من الميدان: العمل الصحافي في أفغانستان مغامرة حقيقية قد تخسر فيها الحياة

تفاصيل متشابكة بين العنف والدم تجعل حياة الصحافي في شوارع كابل شبه مستحيلة («الشرق الأوسط»)
تفاصيل متشابكة بين العنف والدم تجعل حياة الصحافي في شوارع كابل شبه مستحيلة («الشرق الأوسط»)
TT

من الميدان: العمل الصحافي في أفغانستان مغامرة حقيقية قد تخسر فيها الحياة

تفاصيل متشابكة بين العنف والدم تجعل حياة الصحافي في شوارع كابل شبه مستحيلة («الشرق الأوسط»)
تفاصيل متشابكة بين العنف والدم تجعل حياة الصحافي في شوارع كابل شبه مستحيلة («الشرق الأوسط»)

منذ أن قررت قبل تسع سنوات اللحاق بركب الإعلاميين الأفغان والأجانب الذين يقومون بتغطية الأحداث الأفغانية اليومية وتداعياتها، كنت أعرف جيدا أن هذه المهنة هي مهنة المتاعب والصعوبات، ولا تخلو من المخاطر الجمة، خصوصا في بلد مثل أفغانستان حيث القانون والسلاح ينتشر في كل مكان، رغم مساعي القوات الدولية والمجتمع الدولي مساعدة الأفغان للخروج من تبعات الحرب وآثارها الكارثية التي أثرت سلبا على حياة وسلوكيات المواطن الأفغاني».
ورغم أن الإعلام ليس من تخصصي، فإن شوقي ورغبتي لهذه المهنة كانت سببا في خوض غمار العمل الصحافي في أفغانستان ما بعد طالبان، إذ انتعشت فيها آمال الأفغان بمستقبل أفضل بعد ما تدفقت إليهم المساعدات المالية للدول المانحة، عملت مع عدة مؤسسات إعلامية محلية وأجنبية وقد كسبت تجارب غنية من خلال تغطية الأحداث اليومية التي تقع في أفغانستان، وما أكثرها، خصوصا العمليات العسكرية التي تشنها جماعة طالبان والجماعات المسلحة الأخرى، ومن الواضح أن هذه التغطية للأحداث أثرت سلبا على نمط حياتي كإنسان بعد ما شاهدت المجازر وأشلاء تتناثر للإنسان الأفغاني، سوء كانت لمنفذ الهجوم أو ضحاياه الذين يسقطون بشكل يومي ضمن حرب مجهولة لا أحد يعرف حقيقة الأهداف من ورائها وإلى متى ستستمر».
سافرت إلى كثير من الولايات الأفغانية لعمل تقارير إنسانية من يوميات الإنسان الأفغاني البسيط بكل أطيافه وانتمائه العرقي، ولاحظت أنه لا تغيير كبيرا حدث في ظروف المعيشة للمواطن العادي، وأن أولوياته غير أولويات الحكومة المركزية في كابل، حيث يبحث عن الأمن والسلام المفقودين، مررت بتجارب مؤلمة خلال عملي الإعلامي في أفغانستان؛ ففي عام 2007 وأثناء تغطية عملية عسكرية شنتها القوات الأميركية على بلدة في شمال شرقي أفغانستان قيل لنا من قبل أهالي المنطقة في ذلك الوقت إن جميع الضحايا من جراء العملية الجوية هم المدنيون العزل، خلافا لرواية القوات الأميركية التي قالت للصحافيين إن القتلى من مسلحي طالبان، قررت الذهاب بعدها إلى المنطقة لتغطية ما وقع، والوصول إلى المعلومة الصحيحة، وأثناء العودة من المنطقة تم اعتقالي مع زملاء آخرين من قبل القوات الأميركية لعدة ساعات بحجة أننا ذهبنا إلى منطقة خارج سيطرة الحكومة وأنها تخضع لطالبان، وبعد تحقيق طويل وشامل تم إخلاء سبيلي، لكن بعد مصادرة جميع الصور والمقابلات التي أجريتها مع أهالي المنطقة الذين تحدثوا على الضحايا المدنيين والخسائر المالية التي لحقت بهم من جراء العملية العسكرية.
