هوغو لوريس... الجندي المجهول في قصة صعود فرنسا إلى نهائي كأس العالم

أشدنا كثيراً بالنجم الفرنسي كيليان مبابي، وقدراته الفنية الرائعة التي صنعت الفارق أمام المغرب، على الرغم من أنه لم ينجح في هز الشباك. وأشدنا كذلك بأنطوان غريزمان الذي حصل على جائزة أفضل لاعب في المباراة، وكان يصول ويجول في جميع أنحاء المستطيل الأخضر، ويقوم بواجباته الدفاعية والهجومية على النحو الأمثل، كما كان هو من صنع الهدف الأول لفرنسا في مرمى المغرب. وكان الأمر يبدو وكأن غياب أدريان رابيو عن خط الوسط بسبب المرض قد حفز غريزمان كثيراً للوصول إلى مستويات أعلى من التألق والتميز؛ حيث كان يتقدم للأمام لتقديم الدعم الهجومي، كما كان يعود للخلف لاستغلال خبراته الهائلة في مساعدة الثنائي إبراهيما كوناتي ويوسف فوفانا اللذين شاركا بدلاً من رابيو ودايو أوباميكانو.
لكن في ظل الحديث عن نجوم المنتخب الفرنسي -بمن فيهم أوليفييه جيرو ورفائيل فاران– لم ينل هوغو لوريس كثيراً من الإشادة، على الرغم من أن حارس مرمى المنتخب الفرنسي ونادي توتنهام يقدم مستويات استثنائية منذ مشاركته الدولية الأولى في عام 2008، عندما لعب إلى جوار نيكولاس أنيلكا، وويليام غالاس، وتييري هنري، وباتريك فييرا، في المباراة التي انتهت بالتعادل السلبي أمام أوروغواي. وكان المنتخب الفرنسي في ذلك الوقت مختلفاً تماماً عما هو عليه الآن، كما كان المدير الفني لفرنسا آنذاك، ريموند دومينيك، يمر بفترة عصيبة.

لم ينل لوريس كثيراً من الإشادة مثلما نال غريزمان على سبيل المثال (إ.ب.أ)

