًا.
وقال صالحي إنه سيتم تشكيل فريق دولي بإدارة الصين لإعادة تصميم مفاعل «آراك»، وإن أي دولة راغبة يمكنها الانضمام إليه. كما أضاف أن «إيران قبلت ببعض القيود من دون أن تؤثر على سير برنامجها النووي السلمي، بل إنه سيتطور بشكل أسرع»، مؤكدًا أنه تم أخذ موضوعات محطات الطاقة وإنتاج الوقود بعين الاعتبار في الاتفاق.
ومنذ خمسة عشر يوما تسعى مجموعة «5+1» إلى وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق مع إيران يضمن الطابع السلمي لبرنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة على طهران. وكان يفترض أن تنتهي المفاوضات في 30 يونيو (حزيران) الماضي، لكنها أرجئت عدة مرات وتم تحديد مهلة نهائية تنتهي اليوم الاثنين.
ومع اقتراب انتهاء المهلة، تسارعت وتيرة الاجتماعات على المستوى الوزاري حتى منتصف ليل السبت. وتوجه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس إلى فيينا للانضمام إلى المفاوضات، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية الروسية أمس على موقع «تويتر». لكن وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند غادر فيينا أمس على أن يعود صباح اليوم. وقد عقد اجتماع مساء السبت الماضي لمجموعة «5+1»، ثم لقاء بين ظريف وكيري ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فاجتماع أخير لمجموعة «5+1» قبيل منتصف الليل. والهدف من كل هذه الجهود هو التوصل إلى إقفال ملف يسمم العلاقات الدولية منذ أكثر من اثنتي عشرة سنة.
ويتهم الغربيون إيران بالعمل على برنامج نووي عسكري بغطاء مدني منذ عام 2003، وهو ما تنفيه طهران على الدوام بشدة. ومنذ 2006، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة حزمات عدة من العقوبات على طهران تخنق اقتصاد البلاد التي يقطنها نحو 77 مليون نسمة.
وفي عام 2013 بدأ الطرفان مفاوضات جدية للخروج من هذه الأزمة.
وتفاهم الطرفان، في أبريل (نيسان) الماضي، على الخطوط العريضة لنص تخفض طهران بموجبه عدد أجهزة الطرد المركزي أو مخزون اليورانيوم المخصب.
ومنذ ذلك الحين، واصل خبراء من الجانبين محادثات لتحديد الأطر العملية للاتفاق النهائي الذي كان مقررا التوصل إليه في مهلة أقصاها 30 يونيو الماضي، لكن المهلة مددت ثلاث مرات إلى اليوم.
وتتعثر المفاوضات حتى الآن برفع القيود عن الأسلحة كما تطالب طهران مدعومة من موسكو. لكن الغربيين يعدون هذا المطلب حساسا بسبب ضلوع إيران في نزاعات عدة خاصة في سوريا والعراق واليمن.
وهناك نقطة خلاف أخرى تتعلق بوتيرة رفع العقوبات؛ ففيما يرغب الإيرانيون في رفعها على الفور دفعة واحدة، يريد الغربيون أن يكون رفعها تدريجيا مع إمكانية العودة إليها في حال انتهاك الاتفاق.
وتطالب مجموعة «5+1» أيضا بأن يتمكن مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية من دخول مواقع عسكرية «إن اقتضت الضرورة» وهو ما يرفضه بعض المسؤولين العسكريين الإيرانيين. ويختلف كذلك الجانبان على مدة البنود المفروضة على إيران. والسبت الماضي، بدا المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي أكثر تشددا؛ إذ دعا في كلمة له أمام طلاب في طهران إلى الاستمرار في التصدي للولايات المتحدة التي عدّها «أفضل مثل على الغطرسة».
وبدوره، ألقى زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي، أمس، ظلالا من الشك بشأن قدرة الإدارة الاميركية على نيل موافقة الكونغرس على أي اتفاق يجري التفاوض بشأنه مع إيران. وقال السناتور ميتش مكونيل في مقابلة مع برنامج «فوكس نيوز صنداي»: «أعتقد أنها ستكون–إذا ما تمت–عملية صعبة للغاية في الكونغرس، ونحن نعرف بالفعل أنه (الاتفاق) سيترك إيران دولة على أعتاب امتلاك قدرة نووية».
وانتقد كثير من الجمهوريين في الكونغرس الأميركي، وبينهم مكونيل، المفاوضات، وقالوا إن على الولايات المتحدة تغليظ العقوبات الاقتصادية على إيران لمنعها من تطوير سلاح نووي، رغم أن طهران تؤكد أن برنامجها النووي. وقال مكونيل إنه إذا وافق مجلسا الشيوخ والنواب، وفي كليهما الأغلبية للجمهوريين، على مشروع قانون يرفض اتفاقا نوويا مع إيران تقدم به أوباما، فسيكون بمقدور الرئيس استخدام حق النقض أو «الفيتو»، حينها سيحتاج المعارضون لتصويت بأغلبية كبيرة لا تقل عن الثلثين في الكونغرس لتجاوز حق «الفيتو». وقال مكونيل: «سيكون أوباما مطالبا بالحصول على 34 صوتا على الأقل (من أصل 100) لكي يصمد حق اعتراضه»، مضيفا أنه يتمنى أن يقاوم الديمقراطيون «ضغطا قويا» لعدم إضعاف أوباما.



