هل تؤسس قنوات التحريض التلفزيونية للتطرف وتنمي الإرهاب؟

في ظل تكاملها مع قنوات التواصل الاجتماعي

هل تؤسس قنوات التحريض التلفزيونية للتطرف وتنمي الإرهاب؟
TT

هل تؤسس قنوات التحريض التلفزيونية للتطرف وتنمي الإرهاب؟

هل تؤسس قنوات التحريض التلفزيونية للتطرف وتنمي الإرهاب؟

عرّفت المادة الأولى من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، الصادرة عن مجلس وزراء الداخلية العرب في عام 1998، الإرهاب بأنه «كل فعل من أعمال العنف والتهديد به، أيا كانت بواعثه وأغراضه، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر».
تعريف شامل، يلخص كذلك المجالات التي تسهم في وأد روح الإرهاب قبل تشكله، وتبرز منها المجالات الأمنية والدينية والتعليمية والإعلامية، ويعد المجال الأخير الأكثر بروزا منذ أكثر من أربعة أعوام وتنقّل شعلة الثورات العربية في بعض الجمهوريات العربية.
محور الإعلام بتركيبته الشاملة، كان ولا يزال وسيظل المؤثر الأساسي في المجتمعات، منه ومن خلاله تساق كل الخطابات، وتصنع تأثيرها على المدى الطويل، ومع صعود نجم تنظيم داعش الإرهابي، زادت سخونة الأجواء وتأثير خطابه المرئي على فئة الشباب.
والتأم شمل أهداف التنظيم مع بعض الخطابات السابقة والحالية حول علاقة السنة والشيعة معا، خاصة في منطقة الخليج، فمع تعدد القنوات التلفزيونية التي يصنفها المتابعون «طائفية» والمدعومة من بعض شخصيات سنية وشيعية؛ كلٌ في خندقه، تظهر بوادر الانقسام، وإلقاء اللوم حول تلك الخطابات الممنهجة حتى أضحى «داعش» بعيدا عن التهمة وماهية أهدافه.
إضافة إلى ذلك، تبرز في الخليج قنوات مناطقية وأخرى قبلية، تشحذ حماسة الانتماء وتعكر العلاقة بين أطياف مجتمعية، جعلت من صغار السن اليوم من يستذكر تاريخ قبيلته في أزمنة القهر القديمة، ويجعلها معيشة في زمن تتسابق فيه الأمم على صنع الحضارات وعمارة الأرض، متجاوزة تواريخ الدم.
وتصعد مع القنوات المبثوثة أمام المشاهد، ما يصنفه بعض من المتابعين بـ«القنوات الهادفة» وهي ذات توجه إسلامي يرى بعضهم أن خطابها ومنهجها لا يخلو من بعض التشابه مع قنوات تأسست على تغذية الطائفية وعبر رجال دين ذوي خطاب أحادي.
في السعودية، التي تواجه معارك فكرية بشكل مستمر نتيجة الخطاب الديني الذي تمثله بعض الشخصيات والمرجعيات، تجد القنوات التلفزيونية حضورا ليس على الشاشة فحسب، بل حتى عبر قنوات التواصل الاجتماعي الذي تعد رمزا لما تبثه القنوات.
ووفقا لمعلومات تحصلت عليها «الشرق الأوسط»، فإن هيئة الإعلام المرئي والمسموع السعودية تعمل بموجب «لائحة» وفقا لنظام المطبوعات والنشر بانتظار صدور نظامها الجديد، الذي سيمكنها من تحقيق غاياتها، مما دفعها إلى رفع تقارير عن منهج بعض القنوات بغية تشذيبها؛ منها قنوات بث مرئية وأخرى مسموعة وفقا للوائح البث والإنتاج والتوزيع عبر كل الوسائل التقليدية والجديدة، وفقا لمنهجها بتنظيم المحتوى الإعلامي المرئي والمسموع والمقروء.
وسبق للهيئة إغلاق قنوات تمس الوحدة الوطنية، منها قنوات دينية وأخرى مناطقية وقبلية، كان آخرها مكتب قناة «وصال» التي تبث من خارج السعودية، في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، وتتخذ مكتبا لها في الكويت كذلك قبل أن يتم إغلاقه على خلفية تفجير جامع الإمام الصادق الذي ذهب ضحيته 27 شخصا وأكثر من مائتي جريح، وتقف وراء تمويل القناة بعض الشخصيات الدينية المعروفة بتحريضها ضد الشيعة.
عن ذلك، قال الدكتور فايز الشهري، عضو مجلس الشورى السعودي وعضو لجنة الثقافة والإعلام، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن الخطاب الإعلامي المباشر للقنوات التلفزيونية لا يوثر مباشرة على الرأي العام، كونه موزع على فضاء واسع، وتحتكر القنوات الإخبارية 80 في المائة من التأثير.