وفي عام 2009، وقعت حادثة مخيفة في حياتي لن أنساها، حيث رأيت الموت بعيني ونجوت بأعجوبة، وفي التفاصيل مجموعة مسلحة تابعة لطالبان هاجمت قلب العاصمة كابل عقب تنفيذ عمليات تفجيرية استهدفت عدة مواقع حكومية قرب القصر الجمهوري، توجهت إلى مكان الاشتباكات للوقوف حول حقيقة ما يجري، وكانت أصوات الرصاص هي المسيطرة على أجواء كابل في ذلك اليوم، اقتربت من حاجز أمني للشرطة التي قالت إنه لا يُسمح بالاقتراب أكثر من هذه النقطة. بسبب الرصاص الطائش والخوف من توسع المعارك توقفت عند نقطة التفتيش للشرطة وأنا أستمع إلى أصوات الرصاص وتبادل إطلاق النار بين مجموعة مسلحة تحصنت في مبنى تجاري، ومن هناك كانت تطلق قذائف «آر بي جي» على مقرات أمنية والقصر الجمهوري، بينما كانت عناصر الأمن الأفغاني تطوق المكان وتحاول السيطرة على المبنى، والقضاء على المسلحين، فجأة توجهت سيارة الإسعاف إلى نقطة أمنية تابعة للجيش الأفغاني قرب مقر الخارجية الأفغانية وسط كابل، لا يبعد عن مسرح الأحداث سوى بضعة أمتار لكن عناصر الجيش رفضوا السماح للسيارة بالمرور، مشيرين إلى سائقها إلى المكان الذي أقف فيه مع الشرطة لتمر من هناك، توجهت سيارة الإسعاف باتجاهنا، قلت للمصور: لنقترب منها لنصور إذا كان بداخلها جرحى أو قتلى الهجوم، اقتربنا منها كثيرا، وأنا أرى وجه سائق السيارة جيدا، وهو شاب في العشرين من عمره، سأله الشرطي لماذا يتجول هو في الشوارع ولا يحمل أي جريح أو قتيل من جراء الاشتباك المستمر بين طالبان وقوات أمنية، وإلى أي مستشفى ينتمي، مكث قليلا ثم أشار إلى حزام ناسف كان يرتديه، فقال إن أمامنا أربع ثوان حتى نبتعد من المكان، لأنه كُشف أمره، وهو سيفجر الحزام والسيارة الملغمة. حينها نطقت بالشهادتين، وقلت في نفسي إنها نهاية الحياة، صرخ الجميع بإرادة أو بلا إرادة، وكان الانتحاري صادقا حين قال أمامنا أربع ثوان. ابتعدنا عن المكان ليفجر سيارة الإسعاف التي كان بداخلها ولم يلحق أي ضرر بالشرطة أو الصحافيين الذين كانوا في الموقع، كانت هذه أخطر تجربة عشتها خلال سنوات من تغطيتي للأحداث في أفغانستان.
الوصول إلى المعلومة الصحيحة في بلد مثل أفغانستان وتغطية أداء الحكومة والوزراء والمسؤولين الآخرين ليسا أقل خطورة على حياة الصحافي الميداني من خطورة الحرب الحالية في هذا البلد، فكثير من الوزراء والمسؤولين الحكوميين متورطون في عمليات الفساد المنتشرة في البلاد، ولهم علاقات متينة مع مافيا الاقتصاد، وعند الإشارة إلى فسادهم أو نشر المعلومات التي تدينهم قد يفقد الصحافي في أفغانستان حياته بسهولة دون أن يخضع القاتل للمساءلة القانونية أو يثبت انتماؤه إلى أي جهة، حيث شهدت السنوات العشر الماضية حوادث قتل وضرب طالت الصحافيين الأفغان والأجانب في مختلف المناطق الأفغانية.
مشكلات وصعوبات كثيرة وتحديات أمنية نواجهها أثناء التغطية الإعلامية، رغم أن أفغانستان تعتبر أفضل بكثير من الدول في المنطقة من ناحية حرية الرأي والبيان وإيصال المعلومة، لكن كل ذلك يبقى في الأوراق في كثير من الأحيان والحالات، ونواجه تضييقا في العمل ليس من قبل المسلحين فقط وإنما من قبل الشرطة وعناصر الأمن الذين يقومون بممارسات القيود والتضييق على العمل الصحافي الميداني في أفغانستان، خصوصا مع تصعيد الجماعات المسلحة من أنشطتها العسكرية لهذا الموقع القتالي في البلاد.
مع ذلك تبقى أفغانستان رغم مضي أربع عشرة سنة من رحيل نظام طالبان أكثر المناطق خطورة للصحافيين، وهم يجازفون بحياتهم من أجل إيصال المعلومة والخبر الصحيح إلى المشاهد أو المستمع حول العالم، ويبدو أن السنوات المقبلة ستكون أكثر خطورة، بعد الأنباء التي تتحدث من حضور مقاتلي «داعش» في أكثر من ثلاث ولايات أفغانية، وتزايد المعارك بين طالبان و«داعش» من جهة، وبين الجماعات المسلحة التي تسعى للإطاحة بالحكومة في كابل والجيش الأفغاني من جهة ثانية.