ومن قبيل الصدفة أن المباراة التالية لفرنسا كانت أمام الأرجنتين، وعلى الرغم من أن لوريس ظل على مقاعد البدلاء، وشارك الحارس ستيف مانداندا في التشكيلة الأساسية، فإن لوريس يقدم مستويات ممتازة مع منتخب بلاده منذ ذلك الحين؛ خصوصاً في كأس العالم الحالية بقطر. صحيح أن الحظ وقف بجانبه بعض الشيء (ارتطمت أكثر من كرة بالقائمين والعارضة) إلا أنه كان عند مستوى الحدث تماماً عندما سيطر المغرب على مجريات اللقاء، وكان قريباً من إدراك هدف التعادل، ولعب دوراً كبيراً في فوز فريقه على «أسود الأطلس» والوصول إلى المباراة النهائية للمونديال، كما كان هو من صنع الفارق في مباراة الدور ربع النهائي أمام إنجلترا.
وفي الدقيقة العاشرة من عمر لقاء المغرب، وبينما كان «أسود الأطلس» يحاولون بقوة العودة في النتيجة بعد تأخرهم بهدف دون رد، تصدى لوريس لكرة خطيرة للغاية من عز الدين أوناحي، كانت كفيلة بتعديل النتيجة. وكانت الجهة اليسرى لفرنسا تعاني من ضعف واضح بسبب غياب رابيو، وقلة خبرة كوناتي وفوفانا، والافتقار إلى الدقة في طريقة لعب ثيو هيرنانديز في بعض الأحيان، والحاجة إلى تمرير الكرات الطولية إلى مبابي، لاستغلال سرعته في المساحات الخالية. وتجب الإشارة إلى أن السبب الرئيسي وراء ظهور الجهة اليسرى لفرنسا بهذا الشكل السيئ يعود إلى التعاون الرائع بين الثنائي المغربي أشرف حكيمي وحكيم زياش اللذين شكلا خطورة كبيرة على منتخب فرنسا. وبالتالي، كان لوريس يظهر في الصورة كثيراً، ويتعرض لكثير من الاختبارات القوية.
وتعرض لوريس لاختبار قوي آخر قبل نهاية الشوط الأول بقليل، عندما تصدى ببراعة لتسديدة جواد الياميق. لقد تفوق لوريس في التعامل مع كل الكرات العالية، كما كان يقود خط الدفاع قليل الخبرة بشكل جيد.
لعب هيرنانديز في التشكيلة الأساسية ظهيراً أيسر بعد إصابة شقيقه؛ وشارك جول كوندي بديلاً لبنجامين بافارد، لإضافة مزيد من الحيوية والحركة؛ لكنه لا يزال يفتقر إلى الخبرة على المستوى الأعلى؛ أما كوناتي فلم يشارك في أي مباراة دولية قبل هذا العام.
صحيح أن الخبرات الكبيرة لرافائيل فاران قد ساعدت خط الدفاع؛ لكن فاران نفسه كان عائداً للتو من الإصابة التي تعرض لها مع مانشستر يونايتد، كما أن أوباميكانو وكوناتي لم يتعرضا لكثير من الاختبارات القوية على المستوى الدولي. وبالتالي، كان خط الدفاع الفرنسي يبدو متوتراً في كثير من الأحيان؛ لكن لوريس من خلفه كان هادئاً ومتزناً، وكان مستواه يتطور بشكل ملحوظ من مباراة لأخرى خلال البطولة.
وكانت المباراة التي فازت فيها فرنسا على المغرب بهدفين دون رد هي المباراة الوحيدة التي خرجت منها فرنسا بشباك نظيفة في كأس العالم الحالية؛ لكن شباك لوريس لم تهتز بأي هدف من اللعب المفتوح منذ مباراة الجولة الثانية في دور المجموعات أمام الدنمارك. لقد أظهرت فرنسا للجميع في بداية مشوارها في البطولة أنها تعتمد في المقام الأول على خط هجومها القوي بقيادة مبابي؛ لكن الفريق أصبح يعتمد على النواحي الدفاعية والقوة البدنية بشكل أكبر خلال مباريات خروج المغلوب، في الوقت الذي كان يلعب فيه لوريس دور البطولة وينقذ فريقه في الأوقات الصعبة.
وعلى الرغم من أن مبابي أو غريزمان قد يفوزان بالكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم، في حال احتفاظ فرنسا بلقب كأس العالم، فإنه لا يجب بأي حال من الأحوال إغفال الدور الحاسم الذي لعبه لوريس الذي أصبح أكثر لاعب فرنسي في التاريخ يلعب في دور الستة عشر لكأس العالم. وإذا نجح المنتخب الفرنسي في الفوز بالمباراة النهائية أمام الأرجنتين اليوم، فإن لوريس سيكون أفضل حارس مرمى في تاريخ المنتخب الفرنسي على الإطلاق، وسيصبح -جنباً إلى جنب مع مبابي واللاعبين الآخرين الذين فازوا بكأس العالم في عام 2018- جزءاً من مجموعة اللاعبين الذين فازوا بكأس العالم مرتين، وهو أول منتخب أوروبي يفعل ذلك منذ أن فازت إيطاليا باللقب مرتين متتاليتين في عامي 1934 و1938.
لكن على الرغم من التألق الواضح للوريس، فلا يزال هناك كثير من الأسئلة التي يجب طرحها قبل المباراة النهائية. من المتوقع أن يعود رابيو وأوباميكانو ويستعيدا لياقتهما البدنية مرة أخرى؛ لكن خلال هذه البطولة كان المدير الفني للديوك الفرنسية، ديدييه ديشامب، يلتزم دائماً بتشكيلته الأساسية في ظل النقص في الخيارات المتاحة على مقاعد البدلاء على ما يبدو. صحيح أن راندال كولو مواني تألق وسجل هدفاً في مرمى المغرب بعد نزوله بديلاً بثوانٍ معدودة؛ لكن فرنسا بدت أقل خطورة بكثير أمام المغرب؛ خصوصاً في ظل تراجع مستوى جيرو. وعلى الرغم من أن جيرو يشكل خطورة كبيرة على الفرق المنافسة في الكرات العالية والالتحامات الهوائية؛ فإنه بدا تائهاً وسط خط دفاع مكون من 3 لاعبين، ولم يتح له كثير من الفرص.
وبمجرد خروج جيرو من الملعب، غيرت فرنسا طريقة اللعب إلى 4-5-1؛ حيث كان مبابي يلعب مهاجماً وحيداً. وعلى الرغم من أن مبابي ساهم بمهارته الكبيرة في الهدف الثاني الذي أحرزه كولو مواني، فإن المنتخب الفرنسي بصفة عامة كان محظوظاً للغاية أمام المغرب، ويجب أن يدرك جيداً أنه سيلعب أمام المنتخب الأرجنتيني الأقوى بكثير؛ خصوصاً في النواحي الهجومية.
وبعد أن تقدمت فرنسا في النتيجة، كان المغرب هو الأكثر استحواذاً على الكرة؛ لكن الهجمات المغربية كانت تتكسر على حدود خط الدفاع الفرنسي المدعوم بمساندة كبيرة من لاعبي خط الوسط الذين يعودون للخلف من أجل القيام بواجباتهم الدفاعية. لقد كانت هذه الطريق جيدة أمام المغرب؛ لكن الأرجنتين لديها لاعبون يمتلكون مهارات وقدرات وفنيات أعلى، كما أنهم أكثر قدرة على استغلال المساحات الخالية.
وعلى الأرجح، ستكون المباراة النهائية اليوم صعبة على حامل اللقب؛ خصوصاً أن المدير الفني ديشامب لا يثق في مقاعد البدلاء، على عكس مقاعد بدلاء المنتخب الأرجنتيني التي يوجد بها -على سبيل المثال- لاعب كبير مثل أنخيل دي ماريا.
وأعتقد أن نتيجة هذه المباراة لن تحسمها الموهبة الكبيرة لمبابي، أو القدرات الرائعة لغريزمان في خط الوسط، أو القوة البدنية الهائلة لجيرو؛ لكن من سيحسمها هو حارس المرمى هوغو لوريس الذي يتسم بالتواضع والهدوء، ويبدو أنه مستعد لإنهاء مسيرته الدولية بالطريقة نفسها التي بدأ بها، بشباك نظيفة ضد المنتخب الأميركي الجنوبي المتألق.
* خدمة «الغارديان»