خامنئي لصناع القرار الإيراني: لا تستمعوا لمطالب أميركا والصهاينة

صورة نشرها موقع خامنئي من لقائه مع ممثلين من أهل قم اليوم
صورة نشرها موقع خامنئي من لقائه مع ممثلين من أهل قم اليوم
TT

خامنئي لصناع القرار الإيراني: لا تستمعوا لمطالب أميركا والصهاينة

صورة نشرها موقع خامنئي من لقائه مع ممثلين من أهل قم اليوم
صورة نشرها موقع خامنئي من لقائه مع ممثلين من أهل قم اليوم

أغلق المرشد الإيراني علي خامنئي الباب أمام المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة، بعدما أرسلت حكومة الرئيس مسعود بزشكيان إشارات إلى إمكانية إنهاء القطيعة مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الذي يتولى مهامه لولاية ثانية في البيت الأبيض.

ودعا خامنئي، الأربعاء، المسؤولين وصناع القرار في بلاده «ألا يأخذوا طلبات ومواقف أميركا والصهاينة بعين الاعتبار؛ لأنهم أعداء للشعب والجمهورية الإسلامية ويتمنون تدميرها».

وحذر من أنه «إذا استمع المسؤولون في بلادنا في أي مرحلة من مراحل اتخاذ القرار حول القضايا المختلفة إلى التوقعات غير المبررة من الأميركيين، أي مراعاة مصالحهم، فإنهم يكونون قد هددوا ديمقراطية البلاد وجمهوريتها».

والأسبوع الماضي، قال علي عبد العلي زاده، كبير مستشاري الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إن «مجموعة الحكم وصلت إلى قناعة بضرورة التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة».

وأثارت عودة ترمب للبيت الأبيض تساؤلات حول كيفية تعامله مع طهران، خصوصاً الملف النووي الإيراني، مع بلوغ طهران مستويات متقدمة من تخصيب اليورانيوم القريب من مستوى إنتاج الأسلحة.

وقد بعثت إدارة ترمب المقبلة وطهران برسائل متباينة حول ما إذا كانتا ستسعيان إلى المواجهة أو نوع من التفاهم الدبلوماسي بعد تولي ترمب مهامه في 20 يناير (كانون الثاني)، أم لا.

ومن غير الواضح ما إذا كان سيدعم المحادثات التي أجرتها إدارة جو بايدن مع إيران لإعادة إحياء الاتفاق النووي، أم لا؛ إذ تعهد بدلاً من ذلك باتباع نهج أكثر ميلاً للمواجهة والتحالف بشكل أوثق مع إسرائيل، العدو اللدود لإيران، التي كانت تعارض الاتفاق.

ووصف خامنئي العقوبات التي أعاد فرضها ترمب في 2018 بـ«السياسات الخاطئة وغير المجدية»، لافتاً إلى أن «هدفها هو إجبار الاقتصاد الإيراني على الركوع، ولكن الشعب الإيراني حقق أكبر تقدم في مجالات العلم والتكنولوجيا خلال فترة العقوبات، وظهر الشباب الإيرانيون الجاهزون للعمل في مجالات متنوعة».

وأضاف: «بالطبع، تسببت العقوبات في أضرار للبلاد، ولكنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها، وإن شاء الله سيأتي يوم يحاسبهم فيه الشعب الإيراني على هذه الأضرار».