«نتفليكس» و«باراماونت» تتسابقان لشراء «ورنر بروس»

epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue.  EPA/HANNIBAL HANSCHKE
epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue. EPA/HANNIBAL HANSCHKE
TT

«نتفليكس» و«باراماونت» تتسابقان لشراء «ورنر بروس»

epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue.  EPA/HANNIBAL HANSCHKE
epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue. EPA/HANNIBAL HANSCHKE

تعيش هوليوود واحدة من أكثر لحظاتها اضطراباً منذ عقود، بعدما تحوّلت صفقة الاستحواذ على «ورنر بروس ديسكفري» إلى مواجهة مفتوحة بين عملاق البث «نتفليكس» من جهة، والتحالف الذي تقوده «باراماونت – سكاي دانس» برئاسة ديفيد إليسون (نجل مؤسس «أوراكل» الملياردير لاري إليسون)، المدعوم بثروات هائلة وشبكة نفوذ سياسية، من جهة أخرى.

ورغم أن ظاهر المعركة تجاري بحت، فإن جوهرها يتجاوز حدود صناعة الترفيه ليصل إلى توازنات القوة الإعلامية في الولايات المتحدة، وإلى مقاربات البيت الأبيض التنظيمية، وربما حتى إلى علاقة الرئيس دونالد ترمب بعدد من هذه المؤسسات.

Paramount, Netflix and Warner Bros logos are seen in this illustration taken December 8, 2025. REUTERS/Dado Ruvic/Illustration

أهمية «ورنر بروس»

تعد «ورنر بروس» إحدى أثقل القلاع الثقافية والإعلامية في العالم. فإلى جانب تاريخها السينمائي العريق، تمتلك الشركة واحدة من أضخم مكتبات المحتوى التي تضم أعمالاً من «هاري بوتر» و«دي سي كوميكس» و«غيم أوف ثرونز»، إضافة إلى شبكة «إتش بي أو» ومحفظة تلفزيونية واسعة. والسيطرة عليها تمنح مالكها ثلاث ركائز جوهرية:

• محتوى ضخم عالي القيمة قادر على تغذية منصات البث لعقود مقبلة.

• حقوق بث وتوزيع دولية تتيح توسعاً كبيراً في الأسواق العالمية.

• تكامل رأسي كامل يجمع بين الإنتاج والتوزيع والبث، ويخلق قوة سوقية استثنائية.

من هنا، فإن فوز «نتفليكس» أو «باراماونت» بالاستوديو يعني تغيّراً جوهرياً في المشهد العالمي، وظهور كيان يتجاوز في وزنه معظم الشركات الإعلامية الحالية.

"باراماونت" تخوض سباقاً مع "نتفليكس" لشراء "ورنر بروس" (أ.ف.ب)

صفقة نتفليكس و«قلق» البيت الأبيض

أعلنت «نتفليكس» قبل أيام التوصل إلى اتفاق مبدئي لشراء معظم أصول «ورنر بروس ديسكفري» مقابل 83 مليار دولار (عرضت فيها 27.75 دولار للسهم)، مع إبقاء «سي إن إن» والقنوات الإخبارية والرياضية ضمن شركة مستقلة تدعى «ديسكفري غلوبال».

عدّ كثيرون الخطوة منطقية: توحيد أكبر منصة بث في العالم مع واحد من أضخم الاستوديوهات، ما يخلق عملاقاً يصعب منافسته. لكن العامل السياسي دخل ساحة المعركة بقوة. فقد صرّح الرئيس ترمب بأنه سيكون «منخرطاً» في تقييم الصفقة، ملمّحاً إلى أن الحصة السوقية لـ«نتفليكس» قد تشكل «مشكلة».

ورغم ثنائه على تيد ساراندوس، الرئيس التنفيذي المشارك للمنصة، فإن تلويحه بالتدخل التنظيمي ألقى ظلالاً من الشك على الصفقة، خصوصاً أن عرض «نتفليكس» يجمع بين النقد والأسهم، ما يعرّضه لتدقيق احتكاري واسع.