وأضاف الشهري أن خطورة القنوات الطائفية والتحريضية المؤدلجة هي في استخدامها مقاطع تحمل شعار القناة، أو شيخا، أو رمزا للطائفة، تشعل من خلالها الشبكات الاجتماعية، وتكون مساهمة في إثارة الطوائف الإسلامية، وأن الاختلاف بين المذاهب موجود منذ القدم، لكن آثاره كانت محدودة عبر التاريخ، بينما ساهم الجو السياسي العام في الدول العربية على التركيز على الاختلافات وبثها بصورة التحريض، وهو مما استدعى من بعض الشباب الخليجي استقطاب تلك الأزمات وسط ما يعيشونه من رخاء مقارنة ببعض الدول العربية.
ورأى الدكتور فايز، صاحب الخبرة الأمنية في المجال الإعلامي، أن الاتفاق على المشتركات، وبناء مشروع مع الفرق الإسلامية بعضها مع بعض، وتعزيز المشتركات الإنسانية مع العالم، سيسهم في توضيح صورة الإسلام الحقيقية، وعدّ أن علاج التطرف في المنطقة العربية يمر بمراحل عدة، أوجزها في احتواء الشباب و«معالجة البطالة التي يشكو منها كثير من الدول العربية، ورد المظالم، وتخفيف مظاهر القهر اليومي».
ورأى الباحث السياسي الكويتي الدكتور صالح السعيدي خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن التطرف ومكافحته، لا يلتزم بالتقليدية في سبل المعالجة؛ ومنها الإعلام، وعدّ أن استراتيجية تنظيم القاعدة كانت تركز على صراع الحضارات، بينما أراد تنظيم «داعش» جذب الشباب إليه وترويج خطابه من خلال صراع المذاهب.
وأرجع السعيدي ما تعرضت له السعودية والكويت على وجه الخصوص خلال الأيام الماضية، إلى محاولة جر البلدان المدنية نحو صراع طائفي، ورأى أن الإعلام لا يعد بالجانب الأعمق في بلورة ذلك التطرف، محملا دولا غربية مسؤولية تنمية الطائفية «من خلال سكوتهم عن إرهاب (الحشد الشعبي) والنظام السوري، وهي أنظمة نمّت الصراع الطائفي وجسدته بكثافة عبر خطابها الإعلامي».
بينما رأى الكاتب الكويتي الدكتور صالح السعيدي أن علاج التطرف يرتكز على تجديد طريقة الخطاب والنظر بشمولية أكثر في معالجة ذلك، مبينا أن القضاء على إرهاب الدول التي تنمي المذهبية خاصة في سوريا والعراق سيدمر كل التشكلات الطائفية ويقضي على الجماعات الإرهابية.
وفي ضوء تطور الإعلام الاجتماعي وتأثيره، تشكلت مطالبات اجتماعية بإقرار وتفعيل منظومة تعنى بالإعلام والأمن الوطني، تعتمد القضاء على ثالوث: التطرف، والغلو، والإرهاب. وتفعيل المرجعيات الدينية والاجتماعية، وفتح قنوات التواصل مع الشباب العربي، في ظل ما يستهدف الدول العربية من حملات إعلامية بغية تدمير وحدة الأوطان والتعايش فيها.
يذكر أن عددا من الجهات القضائية المصرية تنظر في عدد من القضايا المرفوعة ضد أكثر من 32 قناة من القنوات ذات التوجه الطائفي تدعمها بعض رؤوس الأموال التابعة للجمهورية الإيرانية وجمهورية العراق، التي تبث عبر أقمار «نايل سات» المملوكة لشركة الأقمار الصناعية في مصر، والعاملة بموجب ترخيص استثماري تبث من خلاله أكثر من 730 قناة.
وتظهر القضايا التي تترقب الحكم؛ في ظل موجة إفلاس بعض القنوات الدينية، رغم أن قيمة بث قناة عبر «نايل سات» لا تتعدى 20 ألف دولار شهريا، ومنها قنوات تعود لبعض رجال الدين يُصنف بعضهم على أنهم أصحاب خطاب تأجيجي.
ووسط ذلك الزخم الكبير من الانفتاح الإعلامي، يظل الإعلام وسيلة أمنية يرى الأمنيون في الدول العربية أن يقوم بدوره تجاه مكافحة الخطابات المؤدلجة التي تضر بالشعوب، عبر تقنين حرية التعبير وتطوير أدائها في مواجهة المد، وينصع التأثير ليس فقط للنقل، واتخاذ الفعل قبل رد الفعل، والتصدي لكل الحملات، مع نشر ثقافة التسامح والوسطية خاصة بين الشباب.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.