وقال إن «أحد مطالب الاستكبار، بمن في ذلك مسؤولو الجمهورية الإسلامية، هو مراعاة مصالحهم واعتباراتهم في تصميم القضايا المختلفة».

ومن شأن هذه التصريحات أن تزيد ضغوط المحافظين ووسائل إعلامهم على الرئيس مسعود بزشكيان المدعوم من الإصلاحيين.

لكن خامنئي عبر عن ارتياحه لـ«المواقف الصريحة والحاسمة والشجاعة، لرئيس الجمهورية (مسعود بزشكيان) ضد الكيان الصهيوني ودعم أميركا لجرائمه»، وقال إن «هذه المواقف أسعدت قلوب الشعب».

وقال خامنئي في بداية كلامه إنه موجه إلى «أولئك الذين يرتعبون من سياسات أميركا»، وذلك في خطاب سنوي تقليدي له أمام ممثلين من أهل قم، المعقل الأول لرجال الدين في البلاد، بمناسبة ذكرى مظاهرات دموية شهدتها المدينة قبل الإطاحة بنظام الشاه في 1979.

وأردف في السياق نفسه: «الذين يخافون من سياسات أميركا لا ينبغي أن يكونوا خائفين... على مدار عقود بعد الثورة، ارتكب الأميركيون أخطاء في حساباتهم فيما يتعلق بقضايا إيران، ويجب على الخائفين أن يعيروا اهتماماً كافياً لنقطة الضعف الأساسية والمستمرة في النظام الأميركي».

وقال خامنئي: «بعض الأشخاص يقولون: لماذا تتفاوضون وتتواصلون مع الأوروبيين ولا ترغبون في التواصل والتفاوض مع أميركا؟ أميركا كانت قد امتلكت هذا المكان، لكن تم انتزاعه من قبضتها؛ لذا فإن حقدها على البلاد والثورة هو حقد عميق! ولن تتخلى عنه بسهولة».

وأضاف: «أميركا فشلت في إيران، وهي تسعى لتعويض هذا الفشل».

وطالب خامنئي بالتركيز على العمل الإعلامي والدعائي لمواجهة الولايات المتحدة. وقال: «اليوم، فهم الأميركيون جيداً أنه لا يمكنهم تحقيق أهدافهم باستخدام الأدوات العسكرية فقط»، وأشار إلى «زيادة الأميركيين للبرمجيات الدعائية».

وأشار خامنئي إلى الحرب في غزة، وكذلك اغتيال أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، وقال: «انظروا إلى ما حدث في غزة، قتلوا هذا العدد الكبير من الناس؛ دبابات، مدافع، قنابل، رشاشات، طائرات مسيرة. قتلوا جميع العناصر، لكنهم لم يتمكنوا من القضاء على الحركة... وقاموا بتدمير العديد من العناصر، لكنهم لم يتمكنوا من تدمير (حزب الله)، ولن يستطيعوا ذلك. لذا يجب عليهم العمل عبر الوسائل الإعلامية الناعمة، يجب عليهم القيام بالدعاية».

وقال: «هذه نقطة مهمة لنا، نحن الشعب الإيراني. العمل الإعلامي الناعم هو اختلاق الأكاذيب لخلق فجوة بين الواقع وتصورات الرأي العام. أنتم تتقدمون بقوة لكنهم يروّجون أنكم تضعفون...هم يضعفون لكنهم يروجون أنهم يصبحون أقوى. أنتم تصبحون غير قابلين للتهديد، وهم يقولون إنهم سيقضون عليكم بالتهديدات. هذه هي الدعاية. وهناك من يتأثرون بها».

وقال: «اليوم، العمل الأساسي والمهم للأجهزة الإعلامية لدينا، للأجهزة الثقافية، للدعاية، لوزارة الثقافة والإعلام، لإذاعتنا وتلفزيوننا، ولنشطائنا في الفضاء الإلكتروني، هو أن يمزقوا وَهْم قوة العدو، أن يكسروا هذا الوهم، وألا يسمحوا لدعاية العدو بالتأثير على الرأي العام».

وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قد أدلى بتصريحات مماثلة عن أهمية الإعلام، وذلك خلال مؤتمر لـ«الحرس الثوري»، الثلاثاء.

وقال عراقجي: «إلى جانب الميدان (الأنشطة الإقليمية لـ«الحرس الثوري») والدبلوماسية، يوجد محور ثالث يسمى الإعلام».