باراماونت.. عرض «عدائي» ونقد أكثر

لم تتأخر «باراماونت – سكاي دانس» في الرد. فبعد ساعات من إعلان «نتفليكس»، أطلقت عرضاً عدائياً مباشراً للمساهمين بقيمة 108.4 مليار دولار، وبسعر 30 دولاراً للسهم، أي أعلى بكثير من عرض منافستها.

ويمتاز عرض «باراماونت» بأنه أكثر نقداً وتمويلاً مباشراً، مدعوماً من ثروة عائلة إليسون وصناديق «ريدبيرد» و«أفينيتي بارتنرز»، إضافة إلى ثلاثة صناديق سيادية عربية (السعودية، الإمارات، قطر) تشارك بتمويل بلا حقوق حوكمة. ووفقاً لمصادر في الشركة، فإن عرضها «أكثر يقيناً وسرعة في التنفيذ»، مقارنة بعرض «نتفليكس» الذي يتوقع أن يواجه تدقيقاً احتكارياً وتنظيمياً معقداً.

البعد السياسي للصراع

على الرغم من محاولة الطرفين الظهور وكأن معركتهما تجارية بحتة، فإن السياسة حاضرة بكل ثقلها. ويلعب جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترمب، دوراً محورياً بصفته شريكاً مالياً في عرض «باراماونت» عبر «أفينيتي بارتنرز». وتحدثت تقارير بريطانية عن وعود من «باراماونت» بإجراء تغييرات جذرية في «سي إن إن» في حال فوزها، وهو ما يمنح الصفقة بعداً سياسياً حساساً.

في المقابل، ينتقد ترمب «باراماونت» و«سي بي إس» التابعة لها بسبب خلافات مع برنامج «60 دقيقة». ومع ذلك، صعّد ترمب هجومه المباشر على «سي إن إن»، مطالباً بتغيير مالكيها كجزء من أي صفقة لبيع «ورنر». وقال في اجتماع بالبيت الأبيض: «لا أعتقد أنه يجب السماح للأشخاص الذين يديرون (سي إن إن) حالياً بالاستمرار. يجب بيعها مع باقي الأصول». كما أكد أنه سيشارك بنفسه في قرار الموافقة على الصفقة، في خروج غير مألوف عن الأعراف التنظيمية.

هذا التناقض يكشف عن صراع مفتوح على النفوذ الإعلامي، قد يؤثر على القرار النهائي أكثر من معايير الاحتكار ذاتها، رغم أن اكتمال أي من الصفقتين، سيؤدي إلى ولادة عملاق إعلامي فائق.

منصتان فائقتان

اندماج «نتفليكس ورنر بروس» سيخلق أكبر منصة بث ومكتبة محتوى في العالم، تفوق «أمازون برايم» و«ديزني» مجتمعتين في حجم الاشتراكات والمحتوى الأصلي والحقوق. أما اندماج «باراماونت ورنر بروس» فسيكوّن أكبر استوديو سينمائي - تلفزيوني متكامل، يضم «سي بي إس» و«باراماونت» و«إيتش بي أو» و«سي إن إن» (في حال لم تُفصل)، ما يجعله النسخة الحديثة من «استوديو هوليوودي شامل». وسيعد الكيان الناتج عن أي من الصفقتين الأكبر عالمياً في مجال الإعلام والترفيه، لكن بدرجات مختلفة: «نتفليكس» ستتربع على قمة البث، و«باراماونت» على قمة الإنتاج التقليدي والخبري.

لكن المخاطر كبيرة أيضاً. فوفق محللين، قد يبتلع الاستوديو إدارة «نتفليكس» ويستهلك طاقاتها، بينما يخشى البعض من تراجع نوعية المحتوى إذا خضعت المكتبة الضخمة لمنهج المنصة القائم على الكميات الكبيرة.

ويتفق خبراء على أن كلا العرضين يواجه عوائق تنظيمية ضخمة، لكن الخطر الأكبر ليس تنظيمياً، بل سياسي، كما قال وليام باير، المدير السابق لقسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل. وقال لصحيفة «واشنطن بوست»: «المشكلة الحقيقية هي إن كانت القرارات ستُبنى على اعتبارات قانونية أم على مصلحة الرئيس».

بالنسبة لمحطة «سي إن إن» التي يناهضها ترمب علناً، فستكون مع عرض «نتفليكس»، جزءاً من شركة منفصلة لديها استقلال أكبر، بعيداً عن الصراع السياسي. وهو ما يعدّه كثير من العاملين فيها مخرجاً آمناً، بعد تخوفهم من احتمال أن تقود «باراماونت»، المتجهة نحو توجّهات محافظة، عمليات تغيير واسعة فيها. ومع ذلك، من الناحية الاقتصادية، سيكون مستقبل «سي إن إن» في شركة صغيرة تحدياً قد يقود إلى تقشف أكبر.

وفي النهاية، قد تكون القرارات السياسية هي العامل الحاسم في تحديد من سيضع يده على إرث «ورنر بروس» العريق.


قرارات «يوتيوب» حول «مراقبة المحتوى» تثير جدلاً متصاعداً

شعار «يوتيوب»         (د.ب.أ)
شعار «يوتيوب» (د.ب.أ)
TT

قرارات «يوتيوب» حول «مراقبة المحتوى» تثير جدلاً متصاعداً

شعار «يوتيوب»         (د.ب.أ)
شعار «يوتيوب» (د.ب.أ)

أثارت قرارات «يوتيوب» بشأن «مراقبة المحتوى» بالاعتماد على «نظام الإشراف القائم على الذكاء الاصطناعي في المنصة»، جدلاً متصاعداً بين صُنّاع المحتوى، بعد تكرار حالات الإغلاق المفاجئ لقنوات بـ«تهم الممارسات الخادعة وعمليات الاحتيال»، دون ردود واضحة من المنصة حول الأسباب. إذ يأتي الرد على الطعون بشكل «نمطي جاهز»، مما يعرّض قنوات بارزة للاختفاء بعد سنوات من الجهد.

واللافت أن بعض حالات حجب القنوات انتهت باستعادتها بعد لجوء صُنّاع المحتوى إلى إثارة «ضجة» على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، حسبما رصد «سيرش إنجين جورنال». من جانبها، نفت «يوتيوب»، عبر مدونتها، اتهامات «عدم الدقة»، وقالت إنها «لم ترصد أي مشكلات واسعة النطاق في قرارات إغلاق القنوات، وإن نسبة صغيرة فقط من إجراءات الإنفاذ يتم التراجع عنها».

ويرى المتخصص في الإعلام الرقمي بالإمارات، تاج الدين الراضي، أن «يوتيوب» منصة لها استراتيجية خاصة مقارنةً بالمنصات الأخرى. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «(يوتيوب) ارتبطت بالمحتوى الغني والعميق والفيديو الطويل، ومن ثم فإن أي تطوير في المنصة يجب ألا يخترق هويتها». وأضاف أن «(يوتيوب) ليست منصة تصفّح سريع بلا مضمون، فما يميزها هم صُنّاع محتوى استثمروا وقتاً وجهداً وإنتاجاً».

وعن توسّع «يوتيوب» في استخدام الذكاء الاصطناعي في «مراقبة المحتوى»، قال الراضي: «هذا الاتجاه من (يوتيوب) هو أمر مفهوم في إطار تطوير إدارة المنصة، لكن بشرط أساسي، ألا يتحول الذكاء الاصطناعي إلى نسخة جديدة من (السباق وراء السرعة) على حساب جوهر (يوتيوب)». وأشار إلى أن «أي نموذج رقابي آلي يحمل هامش خطأ عالي المستوى، وعملياً قد لا يكون عادلاً، وهنا تكلفة الخطأ كبيرة، لأنها منصة مهنية أكثر منها منصة عبور سريع».

وأثار الراضي خلال حديثه شعوراً بـ«عدم الأمان لدى صُنّاع المحتوى على (يوتيوب)» وتأثير هذه القرارات على الاستثمار في المنصة. وقال إن «مناخ عدم الأمان يدفع (اليوتيوبرز) نحو محتوى أكثر تحفظاً وأقل عمقاً، ويضعف استعدادهم للاستثمار طويل الأمد في (يوتيوب)، لأن مستقبلهم يصبح مرهوناً بقرار آلي غير متوقع».

وتحدث موقع Dexerto الإنجليزي عن حالة صانع محتوى يملك آلاف المشتركين، تم حظره بسبب تعليق لصانع المحتوى كتبه من حساب آخر عندما كان عمره 13 عاماً. ولاحقاً اعتذرت «يوتيوب» وأبلغته أن الحظر كان خطأ من جانبها.

وأعلنت «يوتيوب» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن برنامج تجريبي باسم «الفرص الثانية» يسمح لبعض المبدعين بإنشاء قنوات جديدة إذا استوفوا شروطاً محددة، وكانت قنواتهم قد أُغلقت منذ أكثر من عام، إلا أن البرنامج لا يعيد الفيديوهات أو المشتركين المفقودين.

من ناحية أخرى، أشار الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب»، نيل مواهان، في مقابلة مع مجلة «تايم»، في ديسمبر (كانون الأول) الجاري، إلى «نية الشركة توسيع أدوات الإشراف بالذكاء الاصطناعي». وقال إن «(يوتيوب) ستمضي قدماً في توسيع الإنفاذ بالذكاء الاصطناعي رغم مخاوف المبدعين».

ويعتقد الصحافي المصري، المدرّب المتخصص في الإعلام الرقمي، معتز نادي، أن النموذج الأنسب ليس اختياراً بين مراجعة بشرية أو شفافية خوارزميات تعلن عنها منصة «يوتيوب»، بل معادلة هجينة تجمع أيضاً الذكاء الاصطناعي. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ذلك يتحقق من خلال الفرز أولاً وفق معايير واضحة، لكن مع مراجعة بشرية إلزامية تشرح سبب المخالفات والبنود التي تعرضت للانتهاك في السياسة الخاصة بالموقع وكيفية تقديم استئناف (ضد قرارات الحظر)».

وتعليقاً على تصريح رئيس «يوتيوب» بأن الشركة ستواصل توسيع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، قال معتز نادي إن «العلاقة المقبلة مع صُناع المحتوى ستكون على المحك، فالمنصة تريد الـAI (الذكاء الاصطناعي) لأنه سلاحها لتنقيح كل المحتوى في ظل العدد الهائل من الحسابات».

وأضاف أن «صُنّاع المحتوى أمام سيناريو مواصلة العمل على منصة (يوتيوب) للحصول على مزيد من الأرباح والانصياع لسياساتها وبنودها، أو التفكير في الهجرة لمنصة تواصل اجتماعي أخرى، لكن يبقى هاجس المكاسب حاضراً، فالكل يبحث عن زيادة موارده، والكنز هنا هو الجمهور بعدد مشاهداته، ومن ثم سيكون الربح هو لغة التعامل بينهما».


بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
TT

بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)

أقفل الإعلامي اللبناني الراحل بسّام برَّاك باب العربية الفصحى وراءه ومشى. أصدقاؤه وزملاؤه، عندما تسألهم من يرشحون لحمل إرثه، يردّون: لا أحد. حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه. أبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. ألقابه ترتبط ارتباطاً مباشراً بها، وهي كثيرة. فهو «الأستاذ» و«المعلّم» و«عاشق اللغة» و«حارسها». كثيرون من أهل الإعلام والصحافة يعدّونه شخصية لن تتكرر في لبنان. وكان برَّاك قد رحل بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز الـ53 عاماً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

حالة العشق هذه لم يكن يخفيها عن أحد. يفتخر بإجادة العربية وبالتحدث بها في أي مكان ومناسبة. حتى عندما يحاور أولاده في البيت كان يتكلّم معهم بالفصحى، وهو على يقين بأن زرع بذور العربية في أعماقهم، لا بدّ أن تتفتّح براعمها عند الكبر.

الإعلامية لينا دوغان رافقته في مشوار إعلامي طويل (الشرق الأوسط)

جائزة بسام برَّاك للغة العربية

حلم الإعلامي الراحل بتنظيم جائزة يكرّم من خلالها اللغة المغرم بها. فهو تربّى في منزل يهوى أفراده، من والدين وأخوة، العربية. نشأ على حبها والإعجاب بها. حاول أكثر من مرة إطلاق الجائزة، غير أن ظروفاً عاكسته. وعندما أصابه المرض وبدأت صحته تتراجع، أوصى زوجته دنيز بأن تنفذها بعد مماته.

تقول دنيز لـ«الشرق الأوسط»: «كان يطرب للعربية فيقرأها بنهم، ويتحدث بها بشغف. كانت فكرة الجائزة تراوده دائماً. وعندما مرض أوكل هذه المهمة لي. وسنعلن عن هذه الجائزة في الذكرى السنوية الأولى لوفاته، ونقدمها لمن يستحقها».

المناسبة الثانية التي سيتم تكريم بسام برَّاك خلالها تقام في 18 ديسمبر (كانون الأول)، ويصادف اليوم العالمي للغة العربية. تنظّم مدرسة العائلة المقدسة التي كان أستاذ الصفوف العربية فيها، يوماً كاملاً لاستذكاره.

كان الراحل برّاك يلقب بـ"عاشق اللغة العربية وحارسها" (الشرق الأوسط)

بسام الزميل الخلوق

عندما تسأل أصدقاء الراحل بسام برَّاك عنه تأتيك أجوبة متشابهة، وجميعها تصب في خانة «الزميل الخلوق». يؤكدون كذلك أنه إعلامي متميّز بشدة حبّه للعربية الفصحى.

الإعلامية لينا دوغان التي رافقت برَّاك في مشوارٍ مهني طويل، تعدّه مثلها الأعلى في اللغة العربية. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كان دقيقاً جداً في ملاحظاته للأخطاء في العربية. فعندما تسمع أذنه أي لفظ أو إلقاء أو خطأ يقترفه مذيع أخبار، يبادر إلى تصحيحه بشكل تلقائي».

وعن التأثير الذي تركه بسام على الذاكرة الجماعية من خلال اللغة، تردّ: «لقد قام بخطوة استثنائية في هذا الخصوص. أطلق مسابقة (الإملاء باللغة العربية). ووضع حجر الأساس للغة نحكيها، ولا نجيد قواعدها ولا كتابة ألفاظها. حتى أنه كان من النادر جداً في المسابقة المذكورة، أن ينجح أحد فيها، مع أن المتسابقين من الطراز الأول، ويتألفون من دكاترة واختصاصيين في العربية، إضافة إلى أدباء ووزراء ونواب».

تروي لينا دوغان أنه لبالغ ولعه بالفصحى، كان يتكلمها مع أطفاله. «تخيلي كان عندما يتوجه لابنه الصغير الذي يؤدي بالفرنسية أغنية طفولية معروفة (Tape les mains) يقول له: (صفّق صفّق). كان حارساً للغة، يعدّها أساسية في هويتنا العربية». وتضيف: «لقد كان إعلامياً مثقفاً جداً ومهذباً، خلوقاً. وهو ما بتنا نفتقده اليوم في مهنتنا».

وعما تعلّمته منه تردّ: «الكثير وأهمها الدقّة في العمل. ولا سيما قراءة النص أكثر من 10 مرات كي أتقّن إذاعته. كما تعلمت منه المثابرة في العمل. فبسام كان يملك تقنية إلقاء مثالية. ومرات كثيرة يرتجل مباشرة على المسرح في مناسبة يطلب منه تقديمها».

الإعلامي جورج صليبي كان رفيق دربه في المهنة وفي حب فيروز (الشرق الأوسط)

فيروز ألهمته فرحل وهو يردد «إيماني ساطع»

علاقة وطيدة كانت تربط بين بسام برَّاك والسيدة فيروز. وكان يردد بأنه عشق العربية من خلالها. كان صوتها يلهمه للبحث في هذه اللغة، وكذلك إتقان مخارج الحروف وعملية تحريك النص. آخر مشوار للقائها، قام به بمناسبة تقديم التعازي لفيروز بوفاة نجلها زياد الرحباني، رافقه فيه زميله وصديقه الإعلامي جورج صليبي. وتشير زوجته دنيز إلى أنه كان على علاقة وثيقة بـ«سفيرتنا إلى النجوم». «كانا يتبادلان الهدايا في المناسبات، ومن بينها ربطة عنق أوصاني بأن يرتديها عندما يرحل. وكان يزورها بين وقت وآخر. أما أغنيتها (إيماني ساطع) فقد بقي يسمعها حتى لحظاته الأخيرة». وتتابع: «صوت فيروز كان يرافقنا دائماً، في البيت كما في السيارة، وفي أي مناسبة أخرى. فلا يتعب ولا يملّ من سماعه وكأنه خبزه اليومي».

ولكن من ترشّح زوجته ليكمل طريق بسام في العربية؟ تجاوب: «في الحقيقة لا أعرف من يمكن أن يحمل هذا الإرث. بسام كان يبدي إعجابه بكثيرين يجيدون العربية الفصحى قراءة ولفظاً، ومن بينهم زملاء كالإعلاميين يزبك وهبي وماجد بو هدير وجورج صليبي ومنير الحافي والمؤرّخ الدكتور إلياس القطار وغيرهم، وجميعهم ضليعون بالعربية ويحبونها».

أصدر بسّام برَّاك كتاباً واحداً من تأليفه بعنوان «توالي الحبر»، وتضمن صوراً أدبية كثيرة، وضعها تحت عنوان الحبر، ومن بينها «حبر الحب» و«حبر الوطن» و«حبر فيروز». كما كتب مؤلفاً بعنوان «أسطورة المال والأعمال»، يحكي فيه سيرة عدنان القصار كرجل أعمال وسياسي. والجدير ذكره أن الإعلامي الراحل تأثر كثيراً بأستاذه الراحل عمر الزين. فهو من وضعه على سكة الفصحى المتقنة خلال عمله الإذاعي عبر أثير «صوت لبنان». وعندما رحل الزين أوصى بمنح برَّاك مكتبته المؤلفة من مجلدات ومؤلفات عربية، وكذلك من مدونات، وقصاصات، ورقية وخواطر. واليوم يترك بسام خلفه، إرثين، أحدهما يخصه، والآخر ورثه عن عمر الزين.

صداقة وزمالة وذكريات مع بسام برَّاك

كل من عرف الراحل بسام برَّاك عن قرب من زملاء وأصدقاء، يحدثك عنه بحماس. فالإعلامي يزبك وهبي يعتبره نابغة في مجاله، وكذلك زافين قيومجيان الذي قال عند رحيله إن اللغة العربية أصبحت يتيمة، بينما وصفه الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون بأنه كان «الصحّ دوماً».

حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه، فأبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته

من جهته، يقول زميله جورج صليبي الذي بقي على اتصال به حتى لحظاته الأخيرة، بأنه الزميل الصديق والوفي. كانت تربطه به علاقة مميزة، عمرها 33 سنة، منذ عملهما سوياً في إحدى الإذاعات اللبنانية في أوائل التسعينات. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لجيلنا كان الراحل برَّاك مرجعنا الوحيد للعربية. نتصل به ونستفهم منه حول كيفية تحريك عبارة ما. وحتى عن معنى كلمة تصادفنا لأول مرة. كان موسوعة متنقلة للغة العربية. وأعتبره مقاتلاً شرساً في سبيلها».

ويستطرد صليبي: «كان يبالغ أحياناً في اعتماده الفصحى في أي زمان ومكان. وأذكر مرة عندما أهداني ربطة عنق، اتصلت به لأشكره، قال لي: لا نسميها كرافات أو ربطة عنق، بل (الإربة). فلا أحد يضاهيه في ثقافته وغوصه في هذه اللغة».

ترافق صليبي وبرَّاك في حبّهما لفيروز. الاثنان مولعان بها ويحبان أغنياتها ويحضران حفلاتها، فيلحقان بها أينما كانت حتى خلال تقديمها تراتيل كنائسية. «أول حفلة حضرناها معاً لفيروز، كانت في 17 سبتمبر (أيلول) من عام 1994 وسط بيروت. وبقينا نتذكر هذا التاريخ في موعده من كل عام. فيروز كانت تمثّل له العالم الذي يعشقه تماماً، كما اللغة العربية. وحتى عندما كنا نزورها سوياً، كان يخرج من عندها مفعماً بالفرح والإعجاب».

التقاه صليبي قبل 36 ساعة من وفاته: «حزن كثيراً لمصابه، فمرضه العضال أفقده القدرة على النطق. وهو ما كان يعدّه النقطة الأساسية في مهنته. فكان يحزّ في قلبه كثيراً هذا السكوت الذي ابتلي به وفُرض عليه. المرض أفقده صوته وشغفه بالإلقاء. وكان يعبّر عن هذا الأمر بلوم وعتب. وفي آخر لقاء معه كان شبه فاقد لوعيه، ولا أعرف إذا ما كان يسمعني، أخبرته عن ذكرياتي معه، وعن فيروز وأمور أخرى يحبها».

أما عن إرث بسام برَّاك اللغوي والأدبي، فيعلّق صليبي: «أرشيف غني وضخم، كان يملكه زميلي الراحل بسام. وهو تضاعف بعدما أوصى عمر الزين بتحويل مكتبته الأدبية له بعد رحيله. هذان الإرثان يجب أن يتم الاهتمام بهما من قبل مؤسسة جامعية أو ثقافية، لأن الحفاظ عليهما يفوق قدرة الفرد الواحد».